الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَبْصَرَ بَعْدَ ذَلِكَ وَحَكَمَ يَكُونُ حُكْمُهُ نَافِذًا أَيْ أَنَّهُ بِطُرُوءِ الْعَمَى أَوْ الصَّمَمِ عَلَى الْقَاضِي لَا يَنْعَزِلُ الْقَاضِي بَلْ يَسْتَحِقُّ الْعَزْلَ وَلِذَلِكَ فَحُكْمُهُ بَعْدَ زَوَالِ الْعَمَى صَحِيحٌ. أَمَّا الْعَدَالَةُ وَعَدَمُ الْفِسْقِ فَلَيْسَتْ مِنْ شُرُوطِ الْقَضَاءِ، وَقَدْ قَالَ أَكْثَرُ عُظَمَاءِ عُلَمَاءِ الْحَنَفِيَّةِ بِجَوَازِ قَضَاءِ الْفَاسِقِ وَلِذَلِكَ فَحُكْمُ الْقَاضِي الْفَاسِقِ إذَا لَمْ يَتَجَاوَزْ الْحَدَّ الشَّرْعِيَّ يَكُونُ نَافِذًا، أَمَّا بَعْضُ أَكَابِرِ الْعُلَمَاءِ كَالْخَصَّافِ وَالْكَرْخِيِّ وَالطَّحْطَاوِيِّ فَقَدْ قَالُوا بِعَدَمِ جَوَازِ أَهْلِيَّةِ الْقَاضِي الْفَاسِقِ الْمُرْتَشِي؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ الْقَاضِي الْفَاسِقُ بِفِسْقِهِ فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ إذَا نُصِّبَ قَاضٍ فَاسِقٌ أَوْ مُرْتَشٍ وَحَكَمَ فِي قَضِيَّةٍ فَحُكْمُهُ غَيْرُ جَائِزٍ (الْخَانِيَّةُ) .
وَقَدْ قَالَ الْإِمَامَانِ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى -: أَنَّهُ إذَا وَلِيَ الْقَضَاءَ فَاسِقٌ لَا تَصِحُّ تَوْلِيَتُهُ، كَمَا أَنَّهُ إذَا صَارَ فَاسِقًا أَوْ مُرْتَشِيًا بَعْدَ تَوْلِيَتِهِ فَيَنْعَزِلُ عَنْ الْقَضَاءِ (الْخَانِيَّةُ وَرَدُّ الْمُحْتَارِ والولوالجية) . إنَّ بَعْضَ أَفَاضِلِ الْعُلَمَاءِ كَابْنِ كَمَالٍ وَابْنِ مَلَكٍ وَالْعَيْنِيِّ قَالُوا: إنَّ الْفَتْوَى لَا سِيَّمَا فِي هَذَا الزَّمَانِ، عَلَى قَوْلِ الْإِمَامَيْنِ إلَّا أَنَّ صَاحِبَ رَدِّ الْمُحْتَارِ قَالَ بِأَنَّهُ إذَا أَفْتَى بِذَلِكَ، وَاعْتَمَدَ هَذَا الْقَوْلَ، لَا سِيَّمَا فِي هَذَا الزَّمَنِ وَجَبَ انْسِدَادُ بَابِ الْقَضَاءِ فَهُوَ يَقْصِدُ أَنَّ إيجَادَ قَاضٍ غَيْرُ فَاسِقٍ مُشْكِلٌ، وَأَنَّ الْقَاضِيَ الْكَامِلَ الْمُسْتَقِيمَ نَادِرٌ. إلَّا أَنَّ أَكْثَرَ عُلَمَاءِ الْحَنَفِيَّةِ كَمَا ذُكِرَ آنِفًا قَالُوا: إنَّ عَدَمَ الْفِسْقِ لَيْسَ مِنْ شُرُوطِ الْقَضَاءِ فَعَلَى ذَلِكَ إذَا كَانَ الْقَاضِي حِينَ تَوْلِيَتِهِ عَادِلًا ثُمَّ فَسَقَ يَسْتَوْجِبُ الْعَزْلَ إلَّا أَنَّهُ لَا يَنْعَزِلُ بِمُجَرَّدِ الْفِسْقِ حَتَّى أَنَّهُ لَوْ حَكَمَ بَعْدَ الْفِسْقِ، وَأَصَابَ فِي حُكْمِهِ جَازَ سَوَاءٌ أَكَانَ ذَلِكَ الْقَاضِي مُرْتَزِقًا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ أَوْ لَا.
وَوَالِي الْوِلَايَةِ هُوَ كَالْقَاضِي فَإِذَا فَسَقَ اسْتَوْجَبَ الْعَزْلَ وَلَا يَنْعَزِلُ مَا لَمْ يُعْزَلْ مِنْ السُّلْطَانِ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَخْلُو مِنْ ارْتِكَابِ الْمُحَرَّمَاتِ وَغَيْرُ مُنَزَّهٍ عَنْهَا (الْوَلْوَالِجِيَّةِ وَالْخَانِيَّةُ) .
أَمَّا إذَا شُرِطَ حِينَ تَوْلِيَةِ الْقَاضِي أَنَّهُ يُصْبِحُ مُنْعَزِلًا عَنْ الْقَضَاءِ إذَا جَارَ فَيُعْزَلُ فِي حَالَةِ الْجَوْرِ الشِّبْلِيُّ اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ (83) وَيُفْهَمُ مِنْ التَّفْصِيلَاتِ الْآنِفَةِ أَنَّ عَدَالَةَ الْقَاضِي حَسَبَ الْقَوْلِ الْمُخْتَارِ شَرْطُ أَوْلَوِيَّةٍ، وَلَيْسَتْ شَرْطَ صِحَّةٍ، وَمَعَ هَذَا فَاللَّائِقُ عَدَمُ تَوْلِيَةِ الْقَضَاءِ لِفَاسِقٍ (الزَّيْلَعِيّ) .
[الْفَصْلُ الثَّانِي فِي بَيَانِ آدَابِ الْقَاضِي]
[
(الْمَادَّةُ 1795) يَجْتَنِبُ الْقَاضِي فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ الْأَفْعَالَ وَالْأَوْضَاعَ الَّتِي تُزِيلُ مَهَابَةَ الْمَجْلِسِ كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالْمُلَاطَفَة]
الْفَصْلُ الثَّانِي فِي بَيَانِ آدَابِ الْقَاضِي الْآدَابُ جَمْعُ أَدَبٍ وَالْأَدْبُ فِي الْأَصْلِ بِسُكُونِ الدَّالِ مَأْخُوذٌ مِنْ الْأَدْبِ وَهُوَ بِمَعْنَى دَعْوَةِ النَّاسِ لِلطَّعَامِ (الْفَتْحُ) . وَبِمَا أَنَّ الْخِصَالَ الْجَمِيلَةَ تَدْعُو الْإِنْسَانَ لِعَمَلِ الْخَيْرِ فَقَدْ قِيلَ عَنْهَا آدَابُ وَالْآدَابُ عِبَارَةٌ عَنْ
التَّخَلُّقِ بِالْأَخْلَاقِ الْجَمِيلَةِ وَالْخِصَالِ الْمُسْتَحْسَنَةِ فِي مُعَاشَرَةِ وَمُعَامَلَةِ النَّاسِ (رَدُّ الْمُحْتَارِ وَالْجَوْهَرَةُ) ، وَآدَابُ الْقَاضِي هُوَ الْتِزَامُ الْأُمُورِ الَّتِي نَدَبَهَا الشَّرْعُ كَبَسْطِ الْعَدْلِ وَدَفْعِ الظُّلْمِ وَتَرْكِ الْمَيْلِ وَالْمُحَافَظَةِ عَلَى الْحُدُودِ الشَّرْعِيَّةِ وَالْجَرْيِ عَلَى سُنَنِ السُّنَّةِ (الْهِنْدِيَّةُ) .
الْمَادَّةُ (1795)(يَجْتَنِبُ الْقَاضِي فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ الْأَفْعَالَ وَالْأَوْضَاعَ الَّتِي تُزِيلُ مَهَابَةَ الْمَجْلِسِ كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالْمُلَاطَفَةِ) يَجْتَنِبُ الْقَاضِي فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ الْأَفْعَالَ وَالْأَوْضَاعَ الَّتِي تُزِيلُ مَهَابَةَ الْمَجْلِسِ كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ لِنَفْسِهِ وَمُلَاطَفَةِ أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ أَوْ غَيْرِهِمَا مِمَّا يُزِيلُ مَهَابَةَ الْمَجْلِسِ؛ لِأَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه حِينَمَا نَصَّبَ شُرَيْحًا شَرَطَ عَلَيْهِ أَلَا يَشْتَغِلَ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ، وَأَلَّا يَأْخُذَ الرِّشْوَةَ. فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ: لَيْسَ قَيْدًا احْتِرَازِيًّا؛ لِأَنَّ اللَّائِقَ بِالْقَاضِي الَّذِي يَأْخُذُ مُرَتَّبًا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ أَنْ يَحْتَرِزَ مِنْ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ حَتَّى فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْحُكْمِ، وَأَنْ يُوَكِّلَ وَكِيلًا لِتَسْوِيَةِ مَصَالِحِهِ، وَأَنْ لَا يُعْلِمَ أَنَّ هَذَا الْوَكِيلَ وَكِيلُ الْقَاضِي؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّ النَّاسَ يَتَسَاهَلُونَ مَعَهُ فِي الْبَيْعِ، وَالشِّرَاءِ لِكَوْنِهِ قَاضِيًا فَيَبِيعُونَهُ بِأَنْقَصَ مِنْ الْقِيمَةِ وَيَشْتَرُونَ مَا يَبِيعُهُ بِأَزْيَدَ مِنْ الْقِيمَةِ، وَمَعَ ذَلِكَ فَمُبَاشَرَةُ الْقَاضِي فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْقَضَاءِ لِعُقُودِ الْمُعَاوَضَةِ كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ لَيْسَ بِمَكْرُوهٍ (الْفَتْحُ وَمَجْمَعُ الْأَنْهُرِ والولوالجية) . الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ لِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّ لِلْقَاضِي أَنْ يَشْتَرِيَ لِلْيَتِيمِ، وَأَنْ يَبِيعَ مَالَ الْمَيِّتِ الْمَدِينِ فَلِذَلِكَ قَيَّدَ بِهَذَا الْقَيْدِ (مَجْمَعُ الْأَنْهُرِ) . وَلَيْسَ تَقْيِيدُ الْمُلَاطَفَةِ بِمَجْلِسِ الْحُكْمِ قَيْدًا احْتِرَازِيًّا؛ لِأَنَّ الْمُلَاطَفَةَ تُزِيلُ مَهَابَةَ الْقَاضِي فَلِذَلِكَ يَنْبَغِي أَلَا يُلَاطِفَ الْقَاضِي أَحَدًا فِي أَيِّ مَحَلٍّ (الدُّرُّ الْمُنْتَقَى) .
وَيَجِبُ عَلَى الْقَاضِي أَنْ يَجْتَنِبَ الْمِزَاحَ وَالْهَزَارَ، وَأَنْ يَتَمَسَّكَ بِالْوَقَارِ، وَأَنْ لَا يُكَالِمَ أَحَدًا مِنْ الطَّرَفَيْنِ أَثْنَاءَ التَّقَاضِي بِغَيْرِ أُمُورِ الْقَضِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْمُلَاطَفَةَ وَالْمُكَالَمَةَ عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ تُزِيلُ مَهَابَةَ الْقَضَاءِ (الزَّيْلَعِيّ) . وَمَعَ أَنَّ الْمُلَاطَفَةَ مَشْرُوعَةٌ فَقَدْ مُنِعَ الْقَاضِي مِنْهَا. وَمَشْرُوعِيَّةُ الْمُلَاطَفَةِ ثَابِتَةٌ بِالسُّنَّةِ الشَّرِيفَةِ وَفِي ذَلِكَ أَحَادِيثُ عَدِيدَةٌ. وَالْمُلَاطَفَةُ هِيَ الِانْبِسَاطُ مَعَ الْغَيْرِ بِدُونِ إيذَاءِ أَحَدٍ وَهِيَ غَيْرُ الِاسْتِهْزَاءِ وَالسُّخْرِيَةِ، وَقَدْ نُهِيَ عَنْ الْإِفْرَاطِ وَالْمُدَاوَمَةِ عَلَى الْمُلَاطَفَةِ؛ لِأَنَّهَا تُورِثُ الضَّحِكَ وَقَسْوَةَ الْقَلْبِ وَتُسْقِطُ الْمَهَابَةَ وَالْوَقَارَ وَتُؤَدِّي إلَى الْإِيذَاءِ فِي أَكْثَرِ الْأَوْقَاتِ. أَمَّا الْمِزَاحُ السَّالِمُ مِنْ الْأُمُورِ الْغَيْرِ الْمَشْرُوعَةِ فَهُوَ مُبَاحٌ فَقَدْ أَجْرَاهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى النُّدْرَةِ فِي تَطْيِيبِ النُّفُوسِ وَالْمُؤَانَسَةِ، وَهُوَ سُنَّةٌ مُسْتَحَبَّةٌ فَاعْلَمْ هَذَا فَإِنَّهُ مِمَّا يَعْظُمُ الِاحْتِيَاجُ إلَيْهِ (شَرْحُ الشَّمَائِلِ لِعَلِيٍّ الْقَارِيّ) .
صُورَةُ جُلُوسِ الْقَاضِي أَثْنَاءَ الْحُكْمِ وَوُجُودُ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي مَجْلِسِهِ: يَنْبَغِي عَلَى الْقَاضِي تَعْظِيمًا