الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مبحث: أثر تطور المعارف الطبية على الفتوى
بشأن مُفْطِرات الصيام
فرض الله الصوم على عباده وجعله من أركان الإسلام الخمسة. وثبت بالنص تحريم الأكل والشرب والجماع في نهار رمضان، حيث قال تعالى:{فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187].
وأجمع المسلمون على أن هذه الثلاثة تُفْطِر الصائم، وأجمعوا كذلك على أن الحيض والنفاس مما يُفْطِر، وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري من حديث عائشة رضي الله عنها:«ألَيْسَتْ إذا حاضَتْ لَمْ تُصَلِّ ولَمْ تَصُمْ؟»
(1)
.
وهذه الأمور الأربعة هي التي أجمع المسلمون على كونها من المُفْطِرات، ثم ظهر خلاف كثير في غيرها من الأمور التي قيست على هذه الأربعة.
ومن أسباب الخلاف: اختلافهم رحمهم الله في حقيقة الجَوْف الذي يَفسَد الصيام بوصول الأعيان إليه، واختلافهم في المنافذ إلى هذا الجَوْف، وكذلك اختلافهم في فساد الصوم بوصول ما لا يُغَذِّي إلى ذلك الجَوْف، ومسألة استقرار الداخل.
أما الجَوْف والمنافذ التي تؤدي إليه، فإنه لا شك في أن المعارف الطبية الحديثة تلقي المزيد من الضوء عليها وتصحح بعض المفاهيم الخاطئة عند الأطباء المعاصرين للسادة الفقهاء المتقدمين والتي بنى عليها الفقهاء - كما كان ينبغي عليهم - فتاواهم بشأن مُفْطِرات الصيام.
(1)
«صَحِيح البُخَارِيّ» كتاب الحيض، باب ترك الحائض الصوم (1/ 116).
ولعل فقهاءنا القدامى كانوا أسبق منا في بيان أن هذه الأبواب أقرب سببًا للطب منها للفقه حيث قال صاحب «الهِدَايَة» ، الإمام أبو الحسن المَرْغِينانِيّ
(1)
، في معرض كلامه عن التفطير بالقطر في الإحليل:«وهذا ليس من باب الفقه لأنه متعلق بالطب»
(2)
.
فرحم الله فقهاءنا وجزاهم خيرًا على اجتهادهم وحرصهم على متابعة معارف أهل زمانهم، مع تجرد وتواضع ظاهرين.
ونحن سنبين - إنه شاء الله - ما يترجح من فتاوى المتقدمين بهذا الصدد في ضوء المعارف الطبية الحديثة. وسنبدأ بالمقدمة الطبية في المطلب الأول، ثم نناقش قضية الجَوْف في المطلب الثاني، وفي الثالث نناقش مسألة المنافذ.
* * *
(1)
هو: برهان الدين أبو الحسن علي بن أبي بكر بن عبد الجليل الفَرْغَانِيّ المَرْغِينانِيّ، من أكابر فقهاء الحنفية كان حافظًا مفسرًا محققًا أديبًا من المجتهدين، ولد سنة 530 هـ، من تصانيفه:«بِدَايَة المُبْتَدِي في الفقه» ، وشرحه «الهِدَايَة في شرح البداية» ، و «مُنْتَقَى الفُرُوع» ، و «الفرائض» ، و «مناسك الحج» ، و «مختارات النوازل» ، توفي سنة 593 هـ. راجع ترجمته في:«السِّيَر» للذَّهَبِيّ (21/ 232)، «الجَوَاهِر المُضِيَّة» (2/ 627).
(2)
انظر «البَحْر الرَّائق» لابن نُجَيْم (2/ 300).