الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الْكِتَابُ السَّادِسَ عَشَر الْقَضَاء]
الْكِتَابُ السَّادِسَ عَشَر الْقَضَاء بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الْعَادِلِ فِي حُكْمِهِ. الْمُجِيبِ لِدَعْوَةِ الْمُضْطَرِّينَ مِنْ عِبَادِهِ. وَهُوَ الَّذِي يَقْضِي بِالْحَقِّ بَيْنَ خَلَائِقِهِ، وَأَمَرَ بِالْحُكْمِ بِمَا أَنْزَلَ عَلَى أَشْرَفِ رُسُلِهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَفْضَلِ أَنْبِيَائِهِ. وَعَلَى آلِهِ، وَأَصْحَابِهِ الْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِهِ. مَشْرُوعِيَّةُ الْقَضَاءِ: ثَابِتَةٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ إذْ وَرَدَ فِي الْكِتَابِ الْكَرِيمِ {إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ - وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ} [المائدة: 44 - 49] (الْوَلْوَالِجِيَّةِ) . إنَّ كُلَّ نَبِيٍّ قَدْ أُمِرَ بِذَلِكَ وَقَدْ بَعَثَ اللَّهُ الرُّسُلَ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ وَقَدْ عَمِلَ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ وَالْعُلَمَاءُ الْعَامِلُونَ بِذَلِكَ وَقَدْ اسْتَقَامَتْ الْأَرْضُ، وَالسَّمَاءُ بِالْقِيَامِ بِالْقَضَاءِ، وَأَنَّ الْقَضَاءَ هُوَ نِيَابَةٌ عَنْ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ، وَإِقَامَةٌ لِحُدُودِ رَبِّ الْعَالَمِينَ
مُقَدِّمَةٌ فِي حَقِّ الْقَضَاءِ وَيَشْتَمِلُ عَلَى مُقَدِّمَةٍ، وَأَرْبَعَةِ أَبْوَابٍ يَقْتَضِي ذَلِكَ مَعْرِفَةَ سِتَّةِ أَشْيَاءَ: فَضَائِلِ الْقَضَاءِ وَمَشْرُوعِيَّتِهِ وَمَحَاسِنِهِ وَحِكْمَتِهِ وَصِفَةِ قَبُولِ الْقَضَاءِ، وَأَرْكَانِ الْقَضَاءِ. مَعْنَاهُ: الْقَضَاءُ مِنْ الْقَضِيَّةِ، وَأَصْلُهُ قَضَايَ وَحَيْثُ جَاءَتْ الْيَاءُ بَعْدَ الْأَلْفِ قُلِبَتْ الْيَاءُ هَمْزَةً وَجَمْعُهُ أَقْضِيَةٌ (رَدُّ الْمُحْتَارِ) . لِلْقَضَاءِ لُغَةً مَعَانٍ كَثِيرَةٌ، وَهُوَ الْإِتْقَانُ وَالْمَكَانَةُ، وَالْإِبْلَاغُ وَالْأَدَاءُ وَالْإِنْهَاءُ وَالصُّنْعُ وَالتَّقْدِيرُ وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ مَذْكُورٌ فِي مَجْمَعِ الْأَنْهُرِ. أَمَّا مَعْنَاهُ الشَّرْعِيُّ فَقَدْ ذُكِرَ فِي الْمَادَّةِ 1784.
وَقَدْ أُمِرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِالْقَضَاءِ كَمَا أُمِرَ النَّبِيُّ دَاوُد عليه السلام بِذَلِكَ فِي قَوْله تَعَالَى - {فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى} [ص: 26](الْفَتْحُ) . السُّنَّةُ: قَدْ نَصَّبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلِيًّا وَمُعَاذًا قَاضِيَيْنِ لِلْيَمَنِ (الْفَتْحُ) . مَحَاسِنُ الْقَضَاءِ: لَوْ لَمْ يَكُنْ قَضَاءٌ لَمَا أَمْكَنَ الِاسْتِحْصَالُ عَلَى الْحُقُوقِ وَلَبَقِيَ حَقُّ صَاحِبِ الْحَقِّ فِي يَدِ وَذِمَّةِ الْمُبْطِلِ فَالْقَاضِي نَائِبٌ عَنْ الشَّارِعِ فِي أَخْذِ حَقِّ الْمَظْلُومِ مِنْ الظَّالِمِ وَفِي إيصَالِ الْحَقِّ لِمُسْتَحِقِّهِ، وَفِي الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ. إنَّ الْقَضَاءَ بِالْحَقِّ هُوَ أَقْوَى الْفَرَائِضِ، وَأَفْضَلُ الْعِبَادَاتِ بَعْدَ الْإِيمَانِ بِاَللَّهِ - تَعَالَى - وَقَدْ وَرَدَ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ {وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ} [المائدة: 42] أَيْ بِالْعَدْلِ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ بِهِ {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [المائدة: 42] أَيْ يَحْفَظُهُمْ وَيُعَظِّمُ شَأْنَهُمْ، وَهَلْ أَشْرَفُ لِلْإِنْسَانِ مِنْ مَحَبَّتِهِ - تَعَالَى - (مُعِينُ الْحُكَّامِ) .
وَقَدْ وَرَدَ عَنْ النَّبِيِّ عليه الصلاة والسلام حَدِيثُ «إنَّ عَدْلَ سَاعَةٍ خَيْرٌ مِنْ عِبَادَةِ سِتِّينَ سَنَةً» الْوَلْوَالِجِيَّةِ. كَمَا أَنَّهُ قَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ الشَّرِيفِ «أَنَّ الْقُضَاةَ يُحْشَرُونَ مَعَ الْأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ» (فَتْحُ الْقَدِيرِ) . وَلِذَلِكَ قَدْ كَانَ الْقَضَاءُ وَالْوِلَايَةُ فِي زَمَنِ الرَّسُولِ عليه السلام وَفِي زَمَنِ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِينَ يُتَحَمَّلُ أَعْبَاؤُهُمَا عَلَى طَرِيقِ الْعِبَادَةِ، وَمَعَ ذَلِكَ فَإِنَّ فِي الْقَضَاءِ خَطَرًا عَظِيمًا فَلَمْ يَقْبَلْهُ بَعْضُ الْمُتَّقِينَ الْأَخْيَارِ وَمِنْهُمْ الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ. إجْمَاعُ الْأُمَّةِ: وَقَدْ أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الْقَضَاءِ (الْفَتْحُ) . حِكْمَةُ الْقَضَاءِ: هِيَ عِبَارَةٌ عَنْ رَفْعِ التَّهَارُجِ وَرَدِّ النَّوَائِبِ وَقَطْعِ الْخُصُومَاتِ وَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ (مُعِينُ الْحُكَّامِ) .
صِفَةُ قَبُولِ الْقَضَاءِ وَقَبُولُ الْقَضَاءِ عَلَى خَمْسَةِ أَوْجُهٍ:
1 -
وَاجِبٌ، إذَا عُيِّنَ أَحَدٌ لِلْقَضَاءِ وَلَمْ يَكُنْ غَيْرُهُ أَهْلًا لَهُ فَقَبُولُ الْقَضَاءِ وَاجِبٌ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَقْبَلْ الْقَضَاءَ يُؤَدِّي ذَلِكَ إلَى تَضْيِيعِ الْحُقُوقِ كَمَا أَنَّهُ بِعَدَمِ قَبُولِهِ الْقَضَاءَ يَتَوَلَّى الْقَضَاءَ غَيْرُهُ مِمَّا لَمْ يَكُنْ أَهْلًا لَهُ وَيَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ ضَرَرٌ كَبِيرٌ وَفَسَادٌ عَظِيمٌ وَدَفْعُ ذَلِكَ فَرْضٌ صِيَانَةً لِحُقُوقِ الْعِبَادِ، وَقَبُولُ الْقَضَاءِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ يَكُونُ أَمْرًا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهْيًا عَنْ الْمُنْكَرِ، وَإِنْصَافًا لِلْمَظْلُومِ مِنْ الظَّالِمِ (شَرْحُ الْمَجْمَعِ لِابْنِ مَالِك) وَفِي هَذَا الْحَالِ يَكُونُ قَبُولُ الْقَضَاءِ، وَاجِبًا عَلَيْهِ كَمَا أَنَّهُ يَحِقُّ لِلْحُكُومَةِ إجْبَارُهُ عَلَى الْقَبُولِ. 2 - مُسْتَحَبٌّ: إذَا كَانَ مَنْ يَصْلُحُ لِلْقَضَاءِ مُتَعَدِّدِينَ وَكَانَ أَحَدُهُمْ أَصْلَحَ مِنْ غَيْرِهِ فِي أُمُورِ الْقَضَاءِ، وَفِي الْقِيَامِ بِالْأُمُورِ الْمُهِمَّةِ الْقَضَائِيَّةِ فَيَجِبُ قَبُولُهُ.
أَنْ يَكُونَ مُخَيَّرًا فِي قَبُولِ الْقَضَاءِ، إذَا كَانَ أَشْخَاصٌ عَدِيدُونَ مُتَسَاوُونَ فِي الصَّلَاحِ لِلْقَضَاءِ، وَفِي الْقِيَامِ بِأُمُورِهِ فَإِذَا كُلِّفَ أَحَدُهُمْ بِذَلِكَ فَلَهُ أَنْ يَقْبَلَ وَلَهُ أَنْ يَعْتَذِرَ وَيَمْتَنِعَ وَقَبُولُ أَحَدِهِمْ يُسْقِطُ الْوُجُوبَ عَنْ الْآخَرِ. 4 - إذَا كَانَ أَحَدٌ صَالِحًا لِلْقَضَاءِ وَكَانَ آخَرُ أَصْلَحَ، وَأَقْوَى مِنْهُ فَقَبُولُهُ لِلْقَضَاءِ مَكْرُوهٌ. 5 - أَنْ يَكُونَ قَبُولُ الْقَضَاءِ حَرَامًا، إذَا كَانَ أَحَدٌ يَعْلَمُ عَجْزَهُ عَنْ الْقَضَاءِ وَعَدَمَ اسْتِطَاعَتِهِ لِمُرَاعَاةِ الْعَدْلِ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ قَبُولُ الْقَضَاءِ (مَجْمَعُ الْأَنْهُرِ) فَلِذَلِكَ فَتَقْلِيدُ الْجَاهِلِ الْمُلَوَّثِ أَوْ الْمُتَلَبِّسِ بِالْأَشْيَاءِ الْمُوجِبَةِ لِلْفِسْقِ أَوْ الْقَاصِدِ الِانْتِقَامَ أَوْ الرَّاغِبِ فِي أَخْذِ الرِّشْوَةِ حَرَامٌ (شَرْحُ الطَّرِيقَةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ) وَقَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ الشَّرِيفِ «بِأَنَّ الْمُبْتَلَى بِالْقَضَاءِ كَالْمَذْبُوحِ بِلَا سِكِّينٍ» وَوَجْهُ الشَّبَهِ فِي ذَلِكَ بِأَنَّ السِّكِّينَ تَفْرُقُ الْبَدَنَ ظَاهِرًا وَتُزِيلُ الرُّوحَ بَاطِنًا أَمَّا الذَّبْحُ بِلَا سِكِّينٍ كَالْخَنْقِ فَتَأْثِيرُهُ بَاطِنٌ غَيْرُ ظَاهِرٍ وَالْقَضَاءُ كَذَلِكَ، وَالْقَضَاءُ، وَإِنْ كَانَ فِي الظَّاهِرِ مَنْصِبًا وَجَاهًا لِمَنْ يَتَوَلَّاهُ إلَّا أَنَّهُ فِي الْبَاطِنِ هَلَاكٌ (الدُّرُّ الْمُنْتَقَى وَشَرْحُ الطَّرِيقَةِ لِلْخَادِمِيِّ) .
أَرْكَانُ الْقَضَاءِ: أَرْكَانُ الْقَضَاءِ سِتَّةٌ: الْحُكْمُ، الْمَحْكُومُ بِهِ الْمَحْكُومُ لَهُ، الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ، الْقَاضِي، الطَّرِيقَةُ، وَقَدْ عُرِفَ الْأَوَّلُ فِي الْمَادَّةِ 1786 وَالثَّانِي فِي الْمَادَّةِ 1787 وَالثَّالِثُ فِي الْمَادَّة 1789 وَالرَّابِعُ فِي الْمَادَّةِ 1788 وَالْخَامِسُ فِي الْمَادَّةِ 1985، وَأَمَّا السَّادِسُ وَهُوَ الطَّرِيقُ، وَأَسْبَابُ الْقَضَاءِ فَنَأْتِي بِهِ عَلَى الْوَجْهِ الْآتِي: طَرِيقُ الْقَضَاءِ، وَأَسْبَابُ الْحُكْمِ إنَّ طَرِيقَ الْقَضَاءِ أَيْ طَرِيقَ الْقَاضِي لِلْحُكْمِ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمَحْكُومِ بِهِ، وَهُوَ أَنَّ طَرِيقَ الْقَضَاءِ فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ عِبَارَةٌ عَنْ الدَّعْوَى وَالْحُجَّةِ، وَالْحُجَّةُ عِبَارَةٌ عَنْ الْبَيِّنَةِ وَالْإِقْرَارِ وَالْيَمِينِ وَالنُّكُولِ عَنْ الْيَمِينِ وَعِلْمِ الْقَاضِي عَلَى قَوْلٍ، وَالْقَسَامَةُ، وَالْقَرِينَةُ الْقَاطِعَةُ اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ. 1740