الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الْفَصْلُ الثَّالِثُ فِي بَيَانِ وَظَائِفِ الْقَاضِي] [
(الْمَادَّةُ 1800) الْقَاضِي وَكِيلٌ مِنْ قِبَلِ السُّلْطَانِ]
الْمَادَّةُ (1800) - (الْقَاضِي وَكِيلٌ مِنْ قِبَلِ السُّلْطَانِ بِإِجْرَاءِ الْمُحَاكَمَةِ وَالْحُكْمِ) . فَلِذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يُعَيَّنَ الْقَاضِي بِأَمْرٍ سُلْطَانِيٍّ وَحَقُّ عَزْلِ وَنَصْبِ الْقَاضِي هُوَ لِلسُّلْطَانِ صَاحِبِ الْوِلَايَةِ الْعُظْمَى أَوْ لِمَنْ يَأْذَنُهُ السُّلْطَانُ بِذَلِكَ اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ (1587) وَإِنَّ الْقَاضِيَ الَّذِي يُنَصَّبُ مِنْ طَرَفِ شَخْصٍ مَأْذُونٍ بِنَصْبِ الْقَاضِي يُعْتَبَرُ نَصْبُهُ كَمَا بَيَّنَ ذَلِكَ فِي شَرْحِ الْمَادَّتَيْنِ (1805 و 1809) أَلَا يَرَى أَنَّ الْوَكَالَةَ بِتَوْكِيلِ آخَرَ صَحِيحَةٌ كَمَا ذَكَر ذَلِكَ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (1459) كَمَا أَنَّ الْوَكِيلَ الَّذِي يُوَكَّلُ مِنْ وَكِيلٍ يَكُونُ وَكِيلَ الْمُوَكِّلِ كَمَا جَاءَ فِي الْمَادَّةِ (1466) وَلَا يَكُونُ وَكِيلَ الْوَكِيلِ.
وَكَوْنُ الْقَاضِي وَكِيلًا مِنْ طَرَفِ السُّلْطَانِ فِي إجْرَاءِ الْمُحَاكَمَةِ وَالْحُكْمِ لَا يَمْنَعُهُ مِنْ أَنْ يَحْكُمَ فِي دَعْوَى لِلسُّلْطَانِ أَوْ عَلَى السُّلْطَانِ حَتَّى إنَّ الْقَضِيَّةَ الَّتِي تَكَوَّنَتْ بَيْنَ الْخَلِيفَةِ هَارُونَ الرَّشِيدِ وَبَيْنَ نَصْرَانِيٍّ قَدْ فُصِلَتْ مِنْ طَرَفِ الْإِمَامِ أَبِي يُوسُفَ الْقَاضِي الْمَنْصُوبِ مِنْ هَارُونَ الرَّشِيدِ وَحَكَمَ فِيهَا عَلَى هَارُونَ الرَّشِيدِ كَمَا أَنَّ الْقَاضِيَ شُرَيْحًا قَدْ فَصَلَ فِي الْقَضِيَّةِ الَّتِي تَكَوَّنَتْ بَيْنَ الْخَلِيفَةِ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ وَبَيْنَ يَهُودِيٍّ وَحَكَمَ فِي نَتِيجَةِ الدَّعْوَى عَلَى عَلِيٍّ (رَدُّ الْمُحْتَارِ وَمَجْمَعُ الْأَنْهُرِ) . وَتَتَفَرَّعُ عَلَى كَوْنِ الْقَاضِي وَكِيلًا عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوحِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ: إنَّ الْوَكَالَةَ تَتَقَيَّدُ وَتَتَخَصَّصُ كَمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي الْمَادَّةِ 1456 وَالْقَضَاءُ يَتَقَيَّدُ وَيَتَخَصَّصُ أَيْضًا كَمَا سَيُوَضَّحُ فِي الْمَادَّةِ الْآتِيَةِ. 2 - كَمَا أَنَّ لِلْمُوَكِّلِ أَنْ يَعْزِلَ وَكِيلَهُ كَمَا هُوَ مُبَيَّنٌ فِي الْمَادَّةِ 1521 فَلِلسُّلْطَانِ أَيْضًا أَنْ يَعْزِلَ الْقَاضِيَ سَوَاءٌ وُجِدَتْ أَسْبَابٌ لِلْعَزْلِ كَفِسْقِ الْقَاضِي أَوْ ارْتِشَائِهِ أَوْ ظُلْمِهِ أَوْ لَمْ تُوجَدْ كَمَا أَنَّ لِلسُّلْطَانِ عَزْلَ الْقَاضِي وَلَوْ لَمْ يَكُنْ ذَا أَهْلِيَّةٍ أَكْثَرَ مِنْهُ (رَدُّ الْمُحْتَارِ) 3 - لِلْوَكِيلِ أَنْ يَعْزِلَ نَفْسَهُ مِنْ الْوَكَالَةِ كَمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي الْمَادَّتَيْنِ (1522 و 1523) كَذَلِكَ لِلْقَاضِي أَنْ يَسْتَقِيلَ مِنْ الْقَضَاءِ وَيَنْعَزِلَ مِنْ الْقَضَاءِ حِينَ اطِّلَاعِ السُّلْطَانِ عَلَى اسْتِقَالَتِهِ وَلَا يَنْعَزِلُ مَا لَمْ يَطَّلِعْ الْمَلِكُ عَلَى الِاسْتِقَالَةِ. مُسْتَثْنًى، يَنْعَزِلُ الْوَكِيلُ بِوَفَاةِ الْمُوَكِّلِ كَمَا هُوَ مُبَيَّنٌ فِي الْمَادَّةِ 1527 أَمَّا الْقَاضِي فَلَا يَنْعَزِلُ بِمَوْتِ السُّلْطَانِ وَالْفَرْقُ هُوَ: تَصَرُّفَاتُ السُّلْطَانِ هَذِهِ هِيَ لِلْعُمُومِ وَلِلْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ فَبِوَفَاتِهِ لَا يَنْعَزِلُ وَكِيلُهُ الْقَاضِي أَمَّا الْمُوَكِّلُ فَهُوَ عَامِلٌ لِنَفْسِهِ
فَبِوَفَاتِهِ يَسْقُطُ حَقُّهُ
فَوَجَبَ انْعِزَالُ وَكِيلِهِ.
[
(الْمَادَّةُ 1801) الْقَضَاءُ يَتَقَيَّدُ وَيَتَخَصَّصُ بِالزَّمَانِ أَوْ الْمَكَانِ]
الْمَادَّةُ (1801) - (الْقَضَاءُ يَتَقَيَّدُ وَيَتَخَصَّصُ بِالزَّمَانِ أَوْ الْمَكَانِ وَاسْتِثْنَاءُ بَعْضِ الْخُصُومَاتِ، مَثَلًا الْقَاضِي الْمَأْمُورُ بِالْحُكْمِ مُدَّةَ سَنَةٍ يَحْكُمُ فِي تِلْكَ السَّنَةِ فَقَطْ
وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ قَبْلَ حُلُولِ تِلْكَ السَّنَةِ أَوْ بَعْدَ مُرُورِهَا، وَكَذَلِكَ الْقَاضِي الْمَنْصُوبُ فِي قَضَاءٍ يَحْكُمُ فِي جَمِيعِ مَحَلَّاتِ ذَلِكَ الْقَضَاءِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ فِي قَضَاءٍ آخَرَ، وَالْقَاضِي الْمَنْصُوبُ عَلَى أَنْ يَحْكُمَ فِي مَحْكَمَةٍ مُعَيَّنَةٍ يَحْكُمُ فِي تِلْكَ الْمَحْكَمَةِ فَقَطْ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ فِي مَحَلٍّ آخَرَ وَكَذَلِكَ لَوْ صَدَرَ أَمْرٌ سُلْطَانِيٌّ بِأَنْ لَا تُسْمَعَ الدَّعْوَى الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْخُصُوصِ الْفُلَانِيِّ لِمُلَاحَظَةٍ عَادِلَةٍ تَتَعَلَّقُ بِالْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ لَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يَسْتَمِعَ تِلْكَ الدَّعْوَى وَيَحْكُمَ بِهَا، أَوْ كَانَ الْقَاضِي بِمَحْكَمَةٍ مَأْذُونًا بِاسْتِمَاعِ بَعْضِ الْخُصُوصَاتِ الْمُعَيَّنَةِ وَلَمْ يَكُنْ مَأْذُونًا بِاسْتِمَاعِ مَا عَدَا ذَلِكَ فَلَهُ أَنْ يَسْمَعَ الْخُصُوصَاتِ الَّتِي أَذِنَ بِهَا فَقَطْ وَأَنْ يَحْكُمَ فِيهَا وَلَيْسَ لَهُ اسْتِمَاعُ مَا عَدَاهَا وَالْحُكْمُ بِهَا، وَكَذَلِكَ لَوْ صَدَرَ أَمْرٌ سُلْطَانِيٌّ بِالْعَمَلِ بِرَأْيِ مُجْتَهِدٍ فِي خُصُوصٍ لِمَا أَنَّ رَأْيَهُ بِالنَّاسِ أَرْفَقُ وَلِمَصْلَحَةِ الْعَصْرِ أَوْفَقُ فَلَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يَعْمَلَ بِرَأْيِ مُجْتَهِدٍ آخَرَ مُنَافٍ لِرَأْيِ ذَلِكَ الْمُجْتَهِدِ، وَإِذَا عَمِلَ لَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ) .
يَتَقَيَّدُ وَيَتَخَصَّصُ الْقَضَاءُ بِصُوَرٍ خَمْسٍ: بِالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَبِبَعْضِ الْخُصُوصَاتِ، وَبِاسْتِثْنَاءِ بَعْضِ الْأَشْخَاصِ وَالْعَمَلِ بِقَوْلِ مُجْتَهِدٍ فِي الْمَسَائِلِ الْخِلَافِيَّةِ لِأَنَّ الْقَاضِيَ وَكِيلٌ مِنْ قِبَلِ السُّلْطَانِ لِإِجْرَاءِ الْمُحَاكَمَةِ كَمَا ذُكِرَ فِي الْمَادَّةِ الْآنِفَةِ فَالْوَكَالَةُ تَتَقَيَّدُ بِالْقَيْدِ وَالشَّرْطِ الَّذِي يُقَيِّدُهَا الْمُوَكِّلُ إنَّ الْمَادَّةَ الْآنِفَةَ هِيَ بِحُكْمِ السَّبَبِ وَالْعِلَّةِ لِهَذِهِ الْمَادَّةِ كَمَا أَنَّ الْقَضَاءَ قَابِلٌ لِلتَّعْلِيقِ وَالْإِضَافَةِ كَمَا ذَكَرَ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (83) . تَقْيِيدُ الْقَضَاءِ بِالزَّمَانِ، مَثَلًا الْقَاضِي الْمَأْمُورُ بِالْحُكْمِ بِمُدَّةِ سَنَةٍ يَحْكُمُ فِي تِلْكَ السَّنَةِ فَقَطْ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ قَبْلَ حُلُولِ تِلْكَ السَّنَةِ فَإِذَا حَكَمَ فَلَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ قَاضِيًا قَبْلَ حُلُولِ السَّنَةِ، وَيُنَصَّبُ فِي زَمَانِنَا قُضَاةٌ لِلْحَرَمَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ فِي ابْتِدَاءِ شَهْرِ الْمُحَرَّمِ مِنْ كُلِّ سَنَةٍ وَعَلَيْهِ فَلَيْسَ لِذَلِكَ الْقَاضِي الْمَنْصُوبِ أَنْ يَحْكُمَ قَبْلَ حُلُولِ مُحَرَّمِ تِلْكَ السَّنَةِ كَمَا أَنَّ نُوَّابَ الشَّرْعِ بِتَارِيخِ هَذِهِ السَّنَةِ كَانَ نَصْبُهُمْ يَجْرِي عَلَى هَذَا الْوَجْهِ أَيْ أَنَّهُ فِي سَنَةِ كَذَا فِي شَهْرِ كَذَا أَوْ فِي يَوْمِ كَذَا مِنْ شَهْرِ كَذَا يُوَجِّهُ نِيَابَةَ قَضَاءِ الْمَدِينَةِ الْفُلَانِيَّةِ إلَى شَخْصٍ وَلَمْ يَكُنْ لِذَلِكَ الشَّخْصِ أَنْ يَحْكُمَ قَبْلَ حُلُولِ ذَلِكَ الْيَوْمِ مِنْ ذَلِكَ الشَّهْرِ أَمَّا الْآنَ فَقَدْ رُفِعَ التَّوْقِيتُ وَأَصْبَحَ يُوَجَّهُ الْقَضَاءُ مُنَجَّزًا.
وَكَذَلِكَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ بَعْدَ مُرُورِ تِلْكَ السَّنَةِ فَإِذَا حَكَمَ فَلَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ لِأَنَّهُ بِمُرُورِ السَّنَةِ قَدْ انْعَزَلَ عَنْ الْقَضَاءِ، أَمَّا فِي زَمَانِنَا فَلَا يُقَيَّدُ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ فِي هَذَا الْمِثَالِ بِحَيْثُ يَكُونُ الْقَضَاءُ بَاطِلًا بَعْدَ مُرُورِ سَنَةٍ أَوْ سَنَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ أَنَّ قَضَاءَ الْحَرَمَيْنِ يُقَيَّدُ فِي زَمَانِنَا بِاعْتِبَارِ مَبْدَأِ التَّعْيِينِ إلَّا أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ بِاعْتِبَارِ الِانْتِهَاءِ.
سَبَبُ تَوْقِيتِ الْقَضَاءِ، إنَّ سَبَبَ تَوْقِيتِ الْقَضَاءِ هُوَ كَمَا بَيَّنَ فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ مِنْ الْكُتُبِ الْفِقْهِيَّةِ وَبَيَّنْت نُبْذَةً مِنْهُ فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ فِي شَرْحِ الْمَادَّتَيْنِ " 1792 و 1793 ". لِأَنَّهُ مِنْ الْمُقْتَضَى أَنْ يَكُونَ الْقُضَاةُ مِنْ أَصْحَابِ الْيَدِ الطُّولَى فِي الْعُلُومِ الْعَدِيدَةِ فَإِذَا اشْتَغَلَ أُولَئِكَ الَّذِينَ هُمْ أَصْحَابُ الْفَضْلِ وَالْكَمَالِ بِأُمُورِ الْقَضَاءِ دَائِمًا فَلَا يَتَّسِعُ وَقْتُهُمْ لِتَتَبُّعِ الْعُلُومِ الْأُخْرَى وَالِاشْتِغَالِ بِهَا فَيَنْتُجُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَطْرَأَ ضَعْفٌ عَلَى عِلْمِهِمْ بِالْعُلُومِ الْأُخْرَى مَا عَدَا عِلْمَ الْفِقْهِ فَلِذَلِكَ رُئِيَ مِنْ الْمُوَافِقِ أَنْ يَشْتَغِلَ هَؤُلَاءِ مُدَّةً مُعَيَّنَةً فِي الْقَضَاءِ وَأَنْ يَعُودُوا بَعْدَ ذَلِكَ إلَى تَدْرِيسِ الْعُلُومِ الْأُخْرَى حَتَّى أَنَّهُ كَانَ فِي السَّابِقِ فِي زَمَنِ الْحُكْمِ الْعُثْمَانِيِّ يُعْتَنَى الِاعْتِنَاءُ الزَّائِدُ فِي تَقْلِيدِ الْقَضَاءِ إلَى أَصْحَابِ الْفَضْلِ وَالْكَمَالِ فَيُقَلَّدُ الْقَضَاءُ لِلْعُلَمَاءِ الْأَعْلَامِ وَالصُّلَحَاءِ الْمُحْتَرَمِينَ مِمَّنْ كَانَ مُسْتَجِيزًا وَمُجِيزًا لِلْعُلُومِ الْمُخْتَلِفَةِ وَالْفُنُونِ الَّتِي لَا تُحْصَى، وَقَدْ كَانَ هَؤُلَاءِ الْأَفَاضِلُ يَعْتَذِرُونَ عَنْ قَبُولِ الْقَضَاءِ حَتَّى لَا يُحْرَمُونَ مِنْ الْعُلُومِ الْمُخْتَلِفَةِ وَالْفُنُونِ الَّتِي لَا تُحْصَى وَلِذَلِكَ كَانَ يُقَلَّدُ الْقَضَاءُ لِسَنَةٍ وَاحِدَةٍ لِمُدَّةٍ مُوَقَّتَةٍ حَتَّى يُقَلَّدَ الْقَضَاءُ لِأَهْلِهِ وَمُسْتَحِقِّهِ وَلِإِجَابَةِ طَلَبِ أَصْحَابِ الْفَضْلِ وَالْكَمَالِ مِنْهُمْ لِيَتَمَكَّنُوا مِنْ الِاشْتِغَالِ بِالْعُلُومِ وَالْفُنُونِ وَإِلَّا فَتَوْجِيهُ الْقَضَاءِ بِدُونِ تَوْقِيتٍ لَيْسَ مُخَالِفًا لِلشَّرْعِ، وَقَدْ بَيَّنَ فِي الْمَادَّةِ 1818 أَنَّ الْقَاضِيَ شُرَيْحًا رضي الله عنه قَدْ اشْتَغَلَ بِالْقَضَاءِ مُدَّةَ ثَمَانِينَ سَنَةً كَمَا أَنَّهُ فِي هَذَا الزَّمَنِ يُوجَدُ قُضَاةٌ قَدْ اشْتَغَلُوا فِي الْقَضَاءِ أَكْثَرَ مِنْ عَشْرِ سَنَوَاتٍ بِلَا عَزْلٍ حَتَّى إنَّ حَضْرَةَ وَالِدِي الْمُبَجَّلِ الَّذِي كَانَ مِنْ أَفَاضِلِ الْعُلَمَاءِ وَأَكَابِرِ الصُّلَحَاءِ الْحَاجِّ مُحَمَّدُ أَمِينٍ أَفَنْدِي الْمُدَرِّسِ الْعَامِّ فِي جَامِعِ بايزيد قَدْ عُيِّنَ فِي سَنَةِ 1304 لِأُمُورِ الشَّرْعِ بأزمير وَقَدْ خَدَمَ أَكْثَرَ مِنْ عِشْرِينَ سَنَةً، بِلَا انْفِصَالٍ، تِلْكَ الْوَظِيفَةُ بِكَمَالِ الِاسْتِقَامَةِ كَالْوَظَائِفِ الَّتِي خَدَمَهَا فِي السَّابِقِ.
وَفِي زَمَانِنَا يُوجَدُ مَدْرَسَةٌ خَاصَّةٌ تُدَرَّسُ. فِيهَا الْعُلُومُ الْمُقْتَضِيَةُ لِهَذِهِ الْمَنَاصِبِ الْقَضَائِيَّةِ بِمَا فِيهِ عِلْمُ الْفِقْهِ وَيُعَيَّنُ خِرِّيجُ الْمَدَارِسِ قَاضِيًا فَلَمْ يَبْقَ سَبَبٌ لِتَوْقِيتِ الْقَضَاءِ كَمَا أَنَّهُ قَدْ تَوَلَّدَ مِنْ تَوْقِيتِ الْقَضَاءِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مَفَاسِدُ كَثِيرَةٌ فَلِذَلِكَ رُفِعَ التَّوْقِيتُ بِتَارِيخِ سَنَةِ 1331 وَكَانَ الْقَاضِي يَبْقَى فِي وَظِيفَتِهِ مُسْتَمِرًّا مَا دَامَ يُحْسِنُ الْقِيَامَ بِهَا. كَذَلِكَ لَيْسَ لِلْقَاضِي الَّذِي يُعَيِّنُ لِيَحْكُمَ فِي يَوْمَيْنِ فِي الْأُسْبُوعِ أَنْ يَحْكُمَ فِي أَيَّامٍ أُخْرَى.
تَقْيِيدُ الْقَضَاءِ بِالْمَكَانِ: وَكَذَلِكَ الْقَاضِي الْمَنْصُوبُ فِي قَضَاءٍ يَحْكُمُ فِي جَمِيعِ مَحَلَّاتِ ذَلِكَ الْقَضَاءِ إذْ أَنَّ الْمَصِيرَ لَيْسَ بِشَرْطِ نَفَاذِ الْقَضَاءِ فَلِذَلِكَ لِلْقَاضِي أَنْ يَحْكُمَ فِي الْقُرَى الدَّاخِلَةِ ضَمِنَ قَضَائِهِ (رَدُّ الْمُحْتَارِ) وَلَكِنْ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ فِي قَضَاءٍ آخَرَ وَهَذَا الْمِثَالُ فِي هَذِهِ الْفِقْرَةِ الْأَخِيرَةِ مِثَالٌ عَلَى التَّقْيِيدِ بِالْمَكَانِ فَعَلَى ذَلِكَ لَوْ ذَهَبَ قَاضِي بَلْدَةٍ إلَى قَصَبَةٍ غَيْرِ تَابِعَةٍ لِلْقَضَاءِ الْمَذْكُورِ وَحَكَمَ فِي قَضِيَّةٍ تَتَعَلَّقُ
بِأَحَدِ أَفْرَادِ أَهَالِي الْقَضَاءِ عَلَى شَخْصٍ آخَرَ مَعَ كَوْنِهِ لَمْ يُعَيِّنْ مَوْلًى أَوْ حَكَمًا فِي تِلْكَ الْقَضِيَّةِ فَلَا يَصِحُّ حُكْمُهُ وَلَا يَنْفُذُ، وَفِي زَمَانِنَا جَمِيعُ الْقَضَاءِ مُقَيَّدٌ بِالْمَكَانِ وَقَدْ قَصَرَ وَخَصَّصَ وِلَايَةَ كُلِّ قَاضٍ مِنْ الشَّرْعِ بِقَضَاءٍ مَخْصُوصٍ فَلِذَلِكَ لَيْسَ لِقَاضِي قَضَاءٍ أَنْ يَحْكُمَ فِي قَضَاءٍ آخَرَ. مَثَلًا لِقَاضِي دِمِشْقَ أَنْ يَحْكُمَ فِي دِمَشْقَ فَقَطْ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ فِي الْقَضَاءِ الْمُلْحَقِ بِمَرْكَزِ الْوِلَايَةِ كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ فِي الْأَلْوِيَةِ الْمُلْحَقَةِ بِالْوِلَايَةِ كَمَا أَنَّ قَاضِي قَضَاءَ حِمْصَ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ ضَمِنَ قَضَاءِ حِمْصَ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ فِي قَضَاءِ حَمَاةَ. مُسْتَثْنًى - إذَا صَدَرَ حُكْمٌ مِنْ قَاضٍ وَنَقَضَ الْحُكْمَ تَمْيِيزًا وَعَهِدَ بِفَصْلِ الْقَضِيَّةِ إلَى قَاضٍ آخَرَ بِمُوجَبِ حُكْمِ مَجْلِسِ التَّدْقِيقَاتِ الشَّرْعِيَّةِ فَيَجُوزُ ذَلِكَ حَيْثُ قَدْ صَدَرَتْ الْإِرَادَةُ السُّنِّيَّةُ بِذَلِكَ وَقَدْ بَيَّنْت هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مُفَصِّلًا فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (849) . الْقَاضِي الْمَنْصُوبُ عَلَى أَنْ يَحْكُمَ فِي مُحْكَمَةٍ مُعَيَّنَةٍ يَحْكُمُ فِي تِلْكَ الْمَحْكَمَةِ فَقَطْ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ فِي مَحَلٍّ آخَرَ وَلَا يُوجَدُ تَقْيِيدٌ فِي زَمَانِنَا مِثْلَ هَذَا التَّقْيِيدِ الْوَارِدِ فِي هَذَا الْمِثَالِ.
تَقْيِيدُ الْقَضَاءِ بِاسْتِثْنَاءِ بَعْضِ الْخُصُوصَاتِ: لَوْ صَدَرَ أَمْرٌ سُلْطَانِيٌّ بِأَنْ لَا تُسْمَعَ الدَّعْوَى الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْخُصُوصِ الْفُلَانِيِّ لِمُلَاحَظَةٍ عَادِلَةٍ تَتَعَلَّقُ بِالْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ فَلَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يَسْتَمِعَ تِلْكَ الدَّعْوَى وَيَحْكُمَ بِهَا فَإِذَا حَكَمَ فَلَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ لِأَنَّ ذَلِكَ الْقَاضِيَ لَمْ يَكُنْ قَاضِيًا فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ فَلِذَلِكَ إذَا اخْتَلَفَ الطَّرَفَانِ فِي مَسْأَلَةِ وُجُودِ نَهْيٍ عَنْ رُؤْيَةِ تِلْكَ الدَّعْوَى فَإِذَا أَثْبَتَ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ النَّهْيَ فَلَا يَسْمَعُ الْقَاضِي الدَّعْوَى وَإِلَّا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْقَاضِي اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 9 (رَدُّ الْمُحْتَارِ) . وَهَذِهِ الْخُصُوصَاتُ عَلَى قِسْمَيْنِ: الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: خُصُوصَاتٌ عَامَّةٌ، وَإِنَّ الْمَادَّةَ 1660 وَمَا يَتْلُوهَا مِنْ الْمَوَادِّ هِيَ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ حَيْثُ قَدْ مُنِعَ الْقُضَاةُ مِنْ سَمَاعِ الدَّعْوَى الَّتِي تَرَكَتْ عَشْرَ أَوْ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً وَهَذَا عَامٌّ مَهْمَا كَانَ الطَّرَفَانِ فِي تِلْكَ الْقَضِيَّةِ، وَبِتَعْبِيرٍ آخَرَ هِيَ خُصُوصَاتٌ عَامَّةٌ بِاعْتِبَارِ الطَّرَفَيْنِ. مَسَائِلُ مُتَفَرِّعَةٌ عَنْ تَقْيِيدِ الْقَضَاءِ بِاسْتِثْنَاءِ بَعْضِ الْخُصُوصَاتِ:
1 -
إذَا ادَّعَى الْمُدَّعِي قَائِلًا: إنَّنِي أَطْلُبُ الْعَشَرَةَ دَنَانِيرَ الَّتِي أَقْرَضْت لَك قَبْلَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً وَأَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الدَّعْوَى فَيَقُولُ الْقَاضِي لِلْمُدَّعِي لَا أَسْمَعُ دَعْوَاك وَيَرُدُّ دَعْوَاهُ فَعَلَيْهِ إذَا اسْتَمَعَ الْقَاضِي بَيِّنَةً مِنْ الْمُدَّعِي بِدَاعِي عَدَمِ ادِّعَاءِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وُجُودَ مُرُورِ الزَّمَانِ الْمَانِعِ مِنْ سَمَاعِ الدَّعْوَى وَحَكَمَ بَعْدَ التَّزْكِيَةِ بِالْعَشَرَةِ دَنَانِيرَ فَيَكُونُ حُكْمُهُ بَاطِلًا لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْقَاضِي بِاعْتِبَارِهِ قَاضِيًا أَنْ يَسْتَمِعَ هَذِهِ الدَّعْوَى أَمَّا إذَا حَكَمَ الْقَاضِي مِنْ قِبَلِ الْخَصْمَيْنِ فَلَهُ أَنْ يَسْتَمِعَ هَذِهِ الدَّعْوَى بِاعْتِبَارِهِ حَكَمًا (الْحَمَوِيُّ) لِأَنَّ عَدَمَ اسْتِمَاعِ الدَّعْوَى الَّتِي فِيهَا مُرُورُ زَمَنٍ هُوَ وَاقِعٌ بِالْمَنْعِ السُّلْطَانِيِّ وَهَذَا الْمَنْعُ هُوَ خَاصٌّ فِي حَقِّ الْقَاضِي وَلَيْسَ فِي حَقِّ الْحَكَمِ.
2 -
قَدْ مُنِعَ الْقُضَاةُ مِنْ تَسْجِيلِ وَقْفِ الْمَدِينِ بِإِرَادَةٍ سُلْطَانِيَّةٍ فَلِذَلِكَ إذَا وَقَفَ مَدِينٌ مَالَهُ وَلَوْ فِي حَالِ صِحَّتِهِ بِقَصْدِ تَهْرِيبِ أَمْلَاكِهِ مِنْ دَائِنِيهِ ثُمَّ تُوُفِّيَ وَلَمْ يُوجَدْ لَهُ مَالٌ يَكْفِي لِأَدَاءِ دَيْنِهِ فَلِلدَّائِنِينَ
أَنْ يَطْلُبُوا مِنْ الْقَاضِي. نَقْضَ الْوَقْفِ وَأَنْ يَسْتَوْفُوا مَطْلُوبَهُمْ مِنْ تِلْكَ الْأَمْلَاكِ فَإِذَا لَمْ يَنْقُضْ الْقَاضِي الْوَقْفَ وَحَكَمَ بِلُزُومِهِ وَسَجَّلَهُ يَنْفُذُ حُكْمُهُ وَلَا يُعْتَبَرُ تَسْجِيلُهُ 3 - قَدْ مُنِعَ الْقُضَاةُ مِنْ سَمَاعِ دَعْوَى الْمُوَاضَعَةِ وَالِاسْمِ الْمُسْتَعَارِ فِي الْعَقَارَاتِ أَيْ فِي الْأَمْلَاكِ الصِّرْفَةِ وَالْمُسْتَغِلَّات وَالْمُسْقَفَاتِ الْمَوْقُوفَةِ وَلِذَلِكَ لَوْ اسْتَمَعَ الْقَاضِي الدَّعْوَى وَقَبِلَ الشُّهُودُ الَّذِينَ أَقَامَهُمْ الْمُدَّعِي عَلَى كَوْنِ الْفَرَاغِ مُوَاضَعَةً وَحَكَمَ الْقَاضِي بَعْدَ التَّعْدِيلِ وَالتَّزْكِيَةِ بِأَنَّ الْفَرَاغَ مُوَاضَعَةٌ لَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ كَمَا أَنَّهُ إذَا كَلَّفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْيَمِينَ وَنَكَلَ عَنْ الْحَلِفِ وَحَكَمَ الْقَاضِي بِالْمُوَاضَعَةِ لَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ. 4 - قَدْ مُنِعَ الْقُضَاةُ مِنْ. سَمَاعِ دَعْوَى الْفَرَاغِ بِالْوَفَاءِ فِي الْأَرْضِ الْأَمِيرِيَّةِ وَفِي الْأَرَاضِيِ الْوَقْفِيَّةِ الَّتِي هِيَ مِنْ قَبِيلِ التَّخْصِيصَاتِ إذَا لَمْ يَكُنْ مُدْرَجًا شَرْطُ الْوَفَاءِ فِي سَنَدِ الْفَرَاغِ وَهَذَا الْمَنْعُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْإِرَادَةِ السَّنِيَّةِ الصَّادِرَةِ فِي 26 صَفَرٍ سَنَةَ 1278 فَلِذَلِكَ لَوْ اسْتَمَعَ الْقَاضِي تِلْكَ الدَّعْوَى وَقَبِلَ الْبَيِّنَةَ أَوْ حَلِفَ الْيَمِينِ وَحَكَمَ فَلَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ 5 - لَا تُسْمَعُ دَعْوَى الْفَرَاغِ مَجَّانًا بِشَرْطِ الْإِعَاشَةِ مَا لَمْ يَكُنْ الشَّرْطُ الْمَذْكُورُ مُدْرَجًا فِي السَّنَدِ فَإِذَا كَانَ مُدْرَجًا فَالدَّعْوَى مَسْمُوعَةٌ وَهَذَا الْمَنْعُ مُسْتَنِدٌ عَلَى الْإِرَادَةِ السَّنِيَّةِ الصَّادِرَةِ فِي 18 صَفَرَ سَنَةَ 1306 وَعَلَى ذَلِكَ لَوْ سُمِعَتْ الدَّعْوَى مَعَ عَدَمِ ذِكْرِ ذَلِكَ الشَّرْطِ فِي سَنَدِ الْفَرَاغِ وَحَكَمَ فَلَا يَنْفُذُ الْحُكْمُ.
- قَدْ مُنِعَ الْقُضَاةُ مِنْ سَمَاعِ دَعْوَى فَرَاغِ الْأَرَاضِيِ الْأَمِيرِيَّةِ مَجَّانًا بِشَرْطِ الْإِعَاشَةِ. 7 - لَا تُسْمَعُ دَعْوَى الرَّهْنِ وَالشَّرْطِ وَالْوَفَاءِ وَالِاسْتِغْلَالِ غَيْرِ الْمَذْكُورَةِ فِي السَّنَدِ. مَثَلًا لَوْ بَاعَ الْبَائِعُ مِلْكَهُ قَطْعِيًّا وَسَلَّمَ الْمُشْتَرِيَ سَنَدَ مُبَايَعَةٍ عَلَى الْأُصُولِ ثُمَّ ادَّعَى أَنَّ الْمَبِيعَ كَانَ رَهْنًا أَوْ كَانَ وَفَاءً أَوْ اسْتِغْلَالًا أَوْ كَانَ بِشَرْطِ كَذَا فَلَا تُسْمَعُ الدَّعْوَى حَسَبَ الْمَادَّةِ 19 مِنْ نِظَامِ الْأَمْلَاكِ كَمَا أَنَّهُ يُوجَدُ دَعَاوَى أُخْرَى مُنَوَّعَةٌ قَدْ بَيَّنَتْ فِي شَرْحِ الْبَابِ الثَّانِي مِنْ الدَّعْوَى أَوْ كَانَ الْقَاضِي بِمَحْكَمَةٍ مَأْذُونًا بِاسْتِمَاعِ بَعْضِ الْخُصُوصَاتِ الْمُعَيَّنَةِ فَلَهُ أَنْ يَسْمَعَ الْخُصُوصَاتِ الَّتِي أَذِنَ بِهَا وَأَنْ يَحْكُمَ فِيهَا فَقَطْ وَلَيْسَ لَهُ اسْتِمَاعُ مَا عَدَاهَا أَيْ غَيْرَ الْمَأْذُونِ بِاسْتِمَاعِهَا وَالْحُكْمِ بِهَا. وَمَحْكَمَةُ الْأَوْقَافِ وَمَحْكَمَةُ الْقَسَّامِ الْمُشَكَّلَتَانِ فِي الْآسِتَانَة فِي الْعَهْدِ الْعُثْمَانِيِّ هُمَا مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ. أَمَّا فِي زَمَانِنَا فَلَمْ يُمْنَعْ قُضَاةُ الشَّرْعِ فِي الْوِلَايَاتِ الْعُثْمَانِيَّةِ مِنْ فَصْلِ أَيِّ قَضِيَّةٍ شَرْعِيَّةٍ وَإِنْ يَكُنْ قَدْ صَدَرَ فِي 25 رَمَضَانَ سَنَةَ 1292 أَمْرٌ مَبْنِيٌّ عَلَى قَرَارٍ مِنْ شُورَى الدَّوْلَةِ الْعُثْمَانِيَّةِ بِلُزُومِ رُؤْيَةِ دَعَاوَى الْأَرَاضِيِ الْأَمِيرِيَّةِ فِي مَجَالِسَ أُخْرَى إلَّا أَنَّهُ لَا يُوجَدُ فِي الْأَمْرِ الْمَذْكُورِ قَيْدٌ يَمْنَعُ قُضَاةَ الشَّرْعِ مِنْ سَمَاعِ تِلْكَ الدَّعَاوَى بِالصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي هَذِهِ الْفِقْرَةِ كَمَا أَنَّهُ لَمْ يَصْدُرْ أَمْرٌ سُلْطَانِيٌّ يَمْنَعُ الْقُضَاةَ الشِّرْعَيْنِ مِنْ اسْتِمَاعِ تِلْكَ الْقَضَايَا، وَلِذَلِكَ إذَا فَصَلَتْ الْمَحَاكِمُ الشَّرْعِيَّةُ دَعَاوَى الْأَرَاضِيِ بِحَقٍّ وَأَصْدَرَتْ حُكْمَهَا فِيهَا فَالْإِعْلَامَاتُ الشَّرْعِيَّةُ الَّتِي صَدَرَتْ تُصَدَّقُ مِنْ دَائِرَةِ الْفَتْوَى الْعَالِيَةِ.
أَمَّا دَعَاوَى الْقَسَامَةِ وَالدِّيَةِ وَالْأَرْشِ وَالْقِصَاصِ وَالْغُرَّةِ وَحُكُومَةِ الْعَدْلِ وَالطَّلَاقِ وَالنِّكَاحِ وَالنَّفَقَةِ وَالْوَقْفِ فَاسْتِمَاعُهَا عَائِدٌ لِلْمَحَاكِمِ الشَّرْعِيَّةِ فَقَطْ وَلَا تُسْمَعُ تِلْكَ الدَّعَاوَى فِي الْمَجَالِسِ الْأُخْرَى الْقِسْمُ الثَّانِي: الْخُصُوصَاتُ الْخَاصَّةُ فَالْمَسَائِلُ الْمُتَفَرِّعَةُ عَنْهَا هِيَ: أَوَّلًا - لَوْ صَدَرَ أَمْرٌ سُلْطَانِيٌّ (بِأَنْ لَا تُسْمَعَ دَعْوَى فُلَانٍ) . ثَانِيًا - لَوْ صَدَرَ أَمْرُ سُلْطَانٍ ب (أَنْ لَا تُسْمَعَ دَعْوَى فُلَانٍ إلَى الْوَقْتِ الْفُلَانِيِّ) فَلَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يَسْمَعَ تِلْكَ الدَّعْوَى إلَى ذَلِكَ الْوَقْتِ وَإِذَا اسْتَمَعَ الْقَاضِي تَيْنِكَ الدَّعْوَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ فِي هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ لَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ. ثَالِثًا - لَوْ صَدَرَ أَمْرٌ سُلْطَانِيٌّ ب (أَنْ لَا يُنَصَّبَ بَعْدَ فُلَانٍ نَائِبًا لِلْقَاضِي) فَعَيَّنَهُ قَاضِي بَلْدَةٍ نَائِبًا عَنْهُ فَاسْتَمَعَ بَعْضَ الدَّعَاوَى وَحَكَمَ بِهَا لَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ. رَابِعًا - الْمَوْلَى، لَوْ تَعَيَّنَ مَوْلًى مِنْ طَرَفِ السُّلْطَانِ لَأَنْ يَفْصِلَ مَثَلًا دَعْوَى الْأَرَاضِي الْمُتَكَوِّنَةِ بَيْنَ زَيْدٍ وَعَمْرٍو فَلِلْمَوْلَى الْمَذْكُورِ فَقَطْ أَنْ يَفْصِلَ فِي تِلْكَ الدَّعْوَى وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَفْصِلَ دَعَاوَى الْأَشْخَاصِ الْآخَرِينَ كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَفْصِلَ الدَّعَاوَى الْأُخْرَى الْمُتَكَوِّنَةَ بَيْنَ زَيْدٍ وَعَمْرٍو.
تَقْيِيدُ الْقَضَاءِ بِالْعَمَلِ بِقَوْلِ مُجْتَهِدٍ فِي الْمَسَائِلِ الشَّرْعِيَّةِ الْخِلَافِيَّةِ: كَذَلِكَ لَوْ صَدَرَ أَمْرٌ سُلْطَانِيٌّ بِالْعَمَلِ بِرَأْيِ مُجْتَهِدٍ أَيْ بِاجْتِهَادِ مُجْتَهِدٍ فِي خُصُوصٍ لِمَا أَنَّ رَأْيَهُ بِالنَّاسِ أَرْفَقُ وَلِمَصْلَحَةِ الْقُطْرِ أَوْفَقُ فَعَلَى الْقَاضِي أَنْ يَحْكُمَ بِرَأْيِ وَاجْتِهَادِ ذَلِكَ الْمُجْتَهِدِ.
وَقَدْ وَرَدَ فِي تَقْرِيرِ الْمَجَلَّةِ (أَنَّهُ مِنْ الْوَاجِبِ الْعَمَلُ بِأَمْرِ إمَامِ الْمُسْلِمِينَ بِالْعَمَلِ بِأَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فِي الْمَسَائِلِ الْمُجْتَهِدِ فِيهَا) فَعَلَى ذَلِكَ لَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يَعْمَلَ بِرَأْيِ مُجْتَهِدٍ آخَرَ مُنَافٍ لِرَأْيِ ذَلِكَ الْمُجْتَهِدِ فَإِذَا عَمَلَ وَحَكَمَ لَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْقَاضِي غَيْرَ مَأْذُونٍ بِالْحُكْمِ بِمَا يُنَافِي ذَلِكَ الرَّأْيَ فَلَمْ يَكُنْ الْقَاضِي قَاضِيًا لِلْحُكْمِ بِالرَّأْيِ الْمَذْكُورِ. وَالْمَذَاهِبُ الْمَشْهُورَةُ هِيَ الْحَنَفِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَالْمَالِكِيُّ وَالْحَنْبَلِيُّ وَلَمَّا كَانَ أَكْثَرُ رَعَايَا الدَّوْلَةِ الْعُثْمَانِيَّةِ مُتَمَذْهِبِينَ بِالْمَذْهَبِ الْحَنَفِيِّ فَقَدْ أَمَرَ قُضَاةُ الشَّرْعِ بِالْحُكْمِ بِمُوجَبِ الْمَذْهَبِ الْحَنَفِيِّ وَيُوجَدُ فِي الْعِرَاقِ وَالْحِجَازِ وَالْيَمَنِ مُسْلِمُونَ مُتَمَذْهِبُونَ بِالْمَذَاهِبِ الْأُخْرَى أَمَّا الْمَسَائِلُ الَّتِي تَتَكَوَّنُ بَيْنَ الْأَهَالِيِ الْمُقَلِّدَةِ لِلْمَذَاهِبِ الْأُخْرَى وَيُرَى مُنَاسِبًا فَصْلُهَا تَوْفِيقًا لِأَحْكَامِ مَذْهَبِهِمْ فَلَهُمْ أَنْ يُعَيِّنُوا الْحُكْمَ لِيَفْصِلَ فِي دَعَاوِيهِمْ وَلِهَذَا الْحَكَمِ أَنْ يَحْكُمَ بِمُوجَبِ أَحْكَامِ الْمَذْهَبِ الْمَنْسُوبِ لَهُ وَهَذَا الْحُكْمُ يَصْدُقُ مِنْ طَرَفِ الْقَاضِي الْحَنَفِيِّ الْمَنْصُوبِ مِنْ قِبَلِ السُّلْطَانِ.
وَقَدْ قُسِّمَ الْمُجْتَهِدُ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: الْأَوَّلُ - مُجْتَهِدٌ فِي الشَّرْعِ كَالْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَهُمْ الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ وَالشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَالْحَنْبَلِيُّ. الثَّانِي - مُجْتَهِدٌ فِي الْمَذْهَبِ كَالْإِمَامِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَسَائِرِ الْأَصْحَابِ الْحَنَفِيَّةِ. الثَّالِثُ - مُجْتَهِدٌ فِي الْمَسَائِلِ كَالْخَصَّافِ وَالطَّحْطَاوِيِّ وَالْكَرْخِيِّ وَالْحَلْوَانِيِّ وَالسَّرَخْسِيُّ وَالْبَزْدَوِيُّ وَقَاضِي خَانْ.
وَعِبَارَةُ مُجْتَهِدٍ الْوَارِدَةُ فِي هَذِهِ الْفِقْرَةِ هِيَ مُسْتَعْمَلَةٌ بِمَعْنًى يَشْمَلُ الْمُجْتَهِدِينَ الثَّلَاثَةَ. إذَا أَمَرَ السُّلْطَانُ قُضَاةَ الشَّرْعِ بِالْعَمَلِ بِالْمَذَاهِبِ الْأُخْرَى فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ فَيَصِحُّ الْأَمْرُ وَتَجِبُ الطَّاعَةُ لَهُ لِأَنَّهُ أَمْرٌ بِمَا لَيْسَ بِمَعْصِيَةٍ وَلَا مُخَالِفٌ لِلشَّرْعِ بِيَقِينٍ. وَطَاعَةُ أُولِي الْأَمْرِ فِي مِثْلِهِ وَاجِبَةٌ (الْأَنْقِرْوِيُّ فِي الْقَضَاءِ) . وَقَدْ أَمَرَ السَّلَاطِينُ الْعُثْمَانِيُّونَ الْقُضَاةَ بِالْعَمَلِ فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ بِغَيْرِ الْمَذْهَبِ الْحَنَفِيِّ فَمَثَلًا لَا يَجُوزُ فِي الْمَذْهَبِ الْحَنَفِيِّ بَيْعُ عَقَارِ الْمَفْقُودِ الَّذِي لَا يُخْشَى خَرَابُهُ لَكِنَّ السُّلْطَانَ سُلَيْمَانَ قَدْ أَمَرَ بِبَيْعِ عَقَارِ الْمَفْقُودِ، وَالْقُضَاةُ الْحَنَفِيَّةُ يَحْكُمُونَ حَتَّى الْآنَ بِمُوجَبِ ذَلِكَ فَلِذَلِكَ لَوْ ظَهَرَتْ حَيَاةُ الْمَفْقُودِ بَعْدَ بَيْعِ الْعَقَارِ فَلَهُ أَخْذُ ثَمَنِ الْمَبِيعِ أَمَّا إذَا بِيعَ الْعَقَارُ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ فَلِمَفْقُودٍ أَنْ يَفْسَخَ الْبَيْعَ. اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (58)(مَعْرُوضَاتُ أَبِي السُّعُودِ بِزِيَادَةٍ) . إنَّ مَنَافِعَ الْمَغْصُوبِ غَيْرُ مَضْمُونَةٍ مُطْلَقًا عِنْدَ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ الْمُجْتَهِدِ فِي الشَّرْعِ وَالْإِمَامَيْنِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ الْمُجْتَهِدَيْنِ فِي الْمَذْهَبِ إلَّا أَنَّ مُتَأَخِّرِي الْفُقَهَاءِ أَهْلُ التَّخْرِيجِ وَالتَّرْجِيحِ الْحَنَفِيَّةِ شَاهَدُوا تَعَدِّيَ النَّاسِ عَلَى أَمْوَالِ الْأَيْتَامِ وَالْأَوْقَافِ فَافْتُوَا بِلُزُومِ الضَّمَانِ فِيهِمَا قَطْعًا لِلْأَطْمَاعِ الْفَاسِدَةِ. اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّتَيْنِ (39 و 596) إلَّا أَنَّ الْإِفْتَاءَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ عَلَى فَتْوَى الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ الْمُجْتَهِدِ فِي الشَّرْعِ وَإِنَّ الْقَوْلَ الَّذِي قِيلَ فِي الْمَجَلَّةِ بِعَدَمِ ضَمَانِ مَنَافِعِ الْمَغْصُوبِ فِيمَا عَدَا الْمُعَدِّ لِلِاسْتِغْلَالِ وَأَمْوَالِ الْأَوْقَافِ وَالْأَيْتَامِ فَيُؤْمَلُ قَرِيبًا أَنْ يُعْمَلَ بِقَوْلِ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ بِسَبَبِ زِيَادَةِ التَّعَدِّي عَلَى الْحُقُوقِ فَتُصْبِحُ مَنَافِعُ الْمَغْصُوبِ مَضْمُونَةً.
وَقَدْ مَرَّ فِي الْمَجَلَّةِ مَسَائِلُ كَثِيرَةٌ مُتَفَرِّعَةٌ عَلَى التَّقْيِيدِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ الرَّابِعَةِ، وَقَدْ صَارَ بَيَانُهَا وَتَوْضِيحُهَا أَثْنَاءَ الشَّرْحِ إلَّا أَنَّهُ مِنْ الْفَائِدَةِ ذِكْرُ بَعْضِ أَمْثِلَةٍ هُنَا. أَوَّلًا - قَدْ بَيَّنَ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (179) مِنْ الْمَجَلَّةِ إذَا كَانَ الْإِيجَابُ وَاحِدًا لَا يَتَعَدَّدُ الْبَيْعُ بِتَفْصِيلِ الثَّمَنِ فَقَطْ حَسَبَ قَوْلِ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ وَقَدْ قَالَ الْإِمَامَانِ بِتَعَدُّدِهِ إلَّا أَنَّ الْمَجَلَّةَ قَدْ قَبِلَتْ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ. ثَانِيًا - قَدْ قَالَ الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ بِعَدَمِ جَوَازِ خِيَارِ الشَّرْطِ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَأَمَّا الْإِمَامَانِ فَقَدْ قَالَا بِجَوَازِ خِيَارِ الشَّرْطِ مَهْمَا بَلَغَ مِنْ الْأَيَّامِ بِشَرْطِ أَنْ تَكُونَ الْمُدَّةُ مَعْلُومَةً وَقَدْ اخْتَارَتْ الْمَجَلَّةُ فِي الْمَادَّةِ (300) قَوْلَ الْإِمَامَيْنِ. ثَالِثًا: تَنْعَقِدُ الْإِقَالَةُ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا بِصِيغَةِ الْمَاضِي وَالْآخَرُ بِصِيغَةِ الْمَاضِي عَلَى رَأْيِ الشَّيْخَيْنِ كَمَا ذَكَرَ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (191) أَمَّا عِنْدَ الْإِمَامِ مُحَمَّدٍ فَلَا تَنْعَقِدُ وَقَدْ قَبِلَتْ الْمَجَلَّةُ قَوْلَ الشَّيْخَيْنِ. رَابِعًا - قَدْ قَبِلَتْ الْمَجَلَّةُ فِي لُزُومِ الِاسْتِصْنَاعِ قَوْلَ الْإِمَامِ أَبِي يُوسُفَ كَمَا بَيَّنَ ذَلِكَ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (392) خَامِسًا - إذَا أَجَازَ صَاحِبُ الْمَالِ إجَارَةَ الْفُضُولِيِّ بَعْدَ مُرُورِ مُدَّةٍ مِنْ الْإِجَارَةِ فَعِنْدَ الْإِمَامِ مُحَمَّدٍ رحمه الله يَعُودُ بَدَلُ الْإِجَارَةِ الَّذِي يَخُصُّ مُدَّةً قِيلَ الْإِجَارَةُ لِلْفُضُولِيِّ وَبَدَلُ الْإِجَارَةِ بَعْدَ الْإِجَازَةِ إلَى
صَاحِبِ الْمَالِ وَقَدْ قَبِلَتْ الْمَجَلَّةُ هَذَا الرَّأْيَ فِي الْمَادَّةِ (447) سَادِسًا - إذَا تُوُفِّيَ الْمُحِيلُ فِي الْحَوَالَةِ الْمُقَيَّدَةِ قَبْلَ الْأَدَاءِ وَكَانَتْ دُيُونُهُ أَزْيَدَ مِنْ تَرِكَتِهِ فَعِنْدَ الْإِمَامِ زُفَرَ لَا يَحِقُّ لَدَائِنِي الْمُحِيلِ أَنْ يَتَدَاخَلُوا بِالْمُحَالِ بِهِ أَمَّا عِنْدَ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ وَالْإِمَامِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ يَعُودُ الْمُحَالُ بِهِ إلَى تَرِكَةِ الْمُتَوَفَّى وَيُقْسَمُ غَرَامَةً بَيْنَ الدَّائِنِينَ وَقَدْ قَبِلَتْ الْمَجَلَّةُ فِي الْمَادَّةِ (692) قَوْلَ الْإِمَامِ زُفَرَ. التَّرْتِيبُ الَّذِي يَجِبُ عَلَى الْقَاضِي أَنْ يَعْمَلَ بِهِ فِي أَقْوَالِ الْفُقَهَاءِ: إذَا صَدَرَ أَمْرٌ سُلْطَانِيٌّ بِالْعَمَلِ بِرَأْيِ مُجْتَهِدٍ فَحُكْمُ الْقَاضِي بِرَأْيِ مُجْتَهِدٍ آخَرَ بَاطِلٌ أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ أَمْرٌ سُلْطَانِيٌّ بِتَرْجِيحِ رَأْيِ أَحَدِ الْمُجْتَهِدِينَ فِي الْأَقْوَالِ الْمُخْتَلِفَةِ فَعَلَى الْقَاضِي وَالْمُفْتِي أَنْ يَعْمَلَ عَلَى الْوَجْهِ الْآتِي: أَوَّلًا - يَعْمَلَانِ بِقَوْلِ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ رحمه الله سَوَاءٌ كَانَ أَحَدُ الْإِمَامَيْنِ مُشْتَرِكًا فِي ذَلِكَ الرَّأْيِ أَوْ غَيْرَ مُشْتَرِكٍ لِأَنَّهُ كَانَ مِنْ التَّابِعِينَ (الْوَلْوَالِجِيَّةِ) وَلِأَنَّهُ رَأْيُ الصَّحَابَةِ وَزَاحَمَ التَّابِعِينَ فِي الْفَتْوَى فَقَوْلُهُ أَشَدُّ وَأَقْوَى مَا لَمْ يَكُنْ اخْتِلَافُ عَصْرٍ وَزَمَانٍ. مُسْتَثْنًى - أَمَّا فِي الْمَسَائِلِ الْآتِيَةِ الذِّكْرِ فَيُعْمَلُ بِقَوْلِ الْإِمَامَيْنِ:
1 -
يُفْتَى وَيُعْمَلُ فِي الْمَسَائِلِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِأُمُورِ الْقَضَاءِ وَالشَّهَادَةِ بِرَأْيِ الْإِمَامِ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله لِأَنَّهُ قَدْ اشْتَغَلَ بِالْقَضَاءِ فِعْلًا وَحَصَلَ عَلَى زِيَادَةِ تَجْرِبَةٍ فِيهِ إذْ لَيْسَ الْخَبَرُ كَالْعِيَانِ (الْحَمَوِيُّ وَشَرْحُ رَسْمِ الْمُفْتِي) .
2 -
إذَا كَانَ سَبَبُ الِاخْتِلَافِ نَاشِئًا عَنْ تَغَيُّرِ الزَّمَانِ فَيُعْمَلُ بِقَوْلِ الْإِمَامَيْنِ كَالْحُكْمِ بِظَاهِرِ الْعَدَالَةِ. اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ (1716) . 3 - يُعْمَلُ بِقَوْلِ الْإِمَامَيْنِ فِي الْمَسَائِلِ الَّتِي أَجْمَعَ فِيهَا الْمُتَأَخِّرُونَ عَلَى قَوْلِهِمَا كَالْمُزَارَعَةِ وَالْمُسَاقَاةِ كَمَا أَنَّهُ قَدْ ذَكَرَ فِي كِتَابِ الشَّرِكَةِ أَيْضًا بِأَنَّهُ قَدْ صَدَرَ الْأَمْرُ السُّلْطَانِيُّ بِالْعَمَلِ بِقَوْلِ الْإِمَامَيْنِ. 4 - إذَا رَجَّحَ الْمُتَأَخِّرُونَ قَوْلًا بِأَنْ قَالُوا: إنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ أَبِي يُوسُفَ أَوْ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ مُحَمَّدٍ يُعْمَلُ بِذَلِكَ الْقَوْلِ. وَأَلْفَاظُ التَّرْجِيحِ هِيَ كَقَوْلِهِمْ 0 وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى 0 أَوْ بِهِ يُفْتَى أَوْ بِهِ نَأْخُذُ، أَوْ وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ، أَوْ وَعَلَيْهِ عَمَلُ الْيَوْمِ. أَيْ عَلَيْهِ عَمَلُ النَّاسِ فِي هَذَا الزَّمَنِ الْحَاضِرِ أَوْ وَعَلَيْهِ عَمَلُ الْأُمَّةِ، أَوْ وَهُوَ الصَّحِيحُ، أَوْ وَهُوَ الْأَصَحُّ، أَوْ هُوَ الْأَظْهَرُ أَوْ وَهُوَ الْأَشْبَهُ، أَيْ الْأَشْبَهُ بِالْمَنْصُوصِ رِوَايَةً وَالرَّاجِحُ دِرَايَةً فَيَكُونُ عَلَيْهِ الْفَتْوَى أَوْ وَهُوَ الْأَوْجَهُ أَوْ وَهُوَ الْمُخْتَارُ وَبِهِ جَرَى الْعُرْفُ وَهُوَ الْمُتَعَارَفُ وَبِهِ أَخَذَ عُلَمَاؤُنَا وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الْأَلْفَاظِ وَمَعَ ذَلِكَ فَإِنَّ بَعْضَ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ آكَدُ مِنْ الْأَلْفَاظِ الْأُخْرَى فَإِنَّ لَفْظَ الْفَتْوَى آكَدُ مِنْ لَفْظِ الْأَصَحِّ وَالْأَشْبَهِ وَلَفْظُ وَبِهِ يُفْتَى آكَدُ مِنْ لَفْظِ الْفَتْوَى عَلَيْهِ كَمَا أَنَّ لَفْظَ الْأَصَحِّ آكَدُ مِنْ لَفْظِ الصَّحِيحِ وَلَفْظُ أَحْوَطُ آكَدُ مِنْ لَفْظِ احْتِيَاطِيٍّ فَعَلَيْهِ إذَا صَرَّحَ أَحَدُ الْمَشَايِخِ بِأَنَّ قَوْلَ غَيْرِ الْإِمَامِ هُوَ الْقَوْلُ الْمُفْتَى بِهِ فَعَلَى الْقَاضِي أَوْ الْمُفْتِي أَنْ يَأْخُذَ بِذَلِكَ الْقَوْلِ
أَمَّا إذَا كَانَ الْقَوْلَانِ مُصَحَّحَيْنِ وَلَمْ يَكُنْ تَصْحِيحُ أَحَدِهِمَا آكَدُ مِنْ الْآخَرِ فَلِلْقَاضِي أَنْ يَحْكُمَ بِأَيِّهِمَا كَمَا أَنَّ لِلْمُفْتِي أَنْ يُفْتِيَ بِأَيِّهِمَا (الدُّرُّ الْمُخْتَارُ وَرَدُّ الْمُحْتَارِ) وَقَدْ ذَكَرَ فِي كِتَابِ الْوَقْفِ مِنْ كِتَابِ الدُّرِّ الْمُخْتَارِ بِأَنَّهُ إذَا وُقِفَ الْمُشَاعُ الْقَابِلُ لِلْقِسْمَةِ فَالْوَقْفُ
جَائِزٌ عِنْدَ الْإِمَامِ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّ الْإِمَامَ الْمَذْكُورَ لَا يَشْتَرِطُ التَّسْلِيمَ فِي الْوَقْفِ أَمَّا عِنْدَ الْإِمَامِ مُحَمَّدٍ فَالْوَقْفُ غَيْرُ جَائِزٍ لِأَنَّهُ يَشْتَرِطُ التَّسْلِيمَ فِي الْوَقْفِ وَبِمَا أَنَّ كِلَا الْقَوْلَيْنِ قَدْ صُحِّحَ بِلَفْظِ الْفَتْوَى فَالْمُقَلِّدُ (الْقَاضِي الْحَنَفِيُّ) مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ حَكَمَ بِصِحَّتِهِ وَإِنْ شَاءَ حَكَمَ بِبُطْلَانِهِ وَإِذَا حَكَمَ بِأَحَدِ الْقَوْلَيْنِ مُرَجِّحًا ذَلِكَ الْقَوْلَ فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ فِي تِلْكَ الْحَادِثَةِ بِالْقَوْلِ الْآخَرِ إلَّا أَنَّ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ بِالْقَوْلِ الْآخَرِ فِي حَادِثَةٍ أُخْرَى.
ثَانِيًا: إذَا لَمْ يُوجَدْ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ فِي مَسْأَلَةٍ يُعْمَلُ بِقَوْلِ الْإِمَامِ أَبِي يُوسُفَ. ثَالِثًا: إذَا لَمْ يُوجَدْ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ وَالْإِمَامِ أَبِي يُوسُفَ فِي مَسْأَلَةٍ يُعْمَلُ بِقَوْلِ الْإِمَامِ مُحَمَّدٍ. رَابِعًا: يُعْمَلُ بِقَوْلِ الْإِمَامِ زُفَرَ وَالْإِمَامِ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. وَلَيْسَ لِلْقَاضِي أَوْ الْمُفْتِي أَنْ يُخَالِفَ هَذَا التَّرْتِيبَ مَا لَمْ يَكُنْ أَحَدُهُمَا صَاحِبَ مَلَكَةٍ يُمْكِنُ بِهَا أَنْ يَطَّلِعَ عَلَى قُوَّةِ الدَّلِيلِ كَالْمَشَايِخِ الَّذِينَ هُمْ مِنْ أَصْحَابِ التَّرْجِيحِ إذْ لَيْسَ عَلَى هَؤُلَاءِ أَنْ يَأْخُذُوا بِقَوْلِ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ عَلَى الْإِطْلَاقِ بَلْ لَهُمْ أَنْ يَنْظُرُوا إلَى الدَّلِيلِ وَأَنْ يُرَجِّحُوا الْقَوْلَ الَّذِي يَرَوْنَهُ أَنَّهُ رَاجِحٌ حَسَبَ اجْتِهَادِهِمَا (رَدُّ الْمُحْتَارِ) . وَلِذَلِكَ فَإِنَّ أَصْحَابَ التَّرْجِيحِ قَدْ رَجَّحُوا حِينًا أَقْوَالَ الْإِمَامِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ كَمَا أَنَّهُمْ قَدْ رَجَّحُوا قَوْلَ الْإِمَامِ زُفَرَ عَلَى الْأَقْوَالِ الْأُخْرَى فِي سَبْعَ عَشْرَةَ مَسْأَلَةً فَوَجَبَ عَلَيْنَا مُتَابَعَةُ تَرْجِيحِ هَؤُلَاءِ لِأَنَّهُمْ أَهْلُ النَّظَرِ فِي الدَّلِيلِ مِنْ الْأَقْوَالِ. فَالْقَاضِي يَحْكُمُ بِالْقَوْلِ الصَّحِيحِ وَالْمُفْتَى بِهِ فِي مَذْهَبِهِ وَلَا يَحْكُمُ بِالْقَوْلِ الضَّعِيفِ وَغَيْرِ الْمُفْتَى بِهِ لِأَنَّ جِهَةَ الصَّحِيحِ هِيَ الْحَقُّ وَطَرَفُ الضَّعِيفِ هُوَ خِلَافُ الْحَقِّ فَالْحُكْمُ بِالْقَوْلِ الضَّعِيفِ هُوَ حُكْمٌ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَاتِّبَاعٌ لِلَهْوِي وَهَذَا حَرَامٌ بِالْإِجْمَاعِ (شَرْحُ رَسْمِ الْمُفْتِي وَالدُّرُّ الْمُخْتَارُ) . فَلِذَلِكَ إذَا حَكَمَ الْقَاضِي بِالْقَوْلِ الضَّعِيفِ لَا يَنْفُذُ وَيُنْقَضُ حُكْمُهُ. سُؤَالٌ: إنَّ الْقَوْلَ الضَّعِيفَ يَتَقَوَّى بِالْقَضَاءِ فَإِذًا كَيْفَ نَقَضَهُ؟ الْجَوَابُ: الْمَقْصُودُ بِالْقَضَاءِ هُوَ قَضَاءُ الْمُجْتَهِدِ (رَدُّ الْمُحْتَارِ) لَا سِيَّمَا أَنَّ سَلَاطِينَ الدَّوْلَةِ الْعُثْمَانِيَّةِ يُنَصِّبُونَ الْقُضَاةَ وَالْمُفْتِينَ بِشَرْطِ أَنْ يَحْكُمُوا بِالْقَوْلِ الصَّحِيحِ وَلِذَلِكَ إذَا حَكَمُوا بِخِلَافِ الْقَوْلِ الصَّحِيحِ فَلَا يَنْفُذُ حُكْمُهُمْ. إنَّ هَذِهِ التَّفْصِيلَاتِ هِيَ فِي صُورَةِ حُكْمِ الْقَاضِي الْحَنَفِيِّ عَلَى مَذْهَبِهِ. أَمَّا إذَا حَكَمَ الْقَاضِي بِأَحَدِ الْمَذَاهِبِ الثَّلَاثَةِ مُخَالِفًا مَذْهَبَهُ.
مَثَلًا بِأَنْ يَحْكُمَ الْقَاضِي الْحَنَفِيُّ بِالْمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَوْ الْقَاضِي الشَّافِعِيُّ بِالْمَذْهَبِ الْحَنَفِيِّ فَهَذَا الْحُكْمُ نَافِذٌ عِنْدَ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى سَوَاءٌ كَانَ الْحُكْمُ سَهْوًا أَوْ نِسْيَانًا أَوْ عَمْدًا، وَوَجْهُ النَّفَاذِ أَنَّهُ لَيْسَ بِخَطَأٍ بِيَقِينٍ لِأَنَّ رَأْيَهُ يَحْتَمِلُ الصَّوَابَ وَإِنْ كَانَ الظَّاهِرُ عِنْدَهُ أَخْطَأَ فَلَيْسَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا خَطَأً بِيَقِينٍ فَكَانَ حَاصِلُهُ قَضَاءً فِي مُجْتَهَدٍ فِيهِ فَيَنْفُذُ حَتَّى لَوْ حَكَمَ
الْقَاضِي بِفَتْوَى ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّ تِلْكَ الْفَتْوَى مُخَالِفَةٌ لِمَذْهَبِهِ يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ وَلَيْسَ لَهُ أَوْ لِقَاضٍ خِلَافَهُ أَنْ يَنْقُضَ ذَلِكَ الْحُكْمَ اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ (1838)(الْبَزَّازِيَّةُ عَنْ شَرْحِ الطَّحْطَاوِيِّ وَالْحَمَوِيُّ وَالْفَتْحُ) أَمَّا عِنْدَ الْإِمَامَيْنِ فَالْحُكْمُ غَيْرُ نَافِذٍ وَقَدْ ذَكَرَ فِي الْمُحِيطِ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ الْإِمَامَيْنِ كَمَا أَنَّهُ قَدْ رَجَّحَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِي الشُّرُنْبُلَالِيُّ قَوْلَهُمَا (شَرْحُ الْمَجْمَعِ لِابْنِ مَلَكٍ) . وَيَجِبُ أَنْ يُعْلَمَ بِأَنَّهُ إذَا نُصِّبَ الْقَاضِي مِنْ طَرَفِ السُّلْطَانِ بِأَنْ يَحْكُمَ عَلَى الْمَذْهَبِ الْحَنَفِيِّ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ بِمَذْهَبٍ آخَرَ كَمَا مَرَّ ذِكْرُهُ فَإِذَا حَكَمَ فَحُكْمُهُ بَاطِلٌ لِأَنَّ الْقَاضِيَ مَعْزُولٌ عَنْ الْقَضَاءِ بِالنِّسْبَةِ إلَى هَذَا الْحُكْمِ (رَدُّ الْمُحْتَارِ وَرَسْمُ الْمُفْتِي) . إنَّ الْقَاضِيَ مُكَلَّفٌ أَنْ يَتَحَرَّى الْمَسَائِلَ الشَّرْعِيَّةَ مِنْ الْكُتُبِ الشَّرْعِيَّةِ الْمُعْتَبَرَةِ وَأَنْ يَحْكُمَ بِمُوجَبِهَا وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ قِيَاسًا حَتَّى لَوْ أَنَّ الْقَاضِيَ قَاسَ مَسْأَلَةً عَلَى مَسْأَلَةٍ أُخْرَى وَحَكَمَ بِمُوجَبِ ذَلِكَ الْقِيَاسِ ثُمَّ ظَهَرَتْ رِوَايَةٌ خِلَافَ الْحُكْمِ وَتَبَيَّنَ خَطَؤُهُ فِي الْحُكْمِ فَلِلْمَحْكُومِ عَلَيْهِ أَنْ يُخَاصِمَ الْقَاضِيَ وَالْمُدَّعِيَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. يُخَاصِمُ الْقَاضِيَ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذَا الزَّمَنِ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ وَالْقُدْرَةِ عَلَى ذَلِكَ وَقَدْ أَثِمَ الْقَاضِي بِاجْتِهَادِهِ وَيُخَاصِمُ الْمُدَّعِيَ لِأَنَّهُ قَدْ أَخَذَ مَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ الْمَالَ الَّذِي أَخَذَهُ إلَى الْمُقْتَضَى عَلَيْهِ إذْ أَنَّ اعْتِمَادَ الْمُدَّعِي عَلَى أَمْرِ الْقَاضِي غَيْرِ الْمَشْرُوعِ لَا يُخَلِّصُهُ مِنْ الضَّمَانِ (رَدُّ الْمُحْتَارِ وَالْحَمَوِيُّ) .
خَامِسًا: إنَّ الْكُتُبَ الْفِقْهِيَّةَ مُقَسَّمَةٌ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ وَهِيَ الْمُتُونُ وَالشُّرُوحُ وَالْفَتَاوَى. مَسَائِلُ الْمُتُونِ تُرَجَّحُ عَلَى مَسَائِلِ الشُّرُوحِ لِأَنَّ مَسَائِلَ الْمُتُونِ قَدْ أَصْبَحَتْ مُتَوَاتِرَةً كَمَا أَنَّ مَسَائِلَ الشُّرُوحِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى مَسَائِلِ الْفَتَاوَى. وَالْحُكْمُ عَلَى ذَلِكَ سَوَاءٌ صُحِّحَ الْقَوْلَانِ أَوْ لَمْ يُصَحَّحَا. أَمَّا لَوْ ذَكَرَ فِي الْمَتْنِ مَثَلًا مَسْأَلَةً وَلَمْ يَذْكُرْ عَنْهَا بِأَنَّهَا صَحِيحَةٌ وَذَكَرَ عَنْ الْمَسْأَلَةِ الْوَارِدَةِ فِي الشَّرْحِ أَنَّهَا صَحِيحَةٌ فَتُقَدَّمُ الْمَسْأَلَةُ الْوَارِدَةُ فِي الشَّرْحِ لِأَنَّ ذِكْرَ الْمَسْأَلَةِ فِي الْمَتْنِ هُوَ تَصْحِيحٌ الْتِزَامِيٌّ، أَمَّا التَّصْحِيحُ الْوَارِدُ عَنْ الشَّرْحِ فَهُوَ تَصْحِيحٌ صَرِيحٌ وَالتَّصْحِيحُ الصَّرِيحُ مُقَدَّمٌ عَلَى التَّصْرِيحِ الِالْتِزَامِيِّ (رَسْمُ الْمُفْتِي) . سَادِسًا: إذَا ذُكِرَ فِي الْكُتُبِ الشَّرْعِيَّةِ قَوْلَانِ وَأُثْبِتَ أَحَدُهُمَا بِذِكْرِ دَلِيلِهِ فَهُوَ مُرَجَّحٌ لِأَنَّ التَّعْلِيلَ يُفِيدُ تَرْجِيحَ الْمُعَلَّلِ. سَابِعًا: إذَا كَانَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ قِيَاسِيًّا وَالْآخَرُ اسْتِحْسَانًا فَيُرَجَّحُ الْقَوْلُ الِاسْتِحْسَانِيُّ إلَّا أَنَّهُ مُسْتَثْنًى مِنْ ذَلِكَ مَسَائِلُ عَدِيدَةٌ وَهَذِهِ الْمَسَائِلُ هِيَ مَذْكُورَةٌ فِي أَجْنَاسِ النَّاطِقِ وَهِيَ إحْدَى عَشْرَةَ مَسْأَلَةً وَقَدْ أَوْصَلَهَا نَجْمُ الدِّينِ النَّسَفِيّ إلَى اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ مَسْأَلَةً وَقَدْ ذَكَرَهَا ابْنُ نُجَيْمٍ فِي كِتَابِهِ شَرْحِ الْمَنَارِ (رَسْمُ الْمُفْتِي) . ثَامِنًا: إذَا كَانَ يُوجَدُ اخْتِلَافٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِي الْمَسَائِلِ الْوَقْفِيَّةِ فَيَحْكُمُ الْقَاضِي بِالْقَوْلِ الْأَنْفَعِ لِلْوَقْفِ إذْ أَنَّ الْوَقْفَ غَيْرُ لَازِمٍ عِنْدَ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ وَلَازِمٌ عِنْدَ الْإِمَامَيْنِ فَالْقَاضِي نَفْعًا لِلْوَقْفِ يَحْكُمُ بِمُوجَبِ قَوْلِ الْإِمَامَيْنِ وَيَحْكُمُ بِالْوَقْفِ وَبِتَسْجِيلِهِ.