الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والأذرعى، والزركشى، والدميرى، وغيرهم- رضى الله تعالى عنهم أجمعين- وكذلك الشيخ أبو عمر بن الحاجب قال فى جواب فتوى وردت عليه من بلاد العجم: لا يجوز أن يقرأ بالشاذ فى صلاة ولا غيرها، عالما كان (1) بالعربية أو جاهلا، وإذا قرأ بها قارئ [فإن كان](2) جاهلا بالتحريم عرّف به وأمر بتركها، وإن كان عالما أدّب بشرطه، وإن أصر (3) على ذلك أدب على إصراره وحبس إلى أن يرتدع (4) عن ذلك.
وقال التونسى فى «تفسيره» : اتفقوا على منع القراءة بالشواذ.
وقال ابن عبد البر فى أحرف من الشواذ: روى عن بعض المتقدمين القراءة بها، وذلك محمول عند أهل العلم اليوم على القراءة فى غير الصلاة على وجه التعليم، والوقوف على ما روى من علم الخاصة، والله أعلم.
[وكذلك أفتى علماء العصر من الحنفية بتحريم ما زاد على السبع وتعزير قارئها والله أعلم](5).
فصل: فى صحة الصلاة بها
أما الحنفية: فالذى أفتى به علماؤهم بطلان الصلاة إن غيّر المعنى، وصحتها إن لم يغير (6).
وقال السرخسى (7) فى «أصوله» ، بعد أن قرر أن القرآن لا بد من تواتره: ولهذا قال الأئمة (8): لو صلى بكلمات تفرد (9) بها ابن مسعود لم تجز صلاته؛ لأنه لم يوجد فيه النقل المتواتر، وبأن (10) القرآن (11) باب يقين (12) وإحاطة؛ فلا يثبت بدون النقل المتواتر (13) كونه قرآنا، وما لم يثبت أنه قرآن فتلاوته فى الصلاة كتلاوة خبر؛ فيكون مفسدا للصلاة.
(1) فى م: كان عالما.
(2)
سقط فى م، وفى ص: وإن كان.
(3)
فى م: فإن أصر.
(4)
فى م: حتى يرجع.
(5)
سقط فى م.
(6)
فى ز: تغير.
(7)
هو محمد بن أحمد بن أبى سهل، أبو بكر، السرخسى من أهل (سرخس) بلدة فى خراسان. ويلقب بشمس الأئمة. كان إماما فى فقه الحنفية، علامة حجة متكلما ناظرا أصوليّا مجتهدا فى المسائل.
أخذ عن الحلوانى وغيره. سجن فى جب بسبب نصحه لبعض الأمراء، وأملى كثيرا من كتبه على أصحابه وهو فى السجن، أملاها من حفظه.
من تصانيفه: «المبسوط» فى شرح كتب ظاهر الرواية، فى الفقه، «والأصول» فى أصول الفقه، و «شرح السير الكبير» للإمام محمد بن الحسن. توفى سنة 483 هـ. ينظر: الفوائد البهية (ص 158)، والجواهر المضية (2/ 28)، والأعلام للزركلى (6/ 208).
(8)
فى م، ص: قالت الحنفية. وفى د: قالت الأئمة الحنفية.
(9)
فى م: انفرد.
(10)
فى د: ولأن.
(11)
فى م: القراءة.
(12)
فى م: تعين.
(13)
فى م: المواتر.
وأما المالكية: فقال ابن عبد البر فى «تمهيده» : قال مالك: من قرأ بقراءة ابن مسعود أو غيره من الصحابة، مما يخالف (1) المصحف، لم يصلّ وراءه، وعلماء المسلمين مجمعون على ذلك، وقال مالك فى «المدونة»: من صلى بقراءة ابن مسعود أعاد أبدا.
قال (2) الشيخ أبو بكر الأبهرى (3): لأنها نقلت نقل آحاد، [ونقل الآحاد](4) غير مقطوع به، والقرآن إنما يؤخذ بالنقل المقطوع، وعلى هذا فكل (5) قراءة نقلت نقل آحاد تبطل بها الصلاة، ومثله قول ابن شاس (6): ومن قرأ بالقراءة (7) الشاذة لم يجزه (8)، ومن ائتم به أعاد أبدا، وقال ابن الحاجب: ولا يجزئ (9) بالشاذ ويعيد أبدا.
وأما الشافعية: فقال النووى فى «الروضة» : وتصح بالقراءة الشاذة إن (10) لم يكن فيها تغيير معنى ولا زيادة حرف ولا نقصانه، وهذا هو المعتمد (11) وبه الفتوى. وكذا ذكر (12) فى «التحقيق» حيث قال: تجوز القراءة بالسبع دون الشواذ، فإن قرأ بالشاذ صحت صلاته إن لم يغير معنى ولا زاد حرفا ولا نقص.
وكذا قال (13) الرويانى (14) فى «بحره» : إن لم يكن فيها تغيير معنى لم تبطل، وإن كان
(1) فى م: خالف.
(2)
فى م، ص: وقال.
(3)
هو محمد بن عبد الله بن محمد بن صالح، أبو بكر، الأبهرى، المالكى. فقيه أصولى، محدث، مقرئ. قال ابن فرحون: كان ثقة أمينا مشهورا وانتهت إليه الرئاسة فى مذهب مالك. سكن بغداد وحدث بها عن أبى عروبة الحرانى وابن أبى داود وأبى زيد المروزى والبغوى وغيرهم. وتفقه ببغداد على القاضى أبى عمر وابنه أبى الحسين. وذكره أبو عمرو الدانى فى طبقات المقرئين، وتفقه على الأبهرى عدد عظيم وخرج له جماعة من الأئمة بأقطار الأرض من العراق وخراسان والجبل وبمصر وإفريقية. توفى سنة 375 هـ.
من تصانيفه: «شرح مختصر ابن الحكم» ، و «الرد على المزنى» فى ثلاثين مسألة، و «كتاب فى أصول الفقه». و «شرح كتاب عبد الحكم الكبير». ينظر: الديباج (ص 255)، وتاريخ بغداد (5/ 462)، والبداية (11/ 304)، وشذرات الذهب (3/ 85).
(4)
سقط فى م.
(5)
فى د، ص: كل.
(6)
فى د: ابن عباس. والصواب ما أثبتناه، وهو عبد الله بن محمد بن نجم بن شاس، نجم الدين، من أهل دمياط. شيخ المالكية فى عصره بمصر. كان من كبار الأئمة. أخذ عنه الحافظ المنذرى. توفى مجاهدا أثناء حصار الفرنج لدمياط.
من مصنفاته: «الجواهر الثمينة فى مذهب عالم المدينة» فى الفقه، اختصره ابن الحاجب. ينظر:
شجرة النور (ص 165) وفيها: وفاته 610 هـ، والأعلام للزركلى (4/ 269)، وشذرات الذهب (5/ 69).
(7)
فى م: القراءة.
(8)
فى م، ص: لم تجزه.
(9)
فى م، ص: ولا تجزئ.
(10)
فى د: إذا.
(11)
زاد فى م: عندهم.
(12)
فى ص: ذكره.
(13)
فى م: كذا قال، وفى ص: وقال.
(14)
هو عبد الواحد بن إسماعيل بن أحمد بن محمد، أبو المحاسن الرويانى. فقيه شافعى. درس-
فيها زيادة كلمة أو تغيير معنى فتلك القراءة تجرى مجرى أثر عن الصحابة أو خبر عن النبى صلى الله عليه وسلم، فإن كان عمدا بطلت صلاته، أو سهوا سجد للسهو.
قال الزركشى: وينبغى أن يكون هذا التفصيل فى غير الفاتحة؛ ولهذا قال الجزرى فى «فتاويه» : إن كان فى الفاتحة فلا تجزئ؛ لأنا نقطع بأنها ليست من القرآن، والواجب قراءة الفاتحة لا غيرها، بخلاف السورة. والله أعلم.
فصل: لا بأس بذكر أجوبة بعض علماء العصر فى هذه المسألة (1):
أجاب الإمام العلامة [حافظ العصر (2) شهاب الدين](3) بن حجر (4): [الحمد لله، اللهم اهدنى لما اختلف فيه من الحق بإذنك](5) نعم تحرم القراءة بالشواذ، وفى الصلاة أشد، ولا نعرف خلافا عن (6) أئمة الشافعية فى تفسير الشاذ: أنه (7) ما زاد على العشر، بل منهم من ضيق فقال: ما زاد على السبع.
وهو إطلاق الأكثر منهم، ولا ينبغى للحاكم- خصوصا إذا كان قاضى الشرع- أن يترك من يجعل ذلك ديدنه، بل يمنعه بما يليق به، فإن أصر فبما هو أشد من ذلك، كما
بنيسابور وميافارقين وبخارى. أحد أئمة مذهب الشافعى، اشتهر بحفظ المذهب حتى يحكى عنه أنه قال «لو احترقت كتب الشافعى لأمليتها من حفظى» ، وقيل فيه:«شافعى عصره» . ولى قضاء طبرستان ورويان وقراها. قتله الملاحدة بوطن أهله «آمل» توفى سنة 502 هـ.
من تصانيفه: «البحر» وهو من أوسع كتب المذهب، و «الفروق» ، و «الحلية» ، و «حقيقة القولين». ينظر: طبقات الشافعية للسبكى (4/ 264)، والأعلام للزركلى (4/ 324).
(1)
فى م: أى القراءة بالشاذ.
(2)
فى ص: السنة.
(3)
سقط فى م.
(4)
فى د، ص: ابن حجر الشافعى. وهو أحمد بن على بن محمد، شهاب الدين، أبو الفضل الكنانى العسقلانى، المصرى المولد والمنشأ والوفاة، الشهير بابن حجر- نسبة إلى (آل حجر) قوم يسكنون بلاد الجريد وأرضهم قابس فى تونس- من كبار الشافعية. كان محدثا فقيها مؤرخا. انتهى إليه معرفة الرجال واستحضارهم، ومعرفة العالى والنازل، وعلل الأحاديث وغير ذلك. تفقه بالبلقينى والبرماوى والعز بن جماعة، ارتحل إلى بلاد الشام وغيرها. تصدى لنشر الحديث وقصر نفسه عليه مطالعة وإقراء وتصنيفا وإفتاء، وتفرد بذلك حتى صار إطلاق لفظ الحافظ عليه كلمة إجماع. درس فى عدة أماكن وولى مشيخة البيبرسية ونظرها، والإفتاء بدار العدل، والخطابة بجامع الأزهر، وتولى القضاء. زادت تصانيفه على مائة وخمسين مصنفا.
من تصانيفه: (فتح البارى شرح صحيح البخارى) خمسة عشر مجلدا، و (الدراية فى منتخب تخريج أحاديث الهداية)، و (تلخيص الحبير فى تخريج أحاديث الرافعى الكبير) توفى سنة 852 هـ.
ينظر: الضوء اللامع (2/ 36)، والبدر الطالع (1/ 87)، وشذرات الذهب (7/ 270)، ومعجم المؤلفين (2/ 20).
(5)
سقط فى م.
(6)
فى د: بين.
(7)
فى م: بأنه.
فعل السلف بالإمام أبى بكر بن شنبوذ (1) مع جلالته؛ فإن الاسترسال فى ذلك غير مرضى ويثاب (2) أولياء الأمور [أيدهم الله تعالى](3) على ذلك صيانة لكتاب الله عز وجل. والله سبحانه وتعالى أعلم.
[و](4) كتبه أحمد بن على بن حجر، عفا الله تعالى عنه، آمين.
[ثم استفتى ثانيا بعد وقوع خبط كثير من أهل عصره؛ فكتب: الحمد لله، اللهم اهدنى لما اختلف فيه من الحق بإذنك. الذى أختاره فى ذلك ما قاله الشيخ تقى الدين السبكى؛ فإنه حقق المسألة وجمع بين كلام الأئمة، وأما ما قاله الشيخ تقى الدين بن تيمية فى ذلك فليس على إطلاقه، بل يعارضه نقل ابن عبد البر وغيره الإجماع على مقابله، وكلاهما إطلاق غير مرض، وقد أطبق أئمة الفقه والأصول فى كتبهم عند ذكر الشواذ بأن فسروها بما زاد على القراءة السبع، وقليل من حذاق متأخريهم ضبطها بما زاد على العشر، والسبب فى قصرهم ذلك عليها: أنها لا توجد فيما رواها إلا النادر فاغتفر ذلك رعاية للضبط وحذرا من الدعوى، ومن اقتصر من الشروط على ما يوافق رسم المصحف فقط فهو مخطئ؛ لأن الشرط الثانى وهو أن يوافق فصيحا فى العربية لا بد منه؛ لأن القرآن وإن كان لا يشترط فى كل فرد منه أفصح فلا بد من اشتراط الفصيح. والشرط الثالث لا بد منه وهو أن يثبت النقل بذلك عن إمام من الأئمة الذين انتهت إليهم المعرفة بالقراءة، وإلا كان كل من سمع حرفا يقرأ به ويسميه قرآنا، وفى هذا اتساع غير مرض، وهذا وارد على إطلاق الهذلى (5): ما من قراءة
…
إلى آخر كلامه، لكنه قيد كلامه بقيد حسن، وهو ألّا يخالف الإجماع وهذا لا بد منه، والنقل موجود عن الأئمة للرجوع إليهم فى ذلك بالذى قلته، فمنه ما قال أبو طالب-
(1) هو محمد بن أحمد بن أيوب بن الصلت بن شنبوذ ويقال ابن الصلت بن أيوب بن شنبوذ الإمام أبو الحسن البغدادى شيخ الإقراء بالعراق أستاذ كبير أحد من جال فى البلاد فى طلب القراءات مع الثقة والخير والصلاح والعلم. توفى ابن شنبوذ فى صفر سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة. ينظر غاية النهاية (2/ 52).
(2)
فى م: وتثاب.
(3)
سقط فى م.
(4)
زيادة من د.
(5)
هو يوسف بن على بن جبارة بن محمد بن عقيل بن سوادة أبو يوسف بن على القاسم الهذلى اليشكرى الأستاذ الكبير الرحال والعلم الشهير الجوال، ولد فى حدود التسعين وثلاثمائة تخمينا وطاف البلاد فى طلب القراءات، قال ابن الجزرى: فلا أعلم أحدا فى هذه الأمة رحل فى القراءات رحلته ولا لقى من لقى من الشيوخ، قال فى كتابه الكامل: فجملة من لقيت فى هذا العلم ثلاثمائة وخمسة وستون شيخا من آخر المغرب إلى باب فرغانة يمينا وشمالا وجبلا وبحرا. وكان مقدما فى النحو والصرف وعلل القراءات وكان يحضر مجلس أبى القاسم القشيرى ويأخذ منه الأصول وكان القشيرى يراجعه فى مسائل النحو والقراءات ويستفيد منه. مات الهذلى سنة خمس وستين وأربعمائة. ينظر: غاية النهاية (2/ 397، 398، 401).
هو عبد الواحد بن عمر بن محمد بن أبى هاشم (1) صاحب ابن مجاهد- فى أول كتابه «البيان عن اختلاف القراءة» وقد تبع تابع فى عصرنا فزعم أن كل من صح عنده وجه فى العربية بحرف من القراءات يوافق خط المصحف، فقراءته به جائزة فى الصلاة وغيرها، فابتدع بدعة ضل بها
…
إلى أن قال: وقد قام أبو بكر بن مجاهد على أبى بكر بن مقسم (2) وأشهد عليه بترك ما ارتكبه واستوهب ذنبه من السلطان عند توبته. انتهى ملخصا.
وأشار بذلك إلى النحوى أبى بكر محمد بن الحسن بن مقسم؛ فإن قضيته بذلك مع ابن مجاهد مشهورة وظن بعض المتأخرين أنه عنى بذلك أبا الحسن بن شنبوذ، وهو خطأ؛ فإن بن شنبوذ كان فيما أنكروه عليه من المخالفة قراءته بأشياء تخالف المصحف مثل (فامضوا) بدل فَاسْعَوْا [الجمعة: 9]، وأما ابن مقسم فشرط موافقة رسم المصحف، لكن استجاز القراءة بما لم ينقل عمن تقدمه إذا جمع الأمرين اللذين ذكرهما فأخل ببعض الشروط فنسب إلى البدعة، والشرط الذى أخل به يحتوى على شرطين، وهما: النقل المذكور، وأن يكون ثابتا إلى إمام مشهور بالقراءة.
فإذا تقرر هذا فالقراءة المنسوبة إلى الحسن البصرى مثلا إذا وجد فيها ما يوافق رسم المصحف والفصيح من العربية، لا بد من صحة النقل عنه، ولا يكفى وجود نسبتها إليه فى كتاب ما على لسان شيخ ما، وكل ما كان من هذا القبيل فى حكم المنقطع؛ فلا يجوز أن يسمى قرآنا.
وقد اشتهر فى عصرنا الإقراء برواية منسوبة إلى الحسن البصرى، كان شيخنا فخر الدين
(1) هو عبد الواحد بن عمر بن محمد بن أبى هاشم أبو طاهر البغدادى البزاز الأستاذ الكبير الإمام النحوى العلم الثقة مؤلف كتاب البيان والفصل. قال الحافظ أبو عمرو ولم يكن بعد ابن مجاهد مثل أبى طاهر فى علمه وفهمه مع صدق لهجته واستقامة طريقته وكان ينتحل فى النحو مذهب الكوفيين وكان حسن الهيئة ضيق الخلق، وكان قد خالف جميع أصحابه فى إمالة النون من الناس فى موضع الخفض فى قراءة أبى عمرو فكانوا ينكرون ذلك عليه، ولما توفى ابن مجاهد رحمه الله أجمعوا على أن يقدموه فتصدر للإقراء فى مجلسه وقصده الأكابر. مات فى شوال سنة تسع وأربعين وثلاثمائة وقد جاوز السبعين وهو والد محمد أبى عمر الزاهد غلام ثعلب. ينظر: غاية النهاية (1/ 475، 476، 477).
(2)
هو محمد بن الحسن بن يعقوب بن الحسن بن الحسين بن محمد بن سليمان بن داود بن عبيد الله ابن مقسم ومقسم هذا هو صاحب ابن عباس أبو بكر البغدادى العطار الإمام المقرئ النحوى، ولد سنة خمس وستين ومائتين. قال الدانى مشهور بالضبط والإتقان عالم بالعربية حافظ للغة حسن التصنيف فى علوم القرآن، وقال الذهبى كان من أحفظ أهل زمانه لنحو الكوفيين وأعرفهم بالقراءات مشهورها وغريبها وشاذها. توفى فى ثامن ربيع الآخر سنة أربع وخمسين وثلاثمائة. ينظر: غاية النهاية (2/ 123، 124، 125).
البلبيسى (1) إمام الجامع الأزهر- نضر الله وجهه- يسندها عن شيخه المجد الكفتى (2) عن ابن نمير السراج (3) بسنده إلى الحسن البصرى، مع أن فى إسناده المذكور الأهوازى (4) وهو أبو على الحسن بن على الدمشقى أحد القراء المشهورين المكثرين لكنه متهم فى نقله عن جماعة عن الشيخ، وقد ذكر له ابن عساكر الحافظ فى تاريخه ترجمة كبيرة ونقل تكذيبه فيها عن جماعة، ومن كان بهذه المثابة لا يحتج بما تفرد به، فضلا عن أنه يدعى أن مقطوع به، ومن ادعى طريقا غير هذه إلى الحسن فليبرزها؛ فإن التجريح والتعديل مرجعه إلى أئمة النقل لا إلى غيرهم.
وقد وجد فيما نقل من هذه الطرق عن الحسن عدة أحرف أنكرها بعض من تقدم ممن جمع الحروف، كأبى عبيد والطبرى.
(1) هو عثمان بن عبد الرحمن بن عثمان بن عبد الرحمن البلبيسى الشيخ فخر الدين الضرير إمام جامع الأزهر، شيخ الديار المصرية إمام كامل ناقل، قرأ القراءات الكثيرة على أبى بكر بن الجندى وإسماعيل الكفتى وحرمى بن عبد الله البلبيسى وبعضها على إبراهيم الحكرى ومحمد بن السراج الكاتب وعلى بن يغمور الحلبى والمحب محمد بن يوسف ناظر الجيش وعرض عليه الشاطبية وموسى بن أيوب الضرير وروى الشاطبية عن القاضى سليمان بن سالم بن عبد الناصر قاضى الخليل سماعا، قرأ عليه الأوحدى وعثمان بن إبراهيم بن أحمد البرهاوى ومحمد بن خليل المارعى وأحمد ابن عمر الجملانى، توفى يوم الأحد أذان العصر مستهل القعدة سنة أربع وثمانمائة. ينظر: غاية النهاية (1/ 506).
(2)
هو إسماعيل بن يوسف بن محمد بن يونس المصرى المعروف بالمجد الكفتى إمام مقرئ متصدر حاذق، قرأ العشر وغيرها على الصائغ وابن السراج وابن مؤمن الواسطى، وتصدر بالقاهرة وانتهت إليه المشيخة بها قرأ عليه عبد الرحمن بن أحمد البغدادى عيادة والفخر عثمان بن عبد الرحمن الضرير إمام جامع الأزهر ويحيى بن أحمد بن أحمد المالقى وعلى بن عثمان القاصح، توفى بالقاهرة سنة أربع وستين وسبعمائة. ينظر: غاية النهاية (1/ 170).
(3)
هو محمد بن محمد بن نمير أبو عبد الله المصرى المعروف بابن السراج الكاتب المجود إمام مقرئ مصدر انتهت إليه الرئاسة فى تجويد الكتابة وإسناد القراءات بالديار المصرية، ولد سنة سبعين وستمائة، قرأ على المكين أبى محمد عبد الله بن منصور الأسمر بمضمن الإعلان وبرواية يعقوب والحسن وعلى النور على بن ظهير بن شهاب بن الكفتى، وأخذ تجويد الكتابة عن ابن الشيرازى الكاتب وسمع من شامية بنت البكرى، وروى الشاطبية عن سبط ابن زيادة، قرأ عليه المجد إسماعيل ابن يوسف الكفتى. وانتفع به جماعة بالكتابة وآخرون بالقراءات وكان له فهم فى النحو وصدق فى النقل
وهو صحيح القراءة والسماع، توفى فى طاعون سنة تسع وأربعين وسبعمائة بالقاهرة فى العشر الأخير من شعبان. ينظر: غاية النهاية (2/ 256).
(4)
هو الحسن بن على بن إبراهيم بن يزداد بن هرمز الأستاذ أبو على الأهوازى صاحب المؤلفات شيخ القراء فى عصره وأعلى من بقى فى الدنيا إسنادا، إمام كبير محدث، ولد سنة اثنتين وستين وثلاثمائة بالأهواز، وقرأ بها وبتلك البلاد على شيوخ العصر. قال الحافظ أبو عبد الله الذهبى ولقد تلقى الناس رواياته بالقبول وكان يقرئ بدمشق من بعد سنة أربعمائة وذلك فى حياة بعض شيوخه. توفى رابع ذى الحجة سنة ست وأربعين وأربعمائة بدمشق. ينظر: غاية النهاية (1/ 220، 221، 222).
وبهذا التفصيل تبين عذر الأئمة فى عدهم الشاذ ما زاد على العشرة؛ لندور أن يكون فى الزائد عليها ما يجمع الشروط، ولا سيما إذا روعى قول الهذلى: ألا يخالف الإجماع، أى: لا يوجد عند أحد إلا عند ذلك القارئ.
وانظر قول الشيخ تقى الدين بن تيمية المبدّأ به حيث قيد جواز القراءة بقراءة الأعمش مثلا: أن تثبت عند القارئ كما تثبت عنده قراءة حمزة والكسائى، فإن هذا الشرط الذى أشار إليه متعذر الوفاء؛ لأن قراءة حمزة والكسائى قد رويتا من طرق متعددة إليهما لا تدانيهما فى ذلك القراءة المنسوبة إلى الأعمش، لا من حيث كثرة الطرق إليهما، ولا من حيث ما حصل لقراءتهما من التلقى بالقبول من بعد عصر الأئمة المجتهدين من أول القرن الرابع، وهلم جرّا.
وانظر تقييد الدانى بقوله: التى لا شذوذ فيها، فإنه ينبغى تفسيره بما أشار إليه الهذلى من مراعاة الإجماع، والعمدة فيما ذكرته إطباق أئمة الفقه والأصول على أن الشاذ لا يجوز تسميته قرآنا، والشاذ ما وراء العشرة على المختار، فهذا هو المعتمد؛ لأن الرجوع فى الجواز وعدم الجواز إنما هو حق لأئمة الفقه الذين يفتون فى الحلال والحرام، ثم اقتضى التحقيق اعتبار الشروط فى المنقول عن العشرة بل وعن السبعة، وإلى ذلك يشير قول الشيخ تقى الدين السبكى فى آخر كلامه؛ فلذلك اخترت الاعتماد عليه، وقد ذكر الشيخ أبو شامة فى كتابه «المرشد» - وهو ممن كان اجتمع له التقدم فى الفقه والحديث والقراءات- فصلا فى ذلك مبسوطا فى شرح ما ذكرته وما ذكره الشيخ تقى الدين السبكى، وهذا نصه:
فصل: واعلم أن القراءات الصحيحة المعتبرة المجمع عليها قد انتهت إلى القراء السبعة المتقدم ذكرهم، واشتهر نقلها عنهم؛ لتصديهم لذلك وإجماع الناس عليهم، فاشتهروا بها كما اشتهر فى كل علم من الحديث والفقه والعربية أئمة اقتدى بهم وعول فيه عليهم، ونحن وإن قلنا: إن القراءات الصحيحة إليهم نسبت وعنهم نقلت، فلسنا ممن يقول: إن جميع ما روى عنهم يكون بهذه الصفة به، بل قد روى عنهم ما يطلق عليه أنه ضعيف؛ لخروجه عن الضابط باختلال بعض الأركان الثلاثة، ولا ينبغى أن يغترّ بكل قراءة نقلت تعزى إلى واحد من هؤلاء ويطلق عليها لفظ الصحة، إلا إذا دخلت فى ذلك الضابط، وحينئذ لا ينفرد بنقلها مصنف عن غيره.
والحاصل أن القراءات المنسوبة إلى كل قارئ من السبعة وغيرهم منقسمة إلى المجمع عليه والشاذ، غير أن هؤلاء السبعة لشهرتهم وكثرة الصحيح المجمع عليه فى قراءاتهم تركن النفس إلى ما نقل عنهم فوق ما تركن إلى ما ينقل عن غيرهم.
ثم ختم كلامه، بأن قال: والمأمور باجتنابه من ذلك، ما خالف الإجماع لا ما خالف شيئا من الكتب المشهورة، ثم نقل عن الشيخ أبى الحسن السخاوى أنه قال: لا تجوز القراءة بشيء مما خرج عن الإجماع، ولو كان موافقا للعربية وخط المصحف وإن كانت نقلته ثقات؛ لأنه جاء من طريق الآحاد، وتلك الطريق لا يثبت بها القرآن، وأما إن نقله من لا يعتد بنقله ولا يوثق بخبره، فهو مردود ولا يقبل، ولو وافق العربية.
فهذا كلام أئمة الفقه والقراءات لا يخالف بعضه بعضا، فمن خالف ما استقر عليه رأيهم منع وردع بما يليق به والله أعلم] (1).
وكتب (2) الشيخ العلامة [المحقق](3) سعد الدين [بن](4) الديرى (5):
الحمد لله الهادى للحق: لا يجوز اعتقاد القرآنية فى الشواذ التى لم تنقل بالشهرة والتواتر، ويحرم إيهام السامعين قرآنيتها لا سيما [إذا كان ذلك](6) فى الصلاة، وإنما يقرأ بالشواذ حيث لا يوهم أنها من القرآن، ولو قرأ [بها](7)[فى الصلاة](8) بما (9) يوجب تغيير المعنى أوجب فساد الصلاة، وما زاد على السبع فهو فى حكم الشاذ [فى هذا الحكم](10)، وإن تفاوتت طرق نقله واختلف حكمه من وجه آخر، وإذا (11) نهى عن أدائها مع إيهام أنها من القرآن فلم (12) ينته وجب الإنكار عليه (13) ومقابلته بما فيه له الازدجار.
وأطال فى ذلك، وكلامه وكلام غيره [من](14) العلماء مذكور فى كتابى [المسمى ب «القول الجاذ لمن قرأ بالشواذ» هذا تنبيه جليل لا يحققه إلا القليل](15).
(1) ما بين المعقوفين من أول «ثم استفتى ثانيا بعد وقوع
…
» إلى هنا: زيادة من د، ص.
(2)
فى د، ص: وأجاب.
(3)
سقط فى م.
(4)
سقط فى م.
(5)
فى د، ص: شمس الدين بن الديرى نفع الله تعالى به. وهو سعد بن محمد بن عبد الله بن سعد ابن أبى بكر بن مصلح، أبو السعادات، المكنى سعد الدين، النابلسى الأصل، المقدسى الحنفى، نزيل القاهرة، المعروف بابن الديرى: جد الأسرة الخالدية بفلسطين. ولد فى القدس ونسبته إلى قرية الدير، فى مردا، بجبل نابلس وانتقل إلى مصر، فولى فيها قضاء الحنفية سنة 842 هـ، واستمر 25 سنة. وضعف بصره، فاعتزل القضاء. وتوفى بمصر سنة 867 هـ. له كتاب «الحبس فى التهمة» و «السهام المارقة فى كبد الزنادقة» و «تكملة شرح الهداية للسروجى» ست مجلدات، ولم يكمله، و «شرح العقائد» المنسوبة
للنسفى، و «النعمانية» منظومة طويلة، فيها فوائد نثرية، وغير ذلك. ينظر:
الأعلام (3/ 87)، الفوائد البهية (78)، والضوء اللامع (3/ 249).
(6)
سقط فى م.
(7)
سقط فى ص.
(8)
سقط فى م.
(9)
فى م: فيما.
(10)
سقط فى م.
(11)
فى م: ولذا. وسقط فى ص.
(12)
فى م: فإن لم.
(13)
فى م: وجب عليه الانتظار.
(14)
سقط فى ص.
(15)
بياض فى ز، م.