الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الأول: التعريف بالخنثى
في اللغة: الخُنْثَى: الذي لا يخلص لذكر ولا أنثى، والخنثى: الذي له ما للرجال والنساء جميعًا، والجمع خَنَاثَى، مثل الحَبَالَى. والانْخِناث: التثني والتكسر. وخَنِث الرجل خَنْثا، فهو خَنِث، وتخنث، وانخنث: تثنى وتكسر
(1)
.
ولعل التعريف الاصطلاحي لا يختلف عن التعريف اللغوي، فقد جاء في الموسوعة الفقهية:«الخنثى الذي خلق له فرج الرجل وفرج المرأة»
(2)
وكذلك إذا لم يكن له أي منهما
(3)
.
ولقد فرقوا في الموسوعة بين الخنثى والمُخَنَّث، فعرفوا المخنث بمن فيه تكسر وتَثَنٍّ وتشبه حركاته حركات النساء خَلْقًا أو تَخَلُّقا. وبذلك يكون المخنث أعم من الخنثى.
والذي نبحثه هو المعنى الخاص أي عيب الخلق بفتح الخاء لا الخلق بضمها وننتقل الآن إلى حقيقته الطبية.
الحقيقة الطبية للخنثى
(4)
:
قبل أن أتعرض لكلام الفقهاء عن تمييز جنس الخنثى أعرض الحقيقة الطبية للخنثى في فقرتين حتى يكون القارئ على بينة من أمر الخنثى في الطب، ومن ثم قادرًا على الحكم على اجتهادات الفقهاء والترجيح بينها أو ربما رد بعضها.
(1)
«لِسَان العَرَب» لابن مَنْظُور (2/ 145).
(2)
«المَوْسُوعَة الفِقْهِيَّة» (36/ 264 - 265).
(3)
«المُغْنِي» لابن قُدامة (6/ 221).
(4)
باختصار وتصرف من بحث الخنثى للدكتور محمد علي البار بكتاب «الطبيب: أدبه وفقهه» (ص 307 - 323)؛ وكذلك بكتابه «خلق الإنسان بين الطب والقرآن» (ص 451 - 475)؛ وانظر: Nelson Textbook of Pediatrics، 15 th Ed. 1640 - 1645
الفقرة الأولى: التمايز الجنسي في مرحلة الجنين:
أ- المستوى الصبغي (الكروموسومي)(Chromosomal Sex) :
وهذا يتحدد - بأمر الله سبحانه وتعالى عندما يلقح حيوان منوي يحمل كروموسوم (Y) أو حيوان منوي يحمل كروموسوم (X) البُيَيْضَة التي تحمل دائمًا كروموسوم (X). فتكون البُيَيْضَة الملقحة إما (X Y) أي جنينًا ذكرًا أو (X X) أي جنينًا أنثى.
ب- المستوى الغددي (Gonadal Sex):
وهذا يتحدد - بإذن الله تعالى - في الأسبوع السادس والسابع من التلقيح. وهذه الغدد هي التي تفرز الهرمونات التي تتحكم في المستوى الأخير.
ج- مستوى الأعضاء التناسلية:
والأعضاء التناسلية ظاهرة وباطنة؛ والباطنة في الأنثى هي المِبْيَضان والرحم وقناتا الرحم والمَهْبِل، وأما الباطنة في الذكر فهي الحبل المنوي والحويصلة المنوية والبروستاتا.
وتكون هذه الأعضاء غير متمايزة حتى الأسبوع التاسع، ثم يبدأ التمايز البطيء الخفي في الأسبوع التاسع، ثم يتضح وينجلي في الأسبوع الثاني عشر.
ويسير خط نمو الأعضاء التناسلية الظاهرة والباطنة في اتجاه الأنثى إلا إذا وجدت كمية من هرمون الذكورة التستوسترون (Testosterone) الذي تفرزه الخُصْيَة، منذ أن تتكون أي منذ نهاية الأسبوع السادس، والذي يحدد مسار الأعضاء التناسلية الظاهرة والباطنة، ولذا فإن إزالة الخُصْيَة من جنين ذكر، أو عدم تكونها يؤدي إلى وجود جهاز تناسلي أنثوي رَغم أن جنس الجنين على مستوى الصبغيات ذكر (XY)، أما إزالة المِبْيَض أو عدم تكونه فإنه لا يؤثر على سير الأعضاء التناسلية التي تسير في اتجاه الأنثى، بل إنه عند وجود كروموسوم (X) واحد فقط كما في حالات ترنر (Turner Syndrome) فإن
الجهاز التناسلي الذي يتكون إنما يكون لأنثى. إذًا أساس الجهاز التناسلي الظاهر والباطن - عدا الغدة التناسلية - يترجح إلى الأنثى، فإذا وجدت الخُصْيَة أو هرمون التستوسترون فإن الجهاز التناسلي يتحول إلى أعضاء ذكرية.
الفقرة الثانية: أنواع الخنثى:
أولًا- الخنثى الحقيقية (True Hermaphrodite) :
إن الخنثى الحقيقية في الإنسان التي تجمع في أجهزتها الخُصْيَة والمِبْيَض نادرة الوجود جدًّا، وقد نشرت مجلة ميديسن دايجست (1980) حالة خنثى حقيقية في الولايات المتحدة، ولديها مِبْيَض واحد وخُصْيَة واحدة، ولقد مارست الجنس كرجل وامرأة بل وحملت ووضعت طفلًا ميتًا. ولم تنجب أطفالًا عندما كانت تقوم بدور الذكر، لأن مثل هذه الحالات في العادة لا تفرز حيوانات منوية إذ تكون الخُصْيَة ضامرة. ولا تعرف حالة غيرها حملت من غير تدخل جراحي.
ثانيًا- الخنثى الكاذبة (Pseudo Hermaphrodite) :
في هذه الحالات تكون الغدة التناسلية إما مِبْيَضًا، أو خُصْيَة، بينما تكون الأعضاء الظاهرة غامضة وعكس ما عليه الغدة التناسلية. وحالات الخنثى الكاذبة ليست شديدة الندرة؛ فهي توجد بنسبة مولود من كل خمسة وعشرين ألف ولادة.
أنواع الخنثى الكاذبة:
1 -
الخنثى التي أصلها أنثى وظاهرها ذكر (Female Pseudo Hermaphrodite).
تكون هذه الحالة أنثى على مستوى الصبغيات (الكروموسومات) الجنسية أي (XX)، وعلى مستوى الغدة التناسلية أي أنها مِبْيَض، ولكن نتيجة إفراز هرمون الذكورة من الغدة الكظرية، أو استخدام هرمونات لها تأثير نحو الذكورة مثل هرمونات البناء (Anabolic Hormones) أو البروجسترون أو بسبب أورام تفرز الهرمونات الذكورية
تصاب بها الحامل
(1)
، فإن خط سير الأعضاء التناسلية الظاهرة يترجح نحو الذكورة، وذلك بنمو البظر نموًّا كبيرًا حتى يشبه القضيب، ويلتحم الشفران الكبيران مما يجعلهما يشبهان كيس الصفن، ولكن هذا الكيس ليس فيه خصيتان.
ولهذا عندما تولد مثل هذه الأنثى، فإن الأهل يظنونها ذكرًا فينشئونها كذلك، فإذا جاءت مرحلة البلوغ ظهرت آثار الأنوثة، وعندئذ ينزعج الأهل ويذهبون بها إلى الأطباء، فيتبين الأمر، ويقوم الأطباء بتحويل أعضائها الظاهرة إلى ما عليه أعضاؤها الباطنة وهي أنثى.
2 -
الخنثى التي أصلها ذكر وظاهرها أنثى (Male Pseudo Hermaphrodite).
قد يكون الجنين ذكرًا على مستوى الصبغيات ومستوى الغدة التناسلية ولكن الجنين يولد بشكل أنثى في أعضائه الظاهرة. وهذه الحالات أندر من سابقتها (الخنثى التي أصلها أنثى وظاهرها ذكر) وترجع هذه الحالات النادرة إلى أحد الأسباب التالية:
أ- حالات تأنيث رَغم وجود الخُصْيَة (Testicular Feminization Syndrome):
وسبب هذه الحالات الوراثية المتنحية عبر كروموسوم Recessive X Linked أو السائدة Autosomal Dominant أن الأعضاء لا تتأثر بوجود هرمون الذكورة (التستوسترون) الذي تفرزه خُصْيَة الجنين، فتسير الأعضاء في خطها المرسوم عند عدم وجود التستوسترون لتكون أعضاء تناسلية أنثوية خارجية، ولكن الرحم غير موجود أو هو ضامر. ومما يزيد في عسر تشخيص مثل هذه الحالة أنه عند البلوغ تظهر علامات الأنثوية الثانوية إلا أنها لا تحيض.
(1)
(Nelson Textbook of Pedratrics، 15 th Ed، P. 1641).
وعند الفحص الطبي الدقيق يكتشف الطبيب أن التركيب الصبغي لهذه المرأة في ظاهرها هو تركيب الرجل (XY)، ثم يجد الخُصْيَة قد نزلت إلى الشفرين، أو في القناة الأربية (Inguinal Canal). ويكون العلاج في هذه الحالة هو إزالة الخُصْيَة التي لم يعد منها فائدة، ويحتمل تحولها إلى ورم خبيث. ولا يخبر الطبيب بأن هذه المرأة (في ظاهرها) هي ذكر في الأصل، بل يتركها على طبيعتها، تلك التي نمت وربيت عليها. ولكن على الطبيب أن يخبر تلك المرأة أن عليها أن لا تتوقع مجيء العادة الشهرية ولا الحمل.
ب- حالات تأنيث بسبب نشاط هرموني من الغدة الكظرية (Feminizing Adrenal Tumor) :
قد ينمو ورم خبيث في الغدة الكظرية، وتفرز فيه هذه الغدة هرمون الأنوثة الإستروجين، والذي قد يطغى ويسبب عدم نزول الخُصْيَة إلى كيس الصَّفَْن، وبالتالي انشقاق الكيس وعدم التحامه، مما يجعله أشبه بالشفرين الكبيرين. ولا ينمو القضيب كذلك، فيبدو وكأنه البظر. وهناك يبدو للأهل أن هذا الوليد إنما هو أنثى، فينمو كذلك ولكن تتغير الأمور عند البلوغ، فتظهر علامات الذكورة من غلظة الصوت ونمو شعر الوجه. ويذهب الأهل إلى الأطباء فيعرفون الحقيقة بعد إجراء مزيد من الفحوص، ويعيدون الفتى إلى وضعه الطبيعي بإجراء بعض العمليات الجراحية.
ج- حالات تأنيث بسبب أخذ الأم لهرمونات الأنوثة أثناء الحمل:
وهذه إذا أخذت الحامل هرمونات الإستروجين، أو مشتقاتها في الأشهر الثلاثة الأولى من الحمل، فإن ذلك قد يؤدي إلى حصول حالة شبيهة بالسابقة.
* * *