الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فإن قلت: [كان](1) الواجب أن يعيد العامل فى العطف.
قلت: لا نسلم وجوبه، فقد جوزه جماعة منهم ابن مالك، وقد قال تعالى: بِهِ وَالْأَرْحامَ [النساء: 2]، وحكى سيبويه «ما فيها غيره وفرسه» (2).
ثم كمل فقال:
ص:
وقبل ساكن أمل للرّا (صفا)
…
(ف) ى وكغيره الجميع وقفا
ش: (قبل ساكن) حال من مفعول (أمل)، وهو الراء (3)، ولامها زائدة (4)، و (صفا)
(1) سقط فى د.
(2)
اعلم أن الجمهور على نصب ميم وَالْأَرْحامَ وفيه وجهان:
أحدهما: أنه عطف على لفظ الجلالة، أى: واتقوا الأرحام، أى: لا تقطعوها. وقدر بعضهم مضافا، أى: قطع الأرحام، ويقال: إن هذا فى الحقيقة من عطف الخاص على العام، وذلك أن معنى اتقوا الله: اتقوا مخالفته، وقطع الأرحام مندرج فيها.
والثانى: أنه معطوف على محل المجرور فى «به» نحو: مررت بزيد وعمرا؛ لما لم يشركه فى الإتباع على اللفظ تبعه على الموضع. ويؤيد هذا قراءة عبد الله: وبالأرحام. وقال أبو البقاء:
«تعظمونه والأرحام؛ لأن الحلف به تعظيم له» .
وقرأ حمزة: والأرحام بالجر، وفيها قولان:
أحدهما: أنه عطف على الضمير المجرور فى «به» من غير إعادة الجار، وهذا لا يجيزه البصريون.
وقد طعن جماعة على هذه القراءة كالزجاج وغيره، حتى يحكى عن الفراء الذى مذهبه جواز ذلك أنه قال:«حدثنى شريك بن عبد الله عن الأعمش عن إبراهيم قال: وَالْأَرْحامَ- بخفض الْأَرْحامَ- هو كقولهم: «أسألك بالله والرحم» قال: وهذا قبيح؛ لأن العرب لا ترد مخفوضا على مخفوض قد كنى عنه».
والثانى: أنه ليس معطوفا على الضمير المجرور، بل الواو للقسم وهو خفض بحرف القسم مقسم به، وجواب القسم:«إن الله كان عليكم رقيبا» . وضعف هذا بوجهين:
أحدهما: أن قراءتى النصب وإظهار حرف الجر فى «بالأرحام» يمنعان من ذلك، والأصل توافق القراءات.
والثانى: أنه نهى أن يحلف بغير الله تعالى والأحاديث مصرحة بذلك.
وقدر بعضهم مضافا فرارا من ذلك فقال: تقديره: ورب الأرحام، قال أبو البقاء:«وهذا قد أغنى عنه ما قبله» يعنى الحلف بالله تعالى. ولقائل أن يقول: «إن لله تعالى أن يقسم بما شاء كما أقسم بمخلوقاته كالشمس والنجم والليل، وإن كنا نحن منهيين عن ذلك» ، إلا أن المقصود من حيث المعنى ليس على القسم فالأولى حمل هذه القراءة على العطف على الضمير، ولا التفات إلى طعن من طعن فيها، وحمزة بالرتبة السنية المانعة له من نقل قراءة ضعيفة.
وقرأ عبد الله أيضا: وَالْأَرْحامَ رفعا وهو على الابتداء، والخبر محذوف فقدره ابن عطية:
«أهل أن توصل» ، وقدره الزمخشرى:«والأرحام مما يتقى، أو مما يتساءل به» ، وهذا أحسن:
للدلالة اللفظية والمعنوية، بخلاف الأول؛ فإنه للدلالة المعنوية فقط، وقدره أبو البقاء:
«والأرحام محترمة» أى: واجب حرمتها. ينظر: الدر المصون (2/ 296 - 297).
(3)
فى م: الهمزة.
(4)
فى م: تعليلية.
محله نصب بنزع الخافض، و (فى) معطوف عليه، و (الجميع وقف) اسمية، و (كغيره) صفة مصدر حذف، وتقديره: والجميع وقف على «رأى» الذى قبل ساكن وقوفا مثل الوقوف على غيره مما ليس قبله ساكن.
فإن قلت: كان المناسب أن يقول: وقفوا؛ ليناسب (1) المبتدأ.
قلت: حصلت المطابقة باعتبار لفظ المبتدأ. أقول: اعلم أن «رأى» تارة تقع قبل متحرك وتارة قبل ساكن، والأول ظاهر ومضمر، فالظاهر سبعة مواضع: رَأى كَوْكَباً بالأنعام [الآية: 76] ورَأى أَيْدِيَهُمْ بهود [الآية: 70] ورَأى قَمِيصَهُ بيوسف [الآية:
28] ورَأى بُرْهانَ رَبِّهِ بها [الآية: 24] ورَأى ناراً بطه [الآية: 10] ورَأى أَفَتُمارُونَهُ ولَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ كلاهما بالنجم [الآيتان: 12، 18].
والمضمر ثلاث كلمات فى تسعة (2) مواضع: رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بالأنبياء [الآية:
36] ورَآها تَهْتَزُّ* بالنمل [الآية: 10] والقصص [الآية: 31] ورَآهُ* بالنمل أيضا [الآية: 40] وبفاطر [الآية: 8] والصافات [الآية: 55] والنجم [الآية: 13] والتكوير [الآية: 23] والعلق [الآية: 7].
والساكن ستة: رَأَى الْقَمَرَ ورَأَى الشَّمْسَ وكلاهما (3) بالأنعام [الآيتان: 77 - 78] ورَأَى الَّذِينَ ظَلَمُوا بالنحل [الآية: 85] ورَأَى الَّذِينَ أَشْرَكُوا بها [الآية: 86]، ووَ رَأَى الْمُجْرِمُونَ بالكهف [الآية: 53] ووَ لَمَّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ بالأحزاب [الآية: 22].
وبدأ بما بعده متحرك ظاهر أو مضمر، أى: أمال كبرى الهمزة والراء معا من «رأى» حيث وقعت إذا كان بعد الألف متحرك، سواء كان ظاهرا أو مضمرا- ذو ميم (من) ابن ذكوان ومدلول (صحبة) حمزة، والكسائى وأبو بكر وخلف، واختلف عن ذى لام (لنا) هشام فى الستة عشر:
فروى الجمهور عن الحلوانى عنه فتح الراء (4) والهمزة، وهو الأصح عنه، وكذا روى أبو العلاء والقلانسى وابن الفحام وغيرهم عن الداجونى عنه إمالتهما (5)، وهو الذى فى «المبهج» و «كامل الهذلى» ، ورواه صاحب «المستنير» [عن ابن المفسر](6) عن الداجونى، وهذا هو المشهور عن الداجونى، وقطع به صاحب «التجريد» عن الحلوانى من قراءته على
(1) فى م، ص: لتناسب.
(2)
فى د: سبعة.
(3)
فى د، ز: كلاهما بدون واو.
(4)
فى ز، د: الواو.
(5)
فى ز، د: إمالتها.
(6)
سقط فى م.
الفارسى فى السبعة، ومن قراءته على عبد الباقى فى غير سورة النجم، والوجهان صحيحان.
ثم خصص عموم موافقة أبى بكر [للكوفيين](1) فقال: (وغير الأولى) أى: لا خلاف عن ذى صاد (صف) أبى بكر فى إمالة رَأى كَوْكَباً [الأنعام: 76] وهو المراد بالأولى، واختلف عنه فى الخمسة عشر الباقية، فأمال الحرفين منها يحيى بن آدم عنه، وفتحهما العليمى، فهذان طريقان، [وله طريقان] (2) آخران:
أولاهما: فتحهما فى الستة عشر، [وهى] طريق «المبهج» عن أبى [عون](3) عن يحيى، وعن الرزاز عن العليمى، والثانية: فتح الراء وإمالة الهمزة [وهى] طريق (4) صاحب «العنوان» فى أحد وجهيه عن (5) شعيب عن يحيى.
لكن هاتان وقع فيهما انفراد.
وأمال ذو حاء (حف) أبو عمرو الهمزة فقط من الستة [عشر](6) موضعا.
وقوله: (وذو الضمير) تخصيص لعموم مذهب ابن ذكوان، أى: لا خلاف عنه [فى إمالة السبعة الواقعة قبل ظاهر.
واختلف عنه] (7) فيما وقع قبل مضمر، هل يمال الحرفان معا أو لا يمالان معا، أو تمال الهمزة دون الراء؟ فأمال (8) الراء والهمزة جميعا عنه المغاربة قاطبة، وجمهور المصريين، ولم يذكر صاحب «التيسير» وأبو العلاء عن الأخفش (9) من طريق النقاش سواه، وبه قطع ابن فارس فى «جامعه» لابن ذكوان من طريقى (10) الأخفش، والرملى.
وفتحهما جميعا عن ابن ذكوان جمهور العراقيين وهو طريق ابن الأخرم عن الأخفش.
وفتح الراء وأمال الهمزة الجمهور عن الصورى.
ولم يذكر أبو العز وأبو العلاء عنه سواه، وبالفتح قطع أبو العز للأخفش من (11) جميع طرقه، وابن مهران وسبط الخياط وغيرهم.
وقوله: «قللهما» : أى أمل صغرى لذى جيم (جرى) ورش من طريق الأزرق الهمزة والراء معا فى المواضع الستة عشر وهو المراد بقوله: (كلا) وأخلص الباقون الفتح فى ذلك.
(1) سقط فى ص.
(2)
سقط فى م.
(3)
سقط فى د.
(4)
فى م: طابق.
(5)
فى د: على.
(6)
سقط فى د.
(7)
ما بين المعقوفين سقط فى م.
(8)
فى د، ز، ص: وأمال.
(9)
فى م: الأعمش.
(10)
فى د: طريق.
(11)
فى ص: عن.
وأما إذا كان قبل ساكن، فأمال مدلول (صفا) أبو بكر، وخلف، وذو فاء (فد) حمزة الراء، وفتحوا الهمزة، وفتحهما (1) الباقون، هذا حكم الوصل (2).
فإن وقفوا عليه فحكمه حكم ما ليس بعده ساكن.
وجه إمالة حرفى رَأَى* [الكهف: 53، والنحل: 85]: أن الألف يائية، ولزم من إمالتها الهمزة، ثم أميلت فتحة الراء؛ للمجانسة فهى إمالة لإمالة، لا سيما وهى: راء، وأيضا لاصقت همزة؛ ولهذا لم تجز (3) إمالة فتحة نون نَرَى* وراء رَمى [الأنفال:
17].
ووجه إمالة الألف وفتح الراء إلحاق رَأْيَ* بنحو يَرَى*. ووجه استثناء المضمر:
بعد الألف عن محل التغيير (4).
ووجه تقليلهما: طرد الأصل والمجانسة.
ووجه إمالتهما مع السكون: استصحاب حالهما مع الألف وإلغاء العارض.
ووجه فتحهما لمميلهما وقفا: أن التابع يتبع المتبوع.
ووجه فتحهما: الأصل.
تنبيه: انفرد (5) الشاطبى- رحمه الله بحكاية إمالة الراء فيما بعده متحرك عن السوسى، فخالف فيه سائر الناس من طريق كتابه و «التيسير» ، ولم يرو أيضا من طريق هذا الكتاب، [وإنما رواه عنه صاحب «التجريد» من طريق أبى بكر القرشى (6) عن السوسى، وليس هو من طرق (7) هذا الكتاب](8).
وقوله فى «التيسير» : «وقد روى عن أبى شعيب مثل حمزة» لا يدل على ثبوته من طرقه (9)؛ فإنه قد صرح بخلافه فى «جامع البيان» ، فقال:«إنه قرأ على أبى الفتح فى رواية السوسى من [غير] (10) طريق ابن جرير، فيما لم يستقبله ساكن وفيما استقبله، بإمالة فتحة الحرفين معا، وأمال إذا كان بعده ساكن» . فهذا نص الدانى على أنه قرأ على أبى الفتح بإمالة الحرفين معا، وابن جرير ليس من طرق (11)«الشاطبية» و «التيسير» إلا هو، وعلى هذا فليس إلى الأخذ به فى الساكن وغيره (12) سبيل من طرق هذه الكتب كلها، على أن
(1) فى د: وفتحها.
(2)
فى م: الأصل.
(3)
فى ص: لم تجر.
(4)
فى د: التعبير.
(5)
فى م: وجه انفراد.
(6)
فى م: الفارسى.
(7)
فى م: طريق.
(8)
ما بين المعقوفين سقط فى د.
(9)
فى م: طريق.
(10)
سقط فى د.
(11)
فى م: طريق.
(12)
فى م: وغير.
ذلك مما انفرد به أبو الفتح من الطرق التى ذكرها عنه سوى [طريق](1) ابن جرير، وهى (2) طريق أبى بكر القرشى، والرقى، وأبى عثمان النحوى، ومن طريق القرشى، ذكره صاحب «التجريد» من قراءته على عبد الباقى [و] ابن فارس عن أبيه.
وأخذ بعضهم بظاهر «الشاطبية» ، فأخذ (3) للسوسى فيما بعده ساكن بأربعة أوجه مركبة من وجهى الراء ووجهى الهمزة، ولا يصح من طريق الكتابين سوى فتحهما، وأما إمالتهما فمن طريق من تقدم.
وأما فتح الراء وإمالة الهمزة فلا يصح (4) من طريق السوسى البتة، وإنما روى من طريق أبى حمدون عبد الرحمن وإبراهيم ابني (5) اليزيدى، ومن طريقهما حكاه فى «التيسير» وصححه، على أن أحمد بن حفص (6) الخشاب وأبا العباس حكياه (7) أيضا (8) عن السوسى.
وأما إمالة الراء وفتحة (9) الهمزة فلم ترد (10) عن السوسى بطريق من الطرق، وسنذكر بقية المسألة آخر الباب، وإنما قدمتها تسهيلا على الناظرين، والله أعلم.
وانفرد الشاطبى أيضا بإمالة الهمزة عن أبى بكر، وإنما رواه خلف عن يحيى بن آدم عن أبى بكر، حسبما نص عليه الدانى فى «جامعه» ، حيث سوى فى ذلك بين ما بعده متحرك وساكن.
ونص فى «تجريده» عن يحيى [بن آدم](11) عن أبى بكر [على أن] الباب كله بكسر الراء ولم يذكر الهمزة، وكان ابن مجاهد يأخذ من طريق خلف عن يحيى بإمالتهما، ونص على ذلك فى كتابه، وخالفه سائر الناس فلم يأخذوا لأبى بكر من جميع طرقه إلا بإمالة الراء، وفتح الهمزة.
وقد صحح الدانى إمالتهما من طريق خلف حسبما نص عليه فى «التيسير» فتوهم الشاطبى أنه من طريق كتابه فحكى فيه الخلاف عنه، والصواب إمالة الراء فقط من طرق هذا الكتاب، ومن جملتها طرق الكتابين.
ثم انتقل إلى الكسرة المصاحبة للراء فقال:
(1) سقط فى د.
(2)
فى م: وهو.
(3)
فى م: وأخذ، وفى ص: وأخذ السوسى.
(4)
فى ز، د، م: لا يصح.
(5)
فى م، ص: ابن.
(6)
فى م: ابن جعفر.
(7)
فى م: حكاه.
(8)
فى د: نصّا.
(9)
فى م: وفتح.
(10)
فى م: فلم يرد.
(11)
زيادة من ص.