الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الْكِتَابُ الرَّابِعَ عَشَرَ الدَّعْوَى]
الْحَمْدُ اللَّه الَّذِي دَعَا عِبَادَهُ إلَى دَارِ السَّلَامِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنْ بُعِثَ لِلدَّعْوَةِ إلَى الْأَنَامِ.
وَعَلَى أَلِهِ وَأَصْحَابِهِ النَّاصِرِينَ لِسَيِّدِنَا وَقُرَّةِ أَعْيُنِنَا مُحَمَّدٍ عليه الصلاة والسلام.
الْكِتَابُ الرَّابِعَ عَشَرَ فِي حَقِّ الدَّعْوَى، وَيَشْتَمِلُ عَلَى مُقَدَّمَةٍ وَبَابَيْنِ الدَّعْوَى اسْمٌ، وَمَصْدَرُهُ الِادِّعَاءُ مِنْ بَابِ الِافْتِعَالِ وَثُلَاثِيُّهُ دَعَا يُقَالُ: ادَّعَيْتُ أَيْ طَلَبْتُ الشَّيْءَ الْفُلَانِيَّ لِنَفْسِي.
بِمَا أَنَّ الـ فِي الدَّعْوَى لِلتَّأْنِيثِ فَلَا تَقْبَلُ التَّنْوِينَ، وَجَمْعُهُ دَعَاوَى بِفَتْحِ الْوَاوِ وَكَسْرِهَا.
وَقَدْ قَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّ قِرَاءَتَهَا بِالْكَسْرِ أَوْلَى، وَقَالَ آخَرُونَ: قِرَاءَتُهَا بِالْفَتْحِ، أَوْ الْكَسْرِ سِيَّانِ.
وَاسْمُ فَاعِلِهِ (مُدَّعٍ) وَاسْمُ مَفْعُولِهِ مُدَّعًى عَلَيْهِ (الدُّرُّ الْمُخْتَارُ وَالْبَحْرُ) فَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ إذَا ادَّعَى زَيْدٌ مَالًا مِنْ عَمْرٍو فَزَيْدٌ مُدَّعٍ، وَعَمْرٌو مُدَّعًى عَلَيْهِ، وَالْمَالُ مُدَّعًى بِهِ، أَوْ مُدَّعًى.
مُقَدِّمَةٌ فِي بَيَانِ بَعْضِ الِاصْطِلَاحَاتِ الْفِقْهِيَّةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالدَّعْوَى يَلْزَمُ فِي الدَّعْوَى عِلْمُ سَبْعَةِ أَشْيَاءَ وَهِيَ: مَشْرُوعِيَّةُ الدَّعْوَى، وَتَعْرِيفُهَا وَتَقْسِيمُهَا وَرُكْنُهَا وَشَرْطُهَا وَحُكْمُهَا وَسَبَبُهَا.
مَشْرُوعِيَّةُ الدَّعْوَى - ثَابِتَةٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ (مَجْمَعُ الْأَنْهُرِ) .
تَعْرِيفُ الدَّعْوَى وَتَقْسِيمُهَا - يُبَيَّنُ فِي الْمَادَّةِ الْآتِيَةِ: رُكْنُ الدَّعْوَى - إذَا كَانَ الْمُدَّعِي أَصِيلًا أَنْ يُضِيفَ الْحَقَّ إلَى نَفْسِهِ، وَإِذَا كَانَ وَكِيلًا، أَوْ وَلِيًّا أَوْ مُتَوَلِّيًا أَنْ يُضِيفَهُ إلَى مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ؛ لِأَنَّ رُكْنَ الشَّيْءِ مَا يَقُومُ بِالشَّيْءِ وَالدَّعْوَى إنَّمَا تَقُومُ بِإِضَافَةِ الْمُدَّعِي إلَى نَفْسِهِ فَكَانَ رُكْنًا (الشِّبْلِيُّ) كَقَوْلِهِ: هَذَا الْمَالُ لِي أَوْ لِمُوَكِّلِي فُلَانٍ، أَوْ لِلصَّغِيرِ فُلَانٍ، أَوْ لِلْمَجْنُونِ فُلَانٍ أَوْ لِلْمَعْتُوهِ فُلَانٍ الَّذِي أَنَا وَلِيُّهُ، أَوْ وَصِيُّهُ أَوْ لِلْوَقْفِ الْفُلَانِيِّ، أَوْ إنَّ لِي فِي ذِمَّةِ فُلَانٍ كَذَا دِرْهَمًا، أَوْ إنِّي أَدَّيْتُ دَيْنِي لِفُلَانٍ، أَوْ إنَّ فُلَانًا أَبْرَأَنِي مِنْ حَقِّي (الدُّرُّ الْمُخْتَارُ والشُّرُنْبُلاليِّ) .
شَرْطُ الدَّعْوَى - يُبَيَّنُ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ مِنْ الْبَابِ الْأَوَّلِ الَّذِي يَبْتَدِئُ مِنْ الْمَادَّةِ (1616) حُكْمُ الدَّعْوَى - وُجُوبُ الْجَوَابِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إمَّا بِالْإِقْرَارِ، أَوْ الْإِنْكَارِ فَإِذَا أَقَرَّ يَثْبُتُ الْمُدَّعَى وَإِذَا أَنْكَرَ تُسْتَمَعُ الْبَيِّنَةُ، وَإِذَا سَكَتَ يُعْتَبَرُ إنْكَارًا، أَوْ تُسْتَمَعُ الْبَيِّنَةُ مَا لَمْ يَكُنْ سُكُوتُهُ لِعُذْرٍ كَأَنْ يَكُونَ أَخْرَسَ وَسَيُوَضَّحُ ذَلِكَ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (1722)(الْبَحْرُ) .
سَبَبُ الدَّعْوَى - تَعَاطِي الْمُعَامَلَاتِ، وَتَعَلُّقُ بَقَاءِ الْمُقَدَّرِ (الدُّرُّ الْمُخْتَارُ) لِأَنَّ الْمُدَّعَى بِهِ إمَّا أَنْ يَرْجِعَ إلَى نَوْعٍ كَدَعْوَى بِأَنَّ هَذَا الْمَحَلَّ طَرِيقٌ عَائِدٌ لِلْعَامَّةِ، وَإِمَّا أَنْ يَرْجِعَ إلَى شَخْصٍ كَدَعْوَى أَنَّ هَذِهِ الْأَرْضَ لِي (الْبَحْرُ بِزِيَادَةٍ) .
وَمَشْرُوعِيَّةُ الدَّعْوَى لَمْ تَكُنْ لِذَاتِهَا بَلْ؛ لِأَنَّهُ يَحْصُلُ بِالْحُكْمِ انْقِطَاعُ الْفَسَادِ الَّذِي يُؤْمَلُ حُصُولُهُ فِي حَالَةِ بَقَاءِ الدَّعْوَى.
وَالدَّعْوَى أَصْلٌ شُرِعَ لِاسْتِحْصَالِ صَاحِبِ الْحَقِّ عَلَى حَقِّهِ وَلِمَنْعِ الْفَسَادِ وَالِاخْتِلَافِ إلَّا أَنَّهُ يُوجَدُ بَعْضُ حُقُوقٍ لِصَاحِبِ الْحَقِّ الِاسْتِحْصَالُ عَلَيْهَا بِدُونِ حُكْمٍ، وَالْبَعْضُ لَا يُمْكِنُ الِاسْتِحْصَالُ عَلَيْهِ إلَّا بِحُكْمٍ.
أَمَّا الْحُقُوقُ الَّتِي يَحِقُّ لِصَاحِبِ الْحَقِّ الِاسْتِحْصَالُ عَلَيْهَا بِالذَّاتِ فَهِيَ: أَوَّلًا: إذَا كَانَ الْحَقُّ قِصَاصًا فَلِوَلِيِّ الْقَتِيلِ أَنْ يَقْتَصَّ بِالسَّيْفِ سَوَاءٌ حُكِمَ لَهُ فِيهِ، أَوْ لَمْ يَحْكُمْ.
وَقَدْ وَرَدَ فِي الْبَحْرِ وَيَضْرِبُ عِلَاوَتَهُ وَلَوْ رَامَ قَتْلَهُ بِغَيْرِ سَيْفٍ مُنِعَ، وَإِنْ فَعَلَ عُزِّرَ وَلَكِنْ لَا يَضْمَنُ لِاسْتِيفَاءِ حَقِّهِ.
ثَانِيًا: إذَا كَانَ الْحَقُّ حَقَّ شَتْمٍ فَلِصَاحِبِ الْحَقِّ أَنْ يَقُولَ لِخَصْمِهِ الْقَوْلَ الَّذِي قَالَهُ لَهُ، وَالْأَوْلَى أَلَّا يَقُولَهُ (الْبَحْرُ) .
ثَالِثًا: إذَا امْتَنَعَ الْمُسْتَأْجِرُ عِنْدَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْإِيجَارِ عَنْ تَسْلِيمِ مِفْتَاحِ الدَّارِ لَلْمُؤَجِّرِ وَتَرَكَ مَتَاعَهُ فِي الدَّارِ، وَغَابَ فَلِلْمُؤَجِّرِ أَنْ يَفْتَحَ الدَّارَ بِمِفْتَاحٍ آخَرَ، وَأَنْ يُؤَجِّرَ الدَّارَ لِآخَرَ بِدُونِ إذْنِ الْقَاضِي، وَأَنْ يَضَعَ أَمْتِعَةَ الْمُسْتَأْجِرِ فِي مَكَان وَيَحْفَظَهَا لِحِينِ حُضُورِهِ، وَلَا تَحْتَاجُ هَذِهِ الْمُعَامَلَةُ إلَى إذْنِ الْقَاضِي.
رَابِعًا: إذَا شَغَلَ أَغْصَانَ شَجَرَةِ الْجَارِ هَوَاءٌ مِلْكُ الْجَارِ الْآخَرِ، وَكَانَ غَيْرَ مُمْكِنٍ رَبْطُ الْأَغْصَانِ وَتَفْرِيغُ الْهَوَاءِ فَإِذَا قَطَعَهَا الْجَارُ مِنْ الْمَحَلِّ الَّذِي يَقْطَعُهُ الْقَاضِي فَلَا يَلْزَمُهُ ضَمَانٌ.
اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (961) .
أَمَّا إذَا قَطَعَهَا مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ، أَوْ قَطَعَهَا مَعَ إمْكَانِ تَفْرِيغِ الْهَوَاءِ بِشَدِّهَا فَيَلْزَمُهُ ضَمَانُهَا.
اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ (1196) .
خَامِسًا: إذَا ظَفِرَ الدَّائِنُ بِمَالِ الْمَدِينِ الَّذِي هُوَ مِنْ جِنْسِ مَطْلُوبِهِ فَلَهُ أَخْذُهُ بِلَا رِضَاءِ الْمَدِينِ كَأَنْ يَكُونَ الِاثْنَانِ ذَهَبًا، أَوْ يَكُونَا فِضَّةً.
أَمَّا إذَا كَانَا مُخْتَلِفَيْنِ كَأَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ مَثَلًا فِضَّةً، وَالْمَالُ الَّذِي ظَفِرَ بِهِ ذَهَبًا فَعِنْدَ أَبِي بَكْرٍ الرَّازِيّ وَالْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ لَهُ أَخْذَ مِقْدَارِ قِيمَةِ دَيْنِهِ، وَبِتَعْبِيرٍ آخَرَ يَجُوزُ أَخْذُ الدَّنَانِيرِ بِالدَّرَاهِمِ وَالدَّرَاهِمِ بِالدَّنَانِيرِ سَوَاءٌ كَانَ الْمَدِينُ مُقِرًّا، أَوْ كَانَ مُنْكِرًا، وَسَوَاءٌ كَانَ عِنْدَ الدَّائِنِ بَيِّنَةٌ، أَوْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ بَيِّنَةٌ اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ (1113) .
وَلَمْ أَرَ حُكْمَ مَا إذَا لَمْ يُتَوَصَّلْ إلَيْهِ إلَّا بِكَسْرِ الْبَابِ وَنَقْبِ الْجِدَارِ، وَيَنْبَغِي أَنَّ لَهُ ذَلِكَ حَيْثُ لَا يُمْكِنُهُ إلَّا بِأَخْذِ الْقَاضِي (الْبَحْرُ) .
سَادِسًا: إذَا أَخَذَ أَجْنَبِيٌّ مَالًا مِنْ مَدِينٍ أَحَدٍ مِنْ جِنْسِ دَيْنِهِ بِقَصْدِ إيفَاءِ دَائِنِهِ، وَأَعْطَاهُ لِلدَّائِنِ فَهُوَ جَائِزٌ عِنْدَ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ وَيَكُونُ مُعَيَّنًا لِلدَّائِنِ.
أَمَّا الْحُقُوقُ الَّتِي لَيْسَ لَهُ الِاسْتِحْصَالُ عَلَيْهَا بِالذَّاتِ فَهِيَ: أَوَّلًا: إذَا كَانَ الْحَقُّ حَقَّ قَذْفٍ فَلَيْسَ لِصَاحِبِهِ اسْتِيفَاؤُهُ بِنَفْسِهِ بَلْ يَسْتَوْفِيهِ بِحُكْمِ الْقَاضِي.
لِأَنَّ الْغَالِبَ فِي ذَلِكَ الْحَقِّ هُوَ حَقُّ اللَّهِ عز وجل فَيُسْتَوْفَى هَذَا الْحَقُّ بِطَلَبِ الْمَقْذُوفِ مِنْ طَرَفِ الْقَاضِي الْمَأْمُورِ بِإِقَامَةِ الْحُدُودِ.
ثَانِيًا: إذَا كَانَ الْحَقُّ حَقَّ تَعْزِيرٍ، وَكَانَ الْحَقُّ حَقَّ ضَرْبٍ فَلَيْسَ لِصَاحِبِ الْحَقِّ اسْتِيفَاؤُهُ بِذَاتِهِ.
مَثَلًا: لَوْ ضَرَبَ أَحَدٌ آخَرَ وَضَرَبَ الْمَضْرُوبُ الضَّارِبَ مُقَابَلَةً فَيُعَزَّرُ كِلَاهُمَا.
إلَّا أَنَّهُ يُبْدَأُ بِتَعْزِيرِ وَتَأْدِيبِ الْبَادِئِ مِنْهُمَا بِالضَّرْبِ لِأَنَّهُ أَظْلِمُ.
وَيَجِبُ التَّعْزِيرُ عَلَى مَنْ بَدَأَ بِالِاعْتِدَاءِ (الْبَحْرُ) .