الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مَثَلًا يَصِحُّ الصُّلْحُ عَنْ الْقِصَاصِ سَوَاءٌ كَانَ بَدَلَ الصُّلْحِ زَائِدًا عَنْ الدِّيَةِ أَوْ نَاقِصًا عَنْهَا إلَّا أَنَّهُ إذَا كَانَ وَلِيُّ الْقِصَاصِ صَغِيرًا وَتَصَالَحَ الْوَلِيُّ، أَوْ الْوَصِيُّ مَعَ الْقَاتِلِ عَلَى بَدَلٍ أَنْقَصَ مِنْ الدِّيَةِ فَلَا يَصِحُّ؛ فَلِذَلِكَ إذَا بَلَغَ الصَّغِيرُ فَلَهُ أَنْ يُطَالِبَهُ بِتَمَامِ الدِّيَةِ مَا لَمْ يَثْبُتْ الْقَتْلُ وَيَكُونُ مَعْلُومًا بِأَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ سَيَحْلِفُ الْيَمِينَ فَفِي تِلْكَ الصُّورَةِ يَصِحُّ صُلْحُ الْوَلِيِّ أَوْ الْوَصِيِّ عَلَى بَدَلٍ أَنْقَصَ مِنْ الدِّيَةِ، وَالْمَجْنُونُ وَالْمَعْتُوهُ كَالصَّغِيرِ فِي هَذَا الْحُكْمِ (مِعْيَارُ الْعَدَالَةِ) .
[
(الْمَادَّةُ 1548) إنْ وَقَعَ الصُّلْحُ عَنْ الْإِقْرَارِ عَلَى مَالٍ مُعَيَّنٍ عَنْ دَعْوَى مَالٍ مُعَيَّنٍ]
الْمَادَّةُ (1548) - (إنْ وَقَعَ الصُّلْحُ عَنْ الْإِقْرَارِ عَلَى مَالٍ مُعَيَّنٍ عَنْ دَعْوَى مَالٍ مُعَيَّنٍ فَهُوَ فِي حُكْمِ الْبَيْعِ، فَكَمَا يَجْرِي فِيهِ خِيَارُ الْعَيْبِ وَالرُّؤْيَةِ وَالشَّرْطِ. كَذَلِكَ تَجْرِي دَعْوَى الشُّفْعَةِ أَيْضًا إنْ كَانَ الْمُصَالَحُ عَلَيْهِ، أَوْ الْمُصَالَحُ عَنْهُ عَقَارًا، وَلَوْ اُسْتُحِقَّ كُلُّ الْمُصَالَحِ عَنْهُ، أَوْ بَعْضُهُ يُسْتَرَدُّ هَذَا الْمِقْدَارُ مِنْ بَدَلِ الصُّلْحِ كُلًّا، أَوْ بَعْضًا وَلَوْ اُسْتُحِقَّ بَدَلُ الصُّلْحِ كُلُّهُ، أَوْ بَعْضُهُ يَطْلُبُ الْمُدَّعِي مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ذَلِكَ الْمِقْدَارَ مِنْ الْمُصَالَحِ عَنْهُ كُلًّا، أَوْ بَعْضًا. مَثَلًا لَوْ ادَّعَى أَحَدٌ عَلَى آخَرَ دَارًا، وَتَصَالَحَ عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُ كَذَا دَرَاهِمَ مَعَ أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَقَرَّ بِكَوْنِ الدَّارِ لَهُ يَكُونُ كَأَنَّ الْمُدَّعِيَ بَاعَ تِلْكَ الدَّارَ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَتَجْرِي فِي هَذَا أَحْكَامُ الْبَيْعِ عَلَى مَا ذُكِرَ آنِفًا) .
إنْ وَقَعَ الصُّلْحُ عَنْ الْإِقْرَارِ عَلَى مَالٍ مُعَيَّنٍ عَنْ دَعْوَى مَالٍ مُعَيَّنٍ، وَيُفْهَمُ مِنْ ذِكْرِ الْمَالِ عَلَى الْإِطْلَاقِ هُنَا أَنَّ ذَلِكَ الْمَالَ أَعَمُّ سَوَاءٌ كَانَ مِثْلِيًّا، أَوْ قِيَمِيًّا، فَهُوَ فِي حُكْمِ الْبَيْعِ سَوَاءٌ كَانَ الْمُصَالَحُ عَلَيْهِ قِيَمِيًّا أَوْ كَانَ مِثْلِيًّا مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الْمُدَّعَى بِهِ، وَتَجْرِي فِيهِ أَحْكَامُ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ هَذَا الصُّلْحَ يَتَضَمَّنُ مَعْنَى الْبَيْعِ الَّذِي هُوَ مُبَادَلَةُ مَالٍ بِمَالٍ (مَجْمَعُ الْأَنْهُرِ وَتَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) فَكَذَلِكَ الصُّلْحُ الْآتِي ذِكْرُهُ هُوَ فِي حُكْمِ الْبَيْعِ.
أَوَّلًا: إذَا كَانَ الْمُصَالَحُ عَنْهُ وَالْمُصَالَحُ عَلَيْهِ عَيْنًا، وَكَانَ كِلَاهُمَا قِيَمِيًّا، أَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا قِيَمِيًّا، وَالْآخَرُ مِثْلِيًّا، وَوَقَعَ الصُّلْحُ عَنْ إقْرَارٍ كَانَ الصُّلْحُ صَحِيحًا، وَفِي حُكْمِ الْبَيْعِ ثَانِيًا: إذَا كَانَ كِلَا الْمُصَالَحِ عَنْهُ وَالْمُصَالَحِ عَلَيْهِ مِثْلِيًّا مُخْتَلِفَ الْجِنْسِ، وَقُبِضَ بَدَلُ الصُّلْحِ فِي مَجْلِسِ الصُّلْحِ كَانَ الصُّلْحُ صَحِيحًا، وَفِي حُكْمِ الْبَيْعِ أَمَّا إذَا وَقَعَ الصُّلْحُ عَنْ إقْرَارٍ عَلَى جِنْسِ الْمُدَّعَى بِهِ فَفِي ذَلِكَ ثَلَاثُ صُوَرٍ: الصُّورَةُ الْأُولَى: إذَا كَانَ الصُّلْحُ عَلَى أَقَلَّ كَانَ خَطَأً وَإِبْرَاءً اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (1552) .
الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ: إذَا وَقَعَ الصُّلْحُ عَلَى عَيْنِ الْمِقْدَارِ كَانَ قَبْضًا وَاسْتِيفَاءً كَأَنْ يُصَالِحَ أَحَدٌ آخَرَ لَهُ فِي ذِمَّتِهِ عَشَرَةُ دَنَانِيرِ عَلَى عَشَرَةِ دَنَانِيرَ.
الصُّورَةُ الثَّالِثَةُ: الصُّلْحُ بِأَكْثَرَ كَأَنْ يَحْصُلَ الصُّلْحُ عَلَى دَيْنٍ بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ بِاثْنَيْ عَشَرَ دِينَارًا
فَهَذَا الصُّلْحُ رِبًا، وَغَيْرُ جَائِزٍ (الْبَحْرُ وَعَبْدُ الْحَلِيمِ وَرَدُّ الْمُحْتَارِ) .
وَيَتَفَرَّعُ عَنْ أَنَّ الصُّلْحَ فِي حُكْمِ الْبَيْعِ عَشْرُ مَسَائِلَ: الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: إذَا حَصَلَ الصُّلْحُ عَنْ دَعْوَى دَارِ عَلَى كَذَا دِرْهَمًا مُؤَجَّلَةً إلَى وَقْتٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ كَوَقْتِ نُزُولِ الْمَطَرِ فَلَا يَصِحُّ اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (248) .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: إذَا كَانَ الْمُصَالَحُ عَلَيْهِ مَجْهُولًا فَسَدَ الصُّلْحُ اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (238)(مَجْمَعُ الْأَنْهُرِ) .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: الصُّلْحُ عَنْ أَلْفِ دِرْهَمٍ ثَمَنِ مَبِيعٍ عَلَى مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ ثَابِتٍ فِي الذِّمَّةِ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ يَكُونُ مَعْدُومًا، وَإِنْ نُقِدَ فِي الْمَجْلِسِ، أَوْ ذُكِرَتْ شَرَائِطُ السَّلَمِ؛ لِأَنَّ رَأْسَ الْمَالِ دَيْنٌ (الْبَزَّازِيَّةُ) .
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: إذَا تَصَالَحَ الْمُدَّعِي عَنْ دَعْوَى أَلْفِ دِرْهَمٍ مُؤَجَّلَةٍ عَنْ إقْرَارٍ عَلَى مَالٍ، وَظَهَرَ بَعْدَ الصُّلْحِ فِي ذَلِكَ الْمَالِ عَيْبٌ وَفَسَخَ الْمُدَّعِي الْعَقْدَ بِخِيَارِ الْعَيْبِ عَادَ الْأَجَلُ.
أَمَّا إذَا أُقِيلَ الْبَيْعُ فَلَا يَعُودُ الْأَجَلُ، وَيُصْبِحُ الدَّيْنُ مُعَجَّلًا.
كَذَلِكَ فِي حَالَةِ الرَّدِّ بِخِيَارِ الْعَيْبِ إذَا كَانَ لِلْمَدِينِ كَفِيلٌ، أَوْ رَهْنٌ تَرْجِعُ الْكَفَالَةُ وَالرَّهِينَةُ اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ (248)(الْبَزَّازِيَّةُ) .
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: كَمَا يَجْرِي فِي الْبَيْعِ خِيَارُ الْعَيْبِ وَخِيَارُ الرُّؤْيَةِ وَخِيَارُ الشَّرْطِ كَذَلِكَ تَجْرِي فِي كِلَا الْمُصَالَحِ عَنْهُ وَالْمُصَالَحِ عَلَيْهِ دَعْوَى الشُّفْعَةِ، وَإِذَا كَانَ الْمُصَالَحُ عَلَيْهِ أَوْ الْمُصَالَحُ عَنْهُ عَقَارًا، وَفِي أَحَدِهِمَا فَقَطْ إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا عَقَارًا وَسَيُوَضَّحُ ذَلِكَ حَسَبَ مَا يَأْتِي: خِيَارُ الْعَيْبِ: إذَا وَجَدَ الْمُدَّعِي عَيْبًا قَدِيمًا فِي بَدَلِ الصُّلْحِ فَلَهُ رَدُّهُ سَوَاءٌ كَانَ الْعَيْبُ يَسِيرًا، أَوْ فَاحِشًا اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (الـ 337) وَيَرْجِعُ فِي الدَّعْوَى إنْ كَانَ رَدَّهُ بِحُكْمٍ، أَوْ بِغَيْرِ حُكْمٍ وَلَوْ وَجَدَ بِمَا وَقَعَ عَلَيْهِ الصُّلْحُ عَيْبًا فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى رَدِّهِ لِأَجْلِ الْهَلَاكِ أَوْ لِأَجْلِ الزِّيَادَةِ، أَوْ لِأَجْلِ النُّقْصَانِ فِي يَدِ الْمُدَّعِي، فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِحِصَّةِ الْعَيْبِ، فَإِنْ كَانَ الصُّلْحُ عَنْ إقْرَارٍ رَجَعَ بِحِصَّةِ الْعَيْبِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي الْمُدَّعَى بِهِ، وَإِنْ كَانَ عَنْ إنْكَارٍ رَجَعَ بِحِصَّةِ الْعَيْبِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي دَعْوَاهُ أَقَامَ بَيِّنَةً أَوْ حَلَّفَهُ، وَنَكَلَ اسْتَحَقَّ حِصَّةَ الْعَيْبَ مِنْهُ، وَإِنْ حَلَفَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ (التَّكْمِلَةُ) .
وَكَذَلِكَ إذَا ظَهَرَ بَدَلُ الصُّلْحِ النَّقْدُ زُيُوفًا لِلْمُدَّعِي أَنْ يَرُدَّهُ، وَيَطْلُبَ جَيِّدَةً حَتَّى، وَلَوْ كَانَ نَظَرَهُ حِينَ الْقَبْضِ.
مَثَلًا: إذَا رُئِيَ أَنَّ الدَّنَانِيرَ الَّتِي أَعْطَاهَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَدَلًا لِلصُّلْحِ مُزَيَّفَةٌ فَقَالَ لِلْمُدَّعِي: خُذْهَا وَاصْرِفْهَا وَإِذَا لَمْ تَسْتَطِعْ صَرْفَهَا رُدَّهَا إلَيَّ فَأَخَذَهَا الْمُدَّعِي، وَلَمْ يَسْتَطِعْ صَرْفَهَا فَلَهُ رَدُّهَا لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَعَ كَوْنِهِ إذَا قَالَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي بِعْ الْمَبِيعَ فَإِذَا لَمْ يَشْتَرِهِ مِنْكَ أَحَدٌ رُدَّهُ إلَيَّ بِخِيَارِ الْعَيْبِ فَأَعْرَضَهُ الْمُشْتَرِي لِلْبَيْعِ وَلَمْ يَشْتَرِهِ أَحَدٌ فَأَرَادَ رَدَّهُ لِلْبَائِعِ فَلِلْبَائِعِ أَنْ لَا يَقْبَلَهُ.
وَوَجْهُ الْفَرْقِ فِي الصُّورَتَيْنِ هُوَ أَنَّ النُّقُودَ الَّتِي قَبَضَهَا الدَّائِنُ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى لَمْ تَكُنْ عَنْ حَقِّهِ بَلْ هِيَ مِثْلُ حَقِّهِ
وَحَيْثُ لَا تَكُونُ حَقَّهُ مَا لَمْ يَرْضَ بِهَا فَلِذَلِكَ يُعَدُّ الْقَابِضُ مُتَصَرِّفًا فِي مِلْكِ الْبَائِعِ بِأَمْرِهِ فَلَا يَبْطُلُ حَقُّ الْقَابِضِ أَمَّا الْمَقْبُوضُ فِي الْبَيْعِ فَهُوَ عَيْنُ حَقِّ الْقَابِضِ إلَّا أَنَّهُ مَعِيبٌ وَقَوْلُ الْبَائِعِ لَهُ: بِعْهُ لَمْ يَكُنْ أَمْرًا بِالتَّصَرُّفِ فِي مِلْكِ الْبَائِعِ بَلْ يَكُونُ الْمُشْتَرِي قَدْ تَصَرَّفَ فِي مَالِ نَفْسِهِ، وَأَبْطَلَ حَقَّ رَدِّهِ (الْخَانِيَّةُ وَتَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) .
خِيَارُ الرُّؤْيَةُ: إذَا لَمْ يَرَ الْمُصَالِحُ بَدَلَ الصُّلْحِ وَقْتَ الْعَقْدِ فَيَكُونُ مُخَيَّرًا عِنْدَ رُؤْيَتِهِ، اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (320) .
كَذَلِكَ يُرَدُّ الْمُصَالَحُ عَنْهُ الَّذِي لَمْ يُرَ الرُّؤْيَةَ (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) .
خِيَارُ الشَّرْطِ - إذَا تَصَالَحَ الْمُتَصَالِحَانِ عَلَى أَنْ يَكُونَ كِلَاهُمَا، أَوْ أَحَدُهُمَا مُخَيَّرًا كَذَا يَوْمًا صَحَّ الصُّلْحُ اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (300) ؛ فَلِذَلِكَ إذَا رَدَّ الصُّلْحَ بِسَبَبِ أَحَدِ هَذِهِ الْخِيَارَاتِ الثَّلَاثَةِ، وَفَسَخَ انْفَسَخَ الصُّلْحُ (عَبْدُ الْحَلِيمِ) .
الشُّفْعَةُ: إذَا ادَّعَى أَحَدٌ - الدَّارَ الَّتِي فِي يَدِ آخَرَ فَأَقَرَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّ الدَّارَ الْمَذْكُورَةَ مِلْكٌ لِلْمُدَّعِي، وَصَالَحَهُ عَلَى دَارِ أُخْرَى فَتَجْرِي الشُّفْعَةُ فِي الْمُصَالَحِ عَنْهُ فَقَطْ اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (1017) .
وَإِذَا لَمْ يَكُنْ بَدَلُ الصُّلْحِ مِائَتِي دِرْهَمٍ، وَكَانَ قِيَمِيًّا كَفَرَسٍ مَعْلُومَةٍ فَلِلشَّفِيعِ أَنْ يُعْطِيَ قِيمَةَ ذَلِكَ الْمَالِ، وَيَأْخُذَ الْمَشْفُوعَ (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) .
وَقَدْ جَاءَ فِي رَدُّ الْمُحْتَارِ (وَيَلْزَمُ الشَّفِيعَ مِثْلُ بَدَلِ الْآخَرِ لَوْ كَانَ مِثْلِيًّا، أَوْ قِيمَتُهُ لَوْ كَانَ قِيَمِيًّا رَدُّ الْمُحْتَارِ) .
الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ: إذَا كَانَ بَدَلُ الصُّلْحِ مُحْتَاجًا لِلتَّسْلِيمِ فَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مَقْدُورَ التَّسْلِيمِ وَأَنْ لَا يَكُونَ فِي تَسْلِيمِهِ ضَرَرٌ اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (198) وَشَرْحَ الْمَادَّةِ (1547)(الْهِدَايَةُ وَالْكِفَايَةُ) .
فَلِذَا لَا يَصِحُّ الصُّلْحُ عَلَى طَيْرٍ فِي الْهَوَاءِ وَسَمَكَةٍ فِي الْبَحْرِ (التَّكْمِلَةُ) أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ مُحْتَاجًا لِلتَّسْلِيمِ فَلَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ.
فَلَا يَصِحُّ الصُّلْحُ عَلَى جَذَعَةٍ فِي السَّقْفِ وَذِرَاعٍ مِنْ ثَوْبٍ تَضُرُّهُ الْقِسْمَةُ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ بِدُونِ ضَرَرٍ (التَّكْمِلَةُ) .
الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ: إذَا كَانَ بَدَلُ الصُّلْحِ عَيْنًا فَيَجِبُ أَنْ لَا يُؤَجَّلَ اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ (245) وَلِذَلِكَ إذَا تُصُولِحَ عَلَى فَرَسٍ مُعَيَّنٍ مُؤَجَّلَةٍ إلَى شَهْرٍ فَلَا يَصِحُّ (الْبَزَّازِيَّةُ وَعَبْدُ الْحَلِيمِ) .
الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ: وَلَوْ اُسْتُحِقَّ كُلُّ الْمُصَالَحِ عَنْهُ، أَوْ بَعْضُهُ بَعْدَ أَنْ تُرِكَ الْمُدَّعَى بِهِ فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَلِلْمُدَّعِي أَنْ يَسْتَرِدَّ هَذَا الْمِقْدَارَ مِنْ بَدَلِ الصُّلْحِ كُلًّا فِي حَالَةِ ضَبْطِ الْمُصَالَحِ عَلَيْهِ كُلًّا وَبَعْضًا فِي حَالَةِ ضَبْطِ الْمُصَالَحِ عَلَيْهِ بَعْضًا؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا عِوَضٌ لِلْآخَرِ.
مَثَلًا لَوْ ادَّعَى أَحَدٌ الدَّارَ الَّتِي تَحْتَ يَدِ آخَرَ بِأَنَّهَا مِلْكُهُ، وَصَالَحَ الْآخَرُ الْمُدَّعِيَ عَنْ إقْرَارٍ بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ وَبَعْدَ الصُّلْحِ ضُبِطَتْ كُلُّ الدَّارِ بِالِاسْتِحْقَاقِ فَلِلْمُصَالِحِ الْمَذْكُورِ أَنْ يَسْتَرِدَّ الْعَشَرَةَ دَنَانِيرَ أَمَّا إذَا ضُبِطَ نِصْفُهَا بِالِاسْتِحْقَاقِ فَلَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ خَمْسَةَ دَنَانِيرَ فَقَطْ (مَجْمَعُ الْأَنْهُرِ وَأَبُو السُّعُودِ) .
لَكِنْ إذَا كَانَ الصُّلْحُ عَلَى أَنْ يَأْخُذَ الْمُدَّعِي الْمُدَّعَى بِهِ، وَأَنْ يُعْطِيَ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ شَيْئًا، وَضُبِطَ الْمُدَّعَى بِهِ بِالِاسْتِحْقَاقِ مِنْ يَدِ الْمُدَّعِي فَلَيْسَ لِلْمُدَّعِي الرُّجُوعُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِشَيْءٍ مَا؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ عَلَى أَنَّهُ مِلْكُهُ زَعْمًا فَيُؤَاخَذُ بِهِ، وَلَا يَرْجِعُ بِالشَّيْءِ الَّذِي دَفَعَهُ لِرَفْعِ النَّزْعِ (رَدُّ الْمُحْتَارِ) .
وَإِذَا لَمْ يَكُنْ بَدَلُ الصُّلْحِ نُقُودًا أَوْ دَيْنًا، أَوْ اسْتَحَقَّ بَدَلَ الصُّلْحِ الْعَيْنَ كُلَّهُ أَوْ بَعْضَهُ، وَلَمْ يَحُزْ الْمُسْتَحَقَّ، أَوْ تَلِفَ بَدَلُ الصُّلْحِ كُلُّهُ، أَوْ بَعْضُهُ قَبْلَ التَّسْلِيمِ يَطْلُبُ الْمُدَّعِي مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ذَلِكَ الْمِقْدَارَ مِنْ الْمُصَالَحِ عَنْهُ كُلًّا فِي حَالَةِ ضَبْطِ كُلِّهِ، وَبَعْضًا فِي حَالَةِ ضَبْطِ بَعْضِهِ (مَجْمَعُ الْأَنْهُرِ) .
أَمَّا إذَا كَانَ بَدَلُ الصُّلْحِ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ، وَكَانَ مِنْ جِنْسِ الْمُدَّعَى بِهِ فَاسْتِحْقَاقُ ذَلِكَ الْبَدَلِ لَا يُوجِبُ نَقْضَ الصُّلْحِ بَلْ إنَّ لِلْمُدَّعِي أَنْ يَأْخُذَ مِثْلَهُ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ كَمَا أَنَّهُ إذَا هَلَكَ هَذَا الْبَدَلُ قَبْلَ التَّسْلِيمِ فَلَا يُوجِبُ ذَلِكَ نَقْضَ الصُّلْحِ؛ لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ لَا تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ فِي الْعُقُودِ، وَفِي فَسَوْخِ الْعُقُودِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ ثَابِتٌ فِي الذِّمَّةِ، وَلَا يُتَصَوَّرُ اسْتِحْقَاقُ شَيْءٍ ثَابِتٍ فِي الذِّمَّةِ، أَوْ هَلَاكُهُ؛ إذْ إنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُمْكِنٍ.
فَقَوْلُ الْمَجَلَّةِ: وَمَا اُسْتُحِقَّ مِنْ الْبَدَلِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا أَمْكَنَ اسْتِحْقَاقُهُ، وَهُوَ مَا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ أَمَّا مَا لَا يَتَعَيَّنُ فَلَا يُمْكِنُ اسْتِحْقَاقُهُ؛ لِأَنَّ الصُّلْحَ يَنْعَقِدُ عَلَى جِنْسِهِ، وَقَدْرِهِ لَا عَلَى عَيْنِهِ.
وَكَذَلِكَ إذَا أَجَازَ الْمُسْتَحِقُّ الصُّلْحَ يَبْقَى الصُّلْحُ صَحِيحًا، وَيَكُونُ الْعِوَضُ لِلْمُدَّعِي وَلِلْمُسْتَحِقِّ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِبَدَلِ الْعِوَضِ (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) .
فَعَلَيْهِ لَوْ تُصُولِحَ عَلَى دَارِ صُلْحًا عَنْ إقْرَارٍ بِخَمْسِينَ دِينَارًا، وَبَعْدَ أَنْ سُلِّمَتْ الْخَمْسُونَ دِينَارًا لِلْمُدَّعِي اُسْتُحِقَّتْ مِنْ يَدِ الْمُدَّعِي فَلِلْمُدَّعِي أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ خَمْسِينَ دِينَارًا، وَلَا يُنْتَقَضُ الصُّلْحُ (عَبْدُ الْحَلِيمِ) .
أَمَّا لَوْ وَقَعَ الصُّلْحُ عَنْ كَذَا رِيَالًا بِكَذَا دَنَانِيرَ وَقَبَضَ الْمُدَّعِي الدَّنَانِيرَ وَافْتَرَقَ الطَّرَفَانِ ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ الدَّنَانِيرُ فَيَبْطُلُ الصُّلْحُ (الْخَانِيَّةُ) .
هَلْ يَحِقُّ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمُدَّعِي بِشَيْءٍ مِنْ بَدَلِ الصُّلْحِ فِيمَا إذَا ادَّعَى أَحَدٌ عَلَى آخَرَ بِنِصْفِ الدَّارِ الَّتِي تَحْتَ يَدِهِ، وَتَصَالَحَ مَعَهُ عَلَى أَنْ يُؤَدِّيَ لَهُ كَذَا دِينَارًا وَبَعْدَ أَنْ سَلَّمَهُ بَدَلَ الصُّلْحِ اُسْتُحِقَّ نِصْفُ الدَّارِ؟ يُنْظَرُ: إنَّ الْمُدَّعِي إمَّا أَنَّهُ يَدَّعِي بِنِصْفِ الدَّارِ الشَّائِعِ، أَوْ بِنِصْفِهَا الْمُعَيَّنِ فَإِذَا ادَّعَى بِنِصْفِهَا الشَّائِعِ فَفِي ذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ:(1) - أَنْ يَكُونَ الْمُدَّعِي قَدْ قَالَ: إنَّ نِصْفَ الدَّارِ لِي، وَالنِّصْفُ الْآخَرُ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ (2) - أَوْ أَنْ يَقُولَ: إنَّ نِصْفَهَا لِغَيْرِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (3)، أَوْ أَنْ يَقُولَ: إنَّهُ لَا يَعْرِفُ لِمَنْ نِصْفُ الدَّارِ الْآخَرُ؛ فَلِذَلِكَ إذَا قَالَ الْمُدَّعِي: إنَّ نِصْفَ الدَّارِ لِي، وَالنِّصْفُ الْآخَرُ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَلَهُ الرُّجُوعُ بِنِصْفِ بَدَلِ الصُّلْحِ عَلَى الْمُدَّعِي؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَسْتُحِقَّتْ كُلُّ الدَّارِ رَجَعَ بِكُلِّ الْبَدَلِ، فَإِذَا اُسْتُحِقَّ النِّصْفُ يَرْجِعُ بِنِصْفِ الْبَدَلِ وَأَمَّا
إذَا قَالَ الْمُدَّعِي: نِصْفُ الدَّارِ لِي وَالنِّصْفُ الْآخَرُ لَا أَعْرِفُهُ لِمَنْ، أَوْ اكْتَفَى بِقَوْلِهِ: نِصْفُ الدَّارِ لِي وَسَكَتَ عَنْ بَيَانِ الْبَاقِي، وَاسْتُحِقَّ نِصْفُ الدَّارِ الشَّائِعُ فَلَيْسَ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمُدَّعِي بِشَيْءٍ مِنْ بَدَلِ الصُّلْحِ؛ لِأَنَّهُ مَا أَقَرَّ بِالنِّصْفِ الْآخَرِ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَلَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ كَمَا لَوْ ادَّعَى حَقًّا فِي دَارٍ، وَصَالَحَهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ثُمَّ اُسْتُحِقَّ شَيْءٌ مِنْ الدَّارِ فَإِنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُدَّعِي بِشَيْءٍ.
كَذَلِكَ لَوْ قَالَ الْمُدَّعِي: إنَّ نِصْفَ الدَّارِ لِي، وَالنِّصْفُ الْآخَرُ لِشَخْصٍ آخَرَ غَيْرِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَلَيْسَ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ الرُّجُوعُ عَلَى الْمُدَّعِي بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: النِّصْفُ الْآخَرُ لِفُلَانٍ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ بِمَا فِي يَدِ الْغَيْرِ فَلَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ: النِّصْفُ لِي وَسَكَتَ.
أَمَّا إذَا ادَّعَى الْمُدَّعِي نِصْفًا مُعَيَّنًا مِنْ الدَّارِ، وَعَقَدَ الصُّلْحَ مَعَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَاسْتُحِقَّ النِّصْفُ الَّذِي ادَّعَاهُ الْمُدَّعِي فَلِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ الرُّجُوعُ عَلَى الْمُدَّعِي بِجَمِيعِ الْبَدَلِ.
أَمَّا لَوْ اُسْتُحِقَّ النِّصْفُ الْآخَرُ فَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ بِشَيْءٍ، وَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَوْ اُسْتُحِقَّ نِصْفُ الدَّارِ الشَّائِعُ فَلِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ الرُّجُوعُ عَلَى الْمُدَّعِي بِنِصْفِ الْبَدَلِ اعْتِبَارًا لِلْبَعْضِ بِالْكُلِّ (الْخَانِيَّةُ) .
الْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةُ: لَوْ كَانَ بَدَلُ الصُّلْحِ عَرْصَةً وَبَعْدَ أَنْ أَنْشَأَ الْمُدَّعِي فِيهَا أَبْنِيَةً ظَهَرَ مُسْتَحِقٌّ لَهَا، وَادَّعَى بِأَنَّ الْعَرْصَةَ الْمَذْكُورَةَ مِلْكُهُ، وَأَقَامَ بَيِّنَةً، وَأَثْبُت دَعْوَاهُ أَوْ أَنْ كَلَّفَ الْمُدَّعِي الَّذِي قَبَضَ تِلْكَ الْعَرْصَةَ بَدَلَ صُلْحٍ بِحَلِفِ الْيَمِينِ فَنَكَلَ عَنْ الْحَلِفِ فَأَخَذَ الْمُسْتَحِقُّ الْعَرْصَةَ مِنْهُ فَلِلْمُدَّعِي أَنْ يُضَمِّنَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قِيمَةَ بِنَائِهِ لِتَحَقُّقِ التَّقْرِيرِ اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (657) .
مَثَلًا لَوْ ادَّعَى أَحَدٌ عَلَى آخَرَ دَارًا فَأَقَرَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّ الدَّارَ لِلْمُدَّعِي، وَتَصَالَحَ عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُ كَذَا دَرَاهِمَ، أَوْ حَانُوتًا فَيَكُونُ كَأَنَّ الْمُدَّعِيَ بَاعَ تِلْكَ الدَّارَ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَاعَ ذَلِكَ الْحَانُوتَ لِلْمُدَّعِي، وَتَجْرِي فِي هَذَا أَحْكَامُ الْبَيْعِ كَخِيَارِ الْعَيْبِ وَخِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَخِيَارِ الشَّرْطِ وَالشُّفْعَةِ وَالرُّجُوعِ عَنْ الِاسْتِحْقَاقِ وَخِيَارِ الْغُرُورِ وَغَيْرِهَا مِنْ أَحْكَامِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ كِلَا الْمُصَالَحِ عَنْهُ، وَبَدَلِ الصُّلْحِ عِوَضٌ لِلْآخَرِ فَأَيُّهُمَا اُسْتُحِقَّ يَتَحَقَّقُ حَقُّ الرُّجُوعِ بِهِ فَإِذَا اُسْتُحِقَّ كُلُّهُ ثَبَتَ حَقُّ الرُّجُوعِ بِالْكُلِّ، وَإِذَا اُسْتُحِقَّ بَعْضُهُ ثَبَتَ حَقُّ الرُّجُوعِ بِالْبَعْضِ إذْ إنَّ حُكْمَ الْمُعَاوَضَةِ هُوَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ (الدُّرَرُ) .
قَدْ ذَكَرَ بَعْضَ الْمَسَائِلِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالِاسْتِحْقَاقِ فِي شَرْحِ الْمَادَّتَيْنِ (616 و 638) .
وَدَعْوَى الْمَالِ الْمَذْكُورَةُ فِي هَذِهِ الْمَادَّةِ تَشْمَلُ الْوَدِيعَةَ وَالْعَارِيَّةَ وَحَيْثُ إنَّ الصُّلْحَ فِي ذَلِكَ يَحْتَاجُ لِلتَّفْصِيلِ فَيُفَصَّلُ كَمَا يَأْتِي: إنَّ صُلْحَ الْمُسْتَوْدَعِ يَكُونُ عَلَى خَمْسَةِ أَوْجُهٍ: الْوَجْهُ الْأَوَّلُ: أَنْ تَكُونَ الْوَدِيعَةُ قَائِمَةً بِعَيْنِهَا كَأَنْ تَكُونَ عِشْرِينَ رِيَالًا فَيَقَعُ الصُّلْحُ عَلَى عَشَرَةِ رِيَالَاتٍ مِنْهَا، فَإِذَا كَانَ الْمُسْتَوْدَعُ فِي هَذَا الصُّلْحِ مُنْكِرًا لِلْوَدِيعَةِ جَازَ الصُّلْحُ قَضَاءً؛ لِأَنَّ الصُّلْحَ يُبْنَى جَوَازُهُ عَلَى زَعْمِ الْمُدَّعِي، وَفِي زَعْمِهِ أَنَّهُ صَارَ غَاصِبًا بِالْجُحُودِ فَيَجُوزُ الصُّلْحُ مَعَهُ، وَلَا يَجُوزُ هَذَا الصُّلْحُ دِيَانَةً لِأَنَّ فِيهِ فَضْلًا وَأَصْبَحَ رِبًا.
وَإِذَا كَانَ الْمُسْتَوْدَعُ مُقِرًّا، أَوْ كَانَ مُنْكِرًا، فَأَقَامَ الْمُودِعُ الْبَيِّنَةَ فَالصُّلْحُ غَيْرُ جَائِزٍ.
أَمَّا إذَا لَمْ يُقِمْ
الْمُودِعُ الْبَيِّنَةَ فَجَائِزٌ لِأَنَّهُ قَطْعُ خُصُومَةٍ.
أَمَّا إذَا تُصُولِحَ عَلَى عِشْرِينَ رِيَالًا بِعَرَضٍ كَالثَّوْبِ مَثَلًا.
فَهَذَا الصُّلْحُ جَائِزٌ عَلَى الْإِطْلَاقِ.
الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ يَحْصُلَ الصُّلْحُ عَنْ وَدِيعَةِ عِشْرِينَ رِيَالًا بِثَلَاثَةِ أَوْ خَمْسَةِ دَنَانِيرَ فَإِذَا وَقَعَ هَذَا الصُّلْحُ عَنْ إنْكَارٍ، وَقُبِضَ بَدَلُ الصُّلْحِ فِي مَجْلِسِ الصُّلْحِ صَحَّ سَوَاءٌ أَكَانَتْ الرِّيَالَاتُ الْمُودَعَةُ حَاضِرَةً فِي مَجْلِسِ الصُّلْحِ أَمْ لَمْ تَكُنْ حَاضِرَةً.
وَإِذَا كَانَ الصُّلْحُ عَنْ إقْرَارٍ يُنْظَرُ: فَإِذَا كَانَتْ الرِّيَالَاتُ الْمُودَعَةُ حَاضِرَةً فِي مَجْلِسِ الصُّلْحِ، وَجَدَّدَ الْمُسْتَوْدَعُ بَعْدَ الصُّلْحِ قَبْضَهُ فِيهِ فِي تِلْكَ الْوَدِيعَةِ، وَقَبَضَ الْمُسْتَوْدَعُ أَيْضًا الدَّنَانِيرَ فِي الْمَجْلِسِ الْمَذْكُورِ صَحَّ الصُّلْحُ أَمَّا إذَا لَمْ يُجَدِّدْ الْقَبْضَ، أَوْ كَانَتْ الْوَدِيعَةُ غَيْرَ حَاضِرَةٍ مَجْلِسَ الصُّلْحِ فَالصُّلْحُ بَاطِلٌ.
الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنْ يَقَعَ الصُّلْحُ عَلَى مَالٍ بَيْنَ الْمُسْتَوْدَعِ وَالْمُودِعِ بَعْدَ أَنْ يَدَّعِي الْمُسْتَوْدَعُ بِأَنَّهُ رَدَّ الْوَدِيعَةَ، أَوْ أَنْ يَدَّعِيَ هَلَاكَهَا فَيَجُوزُ الصُّلْحُ.
الْوَجْهُ الرَّابِعُ: إذَا ادَّعَى الْمُودِعُ الْإِيدَاعَ وَالْإِتْلَافَ، وَادَّعَى الْمُسْتَوْدَعُ الرَّدَّ أَوْ الْهَلَاكَ، أَوْ ادَّعَى الْمُسْتَوْدَعُ أَوَّلًا الرَّدَّ أَوْ الْهَلَاكَ وَادَّعَى الْمُودِعُ الْإِتْلَافَ وَتَصَالَحَا بَعْدَ ذَلِكَ فَالصُّلْحُ غَيْرُ صَحِيحٍ عِنْدَ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ وَالْإِمَامِ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّ الْبَرَاءَةَ تَثْبُتُ بِقَوْلِ الْمُودِعِ: رَدَدْتُ الْوَدِيعَةَ، وَلَا يُبْطِلُ هَذَا الثُّبُوتَ ادِّعَاءُ الْمَالِكِ الْإِتْلَافَ إلَّا أَنَّ هَذَا الصُّلْحَ جَائِزٌ عِنْدَ الْإِمَامِ مُحَمَّدٍ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فِي قَوْلِهِ الثَّانِي.
وَجَازَ صُلْحُ الْأَجِيرِ الْخَاصِّ وَالْمُودِعِ بَعْد دَعْوَى الْهَلَاكِ، أَوْ الرَّدِّ.
أَمَّا إذَا حَصَلَ الصُّلْحُ بَعْدَ أَنْ ادَّعَى الْمُسْتَوْدَعُ التَّلَفَ بِلَا تَعَدٍّ، أَوْ ادَّعَى الرَّدَّ وَبَعْدَ حَلِفِهِ الْيَمِينَ حَسَبَ الْمَادَّةِ (1774) فَالصُّلْحُ بَاطِلٌ بِالِاتِّفَاقِ.
وَفِي الْخَانِيَّةِ لَوْ رَهَنَ مَتَاعًا بِمِائَةِ دِرْهَمٍ، وَكَانَتْ قِيمَةُ الرَّهْنِ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ ثُمَّ قَالَ الْمُرْتَهَنُ: هَلَكَ الرَّهْنُ، وَقَالَ الرَّاهِنُ: لَمْ يَهْلِكْ، فَتَصَالَحَا عَلَى أَنْ يَرُدَّ الْمُرْتَهَنُ عَلَيْهِ خَمْسِينَ دِرْهَمًا، وَأَبْرَأَهُ عَنْ الْبَاقِي كَانَ بَاطِلًا فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّ هَذَا صُلْحٌ عَنْ الزِّيَادَةِ عَلَى الدَّيْنِ، وَالزِّيَادَةُ عَلَيْهِ أَمَانَةٌ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْمُودِعِ إذَا ادَّعَى هَلَاكَ الْوَدِيعَةِ، وَأَنْكَرَ صَاحِبُهَا فَتَصَالَحَا عَلَى شَيْءٍ كَانَ بَاطِلًا، وَكَذَا الْجَوَابُ إذَا ادَّعَى الْمُرْتَهَنُ رَدَّ الرَّهْنِ عَلَى الرَّاهِنِ، وَأَنْكَرَ الرَّاهِنُ وَلَوْ أَنَّ الرَّاهِنَ ادَّعَى عَلَيْهِ الِاسْتِهْلَاكَ فَلَمْ يُقِرَّ الْمُرْتَهَنُ، وَلَمْ يُنْكِرْ، وَتَصَالَحَا عَلَى شَيْءٍ جَازَ الصُّلْحُ.
الْوَجْهُ الْخَامِسُ: إذَا ادَّعَى الْمُسْتَوْدَعُ الرَّدَّ، أَوْ الْهَلَاكَ وَسَكَتَ الْمُودِعُ، وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا، وَصَالَحَ بَعْدَ ذَلِكَ فَالصُّلْحُ غَيْرُ صَحِيحٍ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَصَحِيحٌ عِنْدَ الْإِمَامِ مُحَمَّدٍ (الْبَزَّازِيَّةُ) .
مُسْتَثْنًى: يُسْتَثْنَى عَنْ حُكْمٍ بِأَنَّ الصُّلْحَ عَنْ إقْرَارٍ هُوَ فِي حُكْمِ الْبَيْعِ الْمَسْأَلَةُ الْآتِيَةُ وَهِيَ: إذَا ادَّعَى الْمُدَّعِي دَيْنًا أَلْفَ دِرْهَمٍ، وَبَعْدَ أَنْ أَقَرَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ صَالَحَ الْمُدَّعِي عَلَى فَرَسٍ ثُمَّ تَصَادَقَ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى عَدَمِ وُجُودِ الدَّيْنِ بَطَلَ الصُّلْحُ وَلَزِمَ الْمُدَّعِي إعَادَةُ الْفَرَسِ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ كَمَا لَزِمَ أَنْ يُعِيدَ الدَّائِنُ الدَّيْنَ الَّذِي قَبَضَهُ إذَا تَصَادَقَ الدَّائِنُ، وَالْمَدِينُ عَلَى عَدَمِ وُجُودِ