الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أقوالٌ لأهل العلم عن تغير الفتوى
إليك الآن، بعضَ النقولِ عن أهل العلم التي تبين اتفاقهم - على تنوع مذاهبهم - على مبدأ تغير الفتوى:
• قال الشيخ علاء الدين الحَصْكَفِيّ رحمه الله
(1)
(2)
.
• وجاء في «دُرَر الحُكَّام» : «وقد جوز المتأخرون من الفقهاء الاستئجار فيها [القُرُبات كتعليم القرآن] بخلاف المتقدمين فقد قالوا بعدم جوازه، لأن المتعلمين كانوا يكافئون المعلمين في الزمن القديم من دون شرط، ولا قيد عملا بالآية الكريمة {هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ} [الرحمن: 60]، وأما اليوم فذهب ذلك واشتغل الحفاظ بمعاشهم وقل من يُعلِّم حِسبةً، ولا يتفرغون له أيضا فإنَّ حاجتهم تمنعهم
(1)
هو: محمد بن علي بن محمد الحِصْنِيّ، المعروف بعلاء الدين الحَصْكَفِيّ، نحتًا من موطنه حِصْنَ كَيْفَا، مفتي الحنفية في دمشق. فقيه، أصولي، محدث، مفسر، نحوي، مولده 1025 هـ بدمشق ووفاته: 1088 هـ بها. أخذ عن خير الدين بن أحمد الخطيب، وفخر الدين بن زكريا، من كتبه:«الدُّر المُخْتار في شَرْح تَنْوِير الأبْصَار» في فقه الحنفية، «إفاضَة الأنْوَار على أصُول المَنَار». راجع ترجمته في:«الأعلام» للزرِكلِيّ (6/ 294)، «مُعْجَم المؤلفين» (11/ 56).
(2)
«البَحْر الرَّائق» لابن نُجَيم (6/ 293).
من ذلك، فلو لم يُفتَح لهم بابُ التعليم بالأجر لذهب القرآن؛ فأفتوا بجواز ذلك ورأوه حسنًا وقالوا: الأحكام قد تختلف باختلاف الأزمان (الزَّيْلَعِيّ): اتفقت النقول عن أئمتنا الثلاثة أبي حنيفة وأبي يوسف
(1)
ومحمد
(2)
أن الاستئجار على الطاعات باطل، لكن جاء مَن بعدَهم من المجتهدين من أهل التخريج والترجيح فأفتَوا بصحته على تعليم القرآن للضرورة، فإنه كان للمعلمين عطايا من بيت المال وانقطعت، فلو لم يصحَّ الاستئجار وأخذ الأجرة لضاع القرآن، وفيه ضياعُ الدين لاحتياجِ المعلمين إلى الاكتساب، وأفتى من بعدهم أيضًا من أمثالهم بصحته على الأذان والإمامة، لأنها من شعائر الدين فجوَّزوا الاستئجار عليهما للضرورة أيضا. فهذا ما أفتى به المتأخرون عن أبي حنيفة وأصحابه لعلمهم بأن أبا حنيفة وأصحابه لو كانوا في عصرهم لقالوا بذلك ورجَعوا عن قولهم الأول»
(3)
.
(1)
هو: أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم بن حبيب الأنصَارِيّ الكُوفِيّ البَغْدَادِيّ، الجهبذ، قاضي القضاة، صاحب الإمام أبي حنيفة، وتلميذه، وأول من نشر مذهبه. كان فقيهًا علامة، من حفاظ الحديث. ولد بالكوفة سنة 113 هـ. وتفقه بالحديث والرواية، وولي القضاء ببغداد أيام المهدي والهادي والرشيد. ومات: في خلافته ببغداد، وهو على القضاء سنة 182 هـ من كتبه:«الخراج» «النوادر» «اختلاف الأمصار» «الفرائض» . راجع ترجمته في: «الجَوَاهِر المُضِيَّة» في طَبَقَات الحَنَفِيَّة» (1/ 220)، «وَفَيَات الأعْيَان» (6/ 378)، «السِّيَر» للذَّهَبِيّ (8/ 535).
(2)
هو: أبو عبدالله، محمد بن الحسن بن فَرْقَد الشَّيبانِيّ، من موالي بني شيبان، ثالث ثلاثة الأركان في مذهب أبي حنيفة النُّعْمَان، إمام حبر في الفقه والأصول، أحد أئمة الإسلام «الأعلام» ، وهو الذي نشر علم أبي حنيفة. ولد بواسط سنة 131 هـ. ونشأ بالكوفة، فسمع من أبي حنيفة وغلب عليه مذهبه وعرف به، مات: في الرَّيّ سنة 189 هـ. له كتب كثيرة في الفقه والأصول، منها:«المَبسُوط» ، «الزيادات» ، «الجامع الكبير» ، «المخارج» في الحيل. راجع ترجمته في:«تاريخ بغداد» (2/ 172)، «الجَوَاهِر المُضِيَّة» في طَبَقَات الحَنَفِيَّة» (1/ 42)، «وَفَيَات الأعْيَان» (4/ 184).
(3)
«درر الحكام في شرح مجلة الأحكام» لعلي حَيْدَر (1/ 463).
• وقال الزَّرقا رحمه الله
(1)
(2)
.
• ولقد ألَّفَ ابن عَابِدِين رحمه الله
(3)
كتابه «نَشْرُ العَرْف في بِنَاء بعضِ الأحْكَام على العُرْف» لبيان ما خالف فيه المتأخرون المتقدمين لتغير الحال والزمان.
• وقال ابن فَرْحُون رحمه الله
(4)
: «إن جري هذه الأحكام التى مدرَكها العوائد، مع تغير
(1)
هو: مصطفى بن الشيخ أحمد بن الشيخ محمد بن السيد عثمان بن الحاج محمد بن عبد القادر الزَّرْقا، العلامة الفقيه الأصولي، وأستاذ الشريعة بكليتي الشريعة والحقوق بالجامعة السورية، وأحد كبار فقهاء هذا العصر. ولد سنة 1322 هـ، وتوفي: سنة 1419 هـ. من مؤلفاته: «نظام التأمين والرأي الشرعي فيه» ، «أحكام الوقف» ، «الفعل الضار والضمان الشرعي فيه» ، «المدخل الفقهي العام» .
(2)
«المدخل الفقهي العام» لمصطفى أحمد الزَّرْقا (ص 928).
(3)
هو: محمد أمين بن عمر بن عبد العزيز عابِدِين الدِّمَشْقِيّ، المعروف بابن عابِدِين، الإمام العلامة، فقيه الديار الشامية وإمام الحنفية في عصره، مولده في دمشق سنة 1189 هـ ووفاته بها سنة 1252 هـ، من مصنفاته:«رَدّ المُحتار على الدُّر المُخْتار» ويعرف بحَاشِيَة ابن عابِدِين، «رَفعُ الأنْظَارِ عَمَّا أوْرَدَهُ الحَلَبِيّ على الدُّر المُخْتار» «العُقُود الدُّرِّيَّة في تَنقِيح الفَتَاوَى الحامِديَّة» «حَاشِيَة على المُطَوَّل». راجع ترجمته في:«الأعلام» للزرِكلِيّ (6/ 42).
(4)
هو: برهان الدين إبراهيم بن علي بن محمد، ابن فَرْحُون، اليَعْمُرِيّ: فقيه نظَّار، وعالم بحَّاث، ولد ونشأ ومات في المدينة. وهو مغربي الأصل، نسبته إلى يعمر بن مالك، من عدنان، أصيب بالفالج في شقه الأيسر، فمات: بعِلَّته 799 هـ عن نحو 70 عامًا، وهو من شيوخ المالكية، له:«الدِّيباجُ المُذْهَب» في تراجم أعيان المذهب المالكي «دُرَّة الغوّاص في محاضرة الخوّاص» «تَسْهِيل المُهِمَّات شَرْحُ جَامِع الأُمَّهَات» . راجع ترجمته في: «الأعلام» للزرِكلِيّ (1/ 52)، «مُعْجَم المؤلفين» (1/ 68).
تلك العوائد خلاف الإجماع وجهالة في الدين، بل كل ما هو في الشريعة يتبع العوائد يتغير الحكم فيه عند تغير العادة إلى ما تقتضيه العادة المتجددة، وليس ذلك تجديدا للاجتهاد من المقلدين حتى يشترط فيه أهلية الاجتهاد، بل هي قاعدة اجتهد فيها العلماء وأجمعوا عليها، فنحن نتبعهم فيها من غير استئناف اجتهاد»
(1)
.
• وقال القَرَافِيّ رحمه الله
(2)
: «فإن الأحكام المُرَتَّبة على العوائد تتبع العوائد وتتغير عند تغيرها فتأمل ذلك»
(3)
.
• وحكي عن الإمام ابن أبي زيد القَيْرَوانِيّ رحمه الله
(4)
صاحب «الرسالة» المشهورة في فقه المالكية، أن حائطًا انهدم من داره، وكان يخاف على نفسه من بعض الفئات، فاتخذ كلبًا للحراسة، وربطه في الدار، فلما قيل له: إن مالكًا يكره ذلك، قال لمن كلَّمَه: لو أدرك مالكٌ زمانك لاتخذ أسدًا ضاريًا!
(1)
«تَبْصِرَة الحُكَّام» لابن فَرْحُون (2/ 75).
(2)
هو: شهاب الدين أبو العباس أحمد بن إدريس بن عبد الرحمن الصِّنْهاجِيّ القَرَافِيّ من علماء المالكية، أحد الأعلام المشهورين، والفقهاء الأصوليين المدققين، انتهت إليه رئاسة الفقه على مذهب مالك، والقرافى نسب إلى القرافة محلة مجاورة لقبر الإمام الشافعي بالقاهرة وهو مِصْرِيّ المولد والمنشأ والوفاة، توفي: سنة 684 هـ، له مصنفات جليلة فى الفقة والأصول منها:«أنوار البروق في أنواء الفروق» ، «الإحكام في تمييز الفَتَاوَى عن الأحكام وتصرف القاضي والإمام» «الذخيرة». راجع ترجمته في:«الدِّيبَاج المُذْهَب» (1/ 62).
(3)
«الفروق» للقَرافِيِّ (3/ 27).
(4)
هو: أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن النَّفْراوِىّ القَيْرَوَانِىّ، المعروف بابن أبى زيد، الإمام العلامة القدوة الفقيه، عالم أهل المغرب، من أعيان القيروان، مولده ومنشؤه بها، وكذلك وفاته: سنة 386 هـ. كان إمام المالكية فى عصره، يلقب بقطب المذهب وبمالك الأصغر؛ له عدة كتب جليلة، منها:«النوادر والزيادات على ما في المدونة من غيرها من الأمهات» «مختصر المُدَوَّنَة» «رسالته المشهورة في فروع المالكية» . راجع ترجمته في: «تَذْكِرَة الحُفَّاظ» (3/ 1021)، «السِّيَر» للذَّهَبِيّ (17/ 10)، «الدِّيبَاج المُذْهَب» (1/ 492).
• والمتأخرون من علماء الشافعية اعتبروا المقْصِد العرفي في الأيمان والمعاملات بخلاف اعتماد المتقدمين لمقتضى اللغة، واختلفت عندهم فتاوى الخُرَاسَانِيين عن غيرهم لاختلاف العُرف، واختلفت فتاوى المتقدمين عن المتأخرين. كما أنه يمكن القول بأن اختلاف العوائد والأحوال بين الأمصار الإسلامية كان من أسباب تجديد الشافعي رحمه الله لمذهبه.
(1)
.
قلت: إن مسألة الشهادة هي من وسائل تحقيق العدالة التي هي مقصود القضاء الأعظم والتي من أجلها أرسل الله الرسل، وأنزل الكتب، قال تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ
…
} [الحديد: 25] وإنَّ هذا المقصود الأعظم يُبتغَى في سبيلِ تحقيقِه كلُّ وسيلة لا تخالف الشرع، وإن لم ينطق بها، ولا عمل بها السلف.
(1)
«إعْلام المُوَقِّعِين» لابن القَيِّم (4/ 170).
وقبل أن أختِم الكلام عن إثبات أصل تغير الفتوى، أسوق كلام العلامة ابن القَيِّم رحمه الله في هذا الشأن، فإنه - في تقديري- أبدع ما في هذا الباب، قال:
«فَصْلٌ في تغير الفتوى واختلافها بحسَب تغير الأزمنة والأمكنة والأحوال والنيات والعوائد؛ والشريعة مبنية على مصالح العباد.
هذا فَصْلٌ عظيم النفع جدًّا وقع بسبب الجهل به غلط عظيم على الشريعة أوجب من الحرج والمشقة وتكليف ما لا سبيل إليه ما يُعلم أن الشريعة الباهرة التي في أعلى رتب المصالح لا تأتي به. فإن الشريعة مبناها وأساسها على الحِكَم ومصالح العباد في المعاش والمعاد، وهي عدل كلها ورحمة كلها ومصالح كلها وحكمة كلها. فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجَوْر، وعن الرحمة إلى ضدها، وعن المصلحة إلى المفسدة، وعن الحكمة إلى العبث، فليست من الشريعة وإن أُدخِلت فيها بالتأويل، فالشريعة: عدل الله بين عباده، ورحمته بين خلقه، وظله في أرضه، وحكمته الدالة عليه وعلى صدق رسوله صلى الله عليه وسلم أتم دَِلالة وأصدقَها»
(1)
.
أسأل الله أن يكون الحق قد اتضح في هذه المسألة، والآن نعرض إلى ضوابطها.
* * *
(1)
«إعْلام المُوَقِّعِين» لابن القَيِّم (3/ 11).