الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي بَيَانِ مَنْ يَعْقِدُ الصُّلْحَ وَالْإِبْرَاءَ] [
(الْمَادَّةُ 1539) يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْمُصَالِحُ عَاقِلًا]
الْمَادَّةُ (1539) - (يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْمُصَالِحُ عَاقِلًا، وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ بَالِغًا فَلِذَلِكَ لَا يَصِحُّ صُلْحُ الْمَجْنُونِ وَالْمَعْتُوهِ وَالصَّبِيِّ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ مُطْلَقًا، وَيَصِحُّ صُلْحُ الصَّبِيِّ الْمَأْذُونِ إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ ضَرَرٌ بَيِّنٌ، كَمَا إذَا ادَّعَى أَحَدٌ عَلَى الصَّبِيِّ الْمَأْذُونِ شَيْئًا، وَأَقَرَّ بِهِ يَصِحُّ صُلْحُهُ عَنْ إقْرَارٍ، وَلِلصَّبِيِّ الْمَأْذُونِ أَنْ يَعْقِدَ الصُّلْحَ عَلَى تَأْجِيلِ وَإِمْهَالِ دَيْنِهِ. وَإِذَا صَالَحَ عَلَى مِقْدَارٍ مِنْ دَيْنِهِ وَكَانَتْ لَدَيْهِ بَيِّنَةٌ لَا يَصِحُّ صُلْحُهُ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَدَيْهِ بَيِّنَةٌ وَعَلِمَ أَنَّ خَصْمَهُ سَيَحْلِفُ يَصِحُّ، وَإِنْ ادَّعَى عَلَى آخَرَ مَالًا فَصَالَحَ عَلَى مِقْدَارِ قِيمَتِهِ يَصِحُّ وَلَكِنْ إذَا صَالَحَ عَلَى نُقْصَانٍ فَاحِشٍ عَنْ قِيمَةِ ذَلِكَ الْمَالِ لَا يَصِحُّ) .
يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ الصُّلْحِ أَنْ يَكُونَ الْمُصَالِحُ عَاقِلًا، كَمَا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي جَمِيعِ التَّصَرُّفَاتِ الشَّرْعِيَّةِ أَنْ يَكُونَ الْمُتَصَرِّفُ عَاقِلًا، وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ بَالِغًا؛ فَلِذَلِكَ لَا يَصِحُّ صُلْحُ الْمَجْنُونِ وَالنَّائِمِ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ وَالْمُبَرْسَمِ وَالْمَدْهُوشِ (وَهُوَ الَّذِي ذَهَبَ عَقْلُهُ بِذُهُولٍ أَوْ وَلَهٍ) وَالْمَعْتُوهِ وَالصَّبِيِّ الْغَيْرِ مُمَيَّزٍ مُطْلَقًا.
يَعْنِي: سَوَاءٌ أَكَانَ فِي الصُّلْحِ ضَرَرٌ بَيِّنٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ، وَسَوَاءٌ أَكَانَ الْمُصَالِحُ فِي صِفَةِ الْمُدَّعِي أَوْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ.
لِأَنَّهُ لَيْسَ لِهَؤُلَاءِ قَصْدٌ شَرْعِيٌّ اُنْظُرْ الْمَادَّتَيْنِ (957، 979) .
إلَّا أَنَّهُ يَصِحُّ صُلْحُ السَّكْرَانِ بِشَيْءٍ مُحَرَّمٍ كَالْخَمْرِ، وَعَدُّهُ عَاقِلًا زَجْرًا لَهُ وَتَشْدِيدًا عَلَيْهِ (رَدُّ الْمُحْتَارِ) : إنَّ هَذَا التَّفْرِيعَ مُتَفَرِّعٌ عَنْ الْفِقْرَةِ الْأُولَى؛ فَلِذَلِكَ لَا يُوجَدُ مَانِعٌ مِنْ تَفْرِيعِ الْمَجْنُونِ وَالصَّبِيِّ الْغَيْرِ مُمَيِّزٍ عَلَى أَصْلِ هَذِهِ الْمَادَّةِ.
إلَّا أَنَّهُ كَانَ يَجِبُ عَدَمُ إتْيَانِ الْمَعْتُوهِ فِي هَذِهِ الْفِقْرَةِ بَلْ يَجِبُ ذِكْرُهُ فِي الْفِقْرَةِ الثَّانِيَةِ.
لِأَنَّهُ - حَسَبَ الْمَادَّةِ (978) - يُعَدُّ الْمَعْتُوهُ فِي حُكْمِ الصَّغِيرِ الْمُمَيِّزِ، وَقَدْ نَصَتَ الْمَادَّةُ (1967) بِأَنَّ عُقُودَ الصَّغِيرِ الْمُمَيِّزِ الدَّائِرَةَ بَيْنَ النَّفْعِ وَالضَّرَرِ تَنْعَقِدُ مَوْقُوفَةً عَلَى إجَازَةِ الْوَلِيِّ.
كَمَا أَنَّهُ قَدْ وَرَدَ فِي الْفِقْرَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ هَذِهِ الْمَادَّةِ بِأَنَّهُ يَصِحُّ صُلْحُ الصَّبِيِّ الْمَأْذُونِ إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ ضَرَرٌ بَيِّنٌ، وَلِذَلِكَ فَالْمَعْتُوهُ الْمَأْذُونُ هُوَ فِي حُكْمِ الصَّبِيِّ الْمَأْذُونِ وَيَصِحُّ صُلْحُهُ (عَبْدُ الْحَلِيمِ) وَمَعَ ذَلِكَ لَوْ قِيلَ
بِأَنَّهُ قُصِدَ مِنْ الْمَعْتُوهِ الْمَذْكُورِ هُنَا الْمَعْتُوهُ غَيْرُ الْمَأْذُونِ إلَّا أَنَّ نَظْمَ الْمَعْتُوهِ فِي سِلْكِ الْمَجْنُونِ وَالصَّبِيِّ الْغَيْرِ مُمَيِّزٍ، وَاعْتِبَارَ الصُّلْحِ الْوَاقِعِ مِنْهُ غَيْرَ صَحِيحٍ مُطْلَقًا مُحْتَاجٌ لِلنَّظَرِ؟ فَعَلَيْهِ لَوْ ذَكَرَ الْمَعْتُوهَ فِي الْفِقْرَةِ الثَّانِيَةِ، وَبَيَّنَ بِأَنَّهُ إذَا كَانَ مَأْذُونًا يَصِحُّ صُلْحُهُ لَكَانَ سَالِمًا مِنْ التَّأَمُّلِ، وَيَصِحُّ صُلْحُ الصَّبِيِّ الْمَأْذُونِ وَالْمَعْتُوهِ الْمَأْذُونِ إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ ضَرَرٌ بَيِّنٌ وَظَاهِرٌ سَوَاءٌ أَكَانَ فِيهِ نَفْعٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ، وَسَوَاءٌ أَكَانَ الصَّبِيُّ وَالْمَعْتُوهُ الْمَذْكُورَانِ فِي صِفَةِ الْمُدَّعِي أَوْ فِي صِفَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (رَدُّ الْمُحْتَارِ) .
يُوجَدُ فِي صُلْحِ الصَّبِيِّ أَرْبَعَةُ احْتِمَالَاتٍ: أَوَّلًا - أَنْ يَكُونَ فِي صُلْحِهِ نَفْعٌ.
ثَانِيًا - أَنْ لَا يَكُونَ فِيهِ نَفْعٌ وَلَا ضَرَرٌ.
ثَالِثًا - أَنْ يَكُونَ فِيهِ ضَرَرٌ غَيْرُ بَيِّنٍ.
رَابِعًا - أَنْ يَكُونَ فِيهِ ضَرَرٌ بَيِّنٌ.
وَفِي الِاحْتِمَالَاتِ الثَّلَاثَةِ الْأُولَى يَكُونُ الصُّلْحُ صَحِيحًا، وَأَمَّا فِي الِاحْتِمَالِ الرَّابِعِ فَلَا يَصِحُّ كَمَا إذَا ادَّعَى أَحَدٌ عَلَى الصَّبِيِّ الْمَأْذُونِ شَيْئًا مِنْ أُمُورِ التِّجَارَةِ أَوْ بِدَيْنٍ أَوْ وَدِيعَةٍ أَوْ عَارِيَّةٍ أَوْ مُضَارَبَةٍ أَوْ غَصْبٍ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ ضَرُورَاتِ التِّجَارَةِ، وَأَقَرَّ بِهِ عَلَى مَا جَاءَ فِي الْمَادَّةِ (1573) يَصِحُّ صُلْحُهُ عَنْ إقْرَارٍ حَتَّى لَوْ كَانَ الْمُدَّعَى بِهِ دَيْنًا وَكَانَ بَدَلُ الصُّلْحِ بِمِقْدَارِ الْمُدَّعَى بِهِ أَوْ كَانَ الْمُدَّعَى بِهِ عَيْنًا، وَكَانَ الْبَدَلُ الْمَذْكُورُ بِقِيمَةِ الْمُدَّعَى بِهِ أَوْ كَانَ زَائِدًا عَنْ قِيمَتِهِ بِغَبْنٍ يَسِيرٍ.
وَفِي الصُّورَةِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ لَيْسَ فِي الصُّلْحِ نَفْعٌ أَوْ ضَرَرٌ، وَفِي الصُّورَةِ الثَّالِثَةِ يُوجَدُ ضَرَرٌ غَيْرُ بَيِّنٍ.
أَمَّا إذَا كَانَ فِي الصُّلْحِ ضَرَرٌ بَيِّنٌ كَالصُّلْحِ بِتَنْزِيلِ ثَمَنِ الْمَبِيعِ بِغَيْرِ عَيْبٍ فَلَا يَصِحُّ (الْبَزَّازِيَّةُ) .
وَتَعْبِيرُ الْإِقْرَارِ الْوَارِدِ فِي هَذِهِ الْفِقْرَةِ لَيْسَ احْتِرَازِيًّا فَلِذَلِكَ لَوْ ادَّعَى أَحَدٌ عَلَى الصَّبِيِّ الْمَأْذُونِ بِحَقٍّ، وَأَنْكَرَ الصَّبِيُّ، وَكَانَ لَدَى الْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ عَادِلَةٌ فَصَالَحَهُ الصَّبِيُّ صَحَّ الصُّلْحُ (عَبْدُ الْحَلِيمِ) .
هَذَا الْمِثَالُ مِثَالٌ عَلَى كَوْنِ الصَّبِيِّ الْمَأْذُونِ مُدَّعًى عَلَيْهِ أَمَّا إذَا كَانَ الصَّبِيُّ الْمَأْذُونُ مُدَّعِيًا فَيَصِحُّ صُلْحُهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ.
مَثَلًا - لَوْ ادَّعَى الْمَأْذُونُ بِدَيْنٍ عَلَى أَحَدٍ وَتَصَالَحَ الصَّبِيُّ مَعَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى بَعْضِ ذَلِكَ الْحَقِّ يُنْظَرُ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَدَى الصَّبِيِّ بَيِّنَةٌ، وَكَانَ مَعْلُومًا بِأَنَّ الْخَصْمَ سَيَحْلِفُ الْيَمِينَ كَانَ الصُّلْحُ صَحِيحًا؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَدَى الصَّبِيِّ بَيِّنَةٌ فَلَا يَبْقَى لَهُ سِوَى الْخُصُومَةِ وَالْيَمِينِ، وَالْمَالُ أَفْيَدُ مِنْهُمَا، أَمَّا إذَا كَانَ لَدَيْهِ بَيِّنَةٌ فَلَا يَصِحُّ الصُّلْحُ؛ لِأَنَّ الصُّلْحَ يَكُونُ فِي تِلْكَ الْحَالِ حَطًّا وَتَنْزِيلًا وَتَبَرُّعًا وَلَيْسَ لِلصَّبِيِّ ذَلِكَ، اُنْظُرْ الْفِقْرَةَ الثَّانِيَةَ مِنْ الْمَادَّةِ (96) وَلِلصَّبِيِّ الْمَأْذُونِ أَنْ يَعْقِدَ الصُّلْحَ عَلَى تَأْجِيلٍ وَإِمْهَالِ دَيْنِهِ سَوَاءٌ أَكَانَ لَدَيْهِ بَيِّنَةٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ وَسَوَاءٌ أَكَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مُقِرًّا أَوْ مُنْكِرًا؛ لِأَنَّ هَذَا الْإِمْهَالَ وَالتَّأْجِيلَ هُوَ مِنْ أَعْمَالِ التِّجَارَةِ، وَالصَّبِيُّ الْمَأْذُونُ فِي أَعْمَالِ التِّجَارَةِ كَالْبَالِغِ (الدُّرَرُ، تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ