الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الثالث: ما المقصود بهذه السبعة
؟
فأقول: أجمعوا أولا على أن المقصود ليس هو أن يقرأ الحرف الواحد على سبعة أوجه (1)؛ إذ لا يوجد ذلك إلا فى كلمات يسيرة نحو أُفٍّ [الإسراء: 23] ولِجِبْرِيلَ [البقرة: 97] وهَيْهاتَ [المؤمنون: 36] وهَيْتَ [يوسف: 23] وعلى أنه ليس المراد بالسبعة: هؤلاء المشهورين؛ لعدم وجودهم فى ذلك الوقت.
ثم اختلفوا فقال أكثرهم: هى لغات، ثم اختلفوا فى تعيينها:
فقال أبو عبيد: (قريش) و (هذيل) و (ثقيف) و (هوازن) و (كنانة) و (تميم) و (اليمن).
وقال غيره: خمس لغات فى أكناف هوازن: (سعد) و (ثقيف) و (كنانة) و (هذيل) و (قريش)، ولغتان على جميع ألسنة العرب.
من قوله عليه السلام: «نزل القرآن على سبعة أحرف كلها شاف كاف» ، أراد بالحرف اللغة.
قال أبو عبيد وأبو العباس: نزل على سبع لغات من لغات العرب.
قال: وليس معناه أن يكون فى الحرف الواحد سبعة أوجه، هذا لم يسمع به، قال: ولكن يقول هذه اللغات متفرقة فى القرآن، فبعضه بلغة قريش، وبعضه بلغة أهل اليمن، وبعضه بلغة هوازن، وبعضه بلغة هذيل وكذلك سائر اللغات ومعانيها فى هذا كله واحد.
وقال غيره: وليس معناه أن يكون فى الحرف الواحد سبعة أوجه، على أنه قد جاء فى القرآن ما قد قرئ بسبعة وعشرة نحو مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة: 4] ووَ عَبَدَ الطَّاغُوتَ [المائدة: 60] ومما يبين ذلك قول ابن مسعود: إنى قد سمعت القراء فوجدتهم متقاربين، فاقرءوا كما علمتم إنما هو كقول أحدكم هلم وتعال وأقبل.
قال ابن الأثير: وفيه أقوال غير ذلك، هذا أحسنها.
والحرف فى الأصل: الطرف والجانب، وبه سمى الحرف من حروف الهجاء.
وروى الأزهرى عن أبى العباس أنه سئل عن قوله: نزل القرآن على سبعة أحرف فقال: ما هى إلا لغات.
قال الأزهرى: فأبو العباس النحوى، وهو واحد عصره قد ارتضى ما ذهب إليه أبو عبيد واستصوبه.
قال: وهذه الأحرف السبعة التى معناها اللغات غير خارجة من الذى كتب فى مصاحف المسلمين التى اجتمع عليها السلف المرضيون والخلف المتبعون. فمن قرأ بحرف لا يخالف المصحف بزيادة أو نقصان أو تقديم مؤخر أو تأخير مقدم، وقد قرأ به إمام من أئمة القراء المشتهرين فى الأمصار، فقد قرأ بحرف من الحروف السبعة التى نزل القرآن بها.
ومن قرأ بحرف شاذ يخالف المصحف وخالف فى ذلك جمهور القراء المعروفين فهو غير مصيب، وهذا مذهب أهل العلم الذين هم القدوة ومذهب الراسخين فى علم القرآن قديما وحديثا، وإلى هذا أومأ أبو العباس النحوى وأبو بكر بن الأنبارى فى كتاب له ألفه فى اتباع ما فى المصحف الإمام، ووافقه على ذلك أبو بكر بن مجاهد مقرئ أهل العراق وغيره من الأثبات المتقنين، قال: ولا يجوز عندى غير ما قالوا، والله تعالى يوفقنا للاتباع ويجنبنا الابتداع.
ينظر: لسان العرب (2/ 837 - 838).
(1)
فى م: أحرف.
وقال الهروى: سبع لغات من لغات العرب، أى: أنها متفرقة فى القرآن، فبعضه بلغة (قريش)، وبعضه بلغة (هذيل)، وبعضه بلغة (هوازن)، وبعضه بلغة (اليمن).
وفى هذه الأقوال كلها نظر؛ فإن عمر وهشاما اختلفا فى سورة الفرقان، وكلاهما قرشيان من لغة واحدة.
وقيل: المراد بها: معانى الأحكام كالحلال، والحرام، والمحكم والمتشابه، والأمثال، والإنشاء، والإخبار.
وقيل: الناسخ، والمنسوخ، والخاص والعام، والمجمل، والمبين، والمفسر.
وقيل: الأمر، والنهى، والطلب، والدعاء والخبر، والاستخبار، والزجر (1).
وقيل: الوعد، والوعيد، والمطلق والمقيد، والتفسير (2)، والإعراب، والتأويل.
وفى هذه الأقوال أيضا نظر؛ فإن سببه- وهو اختلاف عمر وهشام- لم يكن إلا فى قراءة حروفه، لا فى تفسيره ولا أحكامه.
فإن قلت (3): فما تقول فيما رواه الطبرانى (4) من حديث عمر بن أبى سلمة (5) المخزومى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال لابن مسعود: «إنّ الكتب كانت تنزل من السّماء من باب واحد (6)، وإنّ القرآن أنزل من سبعة أبواب على سبعة أحرف: حلال، وحرام، ومتشابه، وضرب أمثال، وأمر، وزجر (7)
…
» الحديث (8).
فالجواب: إما بأن هذه السبعة غير السبعة التى فى تلك الأحاديث؛ لأنه فسرها، وقال فيه: فأحل حلاله، وحرم حرامه، ثم أكده بالأمر فقال فيه: آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا [آل عمران: 7]. أو بأن السبعة فيهما متحدان، ويكون قوله:«حلال وحرام» تفسيرا للسبعة الأبواب، أو بأن قوله: «حلال وحرام
…
» إلخ، لا تعلق له بالسبعة، بل إخبار عن القرآن، أى: هو كذا وكذا، واتفق كونه بصفات سبع كذلك (9).
(1) فى د: الرجز.
(2)
فى م: والتغير.
(3)
فى م: ما تقول.
(4)
فى ص: الطبرى.
(5)
فى م: عمرو بن سلمة، وفى ص: عمرو بن أبى سلمة.
(6)
فى م: على حرف واحد.
(7)
فى ز: آمر وزاجر، وفى ص: وأوامر وزجر.
(8)
تقدم.
(9)
والقائلون بهذا اختلفوا فى تعيين السبعة:
فقيل: زجر وأمر وحلال وحرام ومحكم ومتشابه وأمثال. حكاه ابن حبان عن بعض العلماء، وحكى السيوطى عن بعضهم مثله إلا أنه استبدل بالزجر النهى.
وقيل: حلال وحرام ومحكم ومتشابه وأمثال وإنشاء وإخبار.
وقيل: ناسخ ومنسوخ وخاص وعام ومجمل ومبين ومفسر.
وقيل: أمر ونهى وطلب ودعاء وخبر واستخبار وزجر.
وقيل: وعد ووعيد ومطلق ومقيد وتفسير وإعراب وتأويل. وهذه الأقوال الأربعة الأخيرة حكاها ابن الجزرى فى النشر.
وقيل: المطلق والمقيد، والعام والخاص، والنص والمؤول، والناسخ والمنسوخ، والمجمل والمفصل، والاستثناء، والأقسام. حكاه شيذلة عن الفقهاء.
وقيل: الحذف والصلة والتقديم والتأخير، والاستعارة والتكرار والكناية والحقيقة والمجاز، والمجمل والمفصل، والظاهر والغريب. حكاه شيذلة عن أهل اللغة.
وقيل: التذكير والتأنيث، والشرط والجزاء، والتصريف والإعراب، والأقسام وجوابها، والجمع والإفراد، والتصغير والتعظيم، واختلاف الأدوات. حكاه عن النحاة.
وقيل: سبعة أنواع من المعاملات: الزهد والقناعة مع اليقين والجزم، والخدمة مع الحياء، والكرم والفتوة مع الفقر، والمجاهدة والمراقبة مع الخوف والرجاء، والتذرع والاستغفار مع الرضا، والشكر والصبر مع المحاسبة، والمحبة والشوق مع المشاهدة. حكاه عن الصوفية.
وقيل: سبعة علوم: علم الإنشاء والإيجاد، وعلم التوحيد والتنزيه، وعلم صفات الذات، وعلم صفات الفعل، وعلم صفات العفو والعذاب، وعلم الحشر والحساب، وعلم النبوات.
وحكى ابن حبان أقوالا ونقلها عنه السيوطى فى الإتقان ما يلى:
قيل: حلال وحرام وأمر ونهى وزجر وخبر ما هو كائن بعده وأمثال.
وقيل: وعد ووعيد وحلال وحرام ومواعظ وأمثال واحتجاج.
وقيل: أمر ونهى وبشارة ونذارة وأخبار وأمثال.
وقيل: محكم ومتشابه وناسخ ومنسوخ وخصوص وعموم وقصص.
وقيل: أمر وزجر وترغيب وترهيب وجدل وقصص ومثل.
وقيل: أمر ونهى وحد وعلم وسر وظهر وبطن.
وقيل: ناسخ ومنسوخ ووعد ووعيد ورغم وتأديب وإنذار.
وقيل: حلال وحرام وافتتاح وأخبار وفضائل وعقوبات.
وقيل: أوامر وزواجر وأمثال وأنباء وعتب ووعظ وقصص.
وقيل: حلال وحرام وأمثال ومنصوص وقصص وإباحات.
وقيل: ظهر وبطن وفرض وندب وخصوص وعموم وأمثال.
وقيل: أمر ونهى ووعد ووعيد وإباحة وإرشاد واعتبار.
وقيل: مقدم ومؤخر وفرائض وحدود ومواعظ ومتشابه وأمثال.
وقيل: مقيس ومجمل ومقضى وندب وحتم وأمثال.
وقيل: أمر حتم، وأمر ندب ونهى حتم ونهى ندب وأخبار وإباحات.
وقيل: أمر فرض ونهى حتم وأمر ندب ونهى مرشد ووعد ووعيد وقصص.
وقيل: سبع جهات لا يتعداها الكلام: لفظ خاص أريد به الخاص ولفظ عام أريد به العام، ولفظ عام أريد به الخاص، ولفظ خاص أريد به العام، ولفظ يستغنى بتنزيله عن تأويله، ولفظ لا يعلم فقهه إلا العلماء، ولفظ لا يعلم معناه إلا الراسخون.
وقيل: إظهار الربوبية وإثبات الوحدانية وتعظيم الألوهية والتعبد لله ومجانبة الإشراك والترغيب فى الثواب والترهيب من العقاب.
وقيل: تصريف ومصادر وعروض وغريب وسجع ولغات مختلفة كلها فى شىء واحد.
وقيل: هى آية فى صفات الذات، وآية تفسيرها فى آية أخرى، وآية بيانها فى السنة الصحيحة، وآية فى قصة الأنبياء والرسل، وآية فى خلق الأشياء، وآية فى وصف الجنة، وآية فى وصف النار وقيل:
آية فى وصف الصانع، وآية فى إثبات الوحدانية له، وآية فى إثبات صفاته، وآية فى إثبات رسله، وآية فى إثبات كتبه، وآية فى إثبات الإسلام، وآية فى نفى الكفر.
وقيل: سبع جهات من صفات الذات التى لا يقع عليها التكييف.
وقيل: الإيمان بالله، ومجانبة الشرك وإثبات الأوامر ومجانبة الزواجر والثبات على الإيمان وتحريم ما حرم الله وطاعة رسوله.
ثم هذه الأقوال كلها، لم تنسب لأحد من أهل العلم معين، ولم يذكر لها مستند إلا القول الأول منها فقد استدل قائلوه بما أخرجه الحاكم والبيهقى وغيرهما عن ابن مسعود عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «كان الكتاب الأول ينزل من باب واحد وعلى حرف واحد ونزل القرآن من سبعة أبواب على سبعة أحرف زاجر وآمر وحلال وحرام ومحكم ومتشابه وأمثال
…
» الحديث. وبما أخرجه الطبرانى من حديث عمر بن أبى سلمة المخزومى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال لابن مسعود: «إن الكتب كانت تنزل من السماء من باب واحد وإن القرآن أنزل من سبعة أبواب على سبعة أحرف حلال وحرام ومحكم ومتشابه وضرب أمثال وآمر وزاجر
…
» الحديث.
ويناقش هذا الاستدلال بأنه معارض بالأحاديث الصحيحة الكثيرة التى يدل سياقها على أن المراد بالأحرف أن الكلمة تقرأ على وجهين وثلاثة إلى سبعة تيسيرا وتهوينا. والشيء الواحد لا يكون حلالا حراما فى آية واحدة.
قال ابن أبى عمران: تأويل الأحرف بالأصناف عندى فاسد لأن الحرف الذى أمر جبريل النبى صلى الله عليه وسلم أن يقرأ عليه محال أن يكون حراما لا ما سواه. أو يكون حلالا لا ما سواه لأنه لا يحتمل أن يقرأ القرآن على أنه حرام كله ولا أنه حلال كله. اه.
وقال ابن عطية: هذا القول ضعيف لأن الإجماع على أن التوسعة لم تقع فى تحريم حلال ولا تحليل حرام، ولا فى تغيير شىء من المعانى المذكورة. اه.
وقال الماوردى: هذا القول خطأ لأنه صلى الله عليه وسلم أشار إلى جواز القراءة بكل واحد من الحروف، وإبدال حرف بحرف، وقد أجمع المسلمون على تحريم إبدال آية أمثال بآية أحكام. اه.
وقال ابن جرير: معلوم أن تماريهم- يعنى الصحابة- فيما تماروا فيه لو كان تماريا واختلافا فيما دلت عليه تلاواتهم من التحليل والتحريم والوعد والوعيد وما أشبه ذلك لكان مستحيلا أن يصوب جميعهم صلى الله عليه وسلم، ويأمر كل قارئ منهم أن يلزم قراءته فى ذلك على النحو الذى هو عليه، لأن ذلك لو جاز أن يكون صحيحا وجب أن يكون الله جل ثناؤه قد أمر بفعل شىء بعينه وفرضه فى تلاوة من دلت تلاوته على فرضه، ونهى عن فعل ذلك الشيء بعينه وزجر عنه فى تلاوة الذى دلت تلاوته على النهى والزجر عنه، وأباح وأطلق فعل ذلك الشيء بعينه وجعل لمن شاء من عباده أن يفعله- فعله، ولمن شاء منهم أن يتركه- تركه؛ فى تلاوة من دلت تلاوته على التخيير، وذلك من قائله- إن قاله- إثبات ما قد نفى الله جل ثناؤه عن تنزيله وحكم كتابه، فقال: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً [النساء: 82] وفى نفى الله جل ثناؤه ذلك عن حكم كتابه أوضح الدليل على أنه لم ينزل كتابه على لسان محمد صلى الله عليه وسلم إلا بحكم واحد متفق فى جميع خلقه، لا بأحكام فيهم مختلفة؛ وفى صحة كون ذلك كذلك ما يبطل دعوى من ادعى أن الأحرف هى المعانى فى تأويل قول النبى صلى الله عليه وسلم أنزل القرآن على سبعة أحرف للذين تخاصموا إليه عند اختلافهم فى قراءتهم لأنه صلى الله عليه وسلم قد أمر جميعهم بالثبوت على قراءته، ورضى قراءة كل قارئ منهم على خلافها
قراءة خصومه ومنازعيه فيها، وصوبها، ولو كان ذلك منه تصويبا فيما اختلفت فيه المعانى، وكان قوله صلى الله عليه وسلم:«أنزل القرآن على سبعة أحرف» إعلاما منه لهم أنه نزل بسبعة أوجه مختلفة وسبعة معان مفترقة، كان ذلك إثباتا لما قد نفى الله عن كتابه من الاختلاف، ونفيا لما قد أوجب لهم من الائتلاف؛ مع أن فى قيام الحجة بأن النبى صلى الله عليه وسلم لم يقض فى شىء واحد فى وقت واحد بحكمين مختلفين؛ ولا أذن بذلك لأمته- ما يغنى عن الإكثار فى الدلالة على أن ذلك منفى عن كتاب الله. اه.
وبهذا يعلم أن الحديث المذكور مردود إن لم يمكن الجمع بينه وبين الأحاديث الكثيرة الصحيحة. وقد جمع بينهما العلماء بأوجه فقال البيهقى: المراد بالسبعة الأحرف هنا الأنواع التى نزل عليها والمراد بها فى تلك الأحاديث اللغات التى يقرأ بها. اه.
وقال القاضى ابن الطيب: ليست هذه هى التى أجاز لهم القراءة بها وإنما الحرف فى هذه بمعنى الجهة والطريقة؛ ومنه قوله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلى حَرْفٍ [الحج: 11] فكذلك معنى هذا الحديث على سبع طرائق من تحليل وتحريم وغير ذلك. اه.
وقال أبو على الأهوازى، وأبو العلاء الهمدانى: قوله فى الحديث: «زاجر وآمر .. » إلخ استئناف كلام آخر: أى هو زاجر أى القرآن ولم يرد به تفسير الأحرف السبعة؛ وإنما توهم ذلك من توهمه من جهة الاتفاق فى العدد؛ ويؤيده أنه جاء فى بعض طرقه: زاجرا وآمرا
…
إلخ. بالنصب: أى نزل على هذه الصفة من الأبواب السبعة. اه.
وقال أبو شامة: يحتمل أن يكون التفسير المذكور للأبواب لا للأحرف أى هى سبعة أبواب من أبواب الكلام وأقسامه، وأنزله الله على هذه الأصناف لم يقتصر منها على صنف واحد كغيره من الكتب. اه.
وقال ابن جرير: وأما معنى قوله صلى الله عليه وسلم: إن الكتاب الأول نزل من باب واحد، ونزل القرآن من سبعة أبواب فإنه صلى الله عليه وسلم عنى بقوله:«نزل الكتاب الأول من باب واحد» والله أعلم: ما نزل من كتب الله على من أنزله من أنبيائه خاليا من الحدود والأحكام والحلال والحرام، كزبور داود الذى إنما هو تذكير ومواعظ، وإنجيل عيسى الذى هو تمجيد ومحامد وحض على الصفح والإعراض دون غيرها من الأحكام والشرائع، وما أشبه ذلك من الكتب التى نزلت ببعض المعانى السبعة التى يحوى جميعها كتابنا الذى خص الله به نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم وأمته. فلم يكن المتعبدون بإقامته يجدون لرضا الله- تعالى ذكره- مطلبا ينالون به الجنة ويستوجبون منه القربة إلا من الوجه الواحد الذى أنزل به كتابهم وذلك هو الباب الواحد من أبواب الجنة الذى نزل منه ذلك الكتاب وخص الله نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم وأمته بأن أنزل عليهم كتابه على أوجه سبعة، من الوجوه التى ينالون بها رضوان الله، ويدركون بها الفوز بالجنة إذا أقاموها، فلكل وجه من أوجهه السبعة باب من أبواب الجنة الذى نزل منه القرآن، لأن العامل بكل وجه من أوجهه السبعة، عامل فى باب من أبواب الجنة، وطالب من قبله الفوز بها، والعمل بما أمر الله- جل ذكره- فى كتابه، باب من أبواب الجنة، وترك ما نهى الله عنه فيه، باب آخر ثان من أبوابها، وتحليل ما أحل الله فيه، باب ثالث من أبوابها، وتحريم ما حرم الله فيه؛ باب رابع من أبوابها، والإيمان بحكمه المبين؛ باب خامس من أبوابها، والتسليم لمتشابهه الذى استأثر الله بعلمه وحجب علمه عن خلقه والإقرار بأن كل ذلك من عند ربه؛ باب سادس من أبوابها، والاعتبار بأمثاله والاتعاظ بعظاته، باب سابع من أبوابها. فجميع ما فى القرآن من حروفه السبعة، وأبوابه السبعة التى نزل منها، جعله الله لعباده إلى رضوانه هاديا، ولهم إلى الجنة قائدا، فذلك معنى قوله صلى الله عليه وسلم:«نزل القرآن من سبعة أبواب الجنة» . اه.