الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(فَصْلٌ) في المفطِّرات
-
مسألةٌ: مُفَطِّرَاتُ الصَّائم:
المفطِّر الأوَّل: (وَمَنْ أَكَلَ، أَوْ شَرِبَ) أو أدخل إلى معدته طعامًا أو شرابًا، سواءً عن طريق الأنف، أو الفم، أو غيرهما، لم يَخْلُ من حالتين:
الأُولى: أن يكون ممَّا يغذِّي: فيفطر إجماعًا؛ لقول الله عز وجل: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ).
الثَّانية: أن يكون غير مغذٍّ؛ كالحصاة وقطعة حديدٍ: فيفطر في قول عامَّة أهل العلم؛ لإطلاق الأدلَّة، وأكل الحصاة يُسَمَّى:«أكلًا» .
واختار شيخ الإسلام: لا يفطِّر؛ لأنَّ المعنى الَّذي بسببه مُنِعَ الصَّائم من الأكل والشُّرب هو التَّغذِّي وتقوية البدن، وهذه علَّةٌ غير موجودةٍ في مثل الحصاة، ولا دليلَ على الفطر بها.
المفطِّر الثَّاني: (أَوْ اكْتَحَلَ) الصَّائم (بِمَا) أي: بشيءٍ (عَلِمَ وُصُولَهُ إِلَى حَلْقِهِ) لرطوبته أو برودته (مِنْ كُحْلٍ وَنَحْوِهِ) كصُبرٍ أو قطورٍ ونحوه؛ فسد صومُه؛ لأنَّ العين منفذٌ وإن لم يكن معتادًا.
واختار شيخ الإسلام: لا يفطر بالكحل؛ لأنَّ الأصل عدم الفطر، ولأنَّه ليس بأكلٍ ولا شربٍ ولا في معناهما، فلا يصحُّ القياس عليهما.
المفطِّر الثَّالث: (أَوْ أَدْخَلَ إِلَى جَوْفِهِ) غير المعدة؛ كدماغه، أو حلقه، أو دبره، (شَيْئًا) من الطَّعام أو الشَّراب أو غيرهما؛ أفطر؛ قياسًا على الأكل والشُّرب، ولحديث لقيط بن صبرةَ رضي الله عنه:«وَبَالِغْ فِي الِاسْتِنْشَاقِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ صَائِمًا» [أبو داود: 142، والترمذي: 788، والنسائي: 87، وابن ماجه: 407]، فدلَّ على فساد الصَّوم إذا وصل إلى خياشيمه.
واختار شيخ الإسلام: لا يفطر ذلك؛ لأنَّ الأصل عدم الفطر، وهذه الأمور ليست أكلًا ولا شربًا ولا في معنى الأكل والشُّرب، فلا يصحُّ القياس عليها.
- فرعٌ: (أَوْ وَجَدَ طَعْمَ عِلْكٍ مَضَغَهُ بِحَلْقِهِ)؛ فسد صومه؛ لأنَّه دليلُ وصول أجزائه إليه.
- فرعٌ: (أَوْ وَصَلَ إِلَى فَمِهِ نُخَامَةٌ) مطلقًا، سواءً كانت من دماغه، أو حلقه، أو صدره، (فَابْتَلَعَهَا) فسد صومه؛ لعدم مشقَّة التَّحرُّز عنها بخلاف البصاق.
وفي وجهٍ، واختاره ابن عثيمينَ: لا يفطر ببلع النُّخامة؛ لأنَّه معتادٌ في الفم أشبهَ الرِّيق، ولأنَّه لا يُعَدُّ أكلًا ولا شربًا.
المفطِّر الرَّابع: إخراج القيء عمدًا، بأيِّ طريقةٍ كانت.
ولا يخلو خروج القيء من قسمين:
1 -
أن يكون عمدًا: وأشار إليه بقوله: (أَوِ اسْتَقَاءَ) أي: استدعى القيء (فَقَاءَ) طعامًا، أو دمًا، أو غير ذلك، فسد صومه، ولو قلَّ، واختاره شيخ الإسلام؛ لحديث أبي هريرةَ رضي الله عنه مرفوعًا:«مَنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ، وَمَنِ اسْتَقَاءَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ» [أحمد: 10463، وأبو داود: 2380، والترمذي: 720، وابن ماجهْ: 1676].
2 -
أن يكون بغير عمدٍ، بحيث يذرعه القيء - أي: غلبه القيء وسبقه: لم يفسد صومُه، قال شيخ الإسلام:(لا أعلم خلافًا بين أهل العلم)؛ لحديث أبي هريرةَ رضي الله عنه السَّابق.
المفطِّر الخامس: خروج المنيِّ عمدًا: وخروج المنيِّ لا يخلو من أقسامٍ:
1 -
أن يخرج باحتلامٍ: فلا يفسد الصَّوم؛ لأنَّ القلم مرفوعٌ عن النَّائم.
2 -
أن يخرج باستمناءٍ، أي: استدعى خروج المنيِّ بيده أو بغيرها فخرج؛ فسد صومُه اتِّفاقًا؛ للحديث القدسيِّ في فضل الصَّوم، من حديث أبي هريرةَ رضي الله عنه:«يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَأَكْلَهُ وَشُرْبَهُ مِنْ أَجْلِي» [البخاري: 7492، ومسلم: 1151]، وإخراج المنيِّ فيه تمام الشَّهوة.
3 -
أن يخرج بمباشرةٍ دون الفرج، كالتَّقبيل أو اللَّمس: فسد صومُه اتِّفاقًا؛ لما تقدَّم في الاستمناء.
4 -
أن يخرج بتكرار النَّظر، وأشار إليه بقوله:(أَوْ كَرَّرَ النَّظَرَ فَأَمْنَى)؛ فسد صومُه؛ لأنَّه إنزالٌ بفعلٍ يلتذُّ به، ويمكن التَّحرُّز منه، أشبه الإنزال باللَّمس.
5 -
أن يخرج بنظرةٍ واحدةٍ: فلا يفسد الصَّوم؛ لعدم إمكان التَّحرُّز من النَّظرة الأُولى.
6 -
أن يخرج بتفكُّرٍ وحديث نفسٍ: لم يفسد الصَّوم؛ لحديث أبي هريرةَ رضي الله عنه مرفوعًا: «إِنَّ الله تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا، مَا لَمْ تَعْمَلْ أَوْ تَتَكَلَّمْ» [البخاري: 5269، ومسلم: 127].
7 -
أن يخرج بغير شهوةٍ؛ كمرضٍ ونحوه: لم يفسد صومُه؛ لأنَّه خرج بسببٍ ليس من جهته، أشبهَ الاحتلام.
المفطِّر السَّادس: خروج المذي بمباشرةٍ: وخروج المذي لا يخلو من حالتين:
1 -
خروجه بمباشرةٍ: وأشار إليه بقوله: (أَوِ اسْتَمْنَى، أَوْ قَبَّلَ، أَوْ لَمَسَ، أَوْ بَاشَرَ دُونَ الفَرْجِ فَأَمْنَى) وتقدَّم بيان حكمه، (أَوْ أَمْذَى): فسد صومُه؛ لأنَّه خارجٌ تخلَّله الشَّهوة، خرج بالمباشرة، أشبهَ المنيَّ.
2 -
خروجه بغير المباشرة: كما لو خرج بالنَّظرة، أو بتَكرار النَّظر، وغير ذلك؛ فلا يفسد الصَّوم؛ لأنَّه لا نصَّ فيه، والقياس على إنزال المنيِّ
لا يصحُّ؛ لمخالفته إيَّاه في الأحكام.
وعنه، واختاره شيخ الإسلام: لا يفطر بخروج المذي مطلقًا؛ لأنَّ الأصل صحَّة الصَّوم، ولا دليلَ على فساده بخروج المذي.
المفطِّر السَّابع: الحجامة، وأشار إليه بقوله:(أَوْ حَجَمَ) الصَّائمُ غيره، (أَوِ احْتَجَمَ) أي: حجمه غيرُه، سواءً في القفا أو في السَّاق أو في غيره، (وَظَهَرَ دَمٌ)؛ فسد صومه، واختاره شيخ الإسلام؛ لحديث رافع بن خديجٍ رضي الله عنه مرفوعًا:«أَفْطَرَ الحَاجِمُ وَالمَحْجُومُ» [أحمد: 15828، والترمذي: 774].
- فرعٌ: يُشْتَرَطُ في فساد صوم فاعل المفطِّرات السَّابقة ثلاثة شروطٍ:
1 -
أن يكون (عَامِدًا)، أي: قاصدًا للفعل، فإن كان غير قاصدٍ لم يفسد صومه، كمن طار إلى حلقه ذبابٌ وغبارٌ؛ لأنَّه غير مكلَّفٍ.
2 -
أن يكون (مُخْتَارًا)، فإن أفطر مُكْرَهًا لم يفسد صومه، سواءً أُكْرِهَ حتَّى أفطر بنفسه، أو فُعِلَ به الإفطار؛ لأنَّ الإكراه يرفع الحكم في أعظم المحظورات وهو الكفر، كما قال تعالى:(إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان)، فما دونه من المحظورات من باب أَوْلى.
3 -
أن يكون (ذَاكِرًا لِصَوْمِهِ)؛ أمَّا إن كان ناسيًا فلا يفسد صومه؛ ولحديث أبي هريرةَ السَّابق: «إِذَا نَسِيَ فَأَكَلَ وَشَرِبَ، فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ، فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ الله وَسَقَاهُ» .
فإذا اجتمعت الشُّروط الثَّلاثة فيمن فعل مفطِّرًا من المفطِّرات (أَفْطَرَ).