الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الرابع: حكم العدوان على فرج المرأة
إن الإسلام هو دين العدل والإحسان وحفظ الحقوق وإنصاف المظلوم، ولقد اتفق فقهاؤنا على أن الإضرار بالمرأة بقطع شفريها جناية توجب الدِّيَة أو القِصاص إن كان ممكنًا. وذهب ابن حَزْم إلى القِصاص أو المفاداة دون الدِّيَة. ولقد عللوا ذلك بأن في قطع الشفرين إذهابا لمنفعة التلذذ بالجماع وتشويهًا لعضو المرأة.
وهذا عرض ملخص لأقوالهم رحمهم الله:
قول السادة الحنفية:
قال ابن عَابِدِين رحمه الله: «(قوله وكذا فرج المرأة) قال في الخلاصة ولو قطع فرج المرأة وصارت بحال لا تستمسك البول ففيه الدِّيَة. اهـ. وفي التتارخانية: ولو صارت بحال لا يمكن جماعها ففيه الدِّيَة»
(1)
.
قول السادة المالكية:
قال الباجِيّ
(2)
رحمه الله: «وأما شفرا المرأة فروى ابن حَبِيب
(3)
....................
(1)
«حَاشِيَة ابن عابِدِين» (6/ 577).
(2)
هو: أبو الوليد سليمان بن خلف بن سعد التُّجِيبِيّ القُرْطُبِيّ البَاجِيّ، علم من أعيان العلماء وممن جمع بين الفقه والحديث، فقيه مالكي حبر ومن رجال الحديث، مولده في باجة سنة 403 هـ بالأندلس وتوفي رحمه الله بالمرية سنة 474 هـ. من كتبه:«إحكام الفصول في أحكام الأصول» ، و «الإشارة» في أصول الفقه، و «المُنْتَقَى في شرح مُوَطَّأ مالك» ، و «شرح المُدَوَّنَة». راجع ترجمته في:«وَفَيَات الأعْيَان» (2/ 408)، «السِّيَر» للذَّهَبِيّ (18/ 536)، «شَذَرَات الذَّهَب» (2/ 344).
(3)
هو: أبو مروان عبد الملك بن حَبِيب بن سليمان بن هارون الأندَلُسِيّ القُرْطُبِيّ المالكي، فقيه على مذهب المدنيين، مؤرخ، نسابة، أديب، لغوي، نحوي، عروضي، شاعر، مشارك في غيرها، أصله من طُلَيْطِلَة، وولد في إبيرة سنة 174 هـ وتوفي رحمه الله بالأندلس سنة 238 هـ. من تصانيفه الكثيرة:«غريب الحديث» ، و «حروب الإسلام» ، و «طَبَقَات الفُقَهَاء والتابعين» ، و «الواضحة في السُّنَن والفقه» ، و «إعراب القرآن». راجع ترجمته في:«طَبَقَات الفُقَهَاء» (1/ 164)، «السِّيَر» للذَّهَبِيّ (12/ 102)، «الدِّيبَاج المُذْهَب» (1/ 7).
ومُطَرِّف
(1)
وابن الماجِشُون
(2)
إذا سُلَّتا حتى يبدو العظم أن فيهما الدِّيَة، وهو أعظم مصيبة عليها من ذَهاب يديها أو عينيها. روى ابن وَهْب
(3)
أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قضى في ذلك بالدِّيَة»
(4)
.
(1)
هو: أبو مصعب مُطَرِّف بن عبد الله بن مُطَرِّف بن سليمان بن يسار اليساري الهلالي المدنِيّ، العالم العامل العلم، الناسك السني، ولد سنة 137 هـ وتوفي رحمه الله 220 هـ. روى عن: الزبير بن سعيد الهاشمي وعبدالرحمن بن أبي الزناد وعبدالرحمن بن زيد بن أسلم وعبدالعزيز بن أبي حازم وغيرهم، وروى عنه: الربيع بن سليمان المرادي وعبدالله بن عيسى المدنِيّ وأبوزرعة الرازي وغيرهم. راجع ترجمته في: «طبقات ابن سعد» (5/ 438)، «طَبَقَات الفُقَهَاء» (1/ 153)، «تَهْذِيب الكَمَال» (28/ 71).
(2)
هو: أبو مروان عبد الملك بن عبد العزيز بن عبد الله التَّيْمِيّ بالولاء، المعروف بابن الماجِشُون، فقيه مالكي من كبار الفحول الفخام، فصيح، دارت عليه الفتيا في زمانه، وعلى أبيه قبله، أضر في آخر عمره. راجع ترجمته في:«طَبَقَات الفُقَهَاء» (1/ 153)، «وَفَيَات الأعْيَان» (3/ 166)، «الدِّيبَاج المُذْهَب» (1/ 7)، «شَذَرَات الذَّهَب» (1/ 28).
(3)
هو: أبو محمد عبد الله بن وَهْب بن مسلم المِصْرِيّ الفِهْرِيّ، فقيه من الأئمة، من أصحاب الإمام مالك، جمع بين الفقه والحديث والعبادة، له كتب منها:«الجامع» في الحديث، و «المُوَطَّأ» في الحديث، كان حافظًا ثقةً مجتهدًا، مولده 125 هـ بمصر، ووفاته رحمه الله بها سنة 197 هـ. راجع ترجمته في:«طَبَقَات الفُقَهَاء» (1/ 155)، «وَفَيَات الأعْيَان» (3/ 36)، «شَذَرَات الذَّهَب» (1/ 147).
(4)
«المُنْتَقَى شَرح المُوَطَّأ» للباجِيّ (7/ 85)
قول السادة الشافعية:
قال الشافعي رحمه الله: «وإذا قطعت إسْكَتَا المرأة وهما شفراها، فإن قطعه رجل فلا قِصاص؛ لأنه ليس له مثله فإن قطعته امرأة فعليها القِصاص إن كان يقدر على القِصاص منه إلا أن تشاء العقل فإن شاءته فلها الدِّيَة تامة وفي أحد شفريها إذا أُوعِب نصف الدِّيَة وفي الشفرين الدِّيَة
…
وسواء في ذلك المخفوضة وغير المخفوضة
…
وسواء في هذا شَفْر الصغيرة والعجوز والشابة لا يختلف وسواء شفر الرَّتْقاء التي لا تؤتى والبكر والثيب تؤتى»
(1)
.
قول السادة الحنابلة:
قال ابن قُدامة رحمه الله: «(وفي إسْكَتَي المرأة الدِّيَة) الإسْكَتَان: هما اللحم المحيط بالفرج من جانبيه، إحاطة الشفتين بالفم. وأهل اللغة يقولون: الشفران حاشيتا الإسكتين، كما أن أشفار العين أهدابها. وفيهما دية المرأة إذا قطعا
…
لأن فيهما جمالا ومنفعة، وليس في البدن غيرهما من جنسهما، فوجبت فيهما الدِّيَة
…
وإن جنى عليهما فأشلهما، وجبت ديتهما، كما لو جنى على شفتيه فأشلهما»
(2)
.
انظر إلى عدم إهمالهم للجمال مع المنفعة.
قول السادة الظاهرية:
قال ابن حَزْم رحمه الله: «وقال الشافعي في العَفَلة
(3)
إذا بطل الجماع الدِّيَة، وفي ذَهاب الشفرين كذلك. وقال أبو حنيفة، والشافعي، وأحمد، وأصحابهم: في الأَلْيَتَين الدِّيَة.
(1)
«الأُمّ» للشافعي (6/ 75).
(2)
«المُغْنِي» لابن قُدامة (8/ 366).
(3)
«والعفَل والعفَلة بالتحريك فيهما شيء يخرج في قبل النساء» «لِسَان العَرَب» (11/ 457).
وكل هذا لا نص فيه ولا إجماع، فلا شيء في ذلك في الخطأ، أما في العمد: فالقِصاص فيما أمكن أو المفاداة فيما كان جرحا وبالله تعالى التوفيق»
(1)
.
فانظر - رحمك الله - إلى عدل تلك الشريعة ومراعاتها لحق المرأة في المنفعة، وليس ذلك فحسب، بل حُفِظ حقها في الجمال أيضًا.
* * *
(1)
«المُحَلى» لابن حَزْم (10/ 458).