الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
*
الفرع الثاني: الإثبات في القضاء الوضعي:
هناك عدة مدارس للإثبات في القضاء الوضعي. ولقد اختلف القانونيون في بلاد العالم على ثلاثة مذاهب:
1 -
الأول: الإثبات المطلق، ويذهب إلى عدم تقييد القاضي بطرق معينه للإثبات تاركًا له الحرية الكاملة في اعتماد ما يطمئن له من الأدلة، وهذا النظام متبع في الكثير من القوانين الوضعية الحديثة.
ووجه ترجيح هذا النظام عند أصحابه هو اختلاف طرق الجريمة، وتعدد أساليبها، والأحوال المصاحبة لها، مما يجعل تقييد القاضي بأدلة إثبات محصورة مما يعيقه عن إقامة العدل، ورد الحقوق إلى أصحابها.
ويعاب عليه أنه يؤدي إلى الاضطراب والاختلاف بين قاض وآخر، وكذلك لا يراعي كون القاضي بشرًا قد يحيف في حكمه إذا لم تكن ثمة ضوابط تحكمه.
2 -
الثاني: الإثبات المقيد، ويذهب إلى تحديد أدلة الإثبات للقاضي، وعدم السماح له بتجاوزها. وذلك لضبط العمل القضائي، ودفع التناقض والحيف عنه.
ولكن يعاب على هذه الطريقة تحجيمها للقاضي، وتكبيل يديه في وقت تتعدد فيه وسائل الجريمة وطرق التحايل على القانون، بالإضافة إلى جعل وظيفة القاضي آلية حتى أنه قد يقضي بالشيء وهو يغلب على ظنه خطؤه.
3 -
الثالث: الإثبات المختلِط: وهو يحدد أدلة الإثبات غير أنه يوسع دائرتها ويجعل للقاضي حق الترجيح بين مختلف الأدلة والقرائن، وقد يقيده في بعض الأحوال أكثر من بعض. ويرمي هذا المذهب إلى الجمع بين حسنات المذهبين السابقين.
والذي ينبغي الإشارة إليه أن الإثبات المطلق والمختلِط هما اللذان يجري العمل بهما في أغلب الأنظمة القضائية
(1)
، وأن التقدم في الإثبات بالخبرة، سواءٌ عن طريق الطب الشرعي أو خبراء التحقيق الجنائي في شتى التخصصات، جعل نظام الإثبات المقيد يتراجع أمام المطلق والمختلِط اللذين يراعى فيهما رأي الخبير.
وليس الإثبات المطلق رخصة للقاضي أن يحكم بما يشتهي، فإن أحكامه تراجع وقد تنقض إذا كان قد خالف في حكمه المنطق السليم في النظر في الأدلة والترجيح بينها. وقد يكون نظام الإثبات المختلِط الذي توضع فيه ضوابط للقاضي تمنعه من الشَّطَط من غير تكبيل يديه هو الأقرب إلى المنطق السليم
(2)
.
* * *
(1)
انظر بحث «حجية الدليل المادي في الإثبات دراسة مقارنة بين الفقه الإسلامي والقانون الجنائي المصري» لشحاتة عبد المطلب أحمد (ص 13).
(2)
«مجلة مجمع الفقه الإسلامي» بحث «القرائن في الفقه الإسلامي على ضوء الدراسات القانونية المعاصرة» ، للمستشار محمد بدر المنياوي (3/ 47).