الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الِامْتِنَاعُ عَنْ الشَّهَادَةِ وَلَا يَكُونُ آثِمًا بِتَرْكِ الشَّهَادَةِ. لَا يَلْحَقُهُ الضَّرَرُ بِذَلِكَ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ} [البقرة: 282](الْبَحْرُ والشُّرُنْبُلاليُّ) .
9 -
أَنْ لَا يَخَافَ الشَّاهِدُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ ظَالِمٍ (ابْنُ عَابِدِينَ عَلَى الْبَحْرِ) .
وَإِنْ يَكُنْ أَنَّ أَدَاءَ الشَّهَادَةِ فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ فَرْضٌ إلَّا أَنَّ السِّتْرَ أَحَبُّ فِي حَقِّ مَنْ اعْتَادَ الْأَحْوَالَ الْمُوجِبَةَ الْحُدُودَ بِدُونِ أَنْ يُشِيعُوهَا؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ الْكَرِيمَ قَدْ قَالَ لِلشَّاهِدِ الَّذِي شَهِدَ عَلَى حَدٍّ «لَوْ سَتَرْتَهُ بِثَوْبِك لَكَانَ خَيْرًا لَك» (الْبَحْرُ) . سِيَّمَا وَأَنَّ الْحُدُودَ هِيَ حَقُّ اللَّهِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى غَنِيٌّ عَنْ كُلِّ شَيْءٍ بِكَرَمِهِ وَلُطْفِهِ بِعِبَادِهِ أَمَّا الْعَبْدُ فَهُوَ مُحْتَاجٌ وَشَحِيحٌ فَلِذَلِكَ لَا يُقَاسُ أَحَدُ الْحَقَّيْنِ بِالْحَقِّ الْآخَرِ (الزَّيْلَعِيّ) .
أَمَّا الشَّهَادَةُ فِي حَقِّ مَنْ اعْتَادَ ارْتِكَابَ مُوجِبِ الْحُدُودِ وَاشْتُهِرَ بِهَا وَكَانَ غَيْرَ مُبَالٍ بِهَا مُشِيعًا لَهَا فَهِيَ أَوْلَى مِنْ تَرْكِهَا (الْبَحْرُ) .
وَبِمَا أَنَّ السِّتْرَ فِي الْحُدُودِ أَحَبُّ فَإِذَا رَأَى شَاهِدٌ رَجُلًا يَسْرِقُ مَالَ آخَرَ يَشْهَدُ الشَّاهِدُ عَلَى أَنَّ الرَّجُلَ أَخَذَ مَالَ الْآخَرِ وَلَا يَشْهَدُ بِأَنَّهُ سَرَقَهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا شَهِدَ عَلَى أَنَّهُ سَرَقَهُ فَيَجْرِي فِي حَقِّ السَّارِقِ حَدُّ السَّرِقَةِ (الْبَحْرُ) .
سَابِعًا: مَحَاسِنُهَا وَمَحَاسِنُ الشَّهَادَةِ عَدِيدَةٌ وَإِنَّ أَعْظَمَ دَلِيلٍ قَوِيٍّ يُثْبِتُ مَحَاسِنَ الشَّهَادَةِ قَوْله تَعَالَى {كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ} [المائدة: 8] .
ثَامِنًا: دَلِيلُ الشَّهَادَةِ وَدَلِيلُهَا الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَإِجْمَاعُ الْأُمَّةِ (الْبَحْرُ) .
تَاسِعًا: صِفَةُ الْإِشْهَادِ وَصِفَةُ تَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ، كَمَا أَنَّ الْإِشْهَادَ وَاجِبٌ فِي النِّكَاحِ فَهُوَ فَرْضٌ أَيْضًا عَلَى الْعِبَادِ فِي الْمُدَايَنَاتِ وَالْبُيُوعِ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَشْهَدْ يَخَافُ مِنْ تَلَفِ الْأَمْوَالِ وَتَلَفُ الْأَمْوَالِ بَاعِثٌ لِتَلَفِ الْأَبَدَانِ سِيَّمَا وَأَنَّ إتْلَافَ الْمَالِ عَلَى الرَّجُلِ حَرَامٌ وَعَلَيْهِ فَالْإِشْهَادُ فَرْضٌ مَا لَمْ يَكُنْ الْمَالُ حَقِيرًا كَأَنْ كَانَ دِرْهَمًا فِضِّيًّا فَلَا يَخَافُ مِنْ تَلَفِهِ (الْوَلْوَالِجِيَّةِ فِي الْفَصْلِ الثَّانِي مِنْ الشَّهَادَاتِ) . كَذَلِكَ تَحَمُّلُ الشَّهَادَةِ هُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ كَأَدَائِهَا وَبِالْعَكْسِ يَكُونُ مُوجِبًا لِضَيَاعِ الْحُقُوقِ (الشِّبْلِيُّ فِي أَوَّلِ الشَّهَادَةِ) .
عَاشِرًا: أَوْصَافُ الشُّهُودِ، مِنْ اللَّائِقِ أَنْ يَكُونَ الشُّهُودُ مِنْ الْمُسِنِّينَ الْأَغْنِيَاءِ ذَوِي الْفَضْلِ وَالْمَالِ؛ لِأَنَّ الشُّهُودَ إذَا كَانُوا حَائِزِينَ هَذِهِ الْأَوْصَافَ لَا يَكُونُونَ طَامِعِينَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَاسْتِشْهَادُهُمْ أَوْلَى مِنْ اسْتِشْهَادِ غَيْرِهِمْ (الْوَلْوَالِجِيَّةِ قُبَيْلَ الْفَصْلِ الْخَامِسِ مِنْ الشَّهَادَاتِ) .
وَالْأَحْوَطُ لِلشَّاهِدِ أَنْ يَضَعَ عَلَامَةً عَلَى الشَّيْءِ الَّذِي يَتَحَمَّلُ الشَّهَادَةَ فِيهِ حَتَّى إنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَعْرِفَهُ مَتَى رَآهُ وَحَتَّى لَا يُمْكِنَ أَنْ يُزِيدَ فِيهِ آخَرُ شَيْئًا (الْوَلْوَالِجِيَّةِ) .
مَثَلًا إذَا شَهِدَ شَاهِدٌ عَلَى سَنَدِ دَيْنٍ فَالْأَحْوَطُ أَنْ يَضَعَ الشَّاهِدُ فِي مُنْتَهَى السَّنَدِ تَحْتَ عُنْوَانِهِ تَوْقِيعَهُ أَوْ خَتْمَهُ.
[
(الْمَادَّةُ 1684) الشَّهَادَةُ هِيَ الْإِخْبَارُ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ]
الْمَادَّةُ (1684) - (الشَّهَادَةُ هِيَ الْإِخْبَارُ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ 0 يَعْنِي بِقَوْلِ: أَشْهَدُ
بِإِثْبَاتِ حَقِّ أَحَدٍ الَّذِي هُوَ فِي ذِمَّةِ الْآخَرِ فِي حُضُورِ الْقَاضِي وَمُوَاجَهَةِ الْخَصْمَيْنِ، وَيُقَالُ لِلْمُخْبِرِ: شَاهِدٌ، وَلِصَاحِبِ الْحَقِّ: مَشْهُودٌ لَهُ، وَلِلْمَخْبَرِ عَلَيْهِ: مَشْهُودٌ عَلَيْهِ، وَلِلْحَقِّ: مَشْهُودٌ بِهِ) الشَّهَادَةُ هِيَ الْإِخْبَارُ صِدْقًا عَنْ يَقِينٍ وَعِيَانٍ بِلَفْظٍ مِنْ الشَّهَادَةِ. يَعْنِي بِقَوْلِ: أَشْهَدُ بِإِثْبَاتِ حَقِّ أَحَدٍ الَّذِي هُوَ فِي ذِمَّةِ الْآخَرِ فِي حُضُورِ الْقَاضِي وَمُوَاجَهَةِ الْخَصْمَيْنِ، وَيُقَالُ لِلْمُخْبِرِ: شَاهِدٌ، وَلِصَاحِبِ الْحَقِّ: مَشْهُودٌ لَهُ، وَلِلْمُخْبَرِ عَلَيْهِ: مَشْهُودٌ عَلَيْهِ، وَلِلْحَقِّ: مَشْهُودٌ بِهِ.
إيضَاحُ الْقُيُودِ: حَقُّ أَحَدٍ الَّذِي هُوَ فِي ذِمَّةِ الْآخَرِ (1) وَيَخْرُجُ بِذَلِكَ الْإِقْرَارُ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ حَسَبَ مَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي الْمَادَّةِ (1572) هُوَ إخْبَارُ الْإِنْسَانِ عَنْ حَقٍّ عَلَيْهِ لِآخَرَ.
(2)
تَخْرُجُ الدَّعْوَى، لِأَنَّ الدَّعْوَى كَمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي الْمَادَّةِ (1613) هِيَ إخْبَارُ أَحَدٍ عَنْ حَقِّهِ فِي حُضُورِ الْقَاضِي. حَقُّهُ: وَيَخْرُجُ بِذَلِكَ الْإِخْبَارُ عَنْ أَمْرٍ حَادِثٍ لِلْقَاضِي فِي مَجْلِسِ الْمُحَاكَمَةِ (أَبُو السُّعُودِ الْمِصْرِيُّ) .
مَثَلًا إذَا جَاءَ الْمُحْضَرُ إلَى مَجْلِسِ الْقَاضِي وَأَخْبَرَ الْقَاضِيَ قَائِلًا: إنَّ نَائِبَك قَدْ بَاعَ أَمْوَالَ فُلَانٍ الْيَتِيمِ فَلَا يَكُونُ هَذَا الْإِخْبَارُ مِنْ قَبِيلِ الشَّهَادَةِ كَمَا أَنَّهُ لَوْ أَخْبَرَ الْمُحْضَرُ الْقَاضِيَ مِنْ قَبِيلِ الْحَوَادِثِ بِأَنَّ فُلَانًا قَالَ كَذَا فَلَا يَكُونُ هَذَا الْإِخْبَارُ شَهَادَةً.
حُضُورُ الْقَاضِي: أَيْ مَجْلِسَ الْحُكْمِ وَبِهَذِهِ الْعِبَارَةِ وَيَخْرُجُ الْإِخْبَارُ الْوَاقِعُ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْحُكْمِ؛ لِأَنَّ هَذَا الْإِخْبَارَ لَيْسَ بِشَهَادَةٍ (أَبُو السُّعُودِ) .
فِي مُوَاجَهَةِ الْخَصْمَيْنِ: وَيُفْهَمُ مِنْ هَذَا الْقَيْدِ وَمَنْ الْأَلْفَاظِ الْوَارِدَةِ فِي الْمَادَّتَيْنِ (1618 و 1813) أَنَّهُ يُشْتَرَطُ حِينَ الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةِ وَالْحُكْمِ حُضُورُ الْخَصْمَيْنِ.
بِلَفْظِ أَشْهَدُ: إذْ لَا تَجُوزُ الشَّهَادَةُ بِغَيْرِ هَذَا اللَّفْظِ يَعْنِي أَنَّ أَدَاءَ الشَّهَادَةِ يُقْصَرُ عَلَى لَفْظِ الشَّهَادَةِ وَلَا تَجُوزُ الشَّهَادَةُ بِأَلْفَاظٍ أُخْرَى تَدُلُّ عَلَى تَحْقِيقِ شَيْءٍ بِعِلْمٍ وَيَقِينٍ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ الْمَذْكُورَ هُوَ مُوَافِقٌ لِلَّفْظِ الْوَارِدِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ كَمَا أَنَّهُ يُوجَدُ إجْمَاعٌ عَلَى تَعْيِينِ اللَّفْظِ الْمَذْكُورِ لِأَدَاءِ الشَّهَادَةِ وَعَلَى عَدَمِ جَوَازِ الشَّهَادَةِ بِغَيْرِ ذَلِكَ اللَّفْظِ كَمَا أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ لَا يَخْلُو مِنْ التَّعَبُّدِ (الْبَحْرُ) .
الْكِتَابُ: وَقَدْ وَرَدَ فِيهِ {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ} [الطلاق: 2]{وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ} [البقرة: 283] وَأَمْثَالُهُمَا مِنْ الْآيَاتِ الْبَيِّنَاتِ كَمَا أَنَّ السُّنَّةَ قَدْ وَرَدَ فِيهَا «إذَا عَلِمْتَ مِثْلَ الشَّمْسِ فَاشْهَدْ وَإِلَّا فَدَعْ» وَلَعَلَّ السِّرَّ فِي تَعْيِينِ اللَّفْظِ الْمَذْكُورِ لِلشَّهَادَةِ هُوَ أَنَّ الشَّهَادَةَ اسْمٌ عَنْ الْمُشَاهَدَةِ وَلَمَّا كَانَتْ الْمُشَاهَدَةُ عِبَارَةً عَنْ الِاطِّلَاعِ عَلَى الشَّيْءِ عِيَانًا فَلِذَلِكَ شُرِطَ فِي أَدَاءِ الشَّهَادَةِ لَفْظُ الشَّهَادَةِ الَّذِي يُنْبِئُ عَنْ الْمُشَاهَدَةِ يَعْنِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الشَّهَادَةُ بِالتَّصْرِيفَاتِ الْأُخْرَى كَلَفْظِ " شَهِدْتُ " بَدَلًا مِنْ لَفْظِ " أَشْهَدُ " بَلْ إنَّهَا
مَقْصُورَةٌ عَلَى لَفْظِ " أَشْهَدُ " وَمُنْحَصِرَةٌ فِيهِ كَمَا أُشِيرَ إلَى ذَلِكَ فِي التَّفْسِيرِ الْمَارِّ ذِكْرُهُ، وَسَبَبُ هَذَا الْقَصْرِ أَنَّ لَفْظَ شَهِدْتُ هُوَ مَوْضُوعٌ لِلْإِخْبَارِ بِأَمْرٍ وَقَعَ فِي زَمَنٍ مَاضٍ فَإِذَا شَهِدَ بِاللَّفْظِ الْمَذْكُورِ فَلَا يَكُونُ الْمَشْهُودُ بِهِ مُخْبَرًا بِهِ فِي الْحَالِ بَلْ يُحْتَمَلُ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ شَهِدَ فِي الزَّمَنِ الْمَاضِي أَمَّا صِيغَةُ الْمُضَارِعِ فَحَيْثُ إنَّهَا مَوْضُوعَةٌ لِلْإِخْبَارِ فِي الْحَالِ فَإِذَا قَالَ: أَشْهَدُ، فَهِيَ بِمَعْنَى الشَّهَادَةِ فِي الْحَالِ كَمَا أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ يَتَضَمَّنُ الْمُشَاهَدَةَ وَالْقَسَمَ وَالْإِخْبَارَ فِي الْحَالِ فَإِذَا شَهِدَ الشَّاهِدُ بِذَلِكَ اللَّفْظِ فَيَكُونُ مَعْنَى قَوْلِهِ: إنَّنِي أُقْسِمُ بِاَللَّهِ أَنَّنِي مُطَّلِعٌ عَلَى ذَلِكَ عَنْ مُشَاهَدَةٍ وَأَنَّنِي أُخْبِرُ عَنْهُ الْآنَ، وَهَذَا الْمَعْنَى مَفْقُودٌ فِي الْأَلْفَاظِ الْأُخْرَى (الْبَحْرُ) .
صِدْقًا: وَيَخْرُجُ بِذَلِكَ الْإِخْبَارُ الْكَاذِبُ، وَالصِّدْقُ عِبَارَةٌ عَنْ مُطَابَقَةِ الْخَبَرِ لِلْوَاقِعِ وَبِهَذَا التَّقْدِيرِ يَكُونُ إطْلَاقُ الشَّهَادَةِ عَلَى الْإِخْبَارِ الْكَاذِبِ مَجَازًا (الدُّرُّ الْمُخْتَارُ وَالتَّكْمِلَةُ وَرَدُّ الْمُحْتَارِ) وَبِتَعْبِيرٍ آخَرَ أَنَّ شَهَادَةَ الزُّورِ فَرْدٌ مَجَازِيٌّ وَيَجِبُ خُرُوجُهَا مِنْ التَّعْرِيفِ وَلَا يَنْقُصُ التَّعْرِيفُ بِخُرُوجِ الشَّهَادَةِ الْمَذْكُورَةِ.
عَنْ يَقِينٍ وَعِيَانٍ: وَالْعِيَانُ بِالْعَيْنِ مَعْنَاهَا الْمُعَايَنَةُ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ كَمَا عُرِّفَتْ فِي الْمَادَّةِ (1688) يَجِبُ أَنْ تَكُونَ عَنْ مُشَاهَدَةٍ وَعِيَانٍ وَلَا يَكْفِي فِيهَا التَّخْمِينُ وَالْحُسْبَانُ أَمَّا إذَا أَقَرَّ أَحَدٌ لِآخَرَ بِإِحْدَى الذَّهَبَتَيْنِ اللَّتَيْنِ فِي يَدِهِ الَّتِي إحْدَاهُمَا بِجُنَيْهَيْنِ وَنِصْفٍ وَالْأُخْرَى بِجُنَيْهٍ وَاحِدٍ وَشَهِدَ الشُّهُودُ بِأَنَّ الْمُقِرَّ أَقَرَّ بِإِحْدَاهُمَا وَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ بِأَيِّهِمَا أَقَرَّ فَتُقْبَلُ الشَّهَادَةُ الْوَاقِعَةُ فِي حَقِّ الذَّهَبِيَّةِ ذَاتِ الْجُنَيْهِ وَيُؤْمَرُ الْمُقِرُّ بِتَسْلِيمِهَا لِلْمُقَرِّ لَهُ (الْبَحْرُ) وَلَا يُقَالُ هُنَا: إنَّ الْإِخْبَارَ لَمْ يَكُنْ عَنْ يَقِينٍ؛ لِأَنَّ الْأَقَلَّ مُتَيَقِّنٌ فَيُحْكَمُ بِالْجُنَيْهِ وَلَا يُحْكَمُ بِالْجُنَيْهَيْنِ وَالنِّصْفِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْأَكْثَرِ يَقِينٌ بَلْ فِيهِ شَكٌّ وَتَتَفَرَّعُ الْمَسَائِلُ الْآتِيَةُ عَنْ كَوْنِ الشَّهَادَةِ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ عَنْ يَقِينٍ وَهِيَ: الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى - إذَا ادَّعَى أَحَدٌ عَلَى آخَرَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَأَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَأَخْبَرَ الشُّهُودُ قَائِلِينَ: لَمْ نَرَ أَنَّ الْمُدَّعِيَ أَدَّى لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ هَذِهِ الدَّرَاهِمَ إلَّا أَنَّنَا قَدْ عَلِمْنَا بِذَلِكَ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ (عَلِيٌّ أَفَنْدِي) . كَذَلِكَ لَوْ شَهِدَ شَاهِدٌ قَائِلًا: أَشْهَدُ حَسَبَ ظَنِّيِّ أَوْ حَسَبَ عِلْمِي بِكَذَا فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ (الْبَحْرُ) .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ - إذَا ادَّعَى الْمُدَّعِي بِمَبْلَغٍ مُعَيَّنٍ وَشَهِدَ الشُّهُودُ بِأَنَّ الْمُدَّعِيَ قَدْ سَلَّمَ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ كِيسًا فِيهِ نُقُودٌ نَجْهَلُ مِقْدَارَهَا فَلَا تَثْبُتُ الدَّعْوَى بِذَلِكَ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ - لَوْ ادَّعَى أَحَدٌ عَلَى آخَرَ قَائِلًا: إنَّ لِي فِي ذِمَّتِهِ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ قَدْ اسْتَوْفَيْتُ مِنْهَا مِائَةً وَخَمْسِينَ دِرْهَمًا وَبَقِيَ خَمْسُونَ دِرْهَمًا مَطْلُوبَةٌ لِي وَأَثْبَتَ دَعْوَاهُ بِالْبَيِّنَةِ فَادَّعَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِأَنَّهُ أَدَّى الْخَمْسِينَ دِرْهَمًا وَأَقَامَ شُهُودًا فَيَجِبُ عَلَى الشُّهُودِ أَنْ يَشْهَدُوا بِأَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قَدْ أَدَّى لِلْمُدَّعِي الْخَمْسِينَ دِرْهَمًا الَّتِي يَدَّعِيهَا الْمُدَّعِي أَيْ أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَدَّى الْمُدَّعِيَ الْخَمْسِينَ دِرْهَمًا الْبَاقِيَةَ فَلَا تُقْبَلُ
شَهَادَتُهُمْ بِقَوْلِهِمْ: إنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَدَّى الْخَمْسِينَ دِرْهَمًا؛ لِأَنَّ الْخَمْسِينَ دِرْهَمًا هِيَ مِنْ ضِمْنِ الْمِائَةِ وَالْخَمْسِينَ دِرْهَمًا الَّتِي أَقَرَّ بِوُصُولِهَا لِلْمُدَّعِي (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) .
حَيْثُ إنَّهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَا يَعْلَمُ هَلْ أَنَّ الْخَمْسِينَ دِرْهَمًا الَّتِي أَدَّاهَا هِيَ مِنْ ضِمْنِ الْمِائَةِ وَالْخَمْسِينَ دِرْهَمًا أَوْ هِيَ الْخَمْسُونَ دِرْهَمًا الْبَاقِيَةُ. أَمَّا إذَا ادَّعَى أَحَدٌ عَلَى آخَرَ بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ ثَمَنَ بُنٍّ وَادَّعَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِأَنَّهُ أَدَّى ذَلِكَ وَشَهِدَ الشُّهُودُ بِأَنَّهُمْ شَاهَدُوا بِأَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قَدْ أَدَّى لِلْمُدَّعِي خَمْسِينَ دِرْهَمًا وَلَكِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ هَلْ أَدَّى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ذَلِكَ إيفَاءً لِذَلِكَ أَوْ لِدَيْنٍ آخَرَ فَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ (الْخَانِيَّةُ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا أَنَّ لِلْمُدَّعِي دَيْنًا آخَرَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَيُحْكَمُ بِأَنَّ الْخَمْسِينَ دِرْهَمًا الَّتِي شَهِدَ الشُّهُودُ بِأَدَائِهَا هِيَ مِنْ ضِمْنِ الدَّيْنِ الْمَطْلُوبِ لِلْمُدَّعِي.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ - يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الشَّاهِدُ فِي وَقْتِ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ عَالِمًا بِالْمَشْهُودِ بِهِ وَذَاكِرًا لَهُ فَعَلَيْهِ إذَا لَمْ يَتَذَكَّرْ الشَّاهِدُ شَهَادَتَهُ الَّتِي حَرَّرَهَا بَعْدَ أَنْ رَأَى خَطَّهُ أَيْ لَمْ يَتَذَكَّرْ الْوَاقِعَةَ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى ذَلِكَ عِنْدَ بَعْضِ الْمُجْتَهِدِينَ. مَثَلًا لَوْ كَتَبَ زَيْدٌ شَهَادَتَهُ فِي ذَيْلِ السَّنَدِ الَّذِي حُرِّرَ لِأَمْرٍ مِنْ الْأُمُورِ بِخَطِّ يَدِهِ وَرَأَى ذَلِكَ وَلَمْ يَتَذَكَّرْ ذَلِكَ الْأَمْرَ فَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى ذَلِكَ الْأَمْرِ بِمُجَرَّدِ رُؤْيَتِهِ خَطَّهُ (الدُّرَرُ وَالْفَيْضِيَّةُ) أَمَّا عِنْدَ بَعْضِ الْمُجْتَهِدِينَ فَلَهُ أَنْ يَشْهَدَ تَوْسِعَةً لِلنَّاسِ وَالْمُفْتَى بِهِ هُوَ هَذَا كَمَا ذُكِرَ فِي الْبَزَّازِيَّةُ (الْوَلْوَالِجِيَّةِ فِي أَوَّلِ الشَّهَادَةِ وَفِي الْفَصْلِ الثَّانِي مِنْ الشَّهَادَةِ وَالْبَحْرُ وَأَبُو السُّعُودِ وَالزَّيْلَعِيّ) .
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ - لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى مَضْمُونِ سَنَدٍ قُرِئَ لَهُ وَلَمْ يَطَّلِعْ عَلَى مَضْمُونِهِ. مَثَلًا: لَوْ حَرَّرَ أَحَدٌ وَصِيَّتَهُ وَقَالَ لِجَمَاعَةٍ: اشْهَدُوا عَلَى مَا فِي وَصِيَّتِي هَذِهِ فَلَيْسَ لِلْجَمَاعَةِ الْمَذْكُورَةِ أَنْ يَشْهَدُوا عَلَى مَضْمُونِ تِلْكَ الْوَصِيَّةِ مَا لَمْ يَقْرَأْ ذَلِكَ الشَّخْصُ الْوَصِيَّةَ لِلشُّهُودِ أَوْ أَنْ يَقْرَأَ الشُّهُودُ تِلْكَ الْوَصِيَّةَ أَثْنَاءَ تَحْرِيرِهَا (لِسَانُ الْحُكَّامِ) .
الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ - لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى إقْرَارِ أَحَدٍ بِسَمَاعِ صَوْتِهِ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يُشْبِهَ الصَّوْتُ الصَّوْتَ الْآخَرَ فَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْقَائِلُ غَيْرَ ذَلِكَ الشَّخْصِ. مَثَلًا لَوْ سَمِعَ أَحَدٌ مِنْ الْغُرْفَةِ الَّتِي هُوَ فِيهَا قَوْلَ زَيْدٍ الْمُقِيمِ فِي غُرْفَةٍ أُخْرَى بِأَنَّهُ مَدِينٌ لِبَكْرٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَإِذَا لَمْ يُشَاهِدْ زَيْدًا وَهُوَ يَقُولُ هَذَا الْقَوْلَ فَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى زَيْدٍ بِصُدُورِ الْإِقْرَارِ مِنْهُ أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْغُرْفَةِ غَيْرُ زَيْدٍ وَكَانَ لِلْغُرْفَةِ بَابٌ وَاحِدٌ فَقَطْ وَكَانَ الشَّاهِدُ جَالِسًا أَمَامَ بَابِ الْغُرْفَةِ وَسَمِعَ إقْرَارَ زَيْدٍ الَّذِي لَمْ يُشَاهِدْ شَخْصَهُ فَلَهُ الشَّهَادَةُ عَلَى ذَلِكَ الْإِقْرَارِ؛ لِأَنَّهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ قَدْ حَصَلَ الْعِلْمُ لَهُ أَمَّا إذَا بَيَّنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِلْقَاضِي بِأَنَّ الشَّاهِدَ قَدْ شَهِدَ بِنَاءً عَلَى اسْتِمَاعِهِ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ فَاللَّائِقُ لِلْقَاضِي عَدَمُ قَبُولِ شَهَادَةِ الشَّاهِدِ (الزَّيْلَعِيّ) .
كَذَلِكَ إذَا اسْتَمَعَ أَحَدٌ إقْرَارَ امْرَأَةٍ عَلَى الْوَجْهِ الْمُحَرَّرِ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ وَلَمْ يَرَ وَقْتَ الْإِقْرَارِ
شَخْصَ الْمُقِرَّةِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى هَذَا الْإِقْرَارِ بِنَاءً عَلَى الْإِخْبَارِ الْوَاقِعِ لَهُ بِأَنَّ الْمُقِرَّةَ هِيَ فُلَانَةُ بِنْتُ فُلَانٍ وَلَا يُشْتَرَطُ رُؤْيَةُ الْوَجْهِ (الزَّيْلَعِيّ وَالشِّبْلِيُّ) وَكَذَلِكَ إذَا رَأَى الشَّاهِدُ شَخْصَ الْمُقِرَّةِ وَكَانَ لَا يَعْرِفُهَا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى تِلْكَ الْمَرْأَةِ بِنَاءً عَلَى ذَلِكَ الْإِقْرَارِ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى الْمَجْهُولِ بَاطِلَةٌ (الْبَحْرُ والولوالجية) .
أَمَّا إذَا أَقَرَّتْ امْرَأَةٌ فِي حُضُورِ شَاهِدٍ بَعْدَ أَنْ رَآهَا وَكَانَ الشَّاهِدُ لَا يَعْرِفُهَا ثُمَّ بَعْدَ شَهَادَتِهِ شَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّ الْمَرْأَةَ الْمَذْكُورَةَ هِيَ فُلَانَةُ بِنْتُ فُلَانٍ أَيْ عَرَّفَاهَا لَهُ فَلِلشَّاهِدِ الْمَذْكُورِ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهَا بِالْإِقْرَارِ الْمَذْكُورِ وَلَوْ كَانَ الْمُعَرِّفُ زَوْجَ الْمُقِرَّةِ أَوْ ابْنَهَا مِمَّنْ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُمْ لَهَا (الْبَحْرُ) .
كَذَلِكَ يَصِحُّ تَعْرِيفُ ابْنِ الْعَمِّ وَابْنِ الْعَمَّةِ وَابْنِ الْخَالِ وَابْنِ الْخَالَةِ الْجَائِزِ نِكَاحُهُمْ لَهَا كَمَا أَنَّهُ يَجُوزُ تَعْرِيفُ الْخَالِ وَالْخَالَةِ الْغَيْرِ الْجَائِزِ نِكَاحُهُمَا؛ لِأَنَّ التَّعْرِيفَ لَيْسَ فِي الْحَقِيقَةِ شَهَادَةٌ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ لَفْظُ الشَّهَادَةِ بَلْ هُوَ خَبَرٌ مَحْضٌ وَاللَّازِمُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ الْمُخْبِرُ مَوْثُوقًا بِهِ (الْخَيْرِيَّةُ) . أَمَّا إذَا كَانَ الْمُعَرَّفُ امْرَأَةً أَوْ امْرَأَتَيْنِ فَلَا يَكُونُ التَّعْرِيفُ صَحِيحًا وَلَا يَجُوزُ لِشَاهِدٍ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى الْإِقْرَارِ الْمَذْكُورِ مَثَلًا لَوْ نَصَّبَتْ هِنْدٌ زَيْدًا وَصِيًّا وَقَالَتْ امْرَأَتَانِ لِلشَّاهِدَيْنِ الْحَاضِرَيْنِ: إنَّ هَذِهِ الْمَرْأَةَ هِيَ هِنْدٌ، فَلَيْسَ لِلشَّاهِدَيْنِ بَعْدَ وَفَاةِ هِنْدٍ أَنْ يَشْهَدَا بِنَاءً عَلَى إخْبَارِ تِلْكَ الْمَرْأَتَيْنِ عَلَى وَصِيَّةِ هِنْدٍ (هَامِشَيْ الْبَهْجَةِ) .
الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ - لَوْ ادَّعَى أَحَدٌ عَلَى آخَرَ قَائِلًا: إنَّ غَنَمِي الَّتِي تَرْعَى فِي الْمَرْعَى الْفُلَانِيِّ قَدْ الْتَحَقَ مِنْهَا كَذَا شَاةٍ الَّتِي تُسَاوِي قِيمَتُهَا كَذَا دِرْهَمًا بِقَطِيعِ غَنَمِك الْمَوْجُودَةِ فِي الْمَرْعَى وَأَنَّك قَدْ أَخَذْت أَغْنَامِي الْمَذْكُورَةَ وَاسْتَهْلَكَتْهَا وَشَهِدَ الشُّهُودُ أَنَّ مِقْدَارًا مِنْ أَغْنَامِ الْمُدَّعِي قَدْ الْتَحَقَتْ بِقَطِيعِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَلَمْ يُبَيِّنْ مِقْدَارَ الْأَغْنَامِ الَّتِي الْتَحَقَتْ بِالْقَطِيعِ وَلَمْ يُبَيِّنْ صِفَتَهَا وَقِيمَتهَا فَلَا تَثْبُتُ بِتِلْكَ الشَّهَادَةِ دَعْوَى الْمُدَّعِي (الْبَهْجَةُ) . هِيَ الْإِخْبَارُ - وَصُورَةُ الْخَبَرِ أَنْ يَقُولَ: أَشْهَدُ أَنَّ هَذِهِ الْعَيْنَ مِلْكُ الْمُدَّعِي أَوْ أَنْ يَقُولَ: إنَّ هَذِهِ الْعَيْنَ لِلْمُدَّعِي بِدُونِ أَنْ يُصَرِّحَ أَنَّهَا مِلْكُهُ (الْخَانِيَّةُ) .
إيضَاحُ تَعْرِيفِ الْمَرْأَةِ الْمَجْهُولَةِ: إذَا كَانَتْ الْمَشْهُودُ عَلَيْهَا امْرَأَةً مَجْهُولَةَ الشَّخْصِ فَلِأَجْلِ أَنْ يَكُونَ تَحَمُّلُ الشُّهُودِ لِلشَّهَادَةِ صَحِيحًا يَجِبُ تَعْرِيفُهَا لِلشُّهُودِ عَلَى الْوَجْهِ الْمُحَرَّرِ آنِفًا كَمَا أَنَّهُ إذَا كَانَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ رَجُلًا مَجْهُولَ الذَّاتِ فَلِأَجْلِ تَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ بِحَقِّهِ يَجِبُ تَعْرِيفُهُ لِلشُّهُودِ أَيْضًا حَتَّى يَصِحَّ لِلشَّاهِدِ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهِ وَحَتَّى يَتَمَكَّنَ الشَّاهِدُ إذَا مَاتَ أَوْ غَابَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهِ وَهُوَ عَالِمٌ بِاسْمِهِ وَنَسَبِهِ فَلِذَلِكَ إذَا أَخْبَرَ الْمَشْهُودُ لَهُ وَالْمَشْهُودُ عَلَيْهِ بِاسْمِهِمَا وَنَسَبِهِمَا لِلشُّهُودِ فَلَيْسَ لِلشُّهُودِ أَنْ
يَشْهَدُوا لَهُمَا؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّ الْمَشْهُودَ لَهُ وَالْمَشْهُودَ عَلَيْهِ قَدْ انْتَحَلَا اسْمَ وَنَسَبَ غَيْرِهِمَا وَاتَّفَقَا عَلَى اغْتِصَابِ حَقِّ الْغَيْرِ. وَمَثَلًا إذَا أَرَادَ زَيْدٌ بَيْعَ مَالِهِ لِعَمْرٍو وَأَحْضَرَ شَاهِدَيْنِ أَثْنَاءَ الْبَيْعِ لِيَشْهَدَا بِالْبَيْعِ فَإِذَا كَانَ هَذَانِ الشَّاهِدَانِ لَا يَعْرِفَانِ زَيْدًا وَعَمْرًا فَلَا يَكْتَفِيَانِ بِقَوْلِ الْمُتَبَايِعَيْنِ (إنَّ أَحَدَنَا عَمْرُو بْنُ فُلَانٍ وَالْآخَرَ زَيْدُ بْنُ فُلَانٍ) بَلْ إنَّ لَهُمَا أَنْ يَسْأَلَا عَنْهُمَا مِنْ الَّذِينَ يَعْرِفُونَ آبَاءَهُمَا وَأَجْدَادَهُمَا وَبَعْدَ أَنْ يَعْرِفَا نَسَبَهُمَا بِالتَّوَاتُرِ أَوْ بِإِخْبَارِ رَجُلَيْنِ عَادِلَيْنِ لَهُمَا بِطَرِيقِ الشَّهَادَةِ فَلَهُمَا تَحَمُّلُ الشَّهَادَةِ وَأَدَاؤُهَا بَعْدَ ذَلِكَ أَمَّا إذَا كَانَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ مَعْرُوفًا وَمَشْهُودًا عِنْدَ النَّاسِ فَلَا حَاجَةَ لِتَعْرِيفِهِ (لِسَانُ الْحُكَّامِ) . وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يُشَاهِدَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ الشُّهُودَ حِينَ تَحَمُّلِهِمْ الشَّهَادَةَ فَلِذَلِكَ لَوْ أَخْفَى أَحَدٌ شَخْصَيْنِ فِي مَحَلٍّ وَشَاهَدَ أَحَدًا أَقَرَّ لِآخَرَ بِشَيْءٍ فَلِلشَّاهِدَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ أَنْ يَشْهَدَا عَلَى إقْرَارِ الْمُقِرِّ (لِسَانُ الْحُكَّامِ) .
أَسْئِلَةٌ وَأَجْوِبَةٌ يَرِدُ عَلَى هَذَا التَّعْرِيفِ أَسْئِلَةٌ عَلَى سِتَّةِ أَوْجُهٍ وَسَنُبَيِّنُهَا مَعَ أَجْوِبَتِهَا فِيمَا يَأْتِي: س (1) : إنَّ بِلَفْظِ حَقِّهِ الْوَارِدِ فِي التَّعْرِيفِ تَخْرُجُ الشَّهَادَةُ بِالْإِبْرَاءِ مِنْ الدَّيْنِ فَلِذَلِكَ لَا يَكُونُ التَّعْرِيفُ جَامِعًا لِأَفْرَادِهِ؛ لِأَنَّ الَّذِي يَشْهَدُ عَلَى الْإِبْرَاءِ يَشْهَدُ عَدَمَ الْحَقِّ وَلَا يَشْهَدُ بِالْحَقِّ؟ ج - إنَّ شَهَادَةَ الشَّاهِدِ بِقَوْلِهِ: إنَّ هَذَا الدَّائِنَ قَدْ أَبْرَأ هَذَا الْمَدِينَ هِيَ فِي الظَّاهِرِ شَهَادَةٌ عَلَى عَدَمِ الْحَقِّ إلَّا أَنَّهَا فِي الْحَقِيقَةِ هِيَ إخْبَارٌ عَنْ حَقِّ الْمَدِينِ وَهُوَ سُقُوطُ حَقِّ الدَّائِنِ عَنْهُ (الْبَحْرُ) . وَالْحَقُّ بِالتَّعْرِيفِ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ يَكُونُ شَامِلًا لِلْحَقِّ الْوُجُودِيِّ وَالْعَدَمِيِّ.
س (2) : إنَّ بِلَفْظِ حَقِّهِ الْوَارِدِ فِي التَّعْرِيفِ يَحْصُلُ تَعْرِيفُ الشَّهَادَةِ فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ فَلَا يَتَنَاوَلُ حُقُوقَ اللَّهِ كَطَلَاقِ الْمَرْأَةِ وَعِتْقِ الْأَمَةِ أَوْ بِتَعْبِيرٍ آخَرَ لَا يَشْمَلُ الشَّهَادَةَ الْحِسْبِيَّةَ فَلَا يَكُونُ هَذَا التَّعْرِيفُ جَامِعًا لِأَفْرَادِهِ؟ ج - إنَّ الشَّهَادَةَ الْمَعْرُوفَةَ غَيْرُ الشَّهَادَةِ الْحِسْبِيَّةِ فَعَلَيْهِ يَجِبُ خُرُوجُ الشَّهَادَةِ الْحِسْبِيَّةِ مِنْ هَذَا التَّعْرِيفِ، وَالتَّعْرِيفُ لِلشَّهَادَةِ الشَّامِلُ لِلشَّهَادَةِ الْحِسْبِيَّةِ هُوَ: الْإِخْبَارُ الصِّدْقُ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ لِإِثْبَاتِ الْحَقِّ.
س (3) : إنَّ بِلَفْظِ " فِي حُضُورِ الْقَاضِي " الْوَارِدِ فِي التَّعْرِيفِ تَخْرُجُ الشَّهَادَةُ الْوَاقِعَةُ فِي حُضُورِ الْمَحْكَمَةِ مِنْ التَّعْرِيفِ وَيَكُونُ التَّعْرِيفُ غَيْرَ جَامِعٍ لِأَفْرَادِهِ؟ ج - إنَّ قَيْدَ فِي حُضُورِ الْقَاضِي لَيْسَ مِنْ مُتَمِّمَاتِ التَّعْرِيفِ بَلْ هُوَ مِنْ شُرُوطِ الشَّهَادَةِ وَشَرْطُ الشَّيْءِ هُوَ خَارِجٌ عَنْ ذَاتِ الشَّيْءِ (الشِّبْلِيُّ) .
س (4) : وَبِتَعْبِيرِ فِي مُوَاجَهَةِ الْخَصْمَيْنِ الْوَارِدِ فِي التَّعْرِيفِ تَخْرُجُ الشَّهَادَةُ الَّتِي يَسْتَمِعُهَا الْقَاضِي فِي الْكِتَابِ الْحُكْمِيِّ فِي حُضُورِ الْكَاتِبِ وَمُوَاجَهَةِ الْمُدَّعِي فَقَطْ مِنْ التَّعْرِيفِ وَيَكُونُ التَّعْرِيفُ غَيْرَ جَامِعٍ لِأَفْرَادِهِ؟ ج - بِمَا أَنَّ الْقِيَاسَ هُوَ عَدَمُ جَوَازِ الْكِتَابِ الْحُكْمِيِّ وَتَجْوِيزُهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الِاسْتِحْسَانِ وَالتَّعْرِيفَاتُ الشَّرْعِيَّةُ تَكُونُ عَلَى وَفْقِ الْقِيَاسِ (الْبَحْرُ) . أَيْ إنَّ هَذِهِ الشَّهَادَةَ خَارِجَةٌ عَنْ الْعُرْفِ.