الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الْكِتَابُ الثَّانِي عَشَر فِي حَقِّ الصُّلْحِ وَالْإِبْرَاءِ]
الْكِتَابُ الثَّانِي عَشَر الصُّلْحِ وَالْإِبْرَاءِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدَ الصَّالِحِينَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ خَيْرِ الْمُرْسَلِينَ. وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَجَمِيعِ عِبَادِ اللَّهِ الْمُوَحِّدِينَ.
الْكِتَابُ الثَّانِيَ عَشَرَ (فِي حَقِّ الصُّلْحِ وَالْإِبْرَاءِ وَيَشْتَمِلُ عَلَى مُقَدِّمَةٍ وَأَرْبَعَةِ أَبْوَابٍ.)
مَشْرُوعِيَّةُ الصُّلْحِ ثَابِتَةٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ وَالْمَعْقُولِ.
الْكِتَابُ قَالَ - تَعَالَى - {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} [النساء: 128] الْآيَةَ الْكَرِيمَةَ.
السُّنَّةُ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم «الصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ إلَّا صُلْحًا حَرَّمَ حَلَالًا، أَوْ أَحَلَّ حَرَامًا» الْحَدِيثَ الشَّرِيفَ. وَقَدْ انْعَقَدَ إجْمَاعُ الْأُمَّةِ عَلَى جَوَازِ الصُّلْحِ.
الْمَعْقُولُ، فِي تَرْكِ الصُّلْحِ نِزَاعٌ، لِأَنَّهُ إذَا طَلَبَ صَاحِبُ الْحَقِّ جَمِيعَ حَقِّهِ فَأَنْكَرَهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَأَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ، يَكُونُ ذَلِكَ بَاعِثًا لِلنِّزَاعِ وَلَا سِيَّمَا إذَا حَصَلَ ذَلِكَ فِي وَقْتِ الْإِعْسَارِ، وَيُوجَبُ ذَلِكَ لِحُصُولِ سَبَبٍ لِتَهَيُّجِ الْفِتَنِ بَيْنَ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَتَزِيدُ الْعَدَاوَةُ بَيْنَهُمَا، وَهَذَا مِمَّا يَسْتَلْزِمُ الْفَسَادَ الْعَظِيمَ (الزَّيْلَعِيّ وَالْكِفَايَةُ وَالْهِدَايَةُ) . وَيُفْهَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ فِي الصُّلْحِ خَيْرًا وَمَنْفَعَةً. .
مُقَدِّمَةٌ) (فِي بَيَانِ بَعْضِ الِاصْطِلَاحَاتِ الْفِقْهِيَّةِ) .
الْمَادَّةُ (1531)(الصُّلْحُ: هُوَ عَقْدٌ يَرْفَعُ النِّزَاعَ بِالتَّرَاضِي. وَيَنْعَقِدُ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ) . الصُّلْحُ - لُغَةً -: اسْمٌ بِمَعْنَى الْمُصَالَحَةِ الَّتِي هِيَ خِلَافُ الْمُخَاصَمَةِ. وَأَصْلُهُ بِمَعْنَى الصَّلَاحِ الَّذِي هُوَ بِمَعْنَى اسْتِقَامَةِ الْحَالِ (الدُّرَرُ) - وَشَرْعًا - هُوَ عَقْدٌ يَرْفَعُ النِّزَاعَ بِالتَّرَاضِي أَيْ بِتَرَاضِي الطَّرَفَيْنِ الْمُتَخَاصِمَيْنِ وَيُزِيلُ الْخُصُومَةَ وَيَقْطَعُهَا بِالتَّرَاضِي؛ وَرُكْنُهُ عِبَارَةٌ عَنْ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ، وَيَنْعَقِدُ، وَيَصِحُّ بِحُصُولِ الْإِيجَابِ مِنْ طَرَفٍ وَالْقَبُولِ مِنْ الطَّرَفِ الْآخَرِ.
وَيَنْتَهِي تَعْرِيفُ الصُّلْحِ فِي هَذِهِ الْمَادَّةِ بِجُمْلَةِ: هُوَ عَقْدٌ يَرْفَعُ النِّزَاعَ بِالتَّرَاضِي.
وَإِنَّ مَا جَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ هُوَ بَيَانٌ لِرُكْنِ الصُّلْحِ وَقَدْ كَانَ مِنْ الْمُوَافِقِ أَنْ يَذْكُرَ رُكْنَ الصُّلْحِ مُسْتَقِلًّا فِي غَيْرِ مَوْضِعِ ذِكْرِ الِاصْطِلَاحَاتِ الْفِقْهِيَّةِ؛ كَمَا هُوَ جَارٍ فِي الْكُتُبِ الْأُخْرَى مِنْ الْمَجَلَّةِ. فَلَوْ عُرِّبَ هَذَا التَّعْرِيفُ لِلُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ يَكُونُ عِبَارَةً عَنْ أَنَّ الصُّلْحَ عَقْدٌ يَرْفَعُ النِّزَاعَ بَيْنَ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ.
لِأَنَّهُ مِنْ عِبَارَةِ " هُوَ عَقْدٌ " يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ الْبَيْعُ وَالْإِجَارَةُ وَالْكَفَالَةُ وَالْحَوَالَةُ وَالرَّهْنُ وَغَيْرُهَا مِنْ الْعُقُودِ الشَّرْعِيَّةِ الْأُخْرَى فَلِذَلِكَ تَكُونُ هَذِهِ الْعِبَارَةُ بِمَثَابَةِ جِنْسِ التَّعْرِيفِ إلَّا أَنَّهُ بِوُجُودِ عِبَارَةِ التَّرَاضِي تَخْرُجُ الْعُقُودُ الْمَذْكُورَةُ مِنْ التَّعْرِيفِ، وَتَكُونُ لِمَقَامِ فَصْلِ التَّعْرِيفِ، وَقَيْدُ " بِالتَّرَاضِي " مُتَعَلِّقٌ بِالرَّفْعِ، وَيُحْتَرَزُ بِذَلِكَ عَنْ الصُّلْحِ الْوَاقِعِ كُرْهًا. لِأَنَّهُ كَمَا ذُكِرَ فِي الْمَادَّةِ (الـ 1006) لَا يُعْتَبَرُ الصُّلْحُ الَّذِي يَحْصُلُ بِإِكْرَاهٍ مُعْتَبَرٍ عَنْ مَالٍ فَلِذَلِكَ لَوْ هَجَمَ جَمَاعَةٌ عَلَى بَيْتِ شَخْصٍ لَيْلًا، أَوْ نَهَارًا، وَأَشْهَرُوا السِّلَاحَ عَلَيْهِ وَهَدَّدُوهُ وَأَجْبَرُوهُ بِذَلِكَ عَلَى الصُّلْحِ عَنْ دَعْوَاهُ فَلَا يَجُوزُ الصُّلْحُ عِنْدَ الْإِمَامَيْنِ اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ (الـ 1003) .
كَذَلِكَ لَوْ أَكْرَهَ الزَّوْجُ زَوْجَتَهُ فَصَالَحَتْهُ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا فِي ذِمَّتِهِ مِنْ الْمَهْرِ فَلَا يَجُوزُ (الْخَانِيَّةُ) .
(الْأَحْكَامُ الَّتِي تُسْتَفَادُ مِنْ هَذَا التَّعْرِيفِ) يَدُلُّ هَذَا التَّعْرِيفُ بِأَنَّهُ يَصِحُّ الصُّلْحُ فِي الدَّعْوَى الْفَاسِدَةِ كَالدَّعْوَى الَّتِي يَكُونُ فِيهَا تَنَاقُضٌ، لِأَنَّهُ يَتَحَقَّقُ النِّزَاعُ أَيْضًا فِي الدَّعْوَى الْفَاسِدَةِ، وَالصُّلْحُ إنَّمَا شُرِعَ لِدَفْعِ النِّزَاعِ، وَإِنْ يَكُنْ أَنَّ بَعْضَ الْفُقَهَاءِ قَالَ: بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ الصُّلْحُ فِي الدَّعْوَى الْفَاسِدَةِ؛ لِأَنَّ الصُّلْحَ هُوَ لِافْتِدَاءِ الْيَمِينِ الَّذِي يَتَرَتَّبُ
فِي الدَّعْوَى الصَّحِيحَةِ لَكِنَّ هَذَا الْقَوْلَ غَيْرُ مُخْتَارٍ إلَّا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الصُّلْحُ فِي كُلِّ دَعْوَى فَاسِدَةٍ كَمَا يُسْتَفَادُ ذَلِكَ مِنْ التَّفْصِيلَاتِ الْآتِيَةِ.
الدَّعْوَى الْفَاسِدَةُ عَلَى نَوْعَيْنِ:
النَّوْعُ الْأَوَّلُ: الدَّعْوَى الْفَاسِدَةُ الْأَصْلِ أَيْ الدَّعْوَى الْغَيْرُ قَابِلَةِ التَّصْحِيحِ، وَيُقَالُ لِهَذِهِ الدَّعْوَى: الدَّعْوَى الْبَاطِلَةُ أَيْضًا، فَلَا يَجُوزُ الصُّلْحُ عَنْ هَذِهِ الدَّعْوَى.
مَثَلًا: لَوْ ادَّعَى أَخَ الْمُتَوَفَّى بِطَلَبِ حِصَّةٍ إرْثِيَّةٍ مَعَ وُجُودِ وَلَدٍ لِلْمُتَوَفَّى فَاصْطَلَحَ عَنْ دَعْوَاهُ مَعَ ابْنِ الْمُتَوَفَّى عَلَى مَالٍ فَلَا يَصْلُحُ الصُّلْحُ.
كَذَلِكَ لَوْ وَكَّلَ أَحَدٌ آخَرَ بِقَبْضِ مَا فِي ذِمَّةِ مَدِينِهِ مِنْ الدَّيْنِ وَقَبَضَ الْوَكِيلُ مِقْدَارًا مِنْ الدَّيْنِ وَسَلَّمَهُ لِمُوَكِّلِهِ فَأَقَامَ الْمُوَكِّلُ الدَّعْوَى عَلَى الْوَكِيلِ بِطَلَبِ دَفْعِ بَاقِي الدَّيْنِ بِسَبَبِ قَبُولِ الْوَكِيلِ لِلْوَكَالَةِ، وَاصْطَلَحَ مَعَ الْوَكِيلِ عَنْ دَعْوَاهُ الْمَذْكُورَةِ عَلَى مِقْدَارٍ مِنْ مَالٍ فَلَا يَصِحُّ الصُّلْحُ.
كَذَلِكَ لَوْ حَصَلَ الصُّلْحُ عَنْ دَعْوَى فَرَاغٍ فِي الْأَرَاضِي الْأَمِيرِيَّةِ الَّذِي لَمْ يَجْرِ فِي دَوَائِرِ التَّمْلِيكِ (دَفْتَرُ خَافَانِي) فَالصُّلْحُ عَنْ تِلْكَ الدَّعْوَى بَاطِلٌ.
كَذَلِكَ الدَّعْوَى بِأُجْرَةِ النَّائِحَةِ وَأُجْرَةِ الْمُغَنِّيَةِ وَأُجْرَةِ التَّصْدِيرِ الْمُحَرَّمِ وَالرِّبَا وَالْحُلْوَانِ (الْمُكَرَّمَةِ) وَالْكَاهِنِ وَالْمُنَجِّمِ مِنْ الدَّعَاوَى الْبَاطِلَةِ.
وَكَذَلِكَ الِادِّعَاءُ بِتَضْمِينِ الْمَالِ الَّذِي تَلِفَ فِي يَدِ الْأَجِيرِ الْخَاصِّ، أَوْ الْمُشْتَرَكِ بِسَبَبٍ مُمْكِنٍ التَّحَرُّزُ مِنْهُ كَالسَّرِقَةِ مِنْ الدَّعَاوَى الْبَاطِلَةِ إلَّا أَنَّ بُطْلَانَ الصُّلْحِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأَخِيرَةِ أَيْ فِي حَالَةِ الصُّلْحِ عَنْ دَعْوَى تَضْمِينِ الْمُسْتَأْجَرِ فِيهِ الَّذِي تَلِفَ بِسَبَبٍ مُمْكِنٍ التَّحَرُّزُ مِنْهُ هُوَ عَلَى مَذْهَبِ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (الـ 607) .
وَالْحَاصِلُ أَنَّ مِثْلَ هَذِهِ الدَّعَاوَى بَاطِلَةٌ كَمَا أَنَّ الصُّلْحَ عَنْ تِلْكَ الدَّعَاوَى بِبَدَلٍ مَعْلُومٍ بَاطِلٌ أَيْضًا (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) فَلِذَلِكَ إذَا ادَّعَى الْمُدَّعِي دَعْوَى وَتَصَالَحَ بَعْدَ ذَلِكَ مَعَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، ثُمَّ أَقَرَّ بَعْدَ ذَلِكَ بِأَنَّهُ كَانَ مُبْطِلًا فِي دَعْوَاهُ فَلِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَرِدَّ بَدَلَ الصُّلْحِ عِنْدَ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ (الدُّرُّ الْمُنْتَقَى) .
(النَّوْعُ الثَّانِي) الدَّعْوَى الْفَاسِدَةُ الْوَصْفِ أَيْ الدَّعْوَى الْقَابِلَةُ التَّصْحِيحَ كَأَنْ يَكُونَ فِي الدَّعْوَى قُصُورٌ وَخَلَلٌ. فَالصُّلْحُ عَنْ هَذِهِ الدَّعْوَى صَحِيحٌ (الْمَجْمُوعَةُ الْجَدِيدَةُ) .
مَثَلًا لَوْ ادَّعَى الْمُدَّعِي عَقَارًا، وَأَخْطَأَ فِي بَيَانِ الْحُدُودِ، أَوْ أَنَّهُ تَصَالَحَ مَعَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يُبَيِّنَ حُدُودَهُ الْأَرْبَعَةَ وَيُوَضِّحَهَا عَلَى الْوَجْهِ الْمُبَيَّنِ فِي الْمَادَّةِ (الـ 1623) كَانَ صَحِيحًا (الْبَزَّازِيَّةُ) .
رُكْنُ الصُّلْحِ: إنَّ رُكْنَ بَعْضِ الْعُقُودِ هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالْحَوَالَةِ وَالرَّهْنِ وَالْهِبَةِ وَالْإِيدَاعِ كَمَا أَنَّ رُكْنَ بَعْضِ الْعُقُودِ عِبَارَةٌ عَنْ الْإِيجَابِ فَقَطْ، وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَبُولِ كَالْكَفَالَةِ اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (الـ 621) .
فَالصُّلْحُ مِنْ أَيِّهِمَا يُفَصَّلُ عَلَى الْوَجْهِ الْآتِي. وَهُوَ أَنَّ الصُّلْحَ يَنْعَقِدُ بِصُوَرٍ خَمْسَةٍ.
الْأُولَى - بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ.
الثَّانِيَةُ - بِالْإِيجَابِ مِنْ الْمُدَّعِي.
الثَّالِثَةُ - بِالتَّعَاطِي.
الرَّابِعَةُ - بِالْكِتَابَةِ.
الْخَامِسَةُ - بِإِشَارَةِ الْأَخْرَسِ الْمَعْرُوفَةِ.
فَعَلَيْهِ يَجِبُ فِي الصُّلْحِ حُصُولُ الْإِيجَابِ مِنْ الْمُدَّعِي عَلَى كُلِّ حَالٍ سَوَاءٌ أَكَانَ الْمُدَّعَى بِهِ مُتَعَيَّنًا بِالتَّعْيِينِ أَمْ لَمْ يَكُنْ. فَلِذَلِكَ لَا يَصِحُّ الصُّلْحُ بِدُونِ الْإِيجَابِ مُطْلَقًا. أَمَّا الْقَبُولُ فَيَجِبُ فِي كُلِّ صُلْحٍ يَتَضَمَّنُ الْمُبَادَلَةَ لِذَلِكَ يَجِبُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ الْآتِيَتَيْ الذِّكْرِ: وُجُودِ الْقَبُولِ فِي الصُّلْحِ بَعْدَ الْإِيجَابِ فَفِي تِلْكَ الْحَالَةِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْإِيجَابُ مِنْ الْمُدَّعِي وَالْقَبُولُ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَيَجُوزُ عَكْسُهُمَا أَيْ أَنْ يَكُونَ الْإِيجَابُ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَالْقَبُولُ مِنْ الْمُدَّعِي اُنْظُرْ مَادَّتَيْ (101 وَ 102) وَشَرْحَهُمَا.
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى - إذَا كَانَ الْمُدَّعَى بِهِ مُتَعَيَّنًا بِالتَّعْيِينِ يَجِبُ الْقَبُولُ؛ لِأَنَّ الصُّلْحَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَا يَكُونُ إسْقَاطًا حَتَّى يَتِمَّ بِالْمُسْقِطِ، فَسَبَبُ عَدَمِ كَوْنِهِ إسْقَاطًا هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى عَدَمِ جَرَيَانِ الْإِسْقَاطِ فِي الْأَعْيَانِ.
مَثَلًا: لَوْ قَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِلْمُدَّعِي: قَدْ تَصَالَحْت مَعَك، أَوْ قَدْ صَالَحْتُك بِكَذَا دِرْهَمًا عَلَى الْمَالِ الْمُدَّعَى بِهِ، أَوْ عَلَى دَعْوَاك، وَأَجَابَهُ الْمُدَّعِي بِقَوْلِهِ قَبِلْت، أَوْ رَضِيت، أَوْ بِكَلَامٍ آخَرَ يَدُلُّ عَلَى الرِّضَاءِ انْعَقَدَ الصُّلْحُ (الدُّرَرُ تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ - إذَا كَانَ الصُّلْحُ وَاقِعًا عَلَى جِنْسٍ آخَرَ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْمُدَّعَى بِهِ مُتَعَيَّنًا بِالتَّعْيِينِ فَيَجِبُ الْقَبُولُ.
مَثَلًا: لَوْ قَالَ الْمُدَّعِي لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ: إنَّنِي صَالَحْتُك عَلَى الْخَمْسِينَ دِينَارًا الَّتِي اُدُّعِيَ بِهَا عَلَيْك بِمِائَةِ رِيَالٍ وَقَبِلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَنْعَقِدُ الصُّلْحُ. لِأَنَّهُ فِي هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ كَانَ الصُّلْحُ مُبَادَلَةً، وَفِي الْمُبَادَلَةِ يَجِبُ الْقَبُولُ، وَبِمَا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْمُبَادَلَةُ بِدُونِ الْقَبُولِ فَلَا يَصِحُّ أَيْضًا الصُّلْحُ اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (الـ 167) .
تُسْتَعْمَلُ صِيغَةُ الْمَاضِي فِي الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ، وَلَا يَنْعَقِدُ الصُّلْحُ بِصِيغَةِ الْأَمْرِ، فَلِذَلِكَ لَوْ قَالَ الْمُدَّعِي لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ: صَالِحْنِي عَلَى الدَّارِ الَّتِي تَدَّعِيهَا بِخَمْسِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَلَا يَنْعَقِدُ الصُّلْحُ بِقَوْلِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ: تَصَالَحْتُ؛ لِأَنَّ طَرَفَ الْإِيجَابِ كَانَ عِبَارَةً عَنْ طَلَبِ الصُّلْحِ وَغَيْرَ صَالِحٍ لِلْإِيجَابِ.
فَقَوْلُ الطَّرَفِ الْآخَرِ: قَبِلْت لَا يَقُومُ مَقَامَ الْإِيجَابِ، أَمَّا إذَا قَالَ الْمُدَّعِي ثَانِيًا: قَبِلْت فَفِي تِلْكَ الْحَالَةِ يَنْعَقِدُ الصُّلْحُ (الْهِنْدِيَّةُ) اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ (الـ 172) ، (الْبَزَّازِيَّةُ وَالْعِنَايَةُ بِتَغْيِيرٍ مَا) .
الصُّلْحُ الَّذِي يَنْعَقِدُ بِالْإِيجَابِ فَقَطْ. الصُّلْحُ الَّذِي يَتَضَمَّنُ إسْقَاطَ بَعْضِ الْحُقُوقِ يَكْفِي فِيهِ الْإِيجَابُ وَلَا يَلْزَمُ الْقَبُولُ. فَلِذَلِكَ إذَا حَصَلَ الصُّلْحُ عَلَى بَعْضِ الدَّيْنِ الثَّابِتِ بِالذِّمَّةِ - يَعْنِي إذَا كَانَ الْمُصَالَحُ عَنْهُ وَالْمُصَالَحُ عَلَيْهِ كِلَاهُمَا مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ الْغَيْرِ مُتَعَيَّنَيْنِ بِالتَّعْيِينِ - فَيَنْعَقِدُ الصُّلْحُ بِمُجَرَّدِ إيجَابِ الدَّائِنِ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي ذَلِكَ قَبُولُ الْمَدِينِ؛ لِأَنَّ هَذَا الصُّلْحَ هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ إسْقَاطِ بَعْضِ الْحُقُوقِ. وَلَمَّا كَانَ الْإِسْقَاطُ أَيْ الْإِبْرَاءُ غَيْرَ مُتَوَقِّفٍ عَلَى الْقَبُولِ، وَيَتِمُّ بِمُجَرَّدِ الْمُسْقِطِ، فَلَا يُشْتَرَطُ قَبُولُ الْمَدِينِ اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (الـ 1568) ، (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ، الشُّرُنْبُلَالِيُّ) .
مَثَلًا: لَوْ قَالَ الدَّائِنُ لِلْمَدِينِ: إنَّنِي صَالَحْتُك عَلَى مَا فِي ذِمَّتِك لِي مِنْ الْخَمْسِمِائَةِ دِينَارٍ عَلَى مِائَتَيْ دِينَارٍ لَوْ قَالَ لَهُ: صَالَحْتُك عَلَى مَا فِي ذِمَّتِك لِي مِنْ الْخَمْسِينَ رِيَالًا عَلَى ثَلَاثِينَ رِيَالًا فَيَنْعَقِدُ الصُّلْحُ بِمُجَرَّدِ الْإِيجَابِ، وَلَا يَقْتَضِي قَبُولَ الْمَدِينِ وَيَلْزَمُ الصُّلْحُ مَا لَمْ يَرُدَّهُ الْمَدِينُ (الْهِنْدِيَّةُ) إلَّا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الْمُوجِبُ الْمُدَّعِيَ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ هُوَ الْمُوجِبَ فَيَجِبُ قَبُولُ الْمُدَّعِي. سَوَاءٌ فِي
الصُّلْحِ الَّذِي يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ، أَوْ فِي الَّذِي لَا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) . لِأَنَّ هَذَا الصُّلْحَ إمَّا أَنَّهُ إسْقَاطٌ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْمُسْقِطُ الْمُدَّعِيَ أَوْ الدَّائِنَ، فَلَا يُمْكِنُ سُقُوطُ حَقِّهِ بِدُونِ قَبُولِهِ وَرِضَاهُ. وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مُعَارَضَةً فَفِي الْمُعَارَضَةِ يَجِبُ وُجُودُ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ مَعًا. أَمَّا فِي الصُّلْحِ الَّذِي لَا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ الَّذِي يَقَعُ عَلَى عَيْنِ الْجِنْسِ فَيَقُومُ طَلَبُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الصُّلْحَ مَقَامَ الْقَبُولِ. مَثَلًا: لَوْ طَلَبَ الْمَدِينُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ مِنْ دَائِنِهِ أَنْ يُصَالِحَهُ بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ، وَصَالَحَهُ الْمَدِينُ عَلَى ذَلِكَ كَانَ الصُّلْحُ صَحِيحًا (أَبُو السُّعُودِ وَالْبَحْرُ) .
يُشْتَرَطُ فِي تَمَامِ الصُّلْحِ قَبْضُ بَدَلِهِ: لَا يُشْتَرَطُ فِي بَعْضِ الْعُقُودِ قَبْضُ الْبَدَلِ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ كَالْمَبِيعِ وَالْإِجَارَةِ إلَّا أَنَّهُ فِي بَعْضِ الْعُقُودِ يُشْتَرَطُ قَبْضُ الْبَدَلِ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ كَالسَّلَمِ. اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (الـ 387) . أَمَّا فِي الصُّلْحِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِي بَعْضِ أَنْوَاعِهِ قَبْضُ بَدَلِ الصُّلْحِ فِي مَجْلِسِ الصُّلْحِ، وَهِيَ كَمَا يَأْتِي:
أَوَّلًا - إذَا كَانَ الْمُصَالَحُ عَنْهُ قِيَمِيًّا فَلَا يُشْتَرَطُ قَبْضُ بَدَلِ الصُّلْحِ فِي مَجْلِسِ الصُّلْحِ سَوَاءٌ كَانَ الْمُصَالَحُ عَلَيْهِ أَيْ بَدَلُ الصُّلْحِ قِيَمِيًّا، أَوْ كَانَ مِثْلِيًّا، وَسَوَاءٌ كَانَ مُعَجَّلًا، أَوْ مُؤَجَّلًا كَالصُّلْحِ فِي دَعْوَى عَقَارٍ عَلَى فَرَسٍ مُعَيَّنٍ، أَوْ عَلَى نَقْدَيْنِ، أَوْ عَلَى مَكِيلٍ، أَوْ مَوْزُونٍ (الْبَزَّازِيَّةُ) .
ثَانِيًا إذَا كَانَ الْمُصَالَحُ عَنْهُ مِثْلِيًّا وَالْمُصَالَحُ عَلَيْهِ قِيَمِيًّا فَلَا يُشْتَرَطُ قَبْضُ بَدَلِ الصُّلْحِ فِي مَجْلِسِ الصُّلْحِ كَالصُّلْحِ عَنْ خَمْسِينَ كَيْلَةً حِنْطَةً بِفَرَسٍ مُعَيَّنٍ.
ثَالِثًا إذَا كَانَ الْمُصَالَحُ عَنْهُ دَيْنًا وَالْمُصَالَحُ عَلَيْهِ بَعْضَ ذَلِكَ الدَّيْنِ فَلَا يُشْتَرَطُ قَبْضُ بَدَلِ الصُّلْحِ كَالصُّلْحِ عَنْ خَمْسِينَ دِينَارًا بِعِشْرِينَ دِينَارًا اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (الـ 1552) وَيَجُوزُ فِي هَذَا أَنْ يَكُونَ بَدَلُ الصُّلْحِ مُؤَجَّلًا أَيْضًا (الْبَزَّازِيَّةُ فِي الصُّلْحِ) .
يُوجَدُ نَوْعٌ آخَرُ لِلصُّلْحِ يُشْتَرَطُ فِيهِ قَبْضُ بَدَلِ الصُّلْحِ فِي مَجْلِسِ الصُّلْحِ وَهُوَ إذَا كَانَ الْمُصَالَحُ عَنْهُ وَالْمُصَالَحُ عَلَيْهِ مِثْلِيَّيْنِ، فَقَبْضُ الْبَدَلِ شَرْطٌ، سَوَاءٌ أَكَانَ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ كَالصُّلْحِ عَنْ تِلْكَ الْخَمْسِينَ كَيْلَةً حِنْطَةً بِهَذِهِ الْخَمْسِينَ كَيْلَةً حِنْطَةً أَمْ مُخْتَلِفَيْ الْجِنْسِ كَالصُّلْحِ عَنْ تِلْكَ الْخَمْسِينَ كَيْلَةً حِنْطَةً بِهَذِهِ الْعِشْرِينَ كَيْلَةً شَعِيرًا، وَالْحُكْمُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فِي نَحْوِ الصُّلْحِ عَنْ كَذَا رِيَالًا بِكَذَا دِينَارًا، أَوْ عَنْ كَذَا دِينَارًا بِكَذَا رِيَالًا (الْبَزَّازِيَّةُ) .
انْعِقَادُ الصُّلْحِ بِالتَّعَاطِي.
وَكَمَا أَنَّ الصُّلْحَ يَنْعَقِدُ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ كَمَا ذُكِرَ آنِفًا يَنْعَقِدُ أَيْضًا بِالتَّعَاطِي وَيَحْصُلُ ذَلِكَ بِإِعْطَاءِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَالًا لِلْمُدَّعِي - لَا يَحِقُّ لَهُ أَخْذُهُ - وَقَبْضِ الْمُدَّعِي لِذَلِكَ الْمَالِ.
مَثَلًا. لَوْ ادَّعَى الْمُدَّعِي عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَأَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الدَّيْنَ وَأَعْطَى الْمُدَّعِي شَاةً وَقَبَضَهَا الْمُدَّعِي مِنْهُ يَنْعَقِدُ الصُّلْحُ بِالتَّعَاطِي وَلَيْسَ لِلْمُدَّعِي بَعْدَ ذَلِكَ الِادِّعَاءُ بِالْأَلْفِ دِرْهَمٍ كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ اسْتِرْدَادُ تِلْكَ الشَّاةِ، وَأَمَّا إذَا أَعْطَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِلْمُدَّعِي بَعْضَ الْمَالِ الَّذِي كَانَ لِلْمُدَّعِي حَقُّ أَخْذِهِ، وَقَبَضَهُ الْمُدَّعِي فَلَا يَنْعَقِدُ الصُّلْحُ بِالتَّعَاطِي مَثَلًا. لَوْ ادَّعَى الْمُدَّعِي بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَمَعَ أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنْكَرَ الدَّيْنَ دَفَعَ لِلْمُدَّعِي خَمْسَمِائَةِ دِرْهَمٍ وَأَخَذَهَا الْمُدَّعِي وَلَمْ يَجْرِ بَيْنَهُمَا كَلَامٌ يَدُلُّ عَلَى الصُّلْحِ فَلِلْمُدَّعِي طَلَبُ بَاقِي الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ أَخْذَ