الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عُثْمَانَ اشْتَرَاهَا مِنْ عُمَرَ وَأَنَّ عُمَرَ اشْتَرَاهَا مِنْ عَلِيٍّ وَأَثْبَتَ كِلَاهُمَا مُدَّعَاهُ وَحَكَمَ لِمُحَمَّدٍ بِالْفَرَسِ الْمَذْكُورَةِ تَوْفِيقًا لِلْمَادَّةِ " 1758 " فَيَكُونُ هَذَا الْحُكْمُ عَلَى حُسَيْنٍ وَعَلَى عُثْمَانَ الَّذِي تَلَقَّى حَسَنٌ الْمِلْكَ عَنْهُ وَعَلَى عُمَرَ الَّذِي تَلَقَّى عُثْمَانُ الْمِلْكَ عَنْهُ، وَعَلَى عَلِيٍّ الَّذِي تَلَقَّى عُمَرُ الْمِلْكَ عَنْهُ فَلِذَلِكَ لَا تُقْبَلُ دَعْوَى عُثْمَانَ أَوْ عُمَرَ أَوْ عَلِيٍّ بِأَنَّ الْفَرَسَ الْمَذْكُورَةَ مِلْكُهُ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ بِمُوجَبِ هَذِهِ الْمَادَّةِ رُؤْيَةُ وَاسْتِمَاعُ الدَّعْوَى تَكْرَارًا الَّتِي حَكَمَ فِيهَا مُوَافِقًا لِلشَّرْعِ. إذَا لَمْ يُضِفْ الطَّرَفَانِ شَيْئًا عَلَى ادِّعَائِهِمَا وَمُدَافِعَاتهمَا السَّابِقَةِ، أَمَّا إذَا بَيَّنَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَعْدَ الْحُكْمِ عَلَيْهِ دَفْعًا صَحِيحًا فَتُسْمَعُ الدَّعْوَى ثَانِيَةً وَقَدْ ذَكَرَ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (1631) بَعْضَ مَسَائِلَ عَنْ الدَّفْعِ بَعْدَ الْحُكْمِ كَمَا أَنَّهُ سَيَذْكُرُ فِي الْمَادَّةِ (1840) مَسَائِلَ أُخْرَى.
[
(الْمَادَّةُ 1838) ادَّعَى الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ بِأَنَّ الْحُكْمَ الَّذِي صَدَرَ فِي حَقِّ الدَّعْوَى لَيْسَ مُوَافِقًا لِأُصُولِهِ]
الْمَادَّةُ (1838) - (إذَا ادَّعَى الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ بِأَنَّ الْحُكْمَ الَّذِي صَدَرَ فِي حَقِّ الدَّعْوَى لَيْسَ مُوَافِقًا لِأُصُولِهِ الْمَشْرُوعَةِ وَبَيَّنَ جِهَةَ عَدَمِ مُوَافَقَتِهِ وَطَلَبَ اسْتِئْنَافَ الدَّعْوَى يُحَقِّقُ الْحُكْمُ الْمَذْكُورُ فَإِنْ كَانَ مُوَافِقًا لِأُصُولِهِ الْمَشْرُوعَةِ يُصَدَّقُ وَإِلَّا يُسْتَأْنَفُ) إذَا ادَّعَى الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ بِأَنَّ الْحُكْمَ الَّذِي صَدَرَ فِي حَقِّ الدَّعْوَى لَيْسَ مُوَافِقًا لِأُصُولِهِ الْمَشْرُوعَةِ وَبَيَّنَ لِلْقَاضِي جِهَةَ عَدَمِ مُوَافَقَتِهِ لِأُصُولِهِ الْمَشْرُوعَةِ وَطَلَبَ اسْتِئْنَافَ الدَّعْوَى أَيْ طَلَبَ تَدْقِيقَ الْحُكْمِ الَّذِي صَدَرَ ابْتِدَاءً ثَانِيَةً فَيُدَقَّقُ الْحُكْمُ اسْتِئْنَافًا حَسَبَ طَلَبِهِ وَيُحَقَّقُ اسْتِئْنَافًا فِي الْحُكْمِ الَّذِي صَدَرَ ابْتِدَاءً فَإِذَا وُجِدَ مُوَافِقًا لِأُصُولِهِ يُصَدَّقُ وَبِذَلِكَ يَظْهَرُ أَنَّ ادِّعَاءَ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ أَنَّ الْحُكْمَ غَيْرُ مُوَافِقٍ لِأُصُولِهِ الْمَشْرُوعَةِ غَيْرُ حَقِيقِيٍّ، وَإِذَا عُرِضَ حُكْمُ قَاضٍ عَلَى قَاضٍ آخَرَ وَجَرَتْ الْمُرَافَعَةُ الشَّرْعِيَّةُ فِي حُضُورِ الْقَاضِي الثَّانِي فَدَقَّقَ الْقَاضِي فِي الْحُكْمِ وَظَهَرَ لَهُ أَنَّ الْحُكْمَ الْأَوَّلَ مُوَافِقٌ لِلشَّرْعِ وَصَدَقَ الْحُكْمُ فَيُسَمَّى هَذَا التَّصْدِيقُ " تَنْفِيذًا " رَدُّ (الْمُحْتَارِ) .
وَسَبَبُ تَصْدِيقِ ذَلِكَ هُوَ أَنَّ فَسْخَ الْحُكْمِ الْمُوَافِقِ لِلشَّرْعِ وَالْحُكْمَ ثَانِيَةً كَالْحُكْمِ الْأَوَّلِ لَيْسَ فِيهِ فَائِدَةٌ بَلْ يَكُونُ اشْتِغَالًا بِالْعَبَثِ. وَيَكْفِي أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ مُوَافِقًا لِأُصُولِهِ الْمَشْرُوعَةِ، أَنْ يَكُونَ مُوَافِقًا لِمَذْهَبِ الْقَاضِي الْأَوَّلِ. فَلِذَلِكَ لَوْ كَانَ الْقَاضِي الْأَوَّلُ شَافِعِيَّ الْمَذْهَبِ فَحَكَمَ بِمُوجِبِ مَذْهَبِهِ ثُمَّ عُرِضَ هَذَا الْحُكْمُ اسْتِئْنَافًا عَلَى الْقَاضِي الْحَنَفِيِّ فَلَا يَنْقُضُ الْقَاضِي الْحَنَفِيُّ ذَلِكَ الْحُكْمَ وَلَوْ كَانَ مُخَالِفًا لِمَذْهَبِهِ بَلْ يُصَدِّقُهُ كَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْقَاضِي الْأَوَّلُ حَنَفِيًّا وَحَكَمَ بِمُوجِبِ مَذْهَبِهِ وَعُرِضَ الْحُكْمُ ثَانِيَةً عَلَى الْقَاضِي الشَّافِعِيِّ فَلَيْسَ لِلْقَاضِي الثَّانِي الْمَذْكُورِ نَقْضُ الْحُكْمِ بَلْ عَلَيْهِ تَنْفِيذُهُ لِأَنَّهُ حَسَبَ الْمَادَّةِ (16) مِنْ الْمَجَلَّةِ (الِاجْتِهَادُ لَا يُنْقَضُ بِالِاجْتِهَادِ) لِأَنَّ الِاجْتِهَادَ الْأَوَّلَ قَدْ تَأَيَّدَ بِالْقَضَاءِ وَالْحُكْمِ فَهُوَ يُرَجَّحُ عَلَى اجْتِهَادِ الْقَاضِي الثَّانِي وَلِأَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يُحْمَلَ الْقَضَاءُ وَالْحُكْمُ عَلَى الصِّحَّةِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ فَلَا يُنْتَقَضُ بِالشَّكِّ (ابْنُ مَلَكٍ وَالْأَشْبَاهُ وَالْحَمَوِيُّ وَتَكْمِلَةُ الْبَحْرِ وَالدُّرَرُ فِي الْقَضَاءِ) . مَا لَمْ يَكُنْ حُكْمُ الْقَاضِي الْأَوَّلِ مُخَالِفًا لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ الْمَشْهُورَةِ أَوْ إجْمَاعِ الْأُمَّةِ وَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ
يَجِبُ إبْطَالُ الْحُكْمِ الْأَوَّلِ وَرَدُّهُ كَمَا سَيُوَضَّحُ آتِيًا. إذَا كَانَ الْحُكْمُ مُوَافِقًا لِمَذْهَبِ الْقَاضِي الْأَوَّلِ وَالْقَاضِي الثَّانِي فَالْأَمْرُ ظَاهِرٌ إذْ أَنَّهُ إذَا عُرِضَ حُكْمُ قَاضٍ عَلَى قَاضٍ آخَرَ فَلَا يَخْلُو الْحُكْمُ مِنْ أَنْ يَكُونَ أَحَدَ الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ الْآتِيَةِ: الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ مُخَالِفًا لِلنَّصِّ أَيْ مُخَالِفًا لِلْكِتَابِ أَوْ السُّنَّةِ الْمَشْهُورَةِ أَوْ الْإِجْمَاعِ وَفِي هَذَا الْحَالِ يُرَدُّ الْحُكْمُ وَيَبْطُلُ عَلَى كُلِّ حَالٍ لِأَنَّهُ حَسَبَ الْمَادَّةِ (14) مِنْ الْمَجَلَّةِ (لَا مُسَاغَ لِلِاجْتِهَادِ فِي مَوْرِدِ النَّصِّ) . الْبَحْرُ وَالتَّكْمِلَةُ " الْأَحْكَامُ الْمُخَالِفَةُ لِلْكِتَابِ هِيَ: كَأَنْ يَحْكُمَ الْقَاضِي الشَّافِعِيُّ بِحِلِّ أَكْلِ لَحْمِ الْحَيَوَانِ الَّتِي تُرِكَتْ التَّسْمِيَةُ عَلَيْهِ عَمْدًا حِينَ ذَبْحِهِ لِأَنَّ هَذَا الْحُكْمَ يُحَلِّلُ الْحَرَامَ الَّذِي حَرَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي قُرْآنِهِ الْكَرِيمِ بِقَوْلِهِ {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} [الأنعام: 121] فَهُوَ مُخَالِفٌ لِلنَّصِّ فَإِذَا عُرِضَ هَذَا الْحُكْمُ عَلَى الْقَاضِي الْحَنَفِيِّ يُبْطِلُهُ (الْعِنَايَةُ وَالْفَتْحُ) .
كَذَلِكَ الْحُكْمُ عَلَيْهِ بِحِلِّيَّةِ مِلْكِ يَمِينِ زَوْجَةِ الْأَبِ أَوْ مَوْطُوءَةِ الْأَبِ لِأَنَّ هَذَا الْحُكْمَ مُخَالِفٌ لِنَصِّ الْآيَةِ الْجَلِيلَةِ {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 22] فَإِذَا عُرِضَ هَذَا الْحُكْمُ عَلَى الْقَاضِي الْحَنَفِيِّ فَسَخَهُ وَيُبْطِلُهُ كَمَا أَنَّ الْحُكْمَ الْمَذْكُورَ مُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ الْمَشْهُورَةِ وَالْإِجْمَاعِ وَكَذَلِكَ إذَا حَكَمَ الْقَاضِي فِي الشَّجِّ الْوَاقِعِ فِي الْحَمَّامِ بِشَهَادَةِ النِّسَاءِ فَقَطْ وَعُرِضَ هَذَا الْحُكْمُ عَلَى قَاضٍ ثَانٍ فَيَنْقُضُهُ رَدُّ الْمُحْتَارِ " كَذَلِكَ لَوْ حَكَمَ الْقَاضِي عَلَى إجْبَارِ الْمَدِينِ عَلَى إيجَارِ نَفْسِهِ لِآخَرَ وَإِيفَاءِ الدَّيْنِ مِنْ أُجْرَتِهِ وَعُرِضَ هَذَا الْحُكْمُ عَلَى قَاضٍ آخَرَ فَيَنْقُضُهُ لِمُخَالَفَتِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: 280] الْأَحْكَامُ الْمُخَالِفَةُ لِلسُّنَّةِ الْمَشْهُورَةِ: إذَا عَيَّنَ وَلِيُّ الْقَتِيلِ رَجُلًا مِنْ أَهَالِيِ الْمَحَلَّةِ أَنَّهُ قَاتِلُ مُورِثِهِ وَحَلَفَ الْيَمِينَ يَحْكُمُ عَلَى ذَلِكَ
الرَّجُلِ بِالْقِصَاصِ عِنْدَ الْإِمَامِ مَالِكٍ فَإِذَا حَكَمَ الْقَاضِي الْمَالِكِيُّ بِقِصَاصِ رَجُلٍ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَعُرِضَ هَذَا الْحُكْمُ عَلَى قَاضٍ حَنَفِيٍّ فَلَا يَنْفُذُ هَذَا الْحُكْمُ بَلْ يَفْسَخُهُ وَيُبْطِلُهُ لِأَنَّ هَذَا الْحُكْمَ مُخَالِفٌ لِلْحَدِيثِ الشَّرِيفِ الْقَائِلِ «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» الَّذِي هُوَ بِمَآلِ الْمَادَّةِ " 76 " مِنْ الْمَجَلَّةِ. كَذَلِكَ إذَا حَكَمَ الْقَاضِي الشَّافِعِيُّ فِي دَعْوَى بِشَاهِدٍ وَاحِدٍ وَبِيَمِينِ الْمُدَّعِي وَعُرِضَ هَذَا الْحُكْمُ عَلَى الْقَاضِي الْحَنَفِيِّ فَيُبْطِلُهُ الْقَاضِي الْحَنَفِيُّ وَلَا يَنْفُذُ، كَمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي التَّنْوِيرِ حَيْثُ إنَّهُ مُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ الْمَشْهُورَةِ وَكَمَا ذُكِرَ فِي الْوَلْوَالِجِيَّةِ. لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِنَصِّ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة: 282] كَذَلِكَ لَوْ طَلَّقَ أَحَدٌ زَوْجَتَهُ الْمَدْخُولَ بِهَا طَلَاقًا ثَلَاثًا ثُمَّ زُوِّجَتْ الزَّوْجَةُ الْمَذْكُورَةُ لِلْحَلِّ بِزَوْجٍ آخَرَ فَطَلُقَتْ مِنْ الزَّوْجِ الْآخَرِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَحُكِمَ بِحِلِّيَّةِ زَوَاجِهَا مِنْ زَوْجِهَا الْأَوَّلِ فَإِنَّ اشْتِرَاطَ الدُّخُولِ ثَابِتٌ فِي حَدِيثِ الْعُسَيْلَةِ الْعِنَايَةُ ".
الْأَحْكَامُ الْمُخَالِفَةُ لِلْإِجْمَاعِ: كَأَنْ يُعْرَضَ الْحُكْمُ الَّذِي أَصْدَرَهُ قَاضٍ فِي مَسْأَلَةٍ اجْتِهَادِيَّةٍ عَلَى قَاضٍ آخَرَ فَيَحْكُمُ الْقَاضِي الْآخَرُ بِإِبْطَالِ الْحُكْمِ الْأَوَّلِ وَكَالْحُكْمِ بِسُقُوطِ الدَّيْنِ لِتَرْكِ الْمُدَّعِي الدَّعْوَى بِضْعَ سَنَوَاتٍ فَإِنَّهُ لَا دَلِيلَ شَرْعِيًّا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ (الْعِنَايَةُ) الْقِسْمُ الثَّانِي: الْحُكْمُ الَّذِي يَجِبُ إمْضَاؤُهُ وَتَنْفِيذُهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ. وَهُوَ الْحُكْمُ الْوَاقِعُ فِي مَحَلِّ الِاجْتِهَادِ الَّذِي يَكُونُ الْخِلَافُ فِيهِ فِي نَفْسِ الْمَسْأَلَةِ وَسَبَبِ الْقَضَاءِ؛ فَيَجِبُ تَنْفِيذُ هَذَا الْحُكْمِ وَلَوْ كَانَ الْقَاضِي لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ حَكَمَ فِي مَحَلِّ الِاجْتِهَادِ " الْعِنَايَةُ وَالسَّعْدُ وَالشِّبْلِيُّ وَالْفَتْحُ " لِأَنَّ الْقَاضِيَ الْأَوَّلَ مَنْصُوبٌ لِلْقَضَاءِ مِنْ قِبَلِ السُّلْطَانِ وَلِلسُّلْطَانِ وِلَايَةٌ عَلَى كَافَّةِ النَّاسِ فَكَمَا أَنَّ حُكْمَ السُّلْطَانِ بِالذَّاتِ حُجَّةٌ فِي حَقِّ كَافَّةِ النَّاسِ فَحُكْمُ الْقَاضِي الْمَنْصُوبِ مِنْ قِبَلِهِ هُوَ حُجَّةٌ أَيْضًا عَلَى كَافَّةِ النَّاسِ فَلَيْسَ لِأَحَدٍ نَقْضُ حُكْمِهِ (الزَّيْلَعِيّ فِي التَّحْكِيمِ) لِأَنَّ الْقَاضِيَ الثَّانِيَ هُوَ أَحَدُ كَافَّةِ النَّاسِ فَلَيْسَ لَهُ صَلَاحِيَّةٌ فِي نَقْضِ حُكْمِ الْقَاضِي الْأَوَّلِ كَمَا أَنَّهُ لَا رُجْحَانَ لِاجْتِهَادٍ عَلَى اجْتِهَادِ الْآخَرِ وَبِلُحُوقِ الْحُكْمِ عَلَى الِاجْتِهَادِ الْأَوَّلِ تَرَجَّحَ عَلَى الِاجْتِهَادِ الثَّانِي وَتَفَوَّقَ عَنْهُ وَتَدَنَّى الِاجْتِهَادُ الثَّانِي فَلَا يُنْقَضُ الِاجْتِهَادُ الرَّاجِحُ بِالْمَرْجُوحِ الزَّيْلَعِيّ. حَتَّى أَنَّهُ لَوْ أَبْطَلَ الْقَاضِي الثَّانِي الْحُكْمَ الَّذِي هُوَ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ وَعُرِضَ حُكْمُ الْقَاضِي الثَّانِي الْمُتَضَمِّنِ إبْطَالَ الْحُكْمِ الْأَوَّلِ عَلَى قَاضٍ ثَالِثٍ فَيُبْطِلُ الْقَاضِي الثَّالِثُ حُكْمَ الْقَاضِي الثَّانِي وَيَنْفُذُ حُكْمَ الْقَاضِي الْأَوَّلِ لِأَنَّ الْقَاضِيَ الْأَوَّلَ كَانَ فِي مَوْضِعِ الِاجْتِهَادِ وَالْقَضَاءُ فِي الْمُجْتَهِدَاتِ نَافِذٌ بِالْإِجْمَاعِ فَكَانَ الْقَضَاءُ مِنْ الثَّانِي مُخَالِفًا لِلْإِجْمَاعِ فَيَكُونُ بَاطِلًا الشِّبْلِيُّ.
وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ. وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ الْفُقَهَاءُ فَقَضَى بِهِ الْقَاضِي ثُمَّ جَاءَ قَاضٍ آخَرُ وَيَرَى غَيْرَ ذَلِكَ أَمْضَاهُ الزَّيْلَعِيّ وَلَوْ قَضَى
فِي الْمَأْذُونِ فِي نَوْعٍ أَنَّهُ مَأْذُونٌ فِيهِ فَقَطْ كَمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ يَصِيرُ مُتَّفَقًا (الْفَتْحُ) أَقْوَى لَا يَصِحُّ الْحُكْمُ فِي هَذَا الزَّمَنِ بِهَذَا. اُنْظُرْ الْمَادَّتَيْنِ (970 و 1801) مِنْ الْمَجَلَّةِ. مَثَلًا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمَحْدُودِينَ بِالْقَذْفِ بَعْدَ تَوْبَتِهِمْ عِنْدَ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ فَلَوْ حَكَمَ الْقَاضِي الشَّافِعِيُّ فِي قَضِيَّةٍ بِشَهَادَةِ هَؤُلَاءِ وَعُرِضَ هَذَا الْحُكْمُ عَلَى قَاضٍ حَنَفِيٍّ فَيَجِبُ عَلَيْهِ إمْضَاؤُهُ وَتَنْفِيذُهُ مَعَ كَوْنِ هَذَا الْحُكْمِ غَيْرَ جَائِزٍ عِنْدَ الْقَاضِي الْحَنَفِيِّ وَلَيْسَ لِلْقَاضِي الْحَنَفِيِّ أَنْ يَفْسَخَ وَيُبْطِلَ ذَلِكَ الْحُكْمَ بِدَاعِي أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَذْهَبِهِ.
كَذَلِكَ لَوْ حَكَمَ قَاضٍ شَافِعِيٌّ فِي دَعْوَى امْرَأَةٍ بِشَهَادَةِ زَوْجِهَا وَشَهَادَةِ أَجْنَبِيٍّ آخَرَ بِجَوَازِ الْحُكْمِ بِهَاتَيْنِ الشَّهَادَتَيْنِ عَلَى مَذْهَبِ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ ثُمَّ عُرِضَ هَذَا الْحُكْمُ عَلَى الْقَاضِي الْحَنَفِيِّ الَّذِي يَقُولُ بِعَدَمِ جَوَازِ ذَلِكَ حَسَبَ مَذْهَبِهِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ إمْضَاءُ وَتَنْفِيذُ ذَلِكَ الْحُكْمِ لِأَنَّ الْقَاضِيَ الْأَوَّلَ قَدْ حَكَمَ فِي أَمْرٍ مُجْتَهَدٍ فِيهِ لِأَنَّ الْمُجْتَهَدَ فِيهِ سَبَبٌ لِلْقَضَاءِ لِأَنَّ الْخِلَافَ فِي هَلْ أَنَّ شَهَادَةَ هَؤُلَاءِ تَكُونُ سَبَبًا لِلْحُكْمِ أَوْ لَا تَكُونُ أَيْ فِي سَبَبِ الْحُكْمِ. وَلَيْسَ فِي نَفْسِ الْحُكْمِ أَمَّا الْخِلَافُ فِي نَفْسِ الْحُكْمِ فَسَيُبَيَّنُ فِي الْقِسْمِ الثَّالِثِ. وَأَمْثِلَةُ الْقِسْمِ الثَّانِي كَثِيرَةٌ الْحَمَوِيُّ وَهَذَا الْقِسْمُ الثَّانِي عَلَى نَوْعَيْنِ أَيْضًا: النَّوْعُ الْأَوَّلُ - أَنْ يَكُونَ حُكْمُ الْقَاضِي الْأَوَّلِ مُوَافِقًا لِمَذْهَبِهِ كَأَنْ يَكُونَ الْقَاضِي الْأَوَّلُ مَثَلًا شَافِعِيًّا وَيَحْكُمَ حُكْمًا مُوَافِقًا لِمَذْهَبِهِ فَإِذَا عُرِضَ هَذَا الْحُكْمُ عَلَى الْقَاضِي الْحَنَفِيِّ فَيَنْفُذُهُ.
النَّوْعُ الثَّانِي - أَنْ يَكُونَ حُكْمُ الْقَاضِي الْأَوَّلِ مُخَالِفًا لِمَذْهَبِهِ وَمُوَافِقًا لِمَذْهَبٍ آخَرَ كَأَنْ يَحْكُمَ الْقَاضِي الْأَوَّلُ الْحَنَفِيُّ الْمَذْهَبِ حُكْمًا مُخَالِفًا لِمَذْهَبِهِ وَمُوَافِقًا لِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ مَثَلًا فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي حَقِّ إنْفَاذِ هَذَا الْحُكْمِ كَمَا فَصَّلَ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ " 1801 ". الْقِسْمُ الثَّالِثُ - أَنْ يَكُونَ نَفْسَ الْحُكْمِ مُجْتَهَدًا فِيهِ وَالْخِلَافُ فِي نَفْسِ الْحُكْمِ. وَهَذَا الْحُكْمُ لَا يَكُونُ نَافِذًا بَعْدَ وُجُودِهِ عَلَى رَأْيِ بَعْضِ الْمُجْتَهِدِينَ وَيَتَوَقَّفُ نَفَاذُهُ عَلَى إمْضَائِهِ وَتَنْفِيذِهِ مِنْ قَاضٍ ثَانٍ وَالصَّحِيحُ هُوَ هَذَا. وَعَلَى ذَلِكَ إذَا عُرِضَ هَذَا الْحُكْمُ عَلَى قَاضٍ ثَانٍ يَكُونُ مُخَيَّرًا إنْ شَاءَ أَمْضَاهُ وَإِنْ شَاءَ نَقَضَهُ فَإِذَا أَمْضَاهُ فَلَيْسَ لِقَاضٍ ثَالِثٍ أَنْ يُبْطِلَهُ كَمَا أَنَّهُ إذَا أَبْطَلَهُ الْقَاضِي الثَّانِي فَلَيْسَ لِلْقَاضِي الثَّالِثِ أَنْ يُجِيزَهُ وَيُنْفِذَهُ. وَالْمُخْتَلَفُ فِيهِ هُنَا هُوَ نَفْسُ الْقَضَاءِ: فَإِذَا عُرِضَ الْحُكْمُ عَلَى الْقَاضِي الثَّانِي فَلَا يَلْزَمُ الْقَاضِي الثَّانِي تَنْفِيذُهُ كَمَا هُوَ الْحَالُ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي بَلْ لِلْقَاضِي إنْ شَاءَ نَفَّذَهُ وَيَكُونُ هَذَا التَّنْفِيذُ مِنْ قَبِيلِ الْقِسْمِ الثَّانِي وَإِنْ شَاءَ أَبْطَلَهُ وَفِي هَذَا الْحَالِ يَبْطُلُ الْحُكْمُ رَدُّ الْمُحْتَارِ وَالزَّيْلَعِيّ وَعَلَيْهِ إذَا قَضَى بِالْحَجْرِ عَلَى الْمُفْسِدِ لِلْفَسَادِ لَا يَنْفُذُ لِتَحَقُّقِ
الْخِلَافِ فِي الْقَضَاءِ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى إمْضَاءِ قَاضٍ آخَرَ فَإِنْ أَمْضَى لَيْسَ لِلثَّالِثِ نَقْضُهُ لِأَنَّ قَضَاءَ الثَّانِي هُوَ الَّذِي وَقَعَ مُجْتَهَدًا فِيهِ أَعْنِي قَضَاءَ الْأَوَّلِ (الْفَتْحُ) .
أَقُولُ هَذَا الْمِثَالُ لَا يَصِحُّ إلَّا بِقَطْعِ النَّظَرِ عَمَّا اخْتَارَتْهُ الْمَجَلَّةُ فِي كِتَابِ الْحَجْرِ. وَإِذَا ظَهَرَ لَدَى التَّحْقِيقِ أَنَّ الْحُكْمَ غَيْرُ مُوَافِقٍ لِأُصُولِهِ الْمَشْرُوعَةِ فَيُسْتَأْنَفُ أَيْ أَنَّهُ يُبْطِلُ الْحُكْمَ الْأَوَّلَ وَيَفْصِلُ فِي الْقَضِيَّةِ حَسَبَ أُصُولِهَا الْمَشْرُوعَةِ. سَوَاءٌ كَانَتْ عَدَمُ الْمُوَافَقَةِ لِأَسْبَابٍ ذَكَرَهَا الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ أَوْ كَانَتْ الْأَسْبَابُ الَّتِي بَيَّنَهَا الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ غَيْرَ وَارِدَةٍ وَتَحَقَّقَ أَنَّهُ غَيْرُ مُوَافِقٍ لِلْأُصُولِ مِنْ جِهَةِ أَسْبَابٍ أُخْرَى لَمْ يُبَيِّنْهَا الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ فَيَبْطُلُ الْحُكْمُ الْأَوَّلُ. لِأَنَّ الْحُكْمَ الْغَيْرَ الْمُوَافِقِ لِلْأُصُولِ هُوَ مُخَالِفٌ لِحُكْمِ الْعَدَالَةِ وَظُلْمٌ وَإِزَالَةُ الظُّلْمِ وَاجِبَةٌ وَتَقْرِيرُهُ؛ وَتَثْبِيتُهُ حَرَامٌ. وَقَدْ وُضِعَ فِي زَمَانِنَا أُصُولٌ لِكَيْفِيَّةِ اسْتِئْنَافِ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ وَسَتُذْكَرُ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ الْآتِيَةِ. وَبَعْدَ نَقْضِ الْحُكْمِ مِنْ دَائِرَةِ الْفَتْوَى الْعَالِيَةِ أَوْ مِنْ مَجْلِسِ التَّدْقِيقَاتِ الشَّرْعِيَّةِ لَا يُحْكَمُ فِي الْقَضِيَّةِ مِنْ دَائِرَةِ الْفَتْوَى الْمَذْكُورَةِ أَوْ مِنْ الْمَجْلِسِ الْمَذْكُورِ حَيْثُ لَمْ يَكُونَا حَائِزَيْنِ صَلَاحِيَّةَ الْقَضَاءِ فِي ذَلِكَ بَلْ تُرْسَلُ الْقَضِيَّةُ إلَى الْمَحْكَمَةِ الْأُولَى أَوْ تُحَالُ لِمَحْكَمَةٍ أُخْرَى لِيَحْكُمَ فِيهَا ثَانِيًا عَلَى أَنْ تُرَاعِيَ الْمَحْكَمَةُ الْأَسْبَابَ الَّتِي أَوْجَبَتْ نَقْضَ الْحُكْمِ.
تُذْكَرُ الْمَسَائِلُ الْآتِيَةُ مِثَالًا عَلَى بَعْضِ الْإِعْلَامَاتِ الَّتِي نُقِضَ الْحُكْمُ فِيهَا لِعَدَمِ مُوَافَقَتِهَا لِأُصُولِهَا الْمَشْرُوعَةِ. 1 - قَدْ نُقِضَ الْإِعْلَامُ الْحَاوِي لِلْحُكْمِ الَّذِي صَدَرَ بِنَاءً عَلَى دَعْوَى وَصِيِّ صَبِيٍّ ادَّعَى فِيهَا أَنَّ لِلصَّبِيِّ الْمَذْكُورِ إرْثًا عَنْ أَبِيهِ عَشْرَةَ دَنَانِيرَ فِي ذِمَّةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَأَثْبَتَ ذَلِكَ وَكَانَتْ أَسْبَابُ نَقْضِ الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ هِيَ مَا يَأْتِي: أَوَّلًا: لَمْ يَذْكُرْ سَبَبَ الدَّيْنِ مَعَ أَنَّهُ يَلْزَمُ فِي هَذِهِ الدَّعْوَى ذِكْرُ السَّبَبِ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ الدَّيْنُ مَوْرُوثًا وَكَانَ لِلْمُتَوَفَّى وَارِثٌ آخَرُ فَتَخْصِيصُ الصَّبِيِّ بِالْمَطْلُوبِ الْمَذْكُورِ هُوَ بِإِجْرَاءِ تَقْسِيمِ التَّرِكَةِ بَيْنَ الْوَرَثَةِ وَتَخْصِيصُ الدَّيْنِ الْمَذْكُورِ بِالصَّبِيِّ مَعَ أَنَّ تَقْسِيمَ الدَّيْنُ بَاطِلٌ بِمُوجِبِ الْمَادَّةِ " 1123 ". ثَانِيًا: لَمْ يَشْهَدْ الشُّهُودُ عَلَى وَفَاةِ الْمُوَرِّثِ وَلَمْ يَشْهَدُوا بِأَنَّ الْمُوَرِّثَ قَدْ عَيَّنَ هَذَا الْمُدَّعِي وَصِيًّا مَعَ لُزُومِ ذِكْرِ ذَلِكَ. 2 - ادَّعَى أَحَدٌ عَلَى آخَرَ قَائِلًا: إنَّنِي سَلَّمْت أَبَاك كَذَا وَدِيعَةً قِيمَتُهَا عَشْرَةُ دَنَانِيرَ وَلَمْ يُعِدْهَا إلَيَّ وَتُوُفِّيَ مُجْهِلًا وَأَثْبَتَ ذَلِكَ وَبَعْدَ التَّزْكِيَةِ حُكِمَ لِلْمُدَّعِي بِأَخْذِ عَشْرَةِ دَنَانِيرَ مِنْ التَّرِكَةِ وَقَدْ نُقِضَ هَذَا الْحُكْمُ لِلسَّبَبِ الْآتِي. وَهُوَ أَنَّ الْمُدَّعِيَ وَشُهُودَهُ لَمْ يُبَيِّنُوا قِيمَةَ الْوَدِيعَةِ فِي زَمَنِ التَّجْهِيلِ أَيْ بَدَلَهَا حِينَ وَفَاةِ الْمُسْتَوْدِعِ مُجْهِلًا بَلْ بَيَّنُوا قِيمَتَهَا حِينَ الْإِيدَاعِ جَامِعُ الْفُصُولَيْنِ ".