الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إنَّ شَرْطَ الْمُقَرِّ بِهِ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مَعْدُومٍ، عَلَى وَجْهَيْنِ: الْوَجْهُ الْأَوَّلُ: يَكُونُ الْمُقَرُّ بِهِ مَعْلُومًا، وَمُحَقَّقَ الْوُجُودِ كَقَوْلِكَ: هَذَا الْمَالُ لِفُلَانٍ.
الْوَجْهُ الثَّانِي: يَكُونُ الْمُقَرُّ بِهِ شَيْئًا مُحْتَمَلَ الْوُجُودِ كَالْحَمْلِ، وَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَوْ قَالَ أَحَدٌ: إنَّ مَا فِي بَطْنِ نَعْجَتِي هَذِهِ لِفُلَانٍ فَإِذَا وُجِدَ الْحَمْلُ الْمَذْكُورُ فِي أَقَلِّ مُدَّةِ الْحَمْلِ يَكُونُ ذَلِكَ الْحَمْلُ لِلْمُقَرِّ لَهُ، وَلَوْ لَمْ يُبَيِّنْ الْمُقِرُّ سَبَبَهُ؛ لِأَنَّ هَذَا الْإِقْرَارَ مُمْكِنُ التَّصْحِيحِ بِحَمْلِهِ عَلَى الْوَصِيَّةِ، وَذَلِكَ كَأَنْ يُوصِيَ أَحَدٌ بِحَمْلِ شَاتِهِ الْفُلَانِيَّةِ لِآخَرَ ثُمَّ يُتَوَفَّى فَيُقِرُّ وَارِثُهُ بِذَلِكَ الْحَمْلِ لِآخَرِ.
وَأَقَلُّ مُدَّةِ الْحَمْلِ فِي الشَّاةِ أَرْبَعَةُ شُهُورٍ، وَفِي الْحَيَوَانَاتِ الْأُخْرَى سِتَّةُ شُهُورٍ أَمَّا حَسَبَ قَوْلِ الْقُهُسْتَانِيِّ فَأَقَلُّ مُدَّةِ الْحَمْلِ فِي الْإِنْسَانِ سِتَّةُ شُهُورٍ، وَفِي الْفِيلِ أَحَدَ عَشَرَ شَهْرًا، وَفِي الْإِبِلِ وَالْخَيْلِ وَالْحَمِيرِ سَنَةٌ كَامِلَةٌ، وَفِي الْبَقَرِ تِسْعَةُ شُهُورٍ، وَفِي الشَّاةِ وَالْمَعْزِ خَمْسَةُ شُهُورٍ، وَفِي الْقِطَطِ شَهْرَانِ، وَفِي الْكَلْبِ أَرْبَعُونَ يَوْمًا، وَفِي الطَّيْرِ وَاحِدٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) .
حَيْثُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْإِقْرَارِ أَنْ يَكُونَ الْمُقَرَّ بِهِ مُمْكِنًا تَسْلِيمُهُ فَلِذَلِكَ لَوْ أَقَرَّ الْمُقِرُّ بِجِذْعٍ كَائِنٍ فِي سَقْفِ بَيْتِهِ فَيَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ.
لِأَنَّ إقْرَارَ الشَّيْءِ الْغَيْرِ مُمْكِنِ.
التَّسْلِيمِ هُوَ إقْرَارٌ بِقِيمَتِهِ (صُرَّةُ الْفَتَاوَى فِي الْإِقْرَارِ) .
إنَّ هَذَا مُتَفَرِّعٌ عَلَى كَوْنِ الْإِقْرَارِ إخْبَارًا فَلَوْ كَانَ إنْشَاءً لَكَانَ هِبَةً حَالَ كَوْنِ هِبَةِ ذَلِكَ وَبَيْعِهِ غَيْرَ جَائِزَيْنِ.
[
(الْمَادَّةُ 1580) لَا يَتَوَقَّفُ الْإِقْرَارُ عَلَى قَبُولِ الْمُقَرِّ لَهُ]
الْمَادَّةُ (1580) - (لَا يَتَوَقَّفُ الْإِقْرَارُ عَلَى قَبُولِ الْمُقَرِّ لَهُ، وَلَكِنْ يَرْتَدُّ بِرَدِّهِ، وَلَا يَبْقَى لَهُ حُكْمٌ، وَإِذَا رَدَّ الْمُقَرُّ لَهُ مِقْدَارًا مِنْ الْمُقَرِّ بِهِ لَا يَبْقَى لِلْإِقْرَارِ حُكْمٌ فِي الْمِقْدَارِ الْمَرْدُودِ، وَيَصِحُّ الْإِقْرَارُ بِالْمِقْدَارِ الَّذِي لَمْ يُرَدَّ) .
لَا يَتَوَقَّفُ الْإِقْرَارُ عَلَى قَبُولِ وَتَصْدِيقِ الْمُقَرِّ لَهُ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ لَيْسَ بِإِنْشَاءٍ بَلْ هُوَ مِنْ وَجْهِ إخْبَارٍ اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (1572) فَعَلَيْهِ لَوْ أَقَرَّ أَحَدٌ بِقَوْلِهِ: إنَّنِي مَدِينٌ لِفُلَانٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَسَكَتَ، وَلَمْ يُصَدَّقْ الْمُقِرَّ بِقَوْلِهِ: لَا أَوْ نَعَمْ.
فَلَهُ مُطَالَبَةُ الْمُقِرِّ بِالْأَلْفِ دِرْهَمٍ.
إلَّا أَنَّهُ يُوجَدُ فَرْقٌ بَيْنَ الْإِقْرَارِ لِلْحَاضِرِ وَالْإِقْرَارِ لِلْغَائِبِ.
فَالْإِقْرَارُ لِلْحَاضِرِ لَازِمٌ مِنْ جَانِبِ الْمُقِرِّ فَلِذَلِكَ إذَا أَقَرَّ الْمُقِرُّ بِمَالٍ لِحَاضِرٍ فَلَيْسَ لَهُ إقْرَارُهُ لِآخَرَ.
مَثَلًا لَوْ أَقَرَّ أَحَدٌ بِقَوْلِهِ: إنَّ هَذَا الْمَالَ لِهَذَا الشَّخْصِ، وَكَانَ ذَلِكَ الشَّخْصُ حَاضِرًا وَلَمْ يَقُلْ بِأَنَّنِي أُصَدِّقُ ذَلِكَ كَمَا أَنَّهُ لَمْ يَرُدَّهُ فَلَيْسَ لِلْمُقِرِّ أَنْ يَرْجِعَ عَنْ إقْرَارِهِ هَذَا، وَأَنْ يَقُولَ: إنَّ هَذَا الْمَالَ لِهَذَا الشَّخْصِ الْآخَرِ، وَلَا يَكُونُ إقْرَارُهُ الثَّانِي صَحِيحًا لَكِنْ إذَا رَدَّ الْمُقَرُّ لَهُ الْإِقْرَارَ فَيَكُونُ الْإِقْرَارُ الثَّانِي حِينَئِذٍ مُعْتَبَرًا.
أَمَّا الْإِقْرَارُ لِلْغَائِبِ فَلَيْسَ لَازِمًا مِنْ جَانِبِ الْمُقِرِّ مَا لَمْ يُصَدِّقْهُ الْغَائِبُ فَلِذَلِكَ لَوْ قَالَ الْمُقِرُّ: إنَّ هَذَا الْمَالَ لِفُلَانٍ الْغَائِبِ ثُمَّ قَالَ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ خَبَرُ ذَلِكَ الْإِقْرَارِ لِلْغَائِبِ وَيُصَدِّقَهُ: إنَّ هَذَا الْمَالَ لِفُلَانٍ
الْآخَرِ كَانَ إقْرَارُهُ الثَّانِي صَحِيحًا (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ وَالزَّيْلَعِيّ) ؛ لِأَنَّ سُكُوتَ الْمُقَرِّ لَهُ الْحَاضِرِ قَبُولٌ ضِمْنِيٌّ فَلِذَلِكَ يُصْبِحُ ذَلِكَ الْمَالُ بِالْإِقْرَارِ وَاقِعًا بِالْمُقَرِّ لَهُ.
أَمَّا الْغَائِبُ فَحَيْثُ لَا يُتَصَوَّرُ سُكُوتُهُ وَقَبُولُهُ الضِّمْنِيُّ فَلَا يَتَعَلَّقُ حَقُّ الْمُقَرِّ لَهُ الْغَائِبُ بِالْمُقَرِّ بِهِ.
وَلَكِنْ يَرْتَدُّ الْإِقْرَارُ بِرَدِّ الْمُقَرِّ لَهُ، وَلَا يَبْقَى لَهُ حُكْمٌ أَيْ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْقَبُولُ وَالتَّصْدِيقُ بَعْدَ الرَّدِّ.
اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (51) ، وَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَا يُقْبَلُ مِنْ الْمُقِرِّ الْإِثْبَاتُ إذَا أَرَادَ أَنْ يُثْبِتَ حَقَّهُ فِي الْمُقَرِّ بِهِ (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) لِأَنَّ الْإِقْرَارَ مِنْ وَجْهٍ إنْشَاءٌ، وَلَيْسَ بِإِخْبَارٍ، وَمِنْ وَجْهٍ أَنَّ الْمُتَضَمِّنَ تَمْلِيكَ الْمَالِ قَابِلٌ لِلرَّدِّ كَالْإِقْرَارِ.
أَمَّا مَا لَا يَتَضَمَّنُ تَمْلِيكَ الْمَالِ فَرَدُّهُ غَيْرُ قَابِلٍ كَإِبْطَالِ الشُّفْعَةِ وَكَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ وَالدُّرُّ الْمُخْتَارُ) .
مَثَلًا؛ لَوْ أَقَرَّ أَحَدٌ بِأَنَّهُ مَدِينٌ لِآخَرَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ، وَرَدَّ ذَلِكَ الْآخَرُ هَذَا الْإِقْرَارَ بِقَوْلِهِ: لَسْت مَدِينًا لِي بِشَيْءٍ ثُمَّ صَدَّقَهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: إنَّك مَدِينٌ لِي بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَلَا يَصِحُّ تَصْدِيقُهُ (الزَّيْلَعِيّ) .
حَتَّى إنَّهُ لَوْ ادَّعَى أَحَدٌ دَيْنًا مِنْ وَارِثٍ، وَأَبْرَزَ سَنَدًا حَاوِيًا إقْرَارَ الْمُورَثِ وَدَفَعَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْوَارِثُ دَعْوَى الْمُدَّعِي بِقَوْلِهِ: إنَّ الْمُقَرَّ لَهُ الْمُدَّعِي قَدْ رَدَّ الْإِقْرَارَ، وَطَلَبَ تَحْلِيفَ الْمُدَّعِي الْيَمِينَ عَلَى ذَلِكَ فَيَحْلِفُ الْمُدَّعِي (صُرَّةُ الْفَتَاوَى) .
مُسْتَثْنًى - إنَّ صِحَّةَ رَدِّ الْإِقْرَارِ هُوَ فِي حَالَةِ إبْطَالِ الْمُقَرِّ لَهُ حَقَّهُ بِرَدِّ الْإِقْرَارِ.
أَمَّا إذَا كَانَ الْمُقَرُّ لَهُ يُبْطِلُ بِهَذَا حَقَّ الْغَيْرِ فَلَا حُكْمَ لِلرَّدِّ.
مَثَلًا لَوْ قَالَ أَحَدٌ: إنَّنِي بِعْت فَرَسِي بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ لِفُلَانٍ فَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ: إنَّنِي لَمْ أَشْتَرِ مِنْك شَيْئًا ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: إنَّنِي اشْتَرَيْتُهَا مِنْك بِذَلِكَ الثَّمَنِ فَيَكُونُ الْبَيْعُ لَازِمًا؛ لِأَنَّ الْمُقَرَّ لَهُ قَدْ أَنْكَرَ الْبَيْعَ بَعْدَ تَمَامِ الْبَيْعِ، وَالْحَالُ أَنَّ جُحُودَ أَحَدِ الْمُتَبَايِعَيْنِ لَا يُبْطِلُ الْعَقْدَ.
أَمَّا لَوْ رَدَّ الْمُقَرُّ لَهُ الْإِقْرَارَ بِقَوْلِهِ: لَمْ أَشْتَرِ مِنْكَ شَيْئًا وَصَدَّقَهُ الْبَائِعُ الْمُقِرُّ بِقَوْلِهِ: إنَّنِي فِي الْحَقِيقَةِ لَمْ أَبِعْكَ ثُمَّ قَالَ الْمُشْتَرِي: إنَّنِي اشْتَرَيْتُهُ مِنْكَ فَلَا يَثْبُتُ الشِّرَاءُ بَعْدَ ذَلِكَ حَتَّى، وَلَوْ أَقَامَ الْبَائِعُ الْبَيِّنَةَ عَلَى الشِّرَاءِ؛ لِأَنَّهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ قَدْ تَمَّ الْفَسْخُ بِجُحُودِ الْعَاقِدَيْنِ (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) .
أَمَّا إذَا قَبِلَ الْمُقَرُّ لَهُ الْإِقْرَارَ، وَصَدَّقَهُ فَلَا يَرْتَدُّ بَعْدَ ذَلِكَ بِالرَّدِّ لِأَنَّهُ فِي هَذَا الْحَالِ قَدْ أَصْبَحَ الْمُقَرُّ بِهِ مِلْكًا لِلْمُقَرِّ لَهُ، وَنَفْيُ الْمَالِكِ الْمِلْكَ عَنْ نَفْسِهِ عِنْدَ عَدَمِ الْمُنَازَعِ لَا يَصِحُّ، وَلَكِنْ لَوْ تَصَادَقَ عَلَى عَدَمِ الْحَقِّ صَحَّ (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) .
مَثَلًا: لَوْ أَقَرَّ الْمُقِرُّ لِأَحَدٍ بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ فَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ: لَيْسَ لِي عِنْدَك دَيْنٌ فَيُرَدُّ الْإِقْرَارُ الْمَذْكُورُ، وَيَسْقُطُ حَقُّ الْمُقَرِّ لَهُ بِمُطَالَبَةِ الْمُقِرِّ، وَلَكِنْ إذَا رَدَّ الْمُقَرُّ لَهُ الْإِقْرَارَ بَعْدَ أَنْ صَدَّقَ الْمُقِرَّ بِقَوْلِهِ: إنَّكَ مَدِينٌ لِي فِي الْحَقِيقَةِ بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ فَلَا يُرَدُّ الْإِقْرَارُ كَمَا أَنَّهُ إذَا كَرَّرَ الْمُقِرُّ الْإِقْرَارَ بَعْدَ الرَّدِّ وَأَعَادَهُ وَصَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ فَيَصِحُّ الْإِقْرَارُ الْمَذْكُورُ اسْتِحْسَانًا، وَيَكُونُ لَازِمًا؛ لِأَنَّ هَذَا الْإِقْرَارَ هُوَ الْأَخِيرُ.
وَقَدْ وَرَدَ فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ أَنَّهُ إذَا أَعَادَ الْمُقِرُّ الْإِقْرَارَ فَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ: أَجَلْ، يَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّهُ كَذَّبَهُ فِي الْإِقْرَارِ الْأَوَّلِ فَبَطَلَ وَانْعَدَمَ وَصَدَّقَهُ فِي الْإِقْرَارِ الثَّانِي فَاعْتُبِرَ وَانْبَرَمَ.
وَلِأَنَّهُ احْتَمَلَ أَنَّ الْمَالَ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا وَقْتَ الْإِقْرَارِ الْأَوَّلِ فَبَطَلَ بِالتَّكْذِيبِ وَانْعَدَمَ، وَكَانَ وَاجِبًا وَقْتَ الْإِقْرَارِ الثَّانِي فَلَزِمَ بِالتَّصْدِيقِ وَانْبَرَمَ،