الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2 - تبدأ الحياة الإنسانية بنفخ الروح عند اليوم الأربعين أو حواليه:
فإنه عندها يتم جمع الخلق نطفة ثم علقة ثم مضغة ويُرسلُ المَلَكُ إليه. وقبل الخوض في مناقشة مستند هذا القول، ينبغي أن نذكر أن هناك قضيتين بينهما ارتباط من جهة وانفكاك من أخرى، ألا وهما قضيتا تمام المراحل الأولى من تخليق الجنين أي النطفة والعلقة والمضغة وقضية نفخ الروح. أما الارتباط فهو أن حديث ابن مسعود رضي الله عنه وغيره - يشير إلى أن نفخ الروح يكون بعد انتهاء المراحل الثلاث والتي يظهر من رواية زيد بن وَهْب رحمه الله عن ابن مسعود رضي الله عنه أنها تنتهي عند المائة والعشرين يومًا من الإخصاب.
وعليه، فإن العلماء ذهبوا إلى أن نفخ الروح إنما يكون بعد المائة والعشرين يومًا، فيصعب عندها أن نخطئ انتهاء المراحل عند المائة والعشرين ونصوب نفخ الروح عندها. أما الانفكاك، فهو أننا لو قلنا بأن عبارة الحديث- لا أصله- فيها شيء من السقط أو الاضطراب، فيمكن أن يقال إن ما فهم من الحديث من أن الروح تنفخ عند المائة والعشرين يبقى على حاله - سيما إن كان إجماعًا - ويتم البحث في القضية الأخرى وهي انتهاء مراحل التخليق الثلاث الأولى. وقد يؤيد هذا القول أنه لا تلازم بين انتهاء هذه المراحل ونفخ الروح، بل إن نفخ الروح يحتاج إلى تسوية كما قال تعالى:{ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ} [السجدة: 9] ولا شك أن الجنين عند انتهاء هذه المراحل لا يمكن وصفه بأنه استوى.
بعد هذه المقدمة، فلنشرع في بيان ومناقشة مستند القول بأن بداية الحياة الإنسانية تكون عند الأربعين.
1 -
ما رواه مسلمٌ رحمه الله من حديث حُذَيفة بن أَسِيد رضي الله عنه يَبْلُغُ به الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «إذا مَرَّ بِالنُّطْفَةِ اثنتان وَأَرْبَعُونَ لَيْلَةً بَعَثَ الله إِلَيْهَا مَلَكًا فَصَوَّرَهَا وَخَلَقَ سَمْعَهَا وَبَصَرَهَا وَجِلْدَهَا وَلَحْمَهَا وَعِظَامَهَا ثُمَّ قال: يا رَبِّ أَذَكَرٌ أَمْ أُنْثَى؟ فيقضي رَبُّكَ ما شَاءَ وَيَكْتُبُ الْمَلَكُ ثُمَّ يقول: يا
رَبِّ أَجَلُهُ؟ فيقول رَبُّكَ ما شَاءَ وَيَكْتُبُ الْمَلَكُ ثُمَّ يقول: يا رَبِّ رِزْقُهُ؟ فيقضي رَبُّكَ ما شَاءَ وَيَكْتُبُ الْمَلَكُ؛ ثُمَّ يَخْرُجُ الْمَلَكُ بِالصَّحِيفَةِ في يَدِهِ فلا يَزِيدُ على ما أُمِرَ ولا يَنْقُصُ»
(1)
.
2 -
وفي رواية أخرى عن حذيفة رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّ النُّطْفَةَ تَقَعُ في الرَّحِمِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ يَتَصَوَّرُ عليها الْمَلَكُ - قال زُهَيْرٌ حَسِبْتُهُ قال الذي يَخْلُقُهَا - فيقول: يا رَبِّ أَذَكَرٌ أو أُنْثَى؟ فَيَجْعَلُهُ الله ذَكَرًا أو أُنْثَى ثُمَّ يقول: يا رَبِّ أسوي أو غَيْرُ سويٍّ؟ فَيَجْعَلُهُ الله سَوِيًّا أو غَيْرَ سَويٍّ ثُمَّ يقول: يا رَبِّ ما رِزْقُهُ؟ ما أَجَلُهُ؟ ما خُلُقُهُ؟ ثُمَّ يَجْعَلُهُ الله شَقِيًّا أو سَعِيدًا»
(2)
.
وقد يجاب على ذلك بأن الحديث ليس فيه إشارة إلى نفخ الروح، ويمكن أن تكون للملك زَورتان، زَورة هنا وأخرى بعد المائة والعشرين وهي التي تنفخ فيها الروح. وبذلك يجمع بين الحديثين حيث الإعمال أولى من الإهمال، ولا يصار إلى رد أي خبر من أجل آخر إلا بعد تعذر الجمع. وبهذا الجمع فسر ابن القَيِّم رحمه الله التعارض بين ظاهري الحديثين فقال بشأن ذكر وقوع التقدير هنا وفي حديث ابن مسعود رضي الله عنه:«غاية ما فيه أن التقدير وقع بعد الأربعين الأولى وحديث ابن مسعود يدل على أنه وقع بعد الأربعين الثالثة وكلاهما حق قاله الصادق صلى الله عليه وسلم، وهذا تقدير بعد تقدير، فالأول تقدير عند انتقال النطفة إلى أول أطوار التخليق التي هي أول مراتب الإنسان، وأما قبل ذلك فلم يتعلق بها التخليق. والتقدير الثاني عند كمال خلقه ونفخ الروح. فذلك تقدير عند أول خلقه وتصويره وهذا تقدير عند تمام خلقه وتصويره»
(3)
.
وأجاب عن التعارض بين الحديثين من حيث التخليق والتصوير فقال:
(1)
«صَحِيح مُسْلِم» كتاب القدر، باب كيفية خلق الآدمي في بطن أمه (4/ 2037).
(2)
«صَحِيح مُسْلِم» كتاب القدر، باب كيفية خلق الآدمي في بطن أمه (4/ 2038).
(3)
«التِّبيَان في أقسَام القُرآن» لابن القَيِّم (1/ 217 - 218).
«فإن قيل فما تصنعون بحديثه الآخر الذي في «صَحِيح مُسْلِم»
…
«إذا مر بالنطفة ثنتان وأربعون ليلة بعث الله إليها ملكا فصورها وخلق سمعها وبصرها وجلدها»
…
قيل نتلقاه أيضا بالتصديق والقبول وترك التحريف. وهذا يوافق ما أجمع عليه الأطباء أن مبدأ التخليق والتصوير بعد الأربعين
(1)
فإن قيل فكيف التوفيق بين هذا وبين حديث ابن مسعود وهو صريح في أن النطفة أربعين يوما نطفة ثم أربعين علقة ثم أربعين مضغة، ومعلوم أن العلقة والمضغة لا صورة فيهما ولا جلد ولا لحم ولا عظم؟ وليس بنا حاجة إلى التوفيق بين حديثه هذا وبين قول الأطباء، فإن قول النبي صلى الله عليه وسلم معصوم وقولهم عرضة للخطأ، ولكن الحاجة إلى التوفيق بين حديثه وحديث حذيفة المتقدم. قيل لا تنافي بين الحديثين بحمد الله، وكلاهما خارج من مشكاة صادقة معصومة. وقد ظن طائفة أن التصوير في حديث حذيفة إنما هو بعد الأربعين الثالثة، قالوا وأكثر ما فيه التعقيب بالفاء، وتعقيب كل شيء بحسَبه، وقد قال تعالى:{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً} [الحج: 63] بل قد قال تعالى: {ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا} [المؤمنون: 14] وهذا تعقيب بحسب ما يصلح له المحل، ولا يلزم أن يكون الثاني عقيب الأول تعقيب اتصال. وظنت طائفة أخرى أن التصوير والتخليق في حديث حذيفة في التقدير والعلم، والذي في حديث ابن مسعود في الوجود الخارجي. والصواب يدل على أن الحد ما دل عليه الحديث من أن ذلك في الأربعين الثانية، ولكن هنا تصويران: أحدهما تصوير خفي لا يظهر، وهو تصوير تقديري كما تصور حين تفصل الثوب أو تنجر الباب مواضع القطع والتفصيل، فيعلم عليها ويضع مواضع الفصل والوصل، وكذلك كل من يضع صورة في مادة لا سيما مثل هذه الصورة ينشئ فيها التصوير والتخليق على التدريج شيئا بعد شيء لا وهلة واحدة كما يشاهد بالعِيان في
(1)
لا يصح نقله رحمه الله لإجماع الأطباء هنا، ولو صح لم يلزمنا إجماع أطباء عصره.
التخليق الظاهر في البيضة. فهاهنا أربع مراتب: أحدها تصوير وتخليق علمي لم يخرج إلى الخارج، الثانية مبدأ تصوير خفي يعجز الحس عن إدراكه، الثالثة تصوير يناله الحس ولكنه لم يتم بعد، الرابعة تمام التصوير الذي ليس بعده إلا نفخ الروح»
(1)
.
وهذه أجوبة عبقرية تليق بعلامة بقدر الإمام ابن القَيِّم رحمه الله، ولكنني لا أجدها شافية بالنسبة لقضية الخلق والتصوير، فإن الله عز وجل يقول:
والآية واضحة في كون العظام تتكون بعد المضغة، لذا قال القاضي عِياض رحمه الله فيما نقله عنه الحافظ ابن حَجَر رحمه الله:
(2)
.
فالقاضي - ويوافقه في ذلك ابن القَيِّم وابن حَجَر - ينطلق من أن المضغة إنما تكون في الأربعين الثالثة، فلزم أن نتأول حديث حذيفة، وفهمه رحمه الله للآية حسن وتقريره لتعذر الجمع بين الآية وحديثي حذيفة وابن مسعود وجيه، إلا أن الذي ينبغي أن يُتَأَوَّل هو لفظ حديث ابن مسعود عند البخاري لا حديث حذيفة، فالحِسُّ يقضي، بإجماع الأطباء، أن الجنين الذي سقط عند مائة يوم له عظامٌ ورأسٌ وفقراتٌ وأذرعٌ وأرجلٌ بل
(1)
«التِّبيَان في أقسَام القُرآن» لابن القَيِّم (1/ 217 - 218).
(2)
«فَتْح البَارِي» لابن حَجَر (11/ 484).
وأصابعُ، كما يفيده حديث حُذَيفة. فهذه العظام التي ترى في الجنين الذي سقط بعد الأسبوع السابع، هل نقول إنها ليست عظامًا ونكذب الحس؟ هذا لا يستقيم، فإن أهل السنة لا يهملون مسلَّمات العقول ودلائل الحس، بل يأخذون بما توجبه بديهة العقل وأوائل الحس ويؤولون ظواهر النصوص التي تخالف ذلك إن صحت
(1)
.
• فإن نحن قبلنا دليل الحس، وهي أن ابن سبعة الأسابيع له عظام، ثم أخبرنا القرآن أن العظام تخلق بعد المضغة، لظهر لنا أن المراحل الثلاث الأولى تنتهي عند انتهاء الأربعين الأولى على ما هو واضح في حديث حذيفة رضي الله عنه الذي يوافق ظاهر القرآن وباقي الروايات ودليل الحس. وهذا هو الحق الذي لا لبس فيه بالنسبة لمسألة التصوير والتخليق. لكن الحديث بلفظه هذا لم يشر إلى نفخ الروح، وليس من مانعٍ أن يكون التخليق يبدأ في التسارع بعد انتهاء المراحل الثلاث الأولى، فإذا استوى خلق الإنسان بعد مضي أربعة الأشهر تنفخ الروح فيه.
إلا أن لحديث حُذَيْفةَ روايةً فيها أن نفخ الروح يكون في هذه الزيارة بعد الأربعين الأولى، جاء في «السنة» لابن أبي عاصم
(2)
رحمه الله: «ثنا أبو مسعود الجَحْدري ثنا مُعْتَمر ابن سليمان ثنا أبو عَوَانَة عن عَزْرة بن ثابت الأنصَارِيّ حدثني يوسف المَكِّي عن أبي الطُّفيل قال: كان عبد الله بن مسعود يحدث في المسجد أن الشقي من شقي في بطن أمه والسعيد من وعظ بغيره، قال [القائل أبو الطُّفيل] فأتيت حُذَيفة بن أَسِيد الغفاري،
(1)
انظر تفصيل ذلك (ص 52).
(2)
هو: أبو بكر أحمد بن عمرو بن أبي عاصم الضَّحَّاك بن مَخْلَد الشَّيبانِيّ، ويقال له ابن النبيل، عالم بالحديث، زاهد رحالة من أهل البصرة ولد سنة 206 هـ، وولي قضاء أصبهان سنة 269 هـ، وتوفي سنة 287 هـ له نحو 300 مصنف، منها:«المسند الكبير» ، «الآحاد والمثاني» ، وكتاب:«السنة» و «الديات» و «الاوائل» . قيل: ذهبت كتبه بالبصرة في فتنة الزنج فأعاد من حفظه خمسين ألف حديث راجع ترجمته في: «السِّيَر» للذَّهَبِيّ (13/ 430)، «شَذَرَات الذَّهَب» (1/ 195).
فقلت ألا تعجب من عبد الله بن مسعود يحدث في المسجد: إن الشقي من شقي في بطن أمه والسعيد من وعظ بغيره؟ قال: فما بال هذا الطُّفيل الصغير؟ قال: لا تعجب، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم مرارًا ذات عددٍ يقول: إنَّ النُّطْفَةَ إذا وَقَعَت في الرَّحِمِ أَرْبَعين لَيْلَة - وقالَ أصْحَابِي خَمْسَةً وأربعينَ ليلة - نُفِخَ فيه الرُّوحُ؛ قال: فَيَجِيءُ مَلَكُ الرَّحِمِ فَيَدْخُلُ فَيُصَوِّرُ لَه عَظْمَهُ ولَحْمَهُ ودَمَهُ وشَعْرَهُ وبَشَرَهُ وسَمْعَهُ وبَصَرَهُ؛ ثُم يَقُول: أي ربِّ أذَكَرٌ أم أُنْثَى فَيَقْضِي اللهُ إلَيْهِ فِيه ويَكْتُبُ المَلَكُ؛ فَيَقُولُ: أي رَبِّ أشَقِيٌ أم سَعِيد فَيَقْضِي اللهُ إلَيْه ما يَشاء ويكتُبُ المَلَكُ؛ ثُم يقول: أي أثره فيَقْضِي الله تعالى ويَكْتُبُ المَلَكُ؛ فيقول: أي ربِّ أَجَلُه فيَقْضِي الله ما يَشَاء ويَكْتُبُ المَلَكُ؛ ثُم تُطْوَى تِلْكَ الصَّحِيفَة فلا تُمَسُّ إلى يَوْمِ القِيامَة»
(1)
.
ولقد ذكرت الحديث بسنده لخطورته ولكونه خارج الصحيحين فيحتاج إلى إثبات صحته، سيما إذا كان يترتب عليه ترجيحُ قولٍ في مسألةٍ ذات خطر.
وبدايةً فإن الشيخ ناصر الدين الألبَانِيّ رحمه الله قد صحح سنده كما في ظلال السنة
(2)
.
أما صحة السند، فلا شك في ذلك، فإن أبا مسعود رحمه الله هو إسماعيل بن مسعود الجحدري أخو الصلت، قال ابن أبي حاتم رحمه الله: «إسماعيل بن مسعود أبو مسعود الجحدري أخو الصلت بن مسعود؛ روى عن معتمر وخالد بن الحارث؛ كتب عنه أبي؛ يعد في البصريين؛ سمعت أبي وأبا زرعة يقولان ذلك؛ قال وسئل أبي عنه فقال
(1)
«السُّنَّة» لابن أبي عَاصِم (1/ 79).
(2)
انظر ظلال الجنة في تخريج «السُّنَّة» لابن أبي عَاصِم (ص 179) لمحمد ناصر الدين الألبَانِيّ، المكتب الإسلامي، الطبعة الأولى، 1400 وقال الشيخ الألبَانِيّ «إسناده صحيح على شرط الشيخين» ويوسف المكي هو ابن ماهك بن بهزاد وأما أبو مسعود الجحدري هو إسماعيل بن مسعود البَصْرِيّ وهو ثقة.
صدوق»
(1)
وقال الذَّهَبِيّ رحمه الله: «إسماعيل بن مسعود الجحدري
…
ثقة توفي 248»
(2)
.
ومعتمر بن سليمان رحمه الله إمام كبير، قال الحافظ ابن حَجَر رحمه الله:«معتمر بن سليمان التَّيْمِيّ أبو محمد البصري يلقب الطُّفيل؛ ثقة من كبار التاسعة؛ مات سنة سبع وثمانين، وقد جاوز الثمانين»
(3)
ووثقه ابن أبي حاتم رحمه الله في «الجَرْح والتَّعْدِيل»
(4)
ونقل فيه توثيق أبيه رحمه الله له وكذلك يحيى بن معين رحمه الله.
أما أبو عَوَانَة رحمه الله، فقال فيه الحافظ رحمه الله:«وضَّاح بتشديد المعجمة ثم مهملة؛ اليشكري بالمعجمة، الواسطي البزاز أبو عَوَانَة، مشهور بكنيته؛ ثقة ثبت من السابعة؛ مات سنة خمس أو ست وسبعين»
(5)
. وذكره ابن حِبَّان رحمه الله في «الثقات»
(6)
وفي «تَذْكِرَة الحُفَّاظ»
(7)
وثقه، ونقل عن يحيى القطان رحمه الله قوله:«ما أشبه حديثه بحديث شعبة وسفيان» ويكفي هذا شرفًا، إلا أنه نقل عن أحمد رحمه الله أنه ربما يَهِم إذا حدَّث من غير كتاب.
وعزرة بن ثابت رحمه الله «ثقة من السابعة» كما في «تقريب التهذيب»
(8)
ووصفه ابن حِبَّان رحمه الله بأنه كان متقنًا وهو من رجال البخاري ومسلم - رحمهما الله
(9)
.
(1)
«الجَرْح والتَّعْدِيل» لابن أبي حاتم (2/ 200).
(2)
«الكَاشِف في مَعرِفَة من له رِوايَة في الكُتُب السِّتَّة» للذَّهَبِيّ (1/ 249).
(3)
«تَقرِيب التَّهذِيب» لابن حَجَر (1/ 539).
(4)
«الجَرْح والتَّعْدِيل» لابن أبي حاتم (8/ 402).
(5)
«تَقرِيب التَّهذِيب» لابن حَجَر (1/ 580).
(6)
«الثِّقَات» لابن حِبَّان (7/ 562).
(7)
«تَذْكِرَة الحُفَّاظ» للذَّهَبِيّ (1/ 236).
(8)
«تَقرِيب التَّهذِيب» لابن حَجَر (1/ 390).
(9)
انظر «الثِّقَات» لابن حِبَّان (7/ 299).
ويوسف بن ماهك رحمه الله: هو المكي، قال في «الكاشف» «ثقة توفي 113 هـ»
(1)
. وفي «التقريب» : «ثقة من الثالثة»
(2)
. وذكر أنه من رجال البخاري.
وعمر بن واثلة أبو الطفيل رضي الله عنه ولد عام أحد كما في التقريب
(3)
. ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر رضي الله عنهما، فهو صحابي لا يحتاج إلى تعديل أحد بعد الله تعالى.
إن سند هذا الحديث إذًا لا مطعن عليه فهو متصل برواية الثقة عن مثله إلى منتهاه، وهو كما أفاد الألبَانِيّ رحمه الله على شرط الشيخين، ولكن الألبَانِيّ ترك الحكم على الحديث وتكلم عن السند فقط، ولعله فعل ذلك لأن روايات الحديث الكثيرة الأخرى من طريق أبي الطفيل عن حذيفة ليس فيها ذكر نفخ الروح، ولم أقع على رواية فيها ذكر نفخ الروح إلا تلك التي أخرجها ابن أبي عاصم رحمه الله. لذلك فإن زيادة لفظة نفخ الروح هنا شاذة، وعلى أقل تقدير فإن من يرمي بالشذوذ رواية زيد بن وَهْب عن عبد الله بن مسعود التي في البخاري لا يسعه إلا أن يرد هذه الزيادة التي نحن بصددها الآن.
• أما من الناحية الطبية، فإن الحكم بنفخ الروح لا شأن للطب فيه، ولكن هناك إشارات لوقوع ذلك الحدث، ومنها الحركة الإرادية والإحساس، ولقد سبق معنا في المقدمة الطبية أن الحركة تبدأ في وقت مبكر جدًّا، وتكون مركبة كمص الأصابع بعد اثني عشر أسبوعًا؛ ولكن يصعب الجزم بأنها إرادية، وإن ظهرت إشارات نشاط قشرة المخ في ذلك الوقت مما يمكن أن يرجح أن هذه الحركات إرادية. وعند وجود نشاط في قشرة المخ، فإن ذلك يعني إمكانية وجود أحاسيس، وبالفعل، فإن الجنين يتفاعل مع محيطه الخارجي في تلك الأثناء.
(1)
«الكاشف» للذَّهَبِيّ (2/ 400).
(2)
«تَقرِيب التَّهذِيب» لابن حَجَر (1/ 611).
(3)
«تَقرِيب التَّهذِيب» لابن حَجَر (1/ 288).
ويُشكِل على ما تقدم أن هناك مناطقَ هامةً لوظائفِ الحياةِ لم تكتمل كمنطقة المهاد في الدِّمَاغ، كذلك فالطفل، كما تقدم في المقدمة الطبية، لا يمكن إنقاذه إذا ولد دون العشرين أسبوعًا (140 يومًا من الإخصاب)، وهو لم يستو خلقه بعد الأربعين الأولى ليكون صالحًا لاستقبال الروح. يقول ابن القيم رحمه الله عن الروح:«جسم مخالف بالماهية لهذا الجسم المحسوس، وهو جسم نوراني علوي خفيف حي متحرك ينفذ في جوهر الأعضاء ويسري فيها سريان الماء في الورد وسريان الدُّهْن في الزيتون والنار في الفحم. فما دامت هذه الأعضاء صالحة لقبول الآثار الفائضة عليها من هذا الجسم اللطيف، بقي ذلك الجسم اللطيف ساريا في هذه الأعضاء وأفادها هذه الآثار من الحس والحركة الإرادية. وإذا فسدت هذه بسبب استيلاء الأخلاط الغليظة عليها وخرجت عن قبول تلك الآثار، فارق الروح البدن وانفصل إلى عالم الأرواح»
(1)
.
ووجه ذلك من الوحي قوله سبحانه: {ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} [المؤمنون: 14].
وقوله عز وجل: {ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ} [السجدة: 9].
فانظر كيف جعل الخلق الآخر - والذي يُقصَد به الآدَمِيّة - بعد كل مراحل التكوين، ثم إنه جعل التسوية سابقة للنفخ.
(1)
«الرُّوح» لابن القَيِّم (ص 225).