الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وكتبوه مائة وأربعة عشر [سورة](1)، أولها «الحمد» وآخرها «الناس» على هذا الترتيب.
وأول كل (2) سورة البسملة بقلم الوحى، إلا أول سورة براءة فجعلوا مكانها بياضا، وجرّدوا المصاحف [كلها](3) من [أسماء السور، ونسبتها، وعددها، وتجزئتها، وفواصلها تبعا لأبى بكر، وأجمعت (4) الأمة على ما تضمنته هذه المصاحف، وترك ما خالفها من زيادة ونقص وإبدال كلمة بأخرى، مما كان مأذونا فيه توسعة عليهم، ولم يثبت عندهم ثبوتا مستفيضا أنه من القرآن](5) وجردت (6) هذه (7) المصاحف كلها من النقط والشكل ليحتملها (8) ما صح نقله وثبتت تلاوته (9) عن النبى صلى الله عليه وسلم؛ لأن الاعتماد على الحفظ لا على مجرد الخط.
تنبيه:
تقدم أن هذا الترتيب الواقع فى سور المصحف اليوم هو الذى فى المصحف العثمانى المنقول من صحف (10) الصديق- رضى الله عنه- المنقولة (11) مما كتب بين يدى رسول الله (12) صلى الله عليه وسلم وهو قول القرّاء.
قلت: وفيه نظر؛ فقد ورد فى «صحيح مسلم» من حديث حذيفة- رضى الله عنه- قال: «صلّيت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة، فافتتح البقرة، فقلت: يركع عند المائة، ثمّ مضى، فقلت: يصلّى بها فى ركعة، فمضى، فقلت: يركع بها، ثمّ افتتح سورة النّساء فقرأها، ثم افتتح آل عمران فقرأها
…
» (13) ثمّ ساق الحديث.
قال (14) القاضى عياض: فيه دليل لمن يقول: [إن](15) ترتيب السور اجتهاد من المسلمين حين كتبوا المصحف، وإنه لم يكن من ترتيب النبى صلى الله عليه وسلم، بل وكله (16) إلى أمته
(1) سقط فى ز.
(2)
فى د: وكل.
(3)
زيادة من م.
(4)
فى ص: واجتمعت.
(5)
ما بين المعقوفين سقط فى م.
(6)
فى م: وجردوا.
(7)
سقط فى م.
(8)
فى م: لتحملها.
(9)
فى ص: وثبت روايته.
(10)
فى م، ص: مصحف.
(11)
فى م، ص: المنقول.
(12)
فى م: النبى.
(13)
أخرجه مسلم (1/ 536، 537) كتاب صلاة المسافرين وقصرها باب استحباب تطويل القراءة (203/ 772) وأحمد (5/ 382، 384، 394، 397) وأبو داود (1/ 292) كتاب الصلاة باب ما يقول الرجل فى ركوعه وسجوده (871) وابن ماجة (2/ 162) كتاب إقامة الصلاة باب ما يقول بين السجدتين (897) والترمذى (1/ 301) كتاب الصلاة باب ما جاء فى التسبيح (262) والنسائى (2/ 176) كتاب الافتتاح باب تعوذ القارئ إذا مر بآية عذاب.
(14)
فى م: وقال.
(15)
سقط فى م.
(16)
فى م: وو كله.
بعده، وهذا قول مالك- رضى الله عنه- وجمهور العلماء، واختاره (1)[القاضى](2) أبو بكر [بن](3) الباقلانى (4).
قال [ابن الباقلانى](5): وهو أصح القولين مع احتمالهما.
قال: والذى نقوله (6): إن ترتيب السور ليس بواجب فى الكتابة ولا فى الصلاة، ولا فى الدرس والتلقين (7).
قال: وأما [عند](8) من يقول: إن ذلك بتوقيف (9) من النبى صلى الله عليه وسلم، فيتأول ذلك على أنه تام قبل التوقيف، وكانت (10) هاتان السورتان هكذا فى مصحف أبىّ.
قال: ولا خلاف أنه يجوز للمصلى أن يقرأ فى الركعة الثانية سورة قبل التى قرأها فى الأولى، وإنما يكره ذلك فى ركعة (11) ولمن يتلو فى غير صلاة (12).
قال: وقد أباحه بعضهم، وتأول نهى السلف عن قراءة القرآن منكوسا على من يقرأ من آخر السورة إلى أولها.
قال: ولا خلاف أن ترتيب [آيات](13) كل سورة بتوقيف من الله تعالى على ما هو عليه الآن فى المصاحف، وهكذا نقلته (14) الأمة عن نبيها صلى الله عليه وسلم. انتهى كلام القاضى. والله سبحانه وتعالى أعلم.
وإنما كتب (15) عدة مصاحف؛ لأنه قصد إنفاذ ما وقع الإجماع عليه إلى أقطار بلاد
(1) فى م: واختيار.
(2)
سقط فى م.
(3)
زيادة من ز، د.
(4)
هو محمد بن الطيب بن محمد بن جعفر، أبو بكر. المعروف بالباقلانى- بكسر القاف- نسبته إلى بيع الباقلاء ويعرف أيضا بابن الباقلانى وبالقاضى أبى بكر. ولد بالبصرة. وسكن بغداد وتوفى فيها.
وهو المتكلم المشهور الذى رد على الرافضة والمعتزلة والجهمية وغيرهم. كان فى العقيدة على مذهب الأشعرى، وعلى مذهب مالك فى الفروع، وانتهت إليه رئاسة المذهب. ولى القضاء. أرسله عضد الدولة سفيرا إلى ملك الروم فأحسن السفارة وجرت له مناظرات مع علماء النصرانية بين يدى ملكها.
من تصانيفه: «إعجاز القرآن» ، و «الإنصاف» و «البيان عن الفرق بين المعجزات والكرامات» ، و «التقريب والإرشاد» فى أصول الفقه قال فيه الزركشى هو أجلّ كتاب فى هذا الفن مطلقا توفى سنة 403 هـ. ينظر: الأعلام للزركلى (7/ 46)، تاريخ بغداد (5/ 379)، ووفيات الأعيان (1/ 609)، والبحر المحيط فى الأصول للزركشى، المقدمة.
(5)
سقط فى م.
(6)
فى م: يقول.
(7)
فى م: والتلقين فبتأول.
(8)
سقط فى ص.
(9)
فى ص: يتوقف.
(10)
فى ز: وكان.
(11)
فى د: الركعة.
(12)
فى م: الصلاة.
(13)
سقط فى م.
(14)
فى ص: نقلت.
(15)
فى م: كتبت.
المسلمين واشتهاره؛ ولذلك بعثه إلى أمرائه، وكتبها متفاوتة فى الإثبات والحذف والبدل؛ لأنه قصد اشتمالها على الأحرف السبعة على رأى جماعة، وعلى لغة قريش على رأى آخرين، فجعل الكلمة التى تفهم أكثر من قراءة بصورة واحدة ك «يعلمون» ، «جبريل» على حالها، والتى لا تفهم أكثر [من قراءة](1) بصورة فى البعض وبأخرى فى آخر؛ لأنها لا يمكن تكرارها فى مصحف (2)؛ لئلا يتوهم (3) نزولها كذلك، ولا كتابة بعض فى الأصل وبعض فى الحاشية؛ للتحكم (4)، والاعتماد فى نقل القرآن على الحفاظ؛ ولذلك أرسل كل مصحف مع من يوافق قراءته فى الأكثر، وليس بلازم، وقرأ كل مصر بما فى مصحفهم، وتلقّوا (5) ما فيه عن الصحابة الذين (6) تلقوه عن النبى صلى الله عليه وسلم.
ثم تجرد للأخذ عن هؤلاء قوم (7) أسهروا (8) ليلهم فى ضبطها، وأتعبوا نهارهم فى نقلها، حتى صاروا فى ذلك أئمة للاقتداء (9) وأنجما للاهتداء، أجمع (10) أهل بلدهم على قبول قراءتهم، ولم يختلف عليهم (11) اثنان فى صحة روايتهم ودرايتهم، ولتصديهم (12) للقراءة نسبت إليهم، وكان المعوّل فيها عليهم.
ثم إن القراء بعد هؤلاء كثروا، وفى (13) البلاد انتشروا (14)، وخلفهم أمم بعد أمم، عرفت (15) طبقاتهم (16)، واختلفت صفاتهم، فكان منهم المتقن للتلاوة المشهور (17) بالرواية والدراية، ومنهم المحصّل لوصف واحد، ومنهم الذى لأكثر من واحد، فكثر بينهم لذلك الاختلاف (18)، وقل [منهم](19) الائتلاف؛ فقام عند ذلك جهابذة الأمة وصناديد الأئمة، فبالغوا فى الاجتهاد بقدر الحاصل، وميزوا بين الصحيح والباطل، وجمعوا الحروف والقراءات، وعزوا الوجوه والروايات، وبينوا الصحيح والشاذ، والكثير والفاذّ، بأصول أصّلوها، وأركان فصّلوها (20).
ثم إن المصنف- رضى الله عنه- أشار إلى تلك الأصول والأركان بقوله:
(1) سقط فى ز.
(2)
فى ص: مصحفه.
(3)
فى ز، م: يوهم.
(4)
فى م: للحكم.
(5)
فى ص: ونقلوا.
(6)
فى ص، م: الذى.
(7)
فى ص: رجال.
(8)
فى ص: سهروا.
(9)
فى ز: الاقتداء.
(10)
فى ص: اجتمع.
(11)
فى م: عنهم.
(12)
فى ز: ولتهديهم.
(13)
فى م: فى بدون واو.
(14)
فى م: وانتشروا.
(15)
فى د، ص: وعرفت.
(16)
فى د: طباقهم.
(17)
فى ز: المشهورة.
(18)
فى م: الخلاف.
(19)
سقط فى م.
(20)
فى ص: وفصول وأركان.
«فكلّ ما وافق وجه نحو
…
» إلخ.
وأدرج هذه الأوصاف فى حد القرآن، وحاصل كلامه:(1) القرآن كل كلام وافق وجها ما من أوجه النحو، ووافق الرسم ولو احتمالا، وصح سنده.
وفى هذا التعريف نظر؛ لأن موافقة الرسم والعربية لم يقل أحد بأنها جزء للحد، بل منهم من قال: هى لازمة للتواتر؛ فلا حاجة لذكرها، وهم المحققون، ومنهم من قال:
هى شروط لا بد من ذكرها، وأيضا فإن الوصف الأعظم فى ثبوت القرآن هو التواتر (2).
والناظم تركه واعتبر صحة سنده فقط، وهذا قول شاذ، وسيأتى كل ذلك.
وإذا اجتمعت الأركان [الثلاثة فى قراءة](3)، فلا يحل إنكارها، بل هى من الأحرف السبعة [التى](4) نزل بها القرآن (5)، ووجب على الناس قبولها، سواء نقلت عن السبعة أو العشرة (6) أو غيرهم من الأئمة المقبولين، ومتى اختل ركن من هذه الثلاثة أطلق عليها:
ضعيفة أو شاذة أو باطلة، سواء كانت عن السبعة أو عن أكثر منهم، هكذا قال الحافظ أبو عمرو الدانى (7)، والإمام أبو محمد مكى (8)، وأبو العباس المهدوى (9)، وأبو شامة، وهو
(1) زاد فى م: أن.
(2)
فى ص: تواتر سنده.
(3)
سقط فى ص.
(4)
سقط فى ص.
(5)
قال السيوطى فى الإتقان: اختلف فى معنى هذا الحديث على نحو أربعين قولا، ثم ساق ستة عشر قولا، وفيها ما لا يصح أن يكون قولا مستقلّا، وأتبعها بخمسة وثلاثين قولا منقولة عن ابن حبان، وفيها ما هو داخل فى الأقوال الستة عشر، فمجموعها بعد حذف ما ذكر: ثمانية وأربعون، وهناك أقوال أخرى فى النشر والقرطبى والنيسابورى وغيرها تتم بها الأقوال ستين. ينظر: معنى الأحرف السبع ص (42).
(6)
فى ص: أو عن العشرة.
(7)
هو عثمان بن سعيد بن عثمان، أبو عمرو الدانى الأموى المقرئ. أحد حفاظ الحديث، ومن الأئمة فى علم القرآن ورواته وتفسيره. من أهل دانية بالأندلس، دخل المشرق، فحج وزار مصر، وعاد فتوفى فى بلده. له أكثر من مائة تصنيف.
وكان يقول: ما رأيت شيئا قط إلا كتبته، ولا كتبته إلا حفظته، ولا حفظته فنسيته. توفى سنة 444. ينظر: شذرات الذهب (3/ 272)، والديباج المذهب (188)، والأعلام (4/ 366).
(8)
هو مكى بن أبى طالب حموش بن محمد بن مختار أبو محمد القيسى القيروانى ثم الأندلسى القرطبى إمام علامة محقق عارف أستاذ القراء والمجودين، ولد سنة خمس وخمسين وثلاثمائة بالقيروان، كان من أهل التبحر فى علوم القرآن والعربية حسن الفهم والخلق جيد الدين والعقل كثير التأليف فى علوم القرآن محسنا مجودا عالما بمعانى القراءات وكان خيرا متدينا مشهورا بالصلاح وإجابة الدعوة ومن تآليفه «التبصرة فى القراءات» والكشف عليه وتفسيره الجليل ومشكل إعراب القرآن والرعاية فى التجويد والموجز فى القراءات وتواليفه تنيف عن ثمانين تأليفا، مات فى ثانى المحرم سنة سبع وثلاثين وأربعمائة، ينظر: غاية النهاية (2/ 309).
(9)
هو أحمد بن عمار بن أبى العباس، أبو العباس المهدوى المغربى، نحوى، مفسر، لغوى، مقرئ، أصله من المهدية من بلاد إفريقية. روى عن الشيخ الصالح أبى الحسن القابسى. وقرأ على محمد
مذهب السلف الذى لا يعرف عن أحد منهم خلافه.
قال أبو شامة: فلا ينبغى أن يغتر بكل قراءة [تعزى لأحد السبعة ويطلق](1) عليها لفظ الصحة إلا إن دخلت فى الضابط، وحينئذ لا ينفرد بنقلها مصنف عن غيره، ولا يختص ذلك بنقلها عنهم (2)، بل إن نقلت عن غير السبعة فذلك لا يخرجها عن الصحة؛ فإن الاعتماد على تلك الأوصاف لا على من تنسب إليه، فإن القراءات المنسوبة إلى كل قارئ من السبعة وغيرهم منقسمة إلى المجمع عليه والشاذ، غير أن هؤلاء السبعة لشهرتهم، وكثرة الصحيح المجتمع (3) عليه فى قراءتهم (4)، تركن النفس لما نقل عنهم أكثر من غيرهم (5).
وقول (6) الناظم- رضى الله عنه-: «وافق وجه نحو
…
» يريد أن القراءة الصحيحة هى التى توافق وجها ما من وجوه النحو، سواء كان أفصح أو (7) فصيحا، مجمعا (8) عليه أو مختلفا فيه اختلافا لا يضر مثله، وهذا هو المختار عند المحققين من ركن موافقة العربية، فكم من قراءة أنكرها بعض النحاة أو كثير منهم ولم يعتبر إنكارهم، بل أجمع قدوة السلف على قبولها، كإسكان بارِئِكُمْ [البقرة: 54] ونحوه، وسَبَإٍ ويا بُنَيَّ [لقمان: 13]، وَمَكْرَ السَّيِّئِ [فاطر: 43] ونُنْجِي (9) الْمُؤْمِنِينَ بالأنبياء [88].
وجمع البزى (10) بين ساكنين فى تاءاته ومد أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ [إبراهيم: 37].
ابن سفيان، وعلى جده لأمه مهدى بن إبراهيم، وأبى الحسن أحمد بن محمد وغيرهم. من تصانيفه:«التفصيل الجامع لعلوم التنزيل» ، و «الهداية فى القراءات السبع» توفى سنة 440 هـ. ينظر:
إنباء الرواة (1/ 91 - 92)، ومعجم الأدباء (5/ 39)، وبغية الوعاة (1/ 351)، وطبقات المفسرين (1/ 56)، ومعجم المؤلفين (2/ 27).
(1)
فى م: تقرأ لأحد السبعة وأطلق.
(2)
فى ص: عن غيره.
(3)
فى ص: المجمع.
(4)
زاد فى م: فى المجمع عليه.
(5)
من قوله: «وإذا اجتمعت الأركان» إلى قوله
…
«أكثر من غيرهم» سقط فى د.
(6)
فى د: فقول.
(7)
فى د، ص: أم.
(8)
فى ز: مجتمعا.
(9)
فى م: ننجى.
(10)
هو أحمد بن محمد بن عبد الله بن القاسم بن نافع بن أبى بزة، وقال الأهوازى أبو بزة الذى ينسب إليه البزى، اسمه بشار، فارسى من أهل همذان، أسلم على يد السائب بن أبى السائب المخزومى، والبزة الشدة، ومعنى أبو بزة، أبو شدة، قال ابن الجزرى: المعروف لغة أن البزة من قولهم: بزة بزة إذا سلبه مرة، ويقال إن نافعا هو أبو بزة الإمام أبو الحسن البزى المكى مقرئ مكة ومؤذن المسجد الحرام، ولد سنة سبعين ومائة أستاذ محقق ضابط متقن، قرأ على أبيه وعبد الله بن زياد وعكرمة ابن سليمان ووهب بن واضح، قرأ عليه إسحاق بن محمد الخزاعى والحسن بن الحباب وأحمد ابن فرح وأبو عبد الرحمن عبد الله بن على وأبو جعفر محمد بن عبد الله اللهبيان وأبو العباس أحمد ابن محمد اللهبى فى قول الأهوازى والرهاوى وأبو ربيعة محمد بن إسحاق، وروى عنه القراءة قنبل وحدث عنه أبو بكر أحمد بن عميد بن أبى عاصم النبيل ويحيى بن محمد بن صاعد ومحمد بن على
قال الدانى بعد حكايته لإنكار سيبويه إسكان «بارئكم» : والإسكان أصح فى النقل وأكثر فى الأداء، وأئمة القراءة لا تعمل فى شىء من حروف القراءات على الأفشى فى اللغة والأقيس فى العربية، بل [على](1) الأثبت فى الأثر، والأصح فى النقل والرواية إذا ثبتت (2) عنهم، لا يردها قياس عربية، ولا فشو لغة؛ لأن القراءة (3) سنة متبعة يلزم قبولها والمصير إليها.
وقوله: «وكان للرسم
…
» إلخ، لا بد لهذا الشرط من مقدمة فأقول:
[اعلم](4) أن الرسم [هو](5) تصوير الكلمة بحروف (6) هجائها بتقدير الابتداء بها والوقف عليها، والعثمانى هو الذى رسم فى المصاحف العثمانية، وينقسم إلى قياسي:
وهو ما وافق اللفظ، وهو معنى قولهم:«تحقيقا» ، وإلى اصطلاحى: وهو ما خالف اللفظ، وهو معنى قولهم:«تقديرا» ، وإلى احتمالى وسيأتى.
ومخالفة الرسم للفظ محصورة فى خمسة أقسام، وهى:
1 -
الدلالة على البدل: نحو الصِّراطَ [الفاتحة: 6].
2 -
وعلى الزيادة: نحو مالِكِ [الفاتحة: 4].
3 -
وعلى الحذف: نحو لكِنَّا هُوَ [الكهف: 38].
4 -
وعلى الفصل: نحو فَمالِ هؤُلاءِ [النساء: 78].
5 -
وعلى أن [الأصل](7) الوصل، [نحو] (8) أَلَّا يَسْجُدُوا [النمل: 25].
فقراءة الصاد، والحذف والإثبات، والفصل والوصل، خمستها وافقها الرسم تحقيقا، وغيرها تقديرا؛ لأن السين تبدل صادا قبل أربعة أحرف منها الطاء كما سيأتى، وألف مالِكِ (9) [الفاتحة: 4] عند [المثبت](10) زائدة، وأصل لكِنَّا [الكهف: 38] الإثبات، وأصل فَما لِ الفصل، وأصل أَلَّا يَسْجُدُوا [النمل: 25] الوصل، وكل من الأقسام الخمسة فى حكم صاحبه، فالبدل فى حكم المبدل منه وكذا الباقى، وذلك ليتحقق الوفاق التقديرى؛ لأن اختلاف القراءتين إن كان يتغاير دون تضاد ولا تناقض فهو فى حكم
ابن زيد الصائغ وأحمد بن محمد بن مقاتل. توفى البزى سنة خمسين ومائتين عن ثمانين سنة. ينظر:
غاية النهاية (1/ 119، 120).
(1)
سقط فى م.
(2)
فى ص: ثبت.
(3)
فى م: القرآن.
(4)
سقط فى ص.
(5)
زيادة من د، ص.
(6)
فى ص: بحرف.
(7)
سقط فى م.
(8)
سقط فى ز.
(9)
فى م: مالك بعد الميم.
(10)
سقط فى م.
الموافق، وإن كان [بتضاد أو تناقض](1) ففي حكم المخالف، والواقع: الأول فقط، وهو الذى لا يلزم من صحة أحد الوجهين [فيه] بطلان الآخر، وتحقيقه أن اللفظ تارة يكون (2) له جهة واحدة فيرسم على وفقها، فالرسم هنا (3) حصر (4) جهة اللفظ بمخالفة مناقض، وتارة يكون له جهات (5) فيرسم على أحدها (6) فلا يحصر (7) جهة اللفظ، واللافظ به موافق تحقيقا، وبغيره (8) تقديرا؛ لأن البدل فى حكم المبدل منه، وكذا بقية (9)[الخمسة](10) والله أعلم.
والقسم الثالث: ما وافق الرسم احتمالا، ويندرج فيه ما وقع الاختلاف فيه (11) بالحركة والسكون؛ نحو الْقُدُسِ [البقرة: 87] وبالتخفيف والتشديد؛ نحو ينشركم (12) بيونس [22] وبالقطع والوصل عنه بالشكل (13) نحو أَدْخِلُوا بغافر [40] وباختلاف الإعجام (14) نحو «يعملون» (15) و «يفتح» (16)، وبالإعجام [والإهمال] (17) نحو نُنْشِزُها [البقرة: 259]، وكذا المختلف فى كيفية لفظها، كالمدغم والمسهّل [والممال](18) والمرقق والممدود، فإن المصاحف العثمانية تحتمل هذه كلها؛ لتجردها عن أوصافها، فقول الناظم: «وكان للرسم احتمالا
…
» دخل فيه ما وافق الرسم تحقيقا بطريق الأولى، وسواء وافق كل المصاحف أو بعضها، كقراءة ابن عامر: قالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً [البقرة:
116] وبالزبر والكتاب [آل عمران: 184] فإنه ثابت فى الشامى، وكابن كثير فى جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا بالتوبة [100]: فإنه ثابت فى المكى، إلى غير ذلك.
وقوله: «احتمالا» يحتمل أن يكون جعله مقابلا للتحقيق؛ فتكون القسمة عنده ثنائية، [وهو](19) التحقيق الاحتمالى (20)، ويكون قد أدخل التقديرى فى الاحتمالى، وهو الذى فعله فى «نشره» .
ويحتمل أن يكون قد ثلّث القسمة ويكون حكم الأوّلين ثابتا بالأولوية، ولولا تقدير
(1) فى ز، م: يتضاد أو يتناقض.
(2)
فى د: تكون.
(3)
فى ز: هذا.
(4)
فى م: يحصر.
(5)
فى م، ص: جهتان.
(6)
فى م، ص: أحدهما.
(7)
فى م، د: تحصر.
(8)
فى م، ص: ولغيره.
(9)
فى م: البقية.
(10)
سقط فى م.
(11)
فى م: فيه الاختلاف.
(12)
وهى قراءة فى يُسَيِّرُكُمْ. تنظر فى فرش الحروف فى سورة يونس.
(13)
فى م: بالتشكيل
(14)
فى م: الغيبة.
(15)
فى م: تعلمون.
(16)
فى د: وتفتح.
(17)
سقط فى ز.
(18)
سقط فى م.
(19)
سقط فى م.
(20)
فى م: تحقيق واحتمال، وفى د، ص: التحقيقى والاحتمالى.
موافقة الرسم للزم الكل مخالفة الكل فى نحو: «السموت» و «الصلحات» و «الليل» .
ثم إن بعض الألفاظ يقع فيه موافقة إحدى القراءتين أو القراءات تحقيقا والأخرى تقديرا، نحو ملك [الفاتحة: 4]، وبعضها يقع (1) فيه موافقة القراءتين أو القراءات تحقيقا، نحو أَنْصارَ اللَّهِ [الصف: 14] وفَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ [آل عمران: 39]، وَيَغْفِرْ لَكُمْ [آل عمران: 31]، وهَيْتَ لَكَ [يوسف: 23].
واعلم أن مخالف (2) صريح الرسم فى حرف مدغم أو مبدل (3) أو ثابت أو محذوف أو نحو ذلك، لا يعد مخالفا إذا أثبتت القراءة به ووردت مشهورة.
ألا ترى أنهم لا يعدون إثبات ياءات الزوائد وحذف ياء تَسْئَلْنِي بالكهف [70]، وقراءة وأكون من الصالحين [المنافقون: 10] ونحو ذلك من مخالفة (4) الرسم المعهود؛ لرجوعه لمعنى واحد، وتمشية صحة القراءة وشهرتها بخلاف زيادة كلمة أو نقصانها وتقديمها وتأخيرها، حتى ولو كانت حرف معنى، فإن له حكم الكلمة، لا يسوغ مخالفة الرسم فيه، وهذا هو الحد الفاصل فى حقيقة اتباع الرسم ومخالفته (5).
وقوله: «وصح إسنادا» ظاهره أن (6) القرآن يكتفى فى ثبوته (7) مع الشرطين المتقدمين بصحة السند فقط، ولا يحتاج إلى تواتر، وهذا قول حادث مخالف لإجماع الفقهاء والمحدّثين وغيرهم، كما ستراه إن شاء الله تعالى. ولقد ضل بسبب هذا القول قوم فصاروا يقرءون أحرفا لا يصح لها سند أصلا، ويقولون: التواتر ليس بشرط (8)، وإذا طولبوا بسند صحيح لا يستطيعون ذلك، ولا بد لهذه المسألة من (9) بعض بسط فأقول (10):
(1) فى ز: تقع.
(2)
فى م: مخالفة.
(3)
فى م: مبدل أو مدغم.
(4)
فى د: مخالف.
(5)
اعلم أن الخط له قوانين وأصول يحتاج إلى معرفتها بحسب ما يثبت من الحروف وما لا يثبت، وبحسب ما يكتب موصولا أو مفصولا، وبيان ذلك مستوفى فى أبواب الهجاء من كتب النحو وفى كتب الإملاء.
واعلم أن أكثر خط المصحف موافق لتلك القوانين، وقد جاء فيه أشياء خارجة عن ذلك يلزم اتباعها، ولا نتعدى، منها ما عرفنا سببه، ومنها ما غاب عنا.
هذا وقد جاء فى باب الوقف على مرسوم الخط من شرح التيسير: أن الأصل أن يثبت القارئ فى لفظه من حروف الكلمة إذا وقف عليها ما يوافق خط المصحف ولا يخالفه إلا إذا وردت رواية عن أحد من الأئمة تخالف ذلك؛ فيتبع الرواية
…
وذكر الحافظ- رحمه الله أن الرواية تثبت عن نافع وأبى عمرو والكوفيين باتباع المرسوم فى الوقف وأنه لم يرد فى ذلك شىء عن ابن كثير وابن عامر.
ينظر: شرح التيسير.
(6)
فى م: ظاهر فى أن.
(7)
فى م: فيه بثبوته.
(8)
فى ص: شرط.
(9)
فى د، ص: عن.
(10)
فى د: فلذلك لخصت فيها مذاهب القراء والفقهاء الأربعة المشهورين وما ذكر الأصوليون
[إن](1) القرآن عند الجمهور من أئمة المذاهب الأربعة- منهم الغزالى (2) وصدر الشريعة (3) وموفق الدين المقدسى (4) وابن مفلح (5) والطوفى (6) -: هو ما نقل بين دفتى
والمفسرون وغيرهم رضى الله تعالى عنهم أجمعين وذكرت فى هذا التعليق المهم من ذلك لأنه لا يحتمل التطويل، وفى ص: فلذلك لخصت فيها رسالة مطولة ذكرت فيها مذاهب القراء
…
إلخ.
(1)
زيادة من م.
(2)
هو محمد بن محمد بن محمد أبو حامد الغزالى بتشديد الزاى. نسبته إلى الغزّال (بالتشديد) على طريقة أهل خوارزم وجرجان: ينسبون إلى العطّار عطّارى، وإلى القصّار قصّارى، وكان أبوه غزّالا، أو هو بتخفيف الزاى نسبة إلى «غزالة» قرية من قرى طوس. فقيه شافعى أصولى، متكلم، متصوف.
رحل إلى بغداد، فالحجاز، فالشام، فمصر وعاد إلى طوس.
من مصنفاته: «البسيط» ، و «الوسيط» ، و «الوجيز» ، و «الخلاصة» وكلها فى الفقه، و «تهافت الفلاسفة» ، و «إحياء علوم الدين» توفى سنة 505 هـ. ينظر: طبقات الشافعية (4/ 101 - 180)؛ والأعلام للزركلى (7/ 247)، والوافى بالوفيات (1/ 277).
(3)
هو عبيد الله بن مسعود بن محمود بن أحمد، المحبوبى، الحنفى، صدر الشريعة الأصغر. فقيه، أصولى، جدلى، محدث، مفسر، نحوى، لغوى، أديب، بيانى، متكلم، منطقى.
أخذ العلم عن جده محمود وعن أبى جده أحمد صدر الشريعة وصاحب (تلقيح العقول فى الفروق) وعن شمس الأئمة الزرنجى وشمس الأئمة السرخسى وعن شمس الأئمة الحلوانى وغيرهم. من تصانيفه: «شرح الوقاية» ، و «النقاية، مختصر الوقاية» ، و «التنقيح» ، وشرحه «التوضيح» فى أصول الفقه، و «تعديل العلوم» توفى سنة 747 هـ. ينظر: الفوائد البهية (ص 109)، ومعجم المؤلفين (6/ 246)، والأعلام (4/ 354).
(4)
هو عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة. من أهل جماعيل من قرى نابلس بفلسطين. خرج من بلده صغيرا مع عمه عند ما ابتليت بالصليبيين، واستقر بدمشق. واشترك مع صلاح الدين فى محاربة الصليبيين. رحل فى طلب العلم إلى بغداد أربع سنين ثم عاد إلى دمشق. قال ابن غنيمة:«ما أعرف أحدا فى زمانى أدرك رتبة الاجتهاد إلا الموفق» وقال عز الدين بن عبد السلام «ما طابت نفسى بالإفتاء حتى صار عندى نسخة من المغنى للموفق ونسخة من المحلى لابن حزم» .
من تصانيفه «المغنى فى الفقه شرح مختصر الخرقى» عشر مجلدات، و «الكافى» ، و «المقنع» و «العمدة» وله فى الأصول «روضة الناظر». توفى سنة 620 هـ. ينظر: ذيل طبقات الحنابلة لابن رجب (ص 133 - 146) وتقديم «كتاب المغنى» لمحمد رشيد رضا، والأعلام للزركلى (4/ 191)، والبداية والنهاية لابن كثير فى حوادث سنة 620 هـ.
(5)
هو إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن محمد بن مفلح، برهان الدين أبو إسحاق. من أهل قرية «رامين» من أعمال نابلس. دمشقى المنشأ والوفاة. فقيه وأصولى حنبلى، كان حافظا مجتهدا ومرجع الفقهاء والناس فى الأمور. ولى قضاء دمشق غير مرة.
من تصانيفه: «المبدع» وهو شرح المقنع فى فروع الحنابلة، فى أربعة أجزاء، «والمقصد الأرشد فى ترجمة أصحاب الإمام أحمد» توفى سنة 884 هـ. ينظر: الضوء اللامع (1/ 152)، وشذرات الذهب (7/ 338)، ومعجم المؤلفين (1/ 100).
(6)
فى م: والصولى. والصواب ما أثبتناه. وهو سليمان بن عبد القوى بن عبد الكريم نجم الدين الطوفى الحنبلى، قال الصفدى: كان فقيها شاعرا أديبا، فاضلا قيما بالنحو واللغة والتاريخ، مشاركا فى الأصول، شيعيّا يتظاهر بذلك، وجد بخطه هجو فى الشيخين، ففوض أمره إلى بعض القضاة، وشهد عليه بالرفض، فضرب ونفى إلى قوص، فلم ير منه بعد ذلك ما يشين. ولازم الاشتغال وقراءة
المصحف نقلا متواترا.
وقال غيرهم: هو الكلام المنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم للإعجاز بسورة (1) منه. وكل من قال بهذا الحد اشترط التواتر، كما قال ابن الحاجب رحمه الله تعالى، للقطع بأن العادة تقضى بالتواتر فى تفاصيل مثله.
والقائلون بالأول لم يحتاجوا للعادة؛ لأن التواتر عندهم جزء من الحد؛ فلا يتصور (2) ماهية القرآن إلا به، وحينئذ فلا بد من حصول التواتر عند أئمة المذاهب الأربعة، ولم يخالف منهم أحد فيما علمت بعد الفحص الزائد، وصرح به جماعات (3) لا يحصون:
كابن عبد البر (4) وابن عطية (5) وابن تيمية (6) والتونسى فى تفسيره والنووى
الحديث.
وله من التصانيف: مختصر الروضة فى الأصول، شرحها، مختصر الترمذى، شرح المقامات، شرح الأربعين النووية، شرح التبريزى فى مذهب الشافعى، إزالة الإنكار فى مسألة كاد.
وقال فى الدرر: سمع الحديث من التقى سليمان وغيره، وقرأ العربية على محمد بن الحسين الموصلى. وكان قوى الحافظة، شديد الذكاء، مقتصدا فى لباسه وأحواله متقللا من الدنيا، ولم تكن له يد فى الحديث. ذكره ابن مكتوم فى تاريخ النحاة.
مات فى رجب سنة عشر وسبعمائة- وبخط ابن مكتوم- سنة إحدى عشرة.
قال: وهو منسوب إلى طوفى قرية من أعمال بغداد. ينظر: بغية الوعاة (1/ 599 - 600).
(1)
فى ص: سورة.
(2)
فى م، د: تتصور.
(3)
فى س: جماعة.
(4)
هو يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر النمرى الحافظ، أبو عمر. ولد بقرطبة. من أجلّة المحدثين والفقهاء، شيخ علماء الأندلس، مؤرخ أديب، مكثر من التصنيف. رحل رحلات طويلة وتوفى بشاطبة سنة 463 هـ.
من تصانيفه (الاستذكار فى شرح مذاهب علماء الأمصار)، و (التمهيد لما فى الموطأ من المعانى والأسانيد)، و (الكافى) فى الفقه.
ينظر: الشذرات (3/ 314)، وترتيب المدارك (4/ 556)، (808) ط دار الحياة، وشجرة النور ص (119)، الأعلام (9/ 317)، والديباج المذهب ص (357) وسماه يوسف بن عمر، إلا أنه قال فى آخر الترجمة: وكان والد أبى عمر أبو محمد عبد الله بن محمد بن أهل العلم.
(5)
هو عبد الحق بن غالب بن عطية، أبو محمد المحاربى، من أهل غرناطة. أحد القضاة بالبلاد الأندلسية، كان فقيها جليلا، عارفا بالأحكام والحديث والتفسير، نحويّا لغويّا أديبا، ضابطا، غاية فى توقد
الذهن وحسن الفهم وجلالة التصرف. روى عن أبيه الحافظ بن أبى بكر وأبى على الغسانى وآخرين. وروى عنه أبو القاسم بن حبيش وجماعة. ولى قضاء المرية، كان يتوخى الحق والعدل.
من تصانيفه: (المحرر الوجيز فى تفسير الكتاب العزيز).
وابن عطية هذا هو غير عبد الله بن عطية بن عبد الله أبى محمد، المقرئ المفسر الدمشقى المتوفى (383 هـ) صاحب تفسير (ابن عطية) ويميز هذا الأخير عن ابن عطية الأندلسى (عبد
⦗ص: 120⦘
الحق بن غالب) بأن يقال لعبد الله بن عطية (المتقدم)، ولعبد الحق (المتأخر) توفى سنة 542 هـ.
ينظر: بغية الوعاة (2/ 73)، طبقات المفسرين ص (15 - 16)، وتاريخ قضاة الأندلس ص (109)؛ والأعلام للزركلى (4/ 53، 3/ 239).
(6)
هو أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية الحرّانى الدمشقى، تقى الدين. الإمام شيخ الإسلام.
حنبلى. ولد فى حرّان وانتقل به أبوه إلى دمشق فنبغ واشتهر. سجن بمصر مرتين من أجل فتاواه.
وتوفى بقلعة دمشق معتقلا. كان داعية إصلاح فى الدين، آية فى التفسير والعقائد والأصول، فصيح اللسان، مكثرا من التصنيف.
من تصانيفه «السياسة الشرعية» ، و «منهاج السنة» ، وطبعت «فتاواه» فى الرياض مؤخرا فى 35 مجلدا. ينظر: الدرر الكامنة (1/ 144)؛ والبداية والنهاية (14/ 135).
والسبكى (1) والإسنوى والأذرعى (2) والزركشى (3) والدميرى (4) والشيخ خليل (5)
(1) هو عبد الوهاب بن على بن عبد الكافى بن تمام السبكى، أبو نصر، تاج الدين، أنصارى، من كبار فقهاء الشافعية. ولد بالقاهرة. سمع بمصر ودمشق. تفقه على أبيه وعلى الذهبى. برع حتى فاق أقرانه. درس بمصر والشام، وولى القضاء بالشام، كما ولى بها خطابة الجامع الأموى. كان السبكى شديد الرأى، قوى البحث، يجادل المخالف فى تقرير المذهب، ويمتحن الموافق فى تحريره وتوفى سنة 771 هـ.
من تصانيفه: «طبقات الشافعية الكبرى» ، و «جمع الجوامع» فى أصول الفقه، و «ترشيح التوشيح وترجيح التصحيح» فى الفقه. ينظر: طبقات الشافعية لابن هداية الله الحسينى (ص 90) وشذرات الذهب (6/ 221)؛ والأعلام (4/ 325).
(2)
هو أحمد بن حمدان بن عبد الواحد بن عبد الغنى الأذرعى، فقيه شافعى من تلاميذ الذهبى، ولد بأذرعات بالشام، وتولى القضاء بحلب، وراسل السبكى الكبير بالمسائل الحلبيات، وهى مجلد مشهور توفى سنة 773 هـ.
من تصانيفه: «التوسط والفتح بين الروضة والشرح» فى 20 مجلدا، و «غنية المحتاج فى شرح المنهاج» ، و «قوت المحتاج». ينظر: معجم المؤلفين (1/ 151)، والبدر الطالع (1/ 35).
(3)
هو محمد بن بهادر بن عبد الله، أبو عبد الله، بدر الدين، الزركشى، فقيه شافعى أصولى، تركى الأصل، مصرى المولد والوفاة، له تصانيف كثيرة فى عدة فنون توفى سنة 794 هـ.
من تصانيفه: (البحر المحيط) فى أصول الفقه، و (إعلام الساجد بأحكام المساجد)، و (الديباج فى توضيح المنهاج) فى الفقه، و (المنثور) يعرف بقواعد الزركشى.
ينظر: الأعلام (6/ 286)، والدرر الكامنة (3/ 397).
(4)
هو محمد بن موسى بن عيسى بن على الكمال، أبو البقاء، الدميرى الأصل، القاهرى. فقيه شافعى، مفسر، أديب، نحوى، ناظم، مشارك فى غير ذلك. أخذ عن بهاء الدين أحمد السبكى، وجمال الدين الإسنوى، وكمال الدين النويرى المالكى، وغيرهم. قال الشوكانى: برع فى التفسير والحديث والفقه وأصوله والعربية والأدب وغير ذلك. وتصدى للإقراء والإفتاء وصنف مصنفات جيدة.
من تصانيفه: «النجم الوهاج شرح منهاج الطالبين» ، و «الديباج شرح سنن ابن ماجة» ، و «حياة الحيوان الكبرى» ، و «شرح المعلقات السبع» توفى سنة 808 هـ. ينظر: شذرات الذهب (7/ 79)، والضوء اللامع (10/ 59)، والبدر الطالع (2/ 272) وهدية العارفين (2/ 178).
(5)
هو خليل بن إسحاق بن موسى، ضياء الدين، الجندى. فقيه مالكى محقق. كان يلبس زى الجند.
تعلم فى القاهرة، وولى الإفتاء على مذهب مالك. جاور بمكة. وتوفى بالطاعون توفى سنة 776 هـ.
من تصانيفه: «المختصر» وهو عمدة المالكية فى الفقه وعليه تدور غالب شروحهم، و «شرح
وابن الحاجب وابن عرفة (1) وغيرهم، رحمهم الله.
وأما القراء فأجمعوا فى أول الزمان على ذلك، وكذلك (2) فى آخره، ولم يخالف من المتأخرين إلا أبو محمد مكى، وتبعه بعض المتأخرين وهذا كلامهم:
قال الإمام [العالم](3) العلامة برهان الدين الجعبرى فى «شرح الشاطبية» : ضابط كل قراءة تواتر نقلها، ووافقت (4) العربية مطلقا، ورسم المصحف ولو تقديرا، فهى من الأحرف السبعة، وما لا تجتمع (5) فيه فشاذ.
وقال فى قول الشاطبى (6):
ومهما تصلها مع أواخر سورة
…
...
…
...
وإذا تواترت القراءة علم كونها (7) من الأحرف السبعة.
وقال أبو القاسم الصفراوى (8) فى نهاية «الإعلان» : اعلم أن هذه السبعة أحرف (9)
جامع الأمهات» شرح به مختصر ابن الحاجب، وسماه «التوضيح» ، و «المناسك». ينظر: الديباج المذهب (ص 115)، والأعلام (2/ 364)، والدرر الكامنة (2/ 86).
(1)
هو محمد بن محمد بن عرفة الورغمى، إمام تونس وعالمها وخطيبها ومفتيها، قدم للخطابة سنة 772 هـ وللفتوى 773 هـ، كان من كبار فقهاء المالكية، تصدى للدرس بجامع تونس وانتفع به خلق
كثير توفى سنة 803 هـ.
من تصانيفه: «المبسوط» فى الفقه سبعة مجلدات، و «الحدود» فى التعريفات الفقهية. ينظر:
الديباج المذهب ص (337)، ونيل الابتهاج (ص 274).
(2)
فى م: وكذا.
(3)
زيادة من د، ص.
(4)
فى ص: ووافق.
(5)
فى ص، د، م: يجمع.
(6)
هو القاسم بن فيرة بن خلف بن أحمد، أبو محمد، الشاطبى الرعينى الأندلسى. مقرئ، نحوى، مفسر، محدث، ناظم. ولد بشاطبة إحدى قرى شرقى الأندلس، وتوفى بالقاهرة توفى سنة 590 هـ.
من تصانيفه: «حرز الأمانى ووجه التهانى فى القراءات السبع» ، و «عقيلة القصائد فى أسنى المقاصد فى نظم المقنع للدانى» ، و «ناظمة الزهر فى أعداد آيات السور» ، و «تتمة الحرز من قراء أئمة الكنز». ينظر: شذرات الذهب (4/ 301)، ومعجم المؤلفين (8/ 110) والأعلام (6/ 14).
(7)
فى م: أنها.
(8)
هو عبد الرحمن بن عبد المجيد بن إسماعيل بن عثمان بن يوسف بن حسين بن حفص أبو القاسم الصفراوى نسبة إلى وادى الصفراء بالحجاز ثم الإسكندرى الأستاذ المقرئ المكثر مؤلف كتاب الإعلان وغيره كان إماما كبيرا مفتيا على مذهب مالك انتهت إليه رئاسة العلم ببلده، مولده أول سنة أربع وأربعين وخمسمائة، وقرأ الروايات على أحمد بن جعفر الغافقى وعبد الرحمن بن خلف الله وأبى الطيب عبد المنعم بن يحيى الغرناطى واليسع بن عيسى بن حزم، مات فى ربيع الآخر سنة ست وثلاثين وستمائة. ينظر: غاية النهاية (1/ 373).
(9)
فى ص، د: الأحرف.
والقراءات المشهورة نقلت تواترا، وهى التى جمعها عثمان فى المصاحف وبعث (1) بها إلى الأمصار، وأسقط ما لم يقع الاتفاق على نقله ولم ينقل تواترا، وكان ذلك بإجماع من الصحابة (2).
ثم قال: فهذه أصول وقواعد تستقل (3) بالبرهان على إثبات القراءات السبعة، والاعتماد
(1) فى م: وبعثها.
(2)
اتفق الأكثرون على أن القراءات المشهورة منقولة بالتواتر، وفيه إشكال؛ وذلك لأنا نقول: هذه القراءة إما أن تكون منقولة بالتواتر، أو لا.
فإن كان الأول، فحينئذ قد ثبت بالنقل المتواتر أن الله- تعالى- قد خير المكلفين بين هذه القراءات، وسوّى بينها فى الجواز.
وإذا كان كذلك، كان ترجيح بعضها على البعض واقعا على خلاف الحكم المتواتر؛ فواجب أن يكون الذاهبون إلى ترجيح البعض، مستوجبين للتفسيق إن لم يلزمهم التكفير، لكنا نرى أن كل واحد يختص بنوع معين من القراءة، ويحمل الناس عليها، ويمنعهم من غيرها، فوجب أن يلزم فى حقهم ما ذكرناه.
وإن قلنا: هذه القراءات ما ثبتت بالتواتر؛ بل بطريق الآحاد، فحينئذ يخرج القرآن عن كونه مفيدا للجزم، والقطع اليقين؛ وذلك باطل بالإجماع، ولقائل أن يجيب عنه، فيقول: بعضها متواتر، ولا خلاف بين الأمة فيه، وتجويز القراءة بكل واحد منها، وبعضها من باب الآحاد، لا يقتضى كون القراءة بكليته خارجا عن كونه قطعيّا، والله أعلم، ذكره ابن الخطيب.
وذكر ابن عادل الحنبلى فى اللباب: أن من المتفق عليه عند العلماء وأرباب النظر: أن القرآن الكريم لا تجوز الرواية فيه بالمعنى، بل أجمعوا على وجوب روايته لفظة لفظة، وعلى أسلوبه وترتيبه، ولهذا كان تواتره اللفظى لا يشك فيه أدنى عاقل، أو صاحب حس.
ثم إن التواتر عند جمهور العلماء يفيد العلم ضرورة، بينما خالف فى إفادته العلم مطلقا السّمنية والبراهمة.
وخالف فى إفادته العلم الضرورى الكعبى وأبو الحسين من المعتزلة، وإمام الحرمين من الشافعية، وقالوا: إنه يفيد العلم نظرا.
وذهب المرتضى من الرافضة، والآمدى من الشافعية إلى التوقف فى إفادته العلم، هل هو نظرى أو ضرورى؟
وقال الغزالى: إنه من قبيل القضايا التى قياساتها معها، فليس أوليّا، وليس كسبيّا.
واحتج الجمهور أنه ثابت بالضرورة، وإنكاره مكابرة وتشكيك فى أمر ضرورى؛ فإنا نجد من أنفسنا العلم الضرورى بالبلدان البعيدة، والأمم السالفة، كما نجد العلم بالمحسوسات لا فرق بينها فيما يعود إلى الجزم، وما ذاك إلا بالإخبار قطعا ولو كان نظريّا لافتقر إلى توسط المقدمتين فى لإثباته واللازم باطل؛ لأننا نعلم قطعا علمنا بالمتواترات من غير أن نفتقر إلى المقدمات وترتيبها.
كما أنه لو كان نظريّا، لساغ الخلاف فيه ككل النظريات، واللازم باطل.
فثبت مما تقدم أن المتواتر يفيد العلم، وأن العلم به ضرورى كسائر الضروريات.
ينظر: البحر المحيط للزركشى: (4/ 231)، والبرهان لإمام الحرمين:(1/ 566)، والإحكام فى أصول الأحكام للآمدى:(2/ 14)، ونهاية السول للإسنوى:(3/ 54)، ومنهاج العقول للبدخشى:(2/ 296)، وغاية الوصول للشيخ زكريا الأنصارى:(95)، والتحصيل من المحصول للأرموى:(2/ 95).
(3)
فى ص: يستقل.
عليها والأخذ بها، وطرح (1) ما سواها.
وقال الدانى- رحمه الله: وإن القراء السبعة ونظائرهم من الأئمة متّبعون فى [جميع](2) قراءاتهم الثابتة عنهم التى لا شذوذ فيها، ومعنى «لا شذوذ فيها» ما قاله (3) الهذلى: ألا يخالف الإجماع.
وقال [الإمام أبو الحسن](4) السخاوى- رحمه الله[إن](5) الشاذ مأخوذ من قولهم:
شذ الرجل يشذ، ويشذ، شذوذا، إذا انفرد عن القوم واعتزل عن جماعتهم، وكفى بهذه التسمية تنبيها على انفراد الشاذ وخروجه عما عليه الجمهور، والذى لم يزل (6) عليه الأئمة الكبار [و] (7) القدوة فى جميع الأمصار من الفقهاء والمحدّثين وأئمة العربية: توقير القرآن، واتباع القراءة المشهورة، ولزوم الطرق المعروفة فى الصلاة وغيرها، واجتناب الشواذ (8)؛ لخروجها (9) عن إجماع المسلمين، وعن الوجه الذى ثبت (10) به القرآن وهو التواتر.
وقال ابن مهدى (11): لا يكون إماما فى العلم من أخذ بالشاذ.
وقال خلاد بن يزيد الباهلى (12): قلت ليحيى بن عبد الله بن أبى مليكة (13): إن نافعا حدثنى عن أبيك عن عائشة (14) - رضى الله عنها- أنها كانت تقرأ تَلَقَّوْنَهُ [النور: 15]
(1) فى ز، م: واطراح.
(2)
سقط فى م.
(3)
فى م: كما قال.
(4)
سقط فى م.
(5)
زيادة من م.
(6)
فى م: لم تزل.
(7)
زيادة من ص.
(8)
فى ز: الشاذ.
(9)
فى د، ز، ص: لخروجه.
(10)
فى م: يثبت.
(11)
فى م: محمد بن مهدى.
(12)
فى م، د: خلاد بن يزيد. قلت: هو خلاد بن يزيد أبو الهيثم الباهلى البصرى وقال الأهوازى فيه الكاهلى وليس كذلك بل الكاهلى خالد بن يزيد، عرض على حمزة وروى عن الثورى وغيره، روى القراءة عنه عرضا محمد بن عيسى الأصبهانى والسرى بن يحيى وروى عنه الفلاس وغيره، وهو المعروف بالأرقط. ينظر غاية النهاية (1/ 275).
(13)
هو يحيى بن عبد الله بن عبيد الله بن أبى مليكة القرشى التيمى. روى عن أبيه وروى عنه يحيى ابن عثمان التميمى مولى أبى بكر. وثقه ابن حبان وقال: يعتبر بحديثه.
(14)
هى عائشة الصديقة بنت أبى بكر الصديق عبد الله بن عثمان، أم المؤمنين، وأفقه نساء المسلمين، كانت أديبة عالمة، كنيت بأم عبد الله، لها خطب ومواقف، وكان أكابر الصحابة يراجعونها فى أمور الدين، وكان مسروق إذا روى عنها يقول: حدثتنى الصديقة بنت الصديق. نقمت على عثمان رضى الله عنه فى خلافته أشياء، ثم لما قتل غضبت لمقتله. وخرجت على على رضى الله عنه، وكان موقفها المعروف يوم الجمل ثم رجعت عن ذلك، وردها على إلى بيتها معززة مكرمة.
للزركشى كتاب «الإجابة لما استدركته عائشة على الصحابة» . ينظر: الإصابة (4/ 359)، وأعلام النساء (2/ 760)، ومنهاج السنة (2/ 182 - 198).
وتقول: إنما هو ولق الكذب، فقال يحيى: ما يضرك ألا تكون سمعته (1) من عائشة، نافع ثقة على أبى، وأبى ثقة على عائشة، وما يسرنى أنى قرأتها هكذا (2) ولي كذا وكذا. قلت:
ولم وأنت تزعم (3) أنها قالت؟ قال: لأنه (4) غير قراءة الناس، ونحن لو وجدنا رجلا يقرأ بما ليس بين اللوحين ما كان (5) بيننا وبينه إلا التوبة أو نضرب عنقه، نجيء (6) به عن الأئمة عن الأمة عن النبى صلى الله عليه وسلم عن جبريل عن الله عز وجل وتقولون [أنتم] (7): حدثنا فلان الأعرج (8) عن فلان الأعمى، ما أدرى ماذا؟ وقال (9) هارون: ذكرت ذلك لأبى عمرو- يعنى القراءة المعزوة إلى عائشة- فقال: قد سمعت قبل أن تولد، ولكنا لا نأخذ به (10).
وقال محمد بن صالح (11): سمعت رجلا يقول لأبى عمرو: كيف تقرأ: لا يُعَذِّبُ عَذابَهُ أَحَدٌ وَلا يُوثِقُ وَثاقَهُ أَحَدٌ [الفجر: 25، 26]؟ قال: لا يُعَذِّبُ عَذابَهُ أَحَدٌ. فقال (12) الرجل: كيف وقد جاء عن النبى صلى الله عليه وسلم لا يُعَذِّبُ عَذابَهُ أَحَدٌ فقال [له](13) أبو عمرو: ولو سمعت الرجل الذى قال: سمعت النبى صلى الله عليه وسلم، ما أخذته (14) عنه، وتدرى لم ذلك (15)؟
لأنى أتهم الواحد الشاذ إذا كان على خلاف ما جاءت به الأمة.
فانظر هذا الإنكار العظيم من أبى عمرو شيخ وقته فى القراءة (16) والأدب، مع أن القراءة (17) ثابتة أيضا بالتواتر، وقد يتواتر الخبر [أيضا](18) عند قوم دون قوم،
وإنما أنكرها أبو عمرو؛ لأنها لم تبلغه على وجه التواتر.
وقال أبو حاتم (19) السجستانى (20): أول من تتبع بالبصرة وجوه القرآن وألفها، وتتبع
(1) فى ص: لا يكون سمعه.
(2)
فى م: كذا.
(3)
فى م: تزعم أنت.
(4)
فى ص: لأنها.
(5)
فى ص: لم يكن.
(6)
فى ز، ص: يجيء.
(7)
سقط فى م.
(8)
فى ص: عن الأعرج.
(9)
فى م: ماذا قال.
(10)
فى م: ولكن لا تأخذ به.
(11)
هو محمد بن صالح أبو إسحاق المرى البصرى الخياط، روى الحروف سماعا عن شبل بن عباد، روى القراءة عنه عرضا محمد بن عبد الله بن القاسم بن أبى بزة وروى الحروف عنه روح ابن عبد المؤمن وإسحاق بن أبى إسرائيل، وروى عنه الدانى أنه قال سألت شبل بن عباد عن قراءة أهل مكة فيما اختلفوا فيه وفيما اتفقوا عليه فقال إذا لم أذكر ابن محيصن فهو المجتمع عليه وإذا ذكرت ابن محيصن فقد اختلف هو وعبد الله بن كثير وذكر القراءة. ينظر: غاية النهاية (2/ 155 - 156).
(12)
فى ص: فقال له.
(13)
سقط فى د.
(14)
فى م: ما أخذت.
(15)
فى ص: ذاك.
(16)
فى م: ثقة فى القراءات.
(17)
فى ز: هذه.
(18)
زيادة من م.
(19)
فى م: أبو عمرو.
(20)
هو سهل بن محمد بن عثمان بن القاسم أبو حاتم السجستانى صاحب إعراب القرآن وغير ذلك،
الشواذ (1) منها [فبحث](2) عن إسنادها (3)، هارون بن موسى الأعور، وكان من القراء، فكره الناس ذلك وقالوا: قد أساء (4) حين ألفها؛ وذلك أن القراءة إنما يأخذها قرون وأمة [عن أفواه أمة](5)، ولا يلتفت منها إلى ما جاء من وراء ذلك (6). وقال الأصمعى (7) عن هارون المذكور: كان ثقة مأمونا.
فانظر يا أخى- رحمك الله تعالى- حرص المتقدمين على كتاب الله تعالى والتزام نقل الأمة، حتى يقول أبو عمرو: لو (8) سمعت الرجل الذى يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما أخذته (9). وكان إجماعهم منعقدا على هذا حتى أنكروا كلهم [على](10) من ألفه مع اشتهار ثقته وعدالته، وأحبوا أن يضرب على ذلك، مع أنه جائز عند المتأخرين اتفاقا.
وأما أبو شامة فقال فى «شرحه للشاطبية» : «وذكر المحققون من أهل العلم [بالقراءة] (11) ضابطا حسنا فى تمييز ما يعتمد عليه من القراءات وما يطرح، فقالوا: كل قراءة ساعدها خطّ المصحف، مع صحة النقل فيها، ومجيئها على الفصيح من لغة العرب، فهى قراءة صحيحة معتبرة (12)، فإن اختل أحد هذه الأركان الثلاثة أطلق على تلك القراءة أنها شاذة ضعيفة (13)، وأشار إلى ذلك الأئمة المتقدمون، ونص على ذلك أبو محمد مكى فى تصنيف له مرارا، وهو الحق الذى لا محيد عنه، على تفصيل فيه (14) قد ذكرناه فى موضع غير هذا» . انتهى.
وكلامه صريح كما ترى فى أنه لم يجد نصّا بذلك لغير أبى محمد مكى، وحينئذ يجوز أن يكون الإجماع انعقد قبله، بل هو الراجح؛ لما تقدم من اشتراط الأئمة ذلك كأبى عمرو
- توفى سنة خمسين- أو خمس وخمسين- أو أربع وخمسين أو ثمان وأربعين ومائتين، وقد قارب التسعين. ينظر البغية:(1/ 606 - 607).
(1)
فى د: الشاذ.
(2)
سقط فى م.
(3)
فى ز: إسناده.
(4)
فى م: ساء.
(5)
سقط فى م.
(6)
فى د، ز: وراء وراء.
(7)
هو عبد الملك بن قريب بن على بن أصمع الباهلى، أبو سعيد الأصمعى، راوية العرب وأحد أئمة العلم باللغة والشعر والبلدان ولد 122 هـ كان الرشد يسميه شيطان الشعر، قال الأخفش ما رأينا أحدا أعلم بالشعر من الأصمعى. وتصانيفه كثيرة منها:(الإبل) مطبوع، و (الأضداد) مخطوط، (خلق الإنسان) مطبوع، وغيرها توفى سنة 216 هـ.
ينظر السيرافى (58)، جمهرة الأنساب (234)، ابن خلكان (1/ 288)، تاريخ بغداد (10/ 41)، نزهة الألباب (150)، الأعلام (4/ 162).
(8)
فى ز: ولو.
(9)
فى م: ما أخذت به.
(10)
سقط فى د.
(11)
سقط فى م.
(12)
فى د: معتمدة.
(13)
فى م: وضعيفة.
(14)
فى م: وكلام الأئمة على تفصيل.
ابن العلاء وأعلى منه، بل [هو](1) الحق الذى لا محيد عنه، وكلام الأئمة المتقدم ليس فيه إشارة إلى شىء من ذلك، إنما فيه (2) التشديد العظيم؛ مثل قولهم: إنما هو والله ضرب العنق أو التوبة (3).
ولو سلم عدم انعقاد (4) الإجماع فلا يدل على الاكتفاء بثقة [عن](5) ثقة فقط، بل كل من تبعه قيد (6) كلامه بأنه لا بد مع ذلك أن (7) تكون مشهورة عند أئمة هذا الشأن الضابطين له، غير معدودة عندهم من الغلط أو مما شذ به بعضهم، فعلى هذا لا يثبت القرآن (8)[بمجرد صحة السند؛ لأنه مخالف لإجماع المتقدمين والمتأخرين](9).
فصل: إذا تقرر ما تقدم (10) علم أن الشاذ عند الجمهور: هو ما ليس بمتواتر، وعند مكى (11) ومن وافقه: هو (12) ما خالف (13) الرسم أو العربية (14)، ونقل ولو بثقة عن ثقة، أو وافقهما (15) ونقل (16) بغير ثقة، أو بثقة لكن لم يشتهر.
وأجمع الأصوليون والفقهاء والقراء وغيرهم على القطع بأن الشاذ ليس بقرآن؛ لعدم صدق حد القرآن عليه بشرطه (17): وهو التواتر، صرح بذلك الغزالى، وابن الحاجب فى كتابيه (18)، والقاضى عضد الدين (19) وابن الساعاتى (20) والنووى، [وغيره ممن لا فائدة
(1) سقط فى م.
(2)
فى م: هو.
(3)
فى أ: والتوبة.
(4)
فى د: انعقاده.
(5)
زيادة من م.
(6)
فى م: فيه.
(7)
فى د، ص، ز: بأن.
(8)
فى ص: لا تثبت القراءة.
(9)
فى م: بمجرد صحته حيث خالف إجماع المتقدمين.
(10)
فى م: هذا.
(11)
فى م: خلاف مكى.
(12)
فى م: فعندهم.
(13)
فى ز، ص: ما خالفه.
(14)
فى م، ص: والعربية.
(15)
فى م: من وافقهما، وفى د: وافقها.
(16)
فى ص: ولو نقل.
(17)
فى د، ز، م: أو شرطه.
(18)
فى د: كتابيهما، وفى ص: كتابه، والعبارة سقط فى م.
(19)
هو عبد الرحمن بن أحمد بن عبد الغفار بن أحمد عضد الدين الإيجى، الشيرازى الشافعى. ينسب إلى (إيج) بلدة بفارس من كورة دار أبجرد. عالم مشارك فى العلوم العقلية والمعانى والفقه وعلم الكلام. قاضى قضاة المشرق.
من تصانيفه: «المواقف» فى علم الكلام، و «شرح مختصر ابن الحاجب» فى أصول الفقه، و «الفوائد الغياثية» ، و «جواهر الكلام» توفى سنة 756 هـ. ينظر: شذرات الذهب (6/ 174)، والدرر الكامنة (2/ 323)، والبدر الطالع (1/ 326)، والأعلام (4/ 66)، واللباب (1/ 96).
(20)
أحمد بن على بن تغلب أبو ثعلب مظفر الدين ابن الساعاتى: عالم بفقه الحنفية. ولد فى بعلبك، وانتقل مع أبيه إلى بغداد فنشأ بها فى المدرسة المستنصرية وتولى تدريس الحنفية فى المستنصرية قال اليافعى: كان ممن يضرب به المثل فى الذكاء والفصاحة وحسن الخط. له مصنفات منها «مجمع البحرين وملتقى النيرين- مخطوط» فقه، و «شرح مجمع البحرين- مخطوط) مجلدان، و «بديع-
فى عده (1) لكثرته، وكذلك] (2) السخاوى فى «جمال القراء» .
فصل فى حصر المتواتر (3)[فى العشر](4)
أجمع (5) الأصوليون والفقهاء على أنه لم يتواتر شىء مما زاد على القراءات العشرة، وكذلك (6) أجمع عليه القراء أيضا إلا من لا يعتد بخلافه.
قال الإمام [العلامة](7) شمس الدين بن الجزرى- رحمه الله فى آخر الباب الثانى من «منجده» : فالذى (8) وصل إلينا متواترا (9) صحيحا (10)[أو](11) مقطوعا به قراءة الأئمة العشرة ورواتهم المشهورين، هذا الذى تحرر من أقوال العلماء، وعليه الناس اليوم بالشام والعراق ومصر.
وقال فى أوله أيضا بعد أن قرر شروط القراءة: والذى جمع فى زماننا الأركان الثلاثة هو قراءة الأئمة (12) العشرة، التى (13) أجمع الناس على تلقيها. ثم عدّدهم (14)، ثم قال: وقول من قال: إن القراءات المتواترة لا حد لها، إن أراد فى زماننا فغير صحيح؛ لأنه لم يوجد اليوم قراءة متواترة وراء العشر (15)، وإن أراد فى الصدر الأول فيحتمل إن شاء الله تعالى.
وقال الحافظ أبو عمرو بن الصلاح (16): فما لم يوجد فيه ذلك كما عدا السبع (17) أو
- النظام، الجامع بين كتابى البزدوى والأحكام- مخطوط» فى أصول الفقه، و «الدر المنضود فى الرد على ابن كمونة فيلسوف اليهود» و «نهاية الوصول إلى علم الأصول» وكان أبوه ساعاتيّا، قال صاحب الجواهر المضية:«وأبوه هو الذى عمل الساعات المشهورة على باب المستنصرية» .
(1)
فى د: عدهم.
(2)
سقط فى م.
(3)
فى م: حد التواتر.
(4)
سقط فى م.
(5)
فى م: قال فى البحر.
(6)
فى م، د: وكذا.
(7)
سقط فى م.
(8)
فى م: والذى.
(9)
فى م: بالتواتر.
(10)
فى د: أو صحيحا، وفى ص: وصحيحا.
(11)
سقط فى د، ص.
(12)
فى ز: أئمة.
(13)
فى د، ص: الذى.
(14)
فى م: عدهم.
(15)
فى م، د: العشرة.
(16)
هو عثمان بن عبد الرحمن بن موسى تقى الدين، أبو عمرو المعروف بابن الصلاح. كردى الأصل من أهل شهرزور- كورة واسعة فى الجبال بين إربل وهمذان، أهلها كلهم أكراد- من علماء الشافعية. إمام عصره فى الفقه والحديث وعلومه. وإذا أطلق الشيخ فى «علم الحديث» فالمراد هو.
كان عارفا بالتفسير والأصول والنحو. تفقه أولا على والده الصلاح، ثم رحل إلى الموصل ثم رحل إلى الشام ودرس فى عدة مدارس.
من تصانيفه «مشكل الوسيط» فى مجلد كبير، و «الفتاوى» و «علم الحديث» المعروف بمقدمة ابن الصلاح توفى سنة 643 هـ. ينظر: شذرات الذهب (5/ 221)، وطبقات الشافعية لابن هداية (ص 84)، ومعجم المؤلفين (6/ 257).
(17)
فى د: السبعة.
كما عدا العشر (1)، يشير (2) إلى التواتر (3) وما معه.
وقال العلامة تاج الدين السبكى- رحمه الله تعالى-: والصحيح أن الشاذ: ما وراء العشر (4)، ومقابله أنه: ما وراء السبع، وهذا- أعنى حصر (5) المتواتر (6) فى السبع- هو الذى [عليه](7) أكثر الشافعية، صرح بذلك النواوى فى «فتاويه» [وغيرها](8)، وهو الذى اختاره (9)[الشيخ](10) سراج الدين البلقينى (11) وولده (12) جلال الدين، وهو الذى أفتى (13) علماء العصر الحنفية [به](14)، وهو ظاهر (15) كلام ابن عطية والقرطبى (16)، فإنهما قالا: ومضت الأعصار والأمصار على قراءة السبع، وبها يصلى؛ لأنها ثبتت
(1) فى د: العشرة.
(2)
فى د: مشيرا.
(3)
فى م: المتواتر.
(4)
فى ص، د: العشرة.
(5)
فى ص: الحصر.
(6)
فى د: التواتر.
(7)
سقط فى د.
(8)
سقط فى ص.
(9)
فى م: اختيار.
(10)
سقط فى م.
(11)
هو عمر بن رسلان بن نصير، البلقينى، الكنانى أبو حفص، سراج الدين. شيخ الإسلام. عسقلانى الأصل. ولد فى بلقينة بغربية مصر. أقدمه أبوه إلى القاهرة وهو ابن اثنتى عشرة سنة فاستوطنها، واشتغل على علماء عصره. نال فى الفقه وأصوله الرتبة العليا، حتى انتهت إليه الرئاسة فى فقه الشافعية، والمشاركة فى غيره. كان مجتهدا حافظا للحديث. وتأهل للتدريس والقضاء والفتيا، وولى إفتاء دار العدل وقضاء دمشق.
من تصانيفه: «تصحيح المنهاج» فى الفقه ست مجلدات، و «حواش على الروضة» مجلدان، وشرحان على الترمذى توفى سنة 805 هـ. ينظر: الضوء اللامع (6/ 85)، وشذرات الذهب (7/ 511)، ومعجم المؤلفين (5/ 205).
(12)
هو عبد الرحمن بن عمر بن رسلان بن نصر بن صالح بن عبد الخالق بن عبد الحق، الإمام العلامة شيخ الإسلام قاضى القضاة، جلال الدين أبو الفضل بن الإمام العلامة شيخ الإسلام بقية المجتهدين سراج الدين أبى حفص، الكنانى المصرى البلقينى. اشتهر بالفضل وقوة الحفظ. وكان فصيحا، بليغا، ذكيّا، سريع الإدراك، قال الحافظ شهاب الدين ابن حجر: كان له بالقاهرة صيت لذكائه وعظمة والده فى النفوس. وكان من عجائب الدنيا فى سرعة الفهم، وجودة الحفظ. انتهى. وكان يكتب على الفتاوى كتابة مليحة بسرعة. وكان سليم الباطن، لا يعرف الخبث ولا المكر كوالده رحمهما الله تعالى. وكتب أشياء لم تشتهر. توفى فى شوال سنة أربع وعشرين وثمانمائة. ينظر طبقات الشافعية لابن قاضى شهبة (4/ 87، 89).
(13)
فى ص، د، م: أفتى به.
(14)
زيادة من ز.
(15)
فى ص، م: وظاهر.
(16)
هو محمد بن أحمد بن أبى بكر بن فرح. أندلسى من أهل قرطبة أنصارى، من كبار المفسرين.
اشتهر بالصلاح والتعبد. رحل إلى المشرق واستقر بمنية ابن الخصيب (شمالى أسيوط- بمصر) وبها توفى.
من تصانيفه: (الجامع لأحكام القرآن)، و (التذكرة بأمور الآخرة)، و (الأسنى فى شرح الأسماء الحسنى) توفى سنة 671 هـ.
ينظر: الديباج المذهب ص (317)، والأعلام للزركلى (6/ 218).