الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يَصِيحَ فِي وَجْهِ أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ أَمَّا إذَا تَجَرَّأَ أَحَدُ الْخَصْمَيْنِ عَلَى إسَاءَةِ الْأَدَبِ فَلِلْقَاضِي تَأْدِيبُهُ وَتَعْزِيرُهُ حَتَّى أَنَّهُ إذَا تَشَاتَمَ الْمُتَخَاصِمَانِ فِي حُضُورِ الْقَاضِي وَلَمْ يَنْتَهِيَا بِنَهْيِهِ فَالْقَاضِي مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ حَبَسَهُمَا تَعْزِيرًا وَإِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُمَا. أَمَّا إذَا شَتَمَ أَحَدُ الْخَصْمَيْنِ الْآخَرَ وَتَكَلَّمَ بِحَقِّهِ كَلَامًا مُخِلًّا بِالنَّامُوسِ فَلَيْسَ لِلْقَاضِي تَعْزِيرُ الشَّاتِمِ مَا لَمْ يَطْلُبْ الْمَشْتُومُ وَيَدَّعِي ذَلِكَ لِأَنَّ هَذَا التَّعْزِيرَ هُوَ مِنْ حَقِّ الْمَشْتُومِ وَيُشْتَرَطُ فِي حُقُوقِ النَّاسِ سَبْقُ الدَّعْوَى اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (1829)(الْوَلْوَالِجِيَّةِ) .
تَعْلِيمُ الْقَاضِي الدَّعْوَى وَتَلْقِينُ الشَّهَادَةِ. إذَا أَمَرَ الْقَاضِي اثْنَيْنِ بِتَعْلِيمِ الطَّرَفَيْنِ دَعْوَاهُمَا وَخُصُومَتَهُمَا فَلَا بَأْسَ فِي ذَلِكَ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ (رَدُّ الْمُحْتَارِ وَالْفَتْحُ) كَمَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَلْقِينُ الشَّاهِدِ فِي الْخُصُوصَاتِ الَّتِي يُعْلَمُ أَنَّ زِيَادَةَ الْعِلْمِ فِيهَا لَا تُفِيدُ (الْفَتْحُ) . إذَا اسْتَوْلَتْ الْحِيرَةُ وَالْهَيْبَةُ عَلَى الشَّاهِدِ فَتَرَكَ شَرْطًا مِنْ شُرُوطِ الشَّهَادَةِ كَعَدَمِ ذِكْرِهِ لَفْظَةَ أَشْهَدُ فَيَجُوزُ لِلْقَاضِي أَنْ يَقُولَ لَهُ هَلْ تَشْهَدُ بِذَلِكَ اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (1689) إلَّا أَنَّ جَوَازَ هَذَا التَّلْقِينِ مَشْرُوطٌ بِأَنْ لَا يَكُونَ فِي مَوْضِعِ تُهْمَةٍ، وَالتَّلْقِينُ فِي مَوْضِعِ تُهْمَةٍ غَيْرُ جَائِزٍ بِالِاتِّفَاقِ (الْفَتْحُ) مَثَلًا إذَا ادَّعَى الْمُدَّعِي أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةِ دِرْهَمٍ وَشَهِدَ الشَّاهِدُ بِأَلْفَيْ دِرْهَمٍ فَبِمَا أَنَّ شَهَادَتَهُ سَتُرَدُّ بِحُكْمِ الْمَادَّةِ (1708) فَلِلْقَاضِي أَنْ يَسْأَلَ الشَّاهِدَ بِقَوْلٍ: يُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُدَّعِيَ قَدْ أَبْرَأَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِنْ خَمْسِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَاسْتَفَادَ الشَّاهِدُ مِنْ ذَلِكَ وَقَالَ: نَعَمْ إنَّ الْمُدَّعِيَ قَدْ أَبْرَأَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِنْ خَمْسِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَقَدْ بَقِيَ لِلْمُدَّعِي أَلْفٌ وَخَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ فَالتَّلْقِينُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ غَيْرُ جَائِزٍ بِالِاتِّفَاقِ كَمَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَلْقِينُ أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ (رَدُّ الْمُحْتَارِ) .
تَكَلُّمُ أَعْوَانِ الْقَاضِي مَعَ الطَّرَفَيْنِ كَلَامًا خَفِيًّا: لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَكَلَّمَ أَعْوَانُ الْقَاضِي أَيْ كَتَبَتُهُ وَخَدَمَتُهُ مَعَ الطَّرَفَيْنِ بِشَأْنٍ مِنْ شُؤُونِ دَعْوَاهُمَا وَكَذَلِكَ يَجِبُ عَلَى الْقَاضِي أَلَّا يَتَكَلَّمَ مَعَ الطَّرَفَيْنِ فِي خُصُوصِ دَعْوَاهُمَا خَارِجَ مَجْلِسِ الْمُحَاكَمَةِ (رَدُّ الْمُحْتَارِ والولوالجية) .
قَبُولُ الْقَاضِي الِاسْتِدْعَاءَ: لَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يَقْبَلَ أَثْنَاءَ التَّدَاعِي وَالْمُرَافَعَةِ اسْتِدْعَاءً مِنْ أَحَدٍ وَلَهُ قَبُولُ ذَلِكَ بَعْدَ الْمُحَاكَمَةِ، وَلَا يَأْخُذُ بِمَا فِيهِ إلَّا إذَا أَقَرَّ صَرِيحًا (الدُّرُّ الْمُخْتَارُ) .
[
(الْمَادَّةُ 1799) الْقَاضِي مَأْمُورٌ بِالْعَدْلِ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ]
الْمَادَّةُ (1799) - (الْقَاضِي مَأْمُورٌ بِالْعَدْلِ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ بِنَاءً عَلَيْهِ يَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنْ يُرَاعِيَ الْعَدْلَ وَالْمُسَاوَاةَ فِي الْمُعَامَلَاتِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْمُحَاكَمَةِ كَإِجْلَاسِ الطَّرَفَيْنِ وَإِحَالَةِ النَّظَرِ وَتَوْجِيهِ الْخِطَابِ إلَيْهِ مَا وَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا مِنْ الْأَشْرَافِ وَالْآخَرُ مِنْ آحَادِ النَّاسِ) الْقَاضِي مَأْمُورٌ بِالْعَدْلِ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ: قَدْ بُيِّنَ فِي كُتُبِ اللُّغَةِ مَعَانٍ كَثِيرَةٌ لِلْعَدْلِ إلَّا أَنَّهُ فِي هَذَا الْمَقَامِ يُنَاسِبُ مَعْنَيَانِ مِنْ مَعَانِي الْعَدْلِ.
الْأَوَّلُ: الْعَدْلُ بِمَعْنَى الْمُسَاوَاةِ إذْ يُقَالُ: قَسَمُوا بَيْنَهُمْ عَلَى الْعَدْلِ أَيْ عَلَى الْمُسَاوَاةِ. وَتَفْرِيعُ الْمَجَلَّةِ الْعَدْلُ هُوَ بِهَذَا الْمَعْنَى، وَبِتَعْبِيرٍ آخَرَ إنَّ الْقَاضِيَ مَأْمُورٌ بِالْمُسَاوَاةِ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ إذْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ الشَّرِيفِ «إذَا اُبْتُلِيَ أَحَدُكُمْ بِالْقَضَاءِ فَلْيُسَوِّ بَيْنَهُمْ فِي الْجُلُوسِ النَّظَرِ وَالْإِشَارَةِ وَلَا يَرْفَعْ صَوْتَهُ عَلَى أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ دُونَ الْآخَرِ» وَقَدْ وَرَدَ فِي الْكِتَابِ الَّذِي أَرْسَلَهُ الْخَلِيفَةُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إلَى الْقُضَاةِ فِي زَمَانِهِ أَنْ آسِ بَيْنَ النَّاسِ فِي وَجْهِك وَعَدْلِك وَمَجْلِسِك حَتَّى لَا يَطْمَعَ شَرِيفٌ فِي حَيْفِك وَلَا يَيْأَسَ ضَعِيفٌ مِنْ عَدْلِك (فَتْحُ الْقَدِيرِ) .
كَمَا أَنَّ عَدَمَ الْمُسَاوَاةِ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ يُوجِبُ كَسْرَ قَلْبِ أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ إذْ أَنَّ الْقَاضِيَ لَوْ تَوَجَّهَ إلَى أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ يُوجِبُ ذَلِكَ أَنْ يَتَجَرَّأَ عَلَى خَصْمِهِ وَيَكُونَ مِنْ نَتِيجَتِهِ انْكِسَارُ هِمَّةِ الْخَصْمِ وَضَيَاعُ حَقِّهِ فِي النَّتِيجَةِ (مَجْمَعُ الْأَنْهُرِ وَالزَّيْلَعِيُّ) .
وَقَدْ وَرَدَ فِي الْآيَةِ الْجَلِيلَةِ {فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ} [المائدة: 44] وَفِي ذَلِكَ نَهْيٌ لِلْقُضَاةِ مِنْ الْخَوْفِ مِنْ غَيْرِ رَبِّ الْعِبَادِ وَمِنْ مُرَاعَاةِ الْخَاطِرِ وَالْمُدَاهَنَةِ (الْقَاضِي) . بِنَاءٌ عَلَيْهِ يَلْزَمُ عَلَى الْقَاضِي أَنْ يُرَاعِيَ الْعَدْلَ وَالْمُسَاوَاةَ فِي الْمُعَامَلَاتِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْمُحَاكَمَةِ كَإِجْلَاسِ الطَّرَفَيْنِ وَإِحَالَةِ النَّظَرِ وَتَوْجِيهِ الْخِطَابِ إلَيْهِ مَا وَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا مِنْ الْأَشْرَافِ وَالْآخَرُ مِنْ آحَادِ النَّاسِ أَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَبًا وَالْآخَرُ وَلَدَهُ أَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا صَغِيرَ السِّنِّ وَالْآخَرُ كَبِيرَهُ أَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُسْلِمًا وَالْآخَرُ غَيْرَ مُسْلِمٍ فَإِذَا رَاعَى الْقَاضِي الْمُسَاوَاةَ التَّامَّةَ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ فَلَا يَأْمُلُ الشَّرِيفُ مِيلَ الْقَاضِي إلَى جَانِبِهِ لِشَرَفِهِ وَوَجَاهَتِهِ كَمَا أَنَّ آحَادَ النَّاسِ لَا يَخَافُ عَنْ أَنْ يَجُورَ بِهِ الْقَاضِي لِضَعْفِهِ بِالْتِزَامِ خَصْمِهِ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ يَتَّصِلُ الْجَمِيعُ بِحُقُوقِهِمْ (الْوَلْوَالِجِيَّةِ فِي آدَابِ الْقَاضِي) . لَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يُفْتِيَ أَحَدَ الطَّرَفَيْنِ أَيْ أَنْ يُبْدِيَ رَأْيًا لِأَحَدِ الْخَصْمَيْنِ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي يَتَخَاصَمَانِ بِهَا وَلِذَلِكَ قَدْ وَرَدَ فِي الْمَادَّةِ (1815) مِنْ الْمَجَلَّةِ (أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يُفْشِي رَأْيَهُ قَبْلَ الْحُكْمِ) وَإِنَّ إرَاءَةَ الْقَاضِي الطَّرِيقَ لِأَحَدِ الْخَصْمَيْنِ بِقَوْلِ ادَّعِ كَذَا أَوْ اُطْلُبْ كَذَا غَيْرُ جَائِزٍ وَمَكْرُوهٌ وَلَكِنْ لِلْقَاضِي أَنْ يُفْتِيَ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ أَوْ فِي غَيْرِهِ لِغَيْرِ الْخَصْمَيْنِ فِي الْأُمُورِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْعَقَائِدِ أَوْ فِي الْمُعَامَلَاتِ أَيْ أَنَّ لَهُ أَنْ يُبَيِّنَ لِلسَّائِلِ الْمَسْأَلَةَ الشَّرْعِيَّةَ (رَدُّ الْمُحْتَارِ) . لَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يَقُومَ لِأَحَدِ الْخَصْمَيْنِ أَمَّا إذَا أَقَامَ لِكِلَيْهِمَا فَجَائِزٌ (الدُّرُّ الْمُنْتَقَى) . لَا يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يُجْلِسَ أَحَدَ الْخَصْمَيْنِ إلَى يَمِينِهِ وَأَنْ يُجْلِسَ الْآخَرَ إلَى يَسَارِهِ لِأَنَّ جِهَةَ الْيَمِينِ تُرَجَّحُ عَلَى جِهَةِ الْيَسَارِ فَيَكُونُ قَدْ أَخَلَّ بِوَاجِبِ الْمُسَاوَاةِ بَيْنَهُمَا وَلِهَذَا الشَّرَفِ فَقَدْ خَصَّصَ النَّبِيُّ عليه السلام جِهَةَ الْيَمِينِ لِلصَّحَابِيِّ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ.
الْمَوْقِعُ الَّذِي يَجِبُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ الطَّرَفَانِ فِي حُضُورِ الْقَاضِي وَصُورَةِ جُلُوسِهِمَا: عَلَى الْقَاضِي أَنْ يَجْلِسَ الطَّرَفَيْنِ أَمَامَهُ فِي مَوْقِعٍ قَرِيبٍ يَسْتَطِيعُ بِهِ سَمَاعَ صَوْتِهِمَا الْعَادِي بِدُونِ
أَنْ يَكُونَ مُحْتَاجًا لَأَنْ يَنْصِتَ بِاهْتِمَامٍ أَوْ يَحْتَاجَ لِرَفْعِ الصَّوْتِ وَهَذَا يُقَدَّرُ بِمَسَافَةِ ذِرَاعَيْنِ وَيَمْنَعُ الْقَاضِي الطَّرَفَيْنِ مِنْ رَفْعِ صَوْتِهِمَا فَلَا يُجْلِسُهُمَا فِي جَانِبٍ وَاحِدٍ لِأَنَّهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ يَكُونُ أَحَدُهُمَا أَقْرَبَ لِلْقَاضِي مِنْ الْآخَرِ فَلَا يَكُونُ فِي جُلُوسِهِمَا مُسَاوَاةٌ (الزَّيْلَعِيّ وَرَدُّ الْمُحْتَارِ وَالْعِنَايَةُ وَالْفَتْحُ) . يَجِبُ عَلَى الْخَصْمَيْنِ أَنْ يَجْلِسَا فِي حُضُورِ الْقَاضِي كَجُلُوسِ الْمُصَلِّي حِينَ التَّشَهُّدِ فَإِذَا أَرَادَا الْجُلُوسَ مُتَرَبِّعَيْنِ أَوْ بِصُورَةٍ أُخْرَى فَلِلْقَاضِي مَنْعُهُمَا تَعْظِيمًا لِلْقَضَاءِ وَلَمْ يَكُنْ مَعْرُوفًا وُقُوفُ الْمُتَخَاصِمِينَ فِي حُضُورِ الْقَاضِي كَمَا هُوَ الْحَالُ فِي زَمَانِنَا وَقَدْ حَدَثَ ذَلِكَ مُؤَخَّرًا لِظُهُورِ الِاحْتِيَاجِ إلَى ذَلِكَ وَإِنَّ النَّاسَ فِي أَحْوَالِهِمْ وَآدَابِهِمْ مُخْتَلَفُونَ وَقَدْ ظَهَرَ فِي هَذَا الزَّمَنِ بَعْضُ أُمُورٍ وَظَهَرَ بَعْضُ السُّفَهَاءِ فَلِلْقَاضِي أَنْ يُجْرِيَ الْعَمَلَ بِمُقْتَضَى الْحَالِ الَّذِي يَرَاهُ مُنَاسِبًا يُجْلِسُ مَنْ يَسْتَحِقُّ الْجُلُوسَ وَيُوقِفُ مَنْ يَسْتَحِقُّ الْوُقُوفَ وَيُعْطِي كُلَّ إنْسَانٍ مَا يَسْتَحِقُّ وَلَا يَجِبُ أَنْ يُفْهَمَ مِنْ هَذَا أَنَّ لِلْقَاضِي إجْلَاسَ أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ وَإِيقَافَ الْخَصْمِ الْآخَرِ. فَإِذَا سَاوَى الْقَاضِي بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَأَصْدَرَ حُكْمَهُ بِحَقٍّ فَلَا يُؤَاخَذُ إذَا مَالَ قَلْبُهُ لِأَحَدِ الطَّرَفَيْنِ (الزَّيْلَعِيّ) أَيْ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلَّا وُسْعَهَا. الثَّانِي: الْعَدْلُ بِمَعْنَى عَدَمِ الْجَوْرِ وَهُوَ إجْرَاءُ الْأَمْرِ وَالْحَالِ الْمُسْتَقِيمِ الَّذِي تُوجِبُهُ النُّفُوسُ وَالْعُقُولُ لِأَنَّ الْقَاضِيَ مَأْمُورٌ بِالْعَدْلِ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ فَهُوَ مَجْبُورٌ أَنْ يَحْكُمَ لِمَنْ لَهُ الْحَقُّ. وَلِذَلِكَ يَجِبُ عَلَى الْقَاضِي أَنْ يَخَافَ اللَّهَ أَحْكَمَ الْحَاكِمِينَ وَالْعَزِيزَ ذَا الِانْتِقَامِ وَأَنْ يَحْكُمَ بِالْحَقِّ فَلَا يَتَّبِعَ هَوَاهُ أَوْ يُرَاعِيَ مَثَلًا خَاطِرَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ بَلْدَتِهِ أَوْ أَنْ يَخَافَ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ النُّفُوذِ ذَوِي السَّيْطَرَةِ فَيَحْكُمَ بِتَأْثِيرِ ذَلِكَ.
يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ لَا يَحْذَرَ لَوْمَ لَائِمٍ أَوْ طَعْنَ طَاعِنٍ وَأَنْ لَا يَرْغَبَ فِي شَيْءٍ وَأَنْ لَا يُرَاعِيَ خَاطِرَ أَحَدٍ فَلَا يَنْحَرِفُ فِي حَالٍ مِنْ الْأَحْوَالِ عَنْ إجْرَاءِ الْعَدْلِ وَأَنْ لَا يَطْرِقَ طَرِيقَ التَّحَيُّزِ وَيَجِبُ أَنْ يَحْكُمَ مُرَجِّحًا فِي حُكْمِهِ طَاعَةَ الرَّبِّ وَطَمَعًا فِي جَزِيلِ الثَّوَابِ وَهَرَبًا مِنْ الْعَذَابِ الْأَلِيمِ وَأَنْ يَتَّبِعَ الْحِكْمَةَ. وَبِمَا أَنَّ الْمُسْلِمَ وَغَيْرَ الْمُسْلِمِ مُتَسَاوِيَانِ فِي الْمُعَامَلَاتِ وَفِي أَمْرِ الْعَدْلِ فَيَجِبُ الْحُكْمُ عِنْدَ إجْرَاءِ الْمُحَاكَمَةِ لِلطَّرَفِ الْمُحِقِّ مِنْهُمَا. وَقَدْ حَكَمَ النَّبِيُّ عليه السلام عَلَى مُسْلِمٍ قَتَلَ ذِمِّيًّا بِالْقِصَاصِ (مَجْمَعُ الْأَنْهُرِ) . احْتِرَامُ الْقَاضِي، يَجِبُ عَلَى الطَّرَفَيْنِ أَنْ يَحْتَرِمَا الْقَاضِي الْحُرْمَةَ اللَّائِقَةَ وَأَنْ يَجْتَنِبَا الْأَفْعَالَ وَالْأَقْوَالَ الْمُخِلَّةَ بِالْآدَابِ فَلِذَلِكَ لَوْ قَالَ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ لِلْقَاضِي (قَدْ حَكَمْت لِخَصْمِي لِأَنَّك أَخَذْت رِشْوَةً مِنْهُ) فَالْقَاضِي يُعَزِّرُهُ.