الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والله أعلم.
ص:
الحمد لله على ما يسّره
…
من نشر منقول حروف العشرة
ش: (الحمد لله): اسمية (1)، وفى خبرها الخلاف المشهور: هل الجار والمجرور أو متعلّقه وهو الأصح؟ وهل المتعلّق اسم، وهو الأصح، أو فعل؟ وهل ضمير المتعلّق انتقل إلى المتعلّق وهو الأصح أو على حاله؟
وإنما عدل إلى الرفع فى (الحمد [لله)] (2) ليدل على عمومه وثبوته له دون تجدده وحدوثه، وهو من المصادر التى تنصب بأفعال مضمرة لا تكاد تستعمل معها، والتعريف فيه للجنس، ومعناه الإشارة إلى ما يعرفه كل أحد، أو للاستغراق (3)؛ إذ الحمد فى الحقيقة كله لله، إذ ما من خير إلا وهو موليه بواسطة أو بغير واسطة، [كما] (4) قال تعالى: وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ [النحل: 53] ومنه إشعار بأن الله تعالى حى قادر مريد عالم، إذ الحمد لا يستحقه إلا من هذا شأنه.
والحمد: هو الثناء باللسان على قصد التعظيم سواء تعلق بالفضائل أو بالفواضل.
والشكر فعل ينبئ عن تعظيم المنعم لكونه منعما، سواء كان قولا باللسان أو عملا بالأركان أو اعتقادا أو محبة بالجنان (5)؛ فعلى هذا لا يكون مورد الحمد إلا اللسان، ومتعلقه تارة يكون نعمة وتارة غيرها (6)، ومتعلق الشكر لا يكون إلا النعمة، ومورده يكون اللسان وغيره (7).
فالحمد على هذا [يكون](8) أعمّ من الشكر باعتبار المتعلّق وأخصّ باعتبار المورد، والشكر أعم باعتبار المورد وأخص باعتبار المتعلق: فبينهما عموم وخصوص من وجه، فالثناء باللسان فى مقابلة الفواضل يصدقان عليه، وفى مقابلة الفضائل حمد، والثناء بالجنان أو الأركان شكر (9).
(1) فى م: جملة ابتدائية.
(2)
زيادة من ص.
(3)
فى م: والاستغراق. وكون الألف واللام فى الحمد لتعريف الجنس هو اختيار الزمخشرى. ومنع الزمخشرى كونها للاستغراق، ولم يبين وجهة ذلك قال ابن عادل الحنبلى: ويشبه أن يقال: إن المطلوب من العبد إنشاء الحمد، لا الإخبار به، وحينئذ يستحيل كونها للاستغراق؛ إذ لا يمكن العبد أن ينشئ جميع المحامد منه ومن غيره، بخلاف كونها للجنس.
(4)
سقط فى م.
(5)
فى ص، د: ومحبة، وم: واعتقادا بالجنان.
(6)
فى ص: يكون غيرهما.
(7)
فى م: أو غيره.
(8)
سقط فى ص.
(9)
وتوضيح ذلك: أن الحمد هو الثناء على الجميل سواء كانت نعمة مبتدأة إلى أحد أم لا. يقال:
حمدت الرجل على ما أنعم به، وحمدته على شجاعته، ويكون باللسان وحده، دون عمل الجوارح، إذ لا يقال: حمدت زيدا أى: عملت له بيدى عملا حسنا، بخلاف الشكر؛ فإنه لا يكون إلا على نعمة مبتدأة إلى الغير.
يقال: شكرته على ما أعطانى، ولا يقال: شكرته على شجاعته، ويكون بالقلب، واللسان، والجوارح؛ قال الله تعالى: اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً [سبأ: 13] وقال الشاعر:
أفادتكم النعماء منى ثلاثة
…
يدى ولسانى والضمير المحجبا
فيكون بين الحمد والشكر عموم وخصوص من وجه ذكره ابن عادل الحنبلى، ثم قال: وقيل:
الحمد هو الشكر؛ بدليل قولهم: «الحمد لله شكرا» .
وقيل: بينهما عموم وخصوص مطلق، والحمد أعم من الشكر.
وقيل: الحمد: الثناء عليه تعالى بأوصافه، والشكر: الثناء عليه بأفعاله، فالحامد قسمان: شاكر ومثن بالصفات الجميلة.
وقيل: الحمد مقلوب من المدح، وليس بسديد- وإن كان منقولا عن ثعلب؛ لأن المقلوب أقل استعمالا من المقلوب منه، وهذان مستويان فى الاستعمال، فليس ادعاء قلب أحدهما من الآخر أولى من العكس، فكانا مادتين مستقلتين. وأيضا فإنه يمتنع إطلاق المدح حيث يجوز إطلاق الحمد، فإنه يقال: حمدت الله- تعالى- ولا يقال: مدحته، ولو كان مقلوبا لما امتنع ذلك.
ولقائل أن يقول: منع من ذلك مانع، وهو عدم الإذن فى ذلك.
وقال الراغب: «الحمد لله» : الثناء بالفضيلة، وهو أخص من المدح، وأعم من الشكر، فإن المدح يقال فيما يكون من الإنسان باختياره، وما يكون منه بغير اختيار، فقد يمدح الإنسان بطول قامته، وصباحة وجهه، كما يمدح ببذل ماله وشجاعته وعلمه، والحمد يكون فى الثانى دون الأول.
قال ابن الخطيب- رحمه الله تعالى-: الفرق بين الحمد والمدح من وجوه:
أحدها: أن المدح قد يحصل للحى، ولغير الحى، ألا ترى أن من رأى لؤلؤة فى غاية الحسن، فإنه يمدحها؟ فثبت أن المدح أعم من الحمد.
الثانى: أن المدح قد يكون قبل الإحسان، وقد يكون بعده، أما الحمد فإنه لا يكون إلا بعد الإحسان.
الثالث: أن المدح قد يكون منهيّا عنه؛ قال عليه الصلاة والسلام: «احثوا التراب فى وجوه المداحين» . أما الحمد فإنه مأمور به مطلقا؛ قال- عليه الصلاة والسلام: «من لم يحمد الناس لم يحمد الله» .
الرابع: أن المدح عبارة عن القول الدال على كونه مختصّا بنوع من أنواع الفضائل.
وأما الحمد فهو القول الدال على كونه مختصّا بفضيلة معينة، وهى فضيلة الإنعام والإحسان، فثبت أن المدح أعم من الحمد.
وأما الفرق بين الحمد والشكر، فهو أن الحمد يعم إذا وصل ذلك الإنعام إليك أو إلى غيرك، وأما الشكر، فهو مختص بالإنعام الواصل إليك.
وقال الراغب- رحمه الله: والشكر لا يقال إلا فى مقابلة نعمة، فكل شكر حمد، وليس كل حمد شكرا، وكل حمد مدح، وليس كل مدح حمدا.
ويقال: فلان محمود إذا حمد، ومحمد وجد محمودا، ومحمد كثرت خصاله المحمودة.
وأحمد أى: أنه يفوق غيره فى الحمد ينظر اللباب (1/ 168 - 170).
والله: اسم للذات الواجب الوجود المستحق لجميع المحامد (1).
(1) قال ابن الخطيب- رحمة الله تعالى عليه وقد أطبق جميع الخلق على أن قولنا: «الله» مخصوص بالله تبارك وتعالى، وكذلك قولنا:«الإله» مخصوص به سبحانه وتعالى.
وأما الذين كانوا يطلقون اسم الإله على غير الله- تعالى- فإنما كانوا يذكرونه بالإضافة كما يقال: «إله كذا» ، أو ينكرونه كما قال- تبارك وتعالى عن قوم موسى- عليه السلام: اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ [الأعراف: 138].
قال ابن الخطيب- رحمه الله تعالى-: «اعلم أن هذا الاسم مخصوص بخواص لا توجد فى سائر أسماء الله تعالى.
فالأولى: أنك إذا حذفت الألف من قولك: «الله» بقى الباقى على صورة «لله» ، وهو مختص به سبحانه وتعالى، كما فى قوله تعالى: وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ [آل عمران: 189]، وإن حذفت من هذه البقية اللام الأولى بقيت البقية على صورة «له»؛ كما فى قوله تبارك وتعالى:
لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ [الشورى: 12]، وقوله تعالى: لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ [التغابن:
1]، وإن حذفت اللام الباقية كانت البقية «هو» وهو- أيضا- يدل عليه سبحانه وتعالى؛ كما فى قوله تعالى: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص: 1]، وقوله: لا إِلهَ إِلَّا هُوَ [البقرة:
255] والواو زائدة؛ بدليل سقوطها فى التثنية والجمع فإنك تقول: هما، وهم، ولا تبقى الواو فيهما، فهذه الخاصية موجودة فى لفظ «الله» - تعالى- غير موجودة فى سائر الأسماء، وكما حصلت هذه الخاصية بحسب اللفظ فقد حصلت- أيضا- بحسب المعنى، فإنك إذا دعوت الله- تبارك وتعالى بالرحيم فقد وصفته بالرحمة، وما وصفته بالقهر، وإذا دعوته بالعليم، فقد وصفته بالعلم، وما وصفته بالقدرة.
وأما إذا قلت: «يا الله» ، فقد وصفته بجميع الصفات؛ لأن الإله لا يكون إلها إلا إذا كان موصوفا بجميع هذه الصفات، فثبت أن قولنا:«الله» قد حصلت له هذه الخاصية التى لم تحصل لسائر الأسماء.
الخاصية الثانية: أن كلمة الشهادة، هى الكلمة التى بسببها ينتقل الكافر من الكفر إلى الإيمان، ولو لم يكن فيها هذا الاسم، لم يحصل الإيمان، فلو قال الكافر: أشهد أن لا إله إلا الرحيم، أو إلا الملك، أو إلا القدوس، لم يخرج من الكفر، ولم يدخل فى الإسلام.
أما إذا قال: أشهد أن لا إله إلا الله، فإنه يخرج من الكفر، ويدخل فى الإسلام، وذلك يدل على اختصاص هذا الاسم بهذه الخاصية الشريفة. قال ابن عادل الحنبلى: وفى هذا نظر؛ لأنا لا نسلم هذا فى الأسماء المختصة بالله- سبحانه وتعالى مثل: القدوس والرحمن.
وقد كتبوا لفظة «الله» بلامين، وكتبوا لفظة «الذى» بلام واحدة، مع استوائهما فى اللفظ، وفى أكثر الدوران على الألسنة، وفى لزوم التعريف، والفرق من وجوه:
الأول: أن قولنا: «الله» اسم معرب متصرف تصرف الأسماء، فأبقوا كتابته على الأصل.
أما قولنا «الذى» فهو مبنى من أجل أنه ناقص، مع أنه لا يفيد إلا مع صلته، فهو كبعض الكلمة، ومعلوم أن بعض الكلمة يكون مبنيّا، فأدخلوا فيه النقصان لهذا السبب، ألا ترى أنهم كتبوا قوله- تعالى- «اللذان» بلامين؛ لأن التثنية أخرجته عن مشابهة الحروف؛ لأن الحرف لا يثنى.
الثانى: أن قولنا: «الله» لو كتب بلام واحدة لالتبس بقوله: «إله» ، وهذا الالتباس غير حاصل فى قولنا:«الذى» .
الثالث: أن تفخيم ذكر الله- تعالى- فى اللفظ واجب، هكذا فى الخط، والحذف ينافى التفخيم.
فإن قلت: ما الحكمة فى تقديم الحمد؟ قلت: الاهتمام به لكون المقام مقام الحمد، وكذا قال فى الكشاف فى قوله تعالى: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ [العلق: 1] وإن كان ذكر الله تعالى أهم باعتبار ذاته، لكن اعتبار المقام مقدم.
والصحيح أن الاسم الكريم عربى.
وقال البلخى: سريانى معرب.
واختلف فى اشتقاقه:
فقال سيبويه (1) والإمام الشافعى: هو جامد، وهو أحد قولى الخليل.
وقال غيرهم: مشتق من «أله الرجل» : فزع [إليه](2)، إلها (3): فعالا، بمعنى:
مفعول، أو من «ولهه»: أحبه، فأبدلت الواو همزة، أو من «لاه»: احتجب، ثم زيدت «أل» عهدية أو جنسية، [وحذفت الهمزة على الأولين](4) ونقلت (5)، وفخم (6) للمعبود الحق (7)، ولزمت اللام للعلمية.
و (على ما يسره): متعلّق (8) بمتعلق الخبر، و «ما»: موصول اسمى أو حرفى، و (يسره): صلته، و (من نشر
…
) [إلخ](9) جار ومجرور ومضافات (10)، و (من): بيان ل (ما) وأراد ب (نشر) منقول كتابه المسمى ب «النشر» .
حمد الله تعالى أولا لا لأجل شىء بل لكونه مستحقّا للحمد بذاته وهو أبلغ. وثانيا:
لكونه منعما ومتفضلا.
وأما قولنا: «الذى» فلا تفخيم له فى المعنى، فتركوا- أيضا- تفخيمه فى الخط.
قال ابن الخطيب- رحمة الله تعالى عليه-: «إنما حذفوا الألف قبل الهاء من قولنا: «الله» فى الخط؛ لكراهة اجتماع الحروف المتشابهة فى الصورة، وهو مثل كراهتهم اجتماع الحروف المقابلة فى اللفظ عند القراءة ينظر اللباب (1/ 143 - 145).
(1)
هو أبو بشر عمرو بن عثمان بن قنبر، ولد فى البيضاء قرب شيراز، وقدم إلى البصرة وهو غلام، ونشأ بها، وأخذ عن الخليل ويونس وأبى الخطاب الأخفش وعيسى بن عمر. ومات بالأهواز عن نيف وأربعين سنة، وقيل عن ثلاث وثلاثين سنة، وذلك سنة 180 هـ. ينظر: مراتب النحويين، (65)، وأخبار النحويين البصريين (63) وطبقات النحويين واللغويين (66)، ونزهة الألباء (38)، وأنباه الرواة (2/ 346)،.
(2)
سقط فى د.
(3)
فى ص: بياض.
(4)
زيادة من ز.
(5)
فى ص، د: ثم نقلت.
(6)
فى م: وفخمت، وفى ص، د: ثم نقلت حركة الهمزة على الأولين فحذفت الهمزة ثم سكنت اللام الأولى للإدغام، ثم أدغمت وفخم للمعبود.
(7)
فى م: بحق، وفى ع: بالحق.
(8)
فى م، د: يتعلق.
(9)
سقط فى م.
(10)
فى م: ومضافان.