الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْحَالِ مِنْ السَّيِّدِ مَحْمُودٍ الْمَذْكُورِ الْمَبْلَغَ الْمَذْكُورَ طَلَبِي مِنْ ذِمَّتِهِ وَأَطْلُبُ سُؤَالَهُ وَتَنْبِيهَهُ مِنْ قِبَلِ الشَّرْعِ عَلَى أَدَاءِ وَإِيفَاءِ الْمَبْلَغِ الْمَذْكُورِ لِي.
وَلَدَى سُؤَالِ السَّيِّدِ مَحْمُودٍ الْمَذْكُورِ أَنْكَرَ دَعْوَى الْمُدَّعِي فَطُلِبَتْ الْبَيِّنَةُ مِنْ الْمُدَّعِي الْمُومِئِ إلَيْهِ الشَّيْخِ مُحَمَّدْ أَفَنْدِي عَوَّادْ فَأَجَابَ: إنَّ شَاهِدَيْ الْأَصْلِ عَلَى ذَلِكَ هُمَا الشَّيْخُ مُحَمَّدْ أَفَنْدِي سَلِيمْ عَوَّادْ وَالسَّيِّدُ حُسَيْنْ مَحْمُودْ شحاده الْمُقِيمَانِ فِي مَدِينَةِ نَابُلُسَ وَجَلْبُهُمَا إلَى مَجْلِسِ الشَّرْعِ الشَّرِيفِ مُتَعَذِّرٌ لِسُكْنَاهُمَا فِي الْمَدِينَةِ الْمَذْكُورَةِ وَإِنَّ شَاهِدَيْ الْفَرْعِ عَلَى لِسَانِ شَاهِدَيْ الْأَصْلِ الْمَذْكُورَيْنِ هُمَا السَّيِّدُ حُسَيْنُ بْنُ حُسَيْنٍ مُصْطَفَى وَالسَّيِّدُ عَبْدُ الْقَادِرِ بْنُ عَبْدِ الْجَوَّادِ قَدْ حَضَرَا لِأَجْلِ الشَّهَادَةِ وَلَدَى اسْتِشْهَادِهِمَا شَهِدَ الْمَذْكُورَانِ: إنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ أَنَّ كُلًّا مِنْ الْغَائِبَيْنِ الشَّيْخِ مُحَمَّدْ أَفَنْدِي سَلِيمْ عَوَّادْ وَالسَّيِّدِ حُسَيْنْ مَحْمُود شحاده قَدْ حَمَّلَانَا الشَّهَادَةَ بِقَوْلِهِمَا: إنَّ الْمُدَّعِيَ الشَّيْخَ مُحَمَّدْ أَفَنْدِي عَوَّادْ قَدْ أَقْرَضَ وَسَلَّمَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ السَّيِّدَ مَحْمُودًا الْمَذْكُورَ فِي سَنَةَ 1345 فِي غُرَّةِ رَبِيعٍ الْآخَرَ مِنْ مَالِهِ مِائَةَ جُنَيْهٍ إنْجِلِيزِيَّةٍ فِي دُكَّانِهِ الْوَاقِعِ فِي سُوقِ الْفَالُوجِيِّ فِي حُضُورِنَا وَأَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قَدْ اقْتَرَضَ وَقَبَضَ ذَلِكَ الْمَبْلَغَ وَاسْتَهْلَكَهُ بِصَرْفِهِ عَلَى أُمُورِهِ وَأَنَّهُ مَدِينٌ دَيْنًا صَحِيحًا لِلشَّيْخِ مُحَمَّدٍ الْمَذْكُورِ إنَّنَا شَاهِدَانِ عَلَى هَذَا الْخُصُوصِ وَنَشْهَدُ بِذَلِكَ إلَّا أَنَّنَا لَمَّا كُنَّا فِي مَدِينَةِ نَابُلُسَ الْبَعِيدَةِ مُدَّةَ السَّفَرِ يَتَعَذَّرُ ذَهَابُنَا إلَى مَدِينَةِ غَزَّةَ لِأَجْلِ الشَّهَادَةِ فَلِذَلِكَ كُونَا شَاهِدَيْنِ عَلَى لِسَانِنَا وَاشْهَدَا بِذَلِكَ فِي مَحَلِّهِ وَقَدْ تَحَمَّلْنَا هَذِهِ الشَّهَادَةَ وَقَبِلْنَا تَحَمُّلَهَا وَنَحْنُ شَاهِدَانِ بِالْخُصُوصِ الْمَذْكُورِ وَنَشْهَدُ بِذَلِكَ عَلَى لِسَانِ الْغَائِبَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ.
وَقَدْ أَدَّى كُلٌّ مِنْهُمَا شَهَادَتَهُ حَسَبَ شُرُوطِ الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ الْمُعْتَبَرَةِ وَقَدْ صَارَ تَزْكِيَةُ شَاهِدَيْ الْأَصْلِ أَوْ شَاهِدَيْ الْفَرْعِ مِنْ أَئِمَّةِ مَحَلَّاتِهِمَا وَمُخْتَارِيهِمَا سِرًّا وَعَلَنًا وَفُهِمَ أَنَّهُمَا عَادِلَانِ وَمَقْبُولَا الشَّهَادَةِ فَلِذَلِكَ قَدْ نُبِّهَ عَلَى السَّيِّدِ مَحْمُودٍ الْمَذْكُورِ بِأَدَاءِ الْمِائَةِ جُنَيْهٍ الْإِنْجِلِيزِيَّة لِلْمُدَّعِي الشَّيْخِ مُحَمَّدْ أَفَنْدِي عَوَّادْ وَقَدْ كُتِبَ مَا وَقَعَ بِالطَّلَبِ فِي كَذَا.
[الْفَصْلُ السَّادِسُ فِي حَقِّ تَزْكِيَةِ الشُّهُودِ]
ِ إذَا طُعِنَ فِي الشُّهُودِ مِنْ طَرَفِ الْخَصْمِ فَتَجِبُ تَزْكِيَتُهُمْ بِالْإِجْمَاعِ وَيَكُونُ الْحُكْمُ بِدُونِ التَّزْكِيَةِ غَيْرَ صَحِيحٍ أَمَّا إذَا لَمْ يَطْعَنْ الْخَصْمُ فِي الشُّهُودِ فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي لُزُومِ التَّزْكِيَةِ، فَعِنْدَ الْإِمَامِ لَا حَاجَةَ لِتَزْكِيَةِ الشُّهُودِ وَيُحْكَمُ بِنَاءً عَلَى عَدَالَتِهِمْ الظَّاهِرَةِ.
أَمَّا عِنْدَ الْإِمَامَيْنِ فَتَجِبُ تَزْكِيَتُهُمْ وَلَا يَصِحُّ الْحُكْمُ بِدُونِهَا؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ يُبْنَى عَلَى الْحُجَّةِ وَلَا تَقَعُ الْحُجَّةُ إلَّا بِشَهَادَةِ الْعُدُولِ، وَالْعَدَالَةُ قَبْلَ السُّؤَالِ ثَابِتَةٌ بِالظَّاهِرِ وَهُوَ لَا يَصْلُحُ حُجَّةً لِلِاسْتِحْقَاقِ فَوَجَبَ التَّعَرُّفُ عَنْهَا صِيَانَةً لِلْقَضَاءِ عَنْ الْبُطْلَانِ وَلِإِسْنَادِ الْحُكْمِ لِلْبُرْهَانِ (الزَّيْلَعِيّ) . وَهَذَا الِاخْتِلَافُ فِي نَظَرِ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ هُوَ اخْتِلَافُ عَصْرٍ وَزَمَانٍ وَلَيْسَ اخْتِلَافَ حُجَّةٍ وَبُرْهَانٍ. اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ (96) ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ الْأَعْظَمَ قَدْ وُجِدَ فِي الْقَرْنِ الثَّالِثِ وَقَدْ شَهِدَ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم بِصَلَاحِ أَهْلِ هَذَا الْقَرْنِ وَقَدْ غَلَبَ عَلَى أَهْلِهِ الصَّلَاحُ. أَمَّا الْإِمَامَانِ فَقَدْ عَاشَا
فِي الْقَرْنِ الرَّابِعِ وَقَدْ ازْدَادَ فِي عَصْرِهِمَا الْفِسْقُ وَعَدَمُ الْعَدْلِ وَفَسَدَ الزَّمَانُ فَقَالَا بِلُزُومِ تَزْكِيَةِ الشُّهُودِ، وَالْمَجَلَّةُ أَخَذَتْ بِقَوْلِهِمَا (عَلِيٌّ أَفَنْدِي وَالْحَمَوِيُّ وَالْخَيْرِيَّةُ) .
الْمَادَّةُ (1716) - (إذَا شَهِدَتْ الشُّهُودُ يَسْأَلُ الْقَاضِي الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ: مَا تَقُولُ فِي شَهَادَةِ هَؤُلَاءِ هَلْ هُمْ صَادِقُونَ فِي شَهَادَتِهِمْ أَمْ لَا؟ فَإِنْ قَالَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ: هُمْ صَادِقُونَ فِي شَهَادَتِهِمْ هَذِهِ أَوْ عُدُولٌ يَكُونُ قَدْ أَقَرَّ بِالْمُدَّعَى بِهِ وَيُحْكَمُ بِإِقْرَارِهِ. وَإِنْ قَالَ: هُمْ شُهُودُ زُورٍ أَوْ عُدُولٌ وَلَكِنَّهُمْ أَخْطَئُوا فِي هَذِهِ الشَّهَادَةِ أَوْ نَسُوا الْوَاقِعَ أَوْ قَالَ: هُمْ عُدُولٌ وَأَنْكَرَ الْمُدَّعَى بِهِ فَلَا يَحْكُمُ الْقَاضِي وَيُحَقِّقُ عَدَالَةَ الشُّهُودِ مِنْ عَدَمِهَا بِالتَّزْكِيَةِ سِرًّا وَعَلَنًا) .
إذَا شَهِدَتْ الشُّهُودُ فِي حُضُورِ الْقَاضِي يَسْأَلُ بَعْدَ ذَلِكَ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ: مَا تَقُولُ فِي شَهَادَةِ هَؤُلَاءِ هَلْ هُمْ صَادِقُونَ أَوْ غَيْرُ صَادِقِينَ أَوْ أَنَّ شَهَادَتَهُمْ عَلَيْك بِحَقٍّ أَوْ بِغَيْرِ حَقٍّ (الشِّبْلِيُّ) حَتَّى يَعْلَمَ سَبَبَ حُكْمِ الْقَاضِي؛ لِأَنَّهُ حَسَبَ الْفِقْرَةِ الْآتِيَةِ إذَا قَالَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ: إنَّ الشُّهُودَ صَادِقُونَ يَكُونُ سَبَبُ حُكْمِ الْقَاضِي الْإِقْرَارَ وَإِذَا لَمْ يَقُلْ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ: إنَّ الشُّهُودَ صَادِقُونَ وَصَارَتْ تَزْكِيَةُ الشُّهُودِ سِرًّا وَعَلَنًا فَيَكُونُ سَبَبُ الْحُكْمِ الشَّهَادَةَ فَعَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ يُسْأَلُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَعْدَ دَعْوَى الْمُدَّعِي مَرَّتَيْنِ، الْمَرَّةُ الْأُولَى يُسْأَلُ عَمَّا يَقُولُهُ فِي دَعْوَى الْمُدَّعِي عَلَى الْوَجْهِ الْمُبَيَّنِ فِي الْمَادَّةِ (1816) فَيُقَالُ لَهُ: هَلْ لِلْمُدَّعِي حَقٌّ عِنْدَك حَسَبَ دَعْوَاهُ؟ وَالْمَرَّةُ الثَّانِيَةُ إذَا أَجَابَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى السُّؤَالِ الْأَوَّلِ بِالْإِنْكَارِ، وَسُمِعَ شُهُودُ الْمُدَّعِي يُسْأَلُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ثَانِيَةً حَسَبَ هَذِهِ الْفِقْرَةِ، أَمَّا إذَا أَجَابَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى السُّؤَالِ الْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ: إنَّ لِلْمُدَّعِي الْحَقَّ الَّذِي ادَّعَاهُ فَيَكُونُ قَدْ أَقَرَّ بِالْمُدَّعَى بِهِ فَلَا يُحْتَاجُ لِلشُّهُودِ، وَيُلْزَمُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ، كَمَا أَنَّهُ إذَا أَجَابَ عَلَى السُّؤَالِ الثَّانِي بِقَوْلِهِ: إنَّ الشُّهُودَ صَادِقُونَ فِي شَهَادَتِهِمْ فَيَكُونُ قَدْ أَقَرَّ أَيْضًا بِالْمُدَّعَى بِهِ فَيَلْزَمُ بِإِقْرَارِهِ أَيْضًا وَعَلَى ذَلِكَ يَكُونُ حُكْمُ الْجَوَابَيْنِ مُتَّحِدًا.
أَمَّا إذَا أَجَابَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى السُّؤَالِ الْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ: لَيْسَ لِلْمُدَّعِي حَقٌّ عِنْدِي فَيَطْلُبُ شُهُودًا مِنْ الْمُدَّعِي، وَإِذَا أَجَابَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى السُّؤَالِ الثَّانِي بِقَوْلِهِ: إنَّ الشُّهُودَ شُهُودُ زُورٍ فَحِينَئِذٍ تَصِيرُ تَزْكِيَةُ الشُّهُودِ سِرًّا وَعَلَنًا وَيَكُونُ حُكْمُ الْجَوَابِ التَّالِي مُخَالِفًا، فَإِنْ قَالَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ: هُمْ صَادِقُونَ فِي شَهَادَتِهِمْ هَذِهِ أَوْ عُدُولٌ أَوْ أَنَّ شَهَادَتَهُمْ عَلَيَّ جَائِزَةٌ وَمَقْبُولَةٌ، أَيْ إذَا زَكَّى الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ الشُّهُودَ بِهَذِهِ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ مِنْ الْعِبَارَاتِ فَيَكُونُ قَدْ أَقَرَّ بِالْمُدَّعَى بِهِ حَتَّى لَوْ قَالَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ فِي حَقِّ أَحَدِ الشُّهُودِ فَقَطْ: إنَّ هَذَا الشَّاهِدَ عَادِلٌ فِي شَهَادَتِهِ وَبِتَعْبِيرٍ آخَرَ لَوْ صَدَّقَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ أَحَدَ الشُّهُودِ يَكُونُ قَدْ أَقَرَّ بِالْمُدَّعَى بِهِ وَعَلَى هَذَا لَا تَكُونُ حَاجَةٌ لِتَزْكِيَةِ وَتَعْدِيلِ الشَّاهِدِ الْآخَرِ (الْوَلْوَالِجِيَّةِ فِي آدَابِ الْقَاضِي) .
وَبِهَذِهِ الصُّورَةِ لَا يُحْكَمُ بِالْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْبَيِّنَةِ بَلْ يُحْكَمُ عَلَيْهِ وَيُلْزَمُ بِإِقْرَارِهِ؛ لِأَنَّ إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ
وَالْحُكْمَ بِهَا إنَّمَا تَكُونُ عَلَى الْمُنْكِرِ وَلَا يَجُوزُ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ وَالْحُكْمُ بِهَا عَلَى الْمُقِرِّ حَتَّى إنَّهُ لَوْ ثَبَتَ دَعْوَى بِالْإِقْرَارِ وَبِالْبَيِّنَةِ يَعْنِي لَوْ أَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَوَّلًا دَعْوَى الْمُدَّعِي فَأَقَامَ الْمُدَّعِي الشُّهُودَ وَصَارَتْ تَزْكِيَتُهُمْ سِرًّا وَعَلَنًا وَحِينَمَا أَرَادَ الْقَاضِي إصْدَارَ الْحُكْمِ أَقَرَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَحْكُمُ الْقَاضِي بِإِقْرَارِهِ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ وَإِنْ كَانَ حُجَّةً قَاصِرَةً فَهُوَ حُجَّةٌ غَيْرُ مُحْتَاجَةٍ لِحُكْمِ الْقَاضِي، وَمَعَ أَنَّ الْكَذِبَ فِي الشَّهَادَةِ غَيْرُ مُمْتَنِعٍ عَادَةً فَالْكَذِبُ بِالْإِقْرَارِ مُمْتَنِعٌ عَادَةً فَكَانَ الْإِقْرَارُ مِنْ وَجْهٍ أَوْلَى مِنْ الْبَيِّنَةِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا اجْتَمَعَ فِي حَادِثَةٍ بَيِّنَةٌ وَإِقْرَارٌ يَحْكُمُ الْقَاضِي بِالْإِقْرَارِ وَلَا يَحْكُمُ بِالْبَيِّنَةِ مَا لَمْ تَمَسَّ الْحَاجَةُ لِبِنَاءِ الْحُكْمِ عَلَى الْبَيِّنَةِ فَفِي تِلْكَ الْحَالِ يَحْكُمُ الْقَاضِي بِالْبَيِّنَةِ كَمَا سَيُفَصَّلُ ذَلِكَ فِي الْمَادَّةِ (1817) .
وَيُفْهَمُ بِتَعْبِيرِ إذَا شَهِدَتْ الشُّهُودُ بِأَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إذَا قَالَ قَبْلَ شَهَادَةِ الشُّهُودِ: إنَّ مَا يَشْهَدُهُ عَلَيَّ فُلَانٌ وَفُلَانٌ صِدْقٌ أَوْ إنَّ مَا سَيَشْهَدُهُ عَلَيَّ فُلَانٌ وَفُلَانٌ حَقٌّ فَلَا يَكُونُ قَدْ أَقَرَّ بِالْمَشْهُودِ بِهِ فَلِذَلِكَ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَعْدَ شَهَادَةِ أُولَئِكَ الشُّهُودِ أَنْ يُجَرِّحَ الشُّهُودَ الْمَذْكُورِينَ بِقَوْلِهِ: إنَّهُمْ كَاذِبُونَ فِي شَهَادَتِهِمْ وَفِي هَذِهِ الْحَالِ يَقْتَضِي الْأَمْرُ لِلتَّزْكِيَةِ وَلَا يُعْتَبَرُ رِضَاؤُهُ السَّابِقُ بِشَهَادَتِهِمْ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَعْلِيقَ لُزُومِ الْحَقِّ بِشَهَادَتِهِ، وَالْإِلْزَامَاتُ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهَا بِالشَّرْطِ (عَلِيٌّ أَفَنْدِي) قَدْ عُدَّ التَّعْدِيلُ بَعْدَ الشَّهَادَةِ إقْرَارًا وَلَمْ يُعَدَّ التَّعْدِيلُ قَبْلَ الشَّهَادَةِ إقْرَارًا، وَالْفَرْقُ أَنَّهُ إذَا عَدَّلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الشُّهُودَ قَبْلَ الشَّهَادَةِ فَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ التَّعْدِيلِ وَالْجَرْحِ وَتَأْوِيلُهُمَا بِأَنْ يَقُولَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ: كَانَ الشَّاهِدُ عَدْلًا وَلَكِنْ تَبَدَّلَ حَالُهُ، وَتَبَدُّلُ الْحَالِ مُمْكِنٌ أَمَّا بَعْدَ الشَّهَادَةِ فَلَا يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ التَّعْدِيلِ وَالْجَرْحِ فَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ يَكُونُ التَّعْدِيلُ مُعْتَبَرًا (الْوَلْوَالِجِيَّةِ فِي آدَابِ الْقَاضِي) .
وَإِنْ طَعَنَ فِي الشُّهُودِ وَقَالَ: هُمْ شُهُودُ زُورٍ أَيْ كَاذِبُونَ، أَوْ لَمْ يَطْعَنْ وَقَالَ: هُمْ عُدُولٌ وَلَكِنْ أَخْطَئُوا فِي هَذِهِ الشَّهَادَةِ أَوْ هُمْ عُدُولٌ وَلَكِنْ قَدْ نَسُوا الْوَاقِعَ أَوْ لَمْ يَقُلْ شَيْئًا بِحَقِّ شَهَادَتِهِمْ وَقَالَ: إنَّهُمْ عُدُولٌ مَعَ إنْكَارِهِ الْمُدَّعَى بِهِ، أَوْ قَالَ: إنَّهُمْ عُدُولٌ وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إقْرَارًا؛ لِأَنَّ صُدُورَ الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ مِنْ الشُّهُودِ جَائِزٌ وَلَوْ كَانُوا عُدُولًا، وَقَوْلُ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ عَنْهُمْ: إنَّهُمْ عُدُولٌ لَا يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ كَلَامَ الشَّاهِدِ صَوَابٌ فَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَا يَحْكُمُ الْقَاضِي بَلْ يُزَكِّي الشُّهُودَ أَوَّلًا سِرًّا وَثَانِيًا عَلَنًا عَلَى رَأْيِ الْإِمَامَيْنِ وَيُحَقِّقُ عَدَالَةَ الشُّهُودِ وَعَدَمَهَا (أَبُو السُّعُودِ وَالزَّيْلَعِيّ وَالدُّرَرُ) وَمَحَلُّ السُّؤَالِ عِنْدَ جَهْلِ الْقَاضِي بِحَالِهِمْ فَلَوْ عَرَفَهُمْ بِفِسْقٍ أَوْ عَدَالَةٍ لَا يَسْأَلُ عَنْهُمْ (أَبُو السُّعُودِ) .
شَاهِدُ زُورٍ - لَوْ آذَى أَحَدٌ آخَرَ قَوْلًا أَوْ فِعْلًا يَعْنِي لَوْ قَالَ لَهُ مَثَلًا: أَنْتَ فَاسِقٌ أَوْ خَبِيثٌ أَوْ سَارِقٌ أَوْ مُنَافِقٌ أَوْ شَارِبُ خَمْرٍ أَوْ زِنْدِيقٌ أَوْ مَكْمَنُ اللُّصُوصِ فَيَلْزَمُ تَعْزِيرُ وَتَأْدِيبُ الْقَائِلِ. أَمَّا إذَا آذَى الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ الشَّاهِدَ بِقَوْلِهِ: إنَّك شَاهِدُ زُورٍ فَلَا يَجِبُ تَعْزِيرُهُ؛ لِأَنَّ هَذَا الْقَوْلَ قَدْ قِيلَ فِي حُضُورِ الْقَاضِي عَلَى وَجْهِ الدَّعْوَى وَعَلَيْهِ فَلَوْ لَمْ يُثْبِتْ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ أَنَّ ذَلِكَ الشَّاهِدَ شَاهِدُ زُورٍ فَلَا يُعَزَّرُ (الْهِنْدِيَّةُ)، وَإِنَّ قَوْلَ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ لِشَاهِدٍ: إنَّك شَاهِدُ زُورٍ يُسَمَّى طَعْنًا بِالشَّاهِدِ أَمَّا إذَا قَالَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ الْأَلْفَاظَ الْأُخْرَى الْوَارِدَةَ فِي الْمَجَلَّةِ فَلَا يُسَمَّى ذَلِكَ طَعْنًا بِالشُّهُودِ.
(أَوْ هُمْ عُدُولٌ) إلَخْ
إنَّ هَذَا الْقَوْلَ كَمَا أَنَّهُ لَا يُعَدُّ إقْرَارًا بِالْمُدَّعَى بِهِ لَا يَقُومُ أَيْضًا مَقَامَ تَعْدِيلِ الشُّهُودِ، وَالْحَالُ لَوْ أَنَّهُ قَالَ الْمُزَكُّونَ: إنَّ هَذَا الشَّاهِدَ عَدْلٌ فَيَكُونُ قَوْلُهُمْ هَذَا تَعْدِيلًا لِلشُّهُودِ كَمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي الْمَادَّةِ (1718) ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ حَسَبَ زَعْمِ الْمُدَّعِي وَالشُّهُودِ هُوَ ظَالِمٌ وَكَاذِبٌ لِإِنْكَارِهِ الْمُدَّعَى بِهِ، وَتَعْدِيلُ وَتَزْكِيَةُ الظَّالِمِ وَالْكَاذِبِ غَيْرُ صَحِيحَةٍ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْمُزَكَّى عَدْلًا وَصَادِقًا بِالْإِجْمَاعِ (الشِّبْلِيُّ) أَمَّا إذَا كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِنْ الْأَشْخَاصِ الَّذِينَ يُرْجَعُ إلَيْهِمْ فِي تَزْكِيَةِ الشُّهُودِ أَيْ مِنْ الطَّائِفَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْمَادَّةِ (1717) وَعَدْلًا وَرُوجِعَ فِي أَمْرِ التَّزْكِيَةِ فَيَصِحُّ تَعْدِيلُهُ وَتَزْكِيَتُهُ (التَّنْوِيرُ وَشَرَحَهُ وَأَبُو السُّعُودِ) .
أَمَّا عِنْدَ الْإِمَامِ فَإِذَا لَمْ يُطْعَنْ بِالشُّهُودِ فَلَا حَاجَةَ لِتَزْكِيَتِهِمْ وَيُحْكَمُ بِشَهَادَتِهِمْ بِنَاءً عَلَى عَدَالَتِهِمْ الظَّاهِرَةِ؛ لِأَنَّهَا ثَابِتَةٌ ظَاهِرًا وَالْوُصُولُ إلَى الْقَطْعِ وَالْيَقِينِ فِي ذَلِكَ لَا يُمْكِنُ أَيْضًا بِالتَّزْكِيَةِ؛ لِأَنَّ تَزْكِيَةَ الْمُزَكَّى تَكُونُ مَبْنِيَّةً عَلَى ظَاهِرِ حَالِ الشَّاهِدِ أَيْ بِانْزِجَارِهِ عَنْ الْمَحْظُورَاتِ الدِّينِيَّةِ وَبِاجْتِهَادِهِ عَلَى الطَّاعَاتِ، وَهَذِهِ مِنْ الدَّلَائِلِ الظَّاهِرَةِ وَلَيْسَتْ قَطْعِيَّةً حَيْثُ إنَّ احْتِمَالَ فَسَادِ اعْتِقَادِ الشَّاهِدِ غَيْرُ مُفْسَدٍ (سَعْدِي الْحَلَبِيُّ) وَقَدْ رَجَّحَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ قَوْلَ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ. أَمَّا فِي الْمَجَلَّةِ فَقَدْ رَجَّحَ قَوْلَ الْإِمَامَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمَجَلَّةَ قَدْ بَيَّنَتْ لُزُومَ تَزْكِيَةِ الشُّهُودِ سَوَاءٌ طُعِنَ فِيهِمْ أَوْ لَمْ يُطْعَنْ كَمَا أَنَّ مَشَايِخَ الْإِسْلَامِ فِي الدَّوْلَةِ الْعُثْمَانِيَّةِ قَدْ أَفْتَوْا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ. وَتَلْزَمُ تَزْكِيَةُ الشُّهُودِ فِي مَسْأَلَتَيْنِ بِالِاتِّفَاقِ:
1 -
تَجِبُ تَزْكِيَةُ الشُّهُودِ الَّذِينَ شَهِدُوا عَلَى الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ وَلَوْ لَمْ يُطْعَنْ فِيهِمْ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَالُ لِإِسْقَاطِهَا فَيُشْتَرَطُ الِاسْتِقْصَاءُ فِيهَا؛ وَلِأَنَّ الشُّبْهَةَ فِيهَا دَائِرَةٌ فَيُسْأَلُ عَنْهَا عَسَى أَنْ يَطْلُعَ مَا يَسْقُطُ بِهِ ذَلِكَ.
2 -
كَذَلِكَ إذَا طُعِنَ بِالشُّهُودِ تَجِبُ تَزْكِيَتُهُمْ (الْعِنَايَةُ) .
سِرًّا وَعَلَنًا - وَسَبَبُ التَّزْكِيَةِ سِرًّا وَعَلَنًا هُوَ أَنَّهُ إذَا كَانَتْ الشُّهُودُ غَيْرَ عُدُولٍ فَيُمْكِنُ أَلَّا يَقْدِرَ الْمُزَكِّي عَلَى الْجَرْحِ عَلَنًا لِبَعْضِ أَسْبَابٍ كَخَوْفِ الْمُزَكِّي عَلَى نَفْسِهِ فَلِذَلِكَ قَدْ وُضِعَتْ التَّزْكِيَةُ السِّرِّيَّةُ حَتَّى يَكُونَ الْمُزَكِّي قَادِرًا عَلَى الْجَرْحِ (أَبُو السُّعُودِ) أَمَّا سَبَبُ التَّزْكِيَةِ الْعَلَنِيَّةُ فَهُوَ أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَتَّخِذَ الشُّهُودُ اسْمَ وَنَسَبَ وَشُهْرَةَ شَخْصٍ آخَرَ فَيَشْهَدُونَ مُنْتَحِلِينَ أَسْمَاءَ وَشُهْرَةَ غَيْرِهِمْ وَحَيْثُ إنَّهُمْ قَدْ انْتَحَلُوا أَسْمَاءَ أَشْخَاصٍ عَادِلِينَ وَمَقْبُولِي الشَّهَادَةِ فَعِنْدَ تَزْكِيَتِهِمْ السِّرِّيَّةِ يَظُنُّهُمْ الْمُزَكُّونَ أُولَئِكَ الْأَشْخَاصَ الَّذِينَ انْتَحَلُوا أَسْمَاءَهُمْ فَدَفْعًا لِلِاشْتِبَاهِ وَجَبَ إجْرَاءُ التَّزْكِيَةِ الْعَلَنِيَّةِ (الْوَلْوَالِجِيَّةِ فِي آدَابِ الْقَاضِي) وَالتَّزْكِيَةُ الْعَلَنِيَّةُ لِنَفْيِ تُهْمَةِ شُبْهَةِ تَعْدِيلِ غَيْرِهِ مِنْ الْقَاضِي لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ فِي قَبِيلَتِهِ مِنْ يُوَافِقُ فِي الِاسْمِ.
وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ: إنَّ الْمُفْتَى بِهِ الِاكْتِفَاءُ بِالتَّزْكِيَةِ سِرًّا فَقَطْ؛ لِأَنَّ التَّزْكِيَةَ الْعَلَنِيَّةَ هِيَ بَلَاءٌ وَفِتْنَةٌ إلَّا أَنَّ الْمَجَلَّةَ قَدْ بَيَّنَتْ لُزُومَ التَّزْكِيَةِ سِرًّا وَعَلَنًا فَإِذَا حَكَمَ الْقَاضِي بِلَا تَزْكِيَةٍ كَانَ حُكْمُهُ بَاطِلًا اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (1303)(وَالدُّرَرُ وَالنَّتِيجَةُ وَالشِّبْلِيُّ) .
إذَا تَحَقَّقَتْ عَدَالَةُ الشُّهُودِ بَعْدَ التَّزْكِيَةِ سِرًّا وَعَلَنًا يُنْذِرُ الْقَاضِي الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِأَنَّهُ سَيَحْكُمُ عَلَيْهِ