الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(فَصْلٌ فِي الفِدْيَةِ)
-
مسألةٌ: (وَهِيَ) أي: الفدية لغةً: ما يُعْطَى في افتكاك الأسير، أو إنقاذٍ من هلكةٍ، واصطلاحًا:(مَا يَجِبُ بِسَبَبِ إِحْرَامٍ أَوْ حَرَمٍ) مكِّيٍّ
.
-
مسألةٌ: الفدية على قسمين:
القسم الأوَّل: أن تكون على التَّخيير، وهي على نوعين:
النَّوع الأوَّل: ما فيه فدية أذًى، وذكره بقوله:(فَيُخَيَّرُ بِفِدْيَةِ حَلْقٍ وَإِزَالَةِ أَكْثَرَ مِنْ شَعْرَتَيْنِ أوْ ظُفُرَيْنِ، وَطِيبٍ، وَلُبْسِ مَخِيطٍ) لرجلٍ، (وَتَغْطِيَةِ رَأْسِ ذَكَرٍ، وَوَجْهِ امْرَأَةٍ، بَيْنَ) ثلاثة أمورٍ:
1 -
(صِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ).
2 -
(أَوْ إِطْعَامِ سِتَّةِ مَسَاكِينَ)، لـ (كُلِّ مِسْكِينٍ مُدُّ بُرٍّ أَوْ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ غَيْرِهِ)، واختاره شيخ الإسلام؛ قياسًا على كفَّارة اليمين.
وعنه: يجب نصف صاع في الفدية، سواءً كان من البُرِّ أو من بقيَّة الأصناف.
3 -
(أَوْ ذَبْحِ شَاةٍ)؛ لحديث كعب بن عجرةَ رضي الله عنه: حُمِلْتُ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والقمل يتناثر على وجهي، فقال:«مَا كُنْتُ أُرَى الوَجَعَ بَلَغَ بِكَ مَا أَرَى، تَجِدُ شَاةً؟ » فقلت: لا، فقال:«فَصُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ، أَوْ أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ، لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صَاعٍ» [البخاري 1816، ومسلم 1201].
(وَ) النَّوع الثَّاني: (فِي جَزَاءِ صَيْدٍ) ولا يخلو ذلك من أمرين:
الأوَّل: أن يكون الصَّيد له مِثْلٌ من النَّعَم: فَيُخَيَّرُ (بَيْنَ):
1 -
ذبح (مِثْلِ مِثْلِيٍّ) من النَّعم، يتصدَّق به على فقراء الحَرَمِ.
2 -
(أَوْ تَقْوِيمِهِ) أي: تقويم المِثْل لا تقويم الصَّيد؛ لقوله تعالى: (أو عدل ذلك صيامًا)، والإشارة راجعةٌ إلى المِثْل في قوله:(فجزاء مثل ما قتل من النعم).
فَيُقَوَّم المِثْل في الموضع الَّذي أُتْلِفَ الصَّيد فيه أو بقربه (بِدَرَاهِمَ يَشْتَرِي بِهَا طَعَامًا يُجْزِئُ) إخراجه (فِي فِطْرَةٍ) على ما تقدَّم في زكاة الفطر، (فَيُطْعِمُ كُلَّ مِسْكِينٍ مُدَّ بُرٍّ، أَوْ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ غَيْرِهِ)؛ كالواجب في فدية أذًى وكفَّارةٍ.
3 -
(أَوْ يَصُومُ عَنْ طَعَامِ كُلِّ مِسْكِينٍ يَوْمًا).
والدَّليل على ذلك: قوله تعالى: (وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِيَذُوقَ)، قال ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما:«إِذَا أَصَابَ الْمُحْرِمُ الصَّيْدَ يُحْكَمُ عَلَيْهِ جَزَاؤُهُ، فَإِنْ كَانَ عِنْدَهُ جَزَاؤُهُ ذَبَحَهُ وتصدَّق بِلَحْمِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ جَزَاؤُهُ قُوِّمَ جَزَاؤُهُ دَرَاهِمَ، ثُمَّ قُوِّمَتِ الدَّرَاهِمُ طَعَامًا، فَصَامَ مَكَانَ كُلِّ نِصْفِ صَاعٍ يَوْمًا» [التفسير لسعيد ابن منصور 832].
(وَ) الثَّاني: أن يكون الصَّيد لا مِثْلَ له من النَّعَم: فَيُخَيَّرُ بعد أن يُقَوَّم الصَّيد بدراهمَ؛ لتعذُّر المِثْل، (بَيْنَ إِطْعَامٍ أَوْ صِيَامٍ) على ما سبق، وأشار إلى هذا القسم بقوله:(فِي غَيْرِ مِثْلِيٍّ).
القسم الثَّاني من أقسام الفدية: أن تكون على التَّرتيب، وهي أنواعٌ، منها:
النَّوع الأوَّل: دم المتعة والقِرَان: وأشار إليه بقوله: (وَإِنْ عَدِمَ مُتَمَتِّعٌ أَوْ قَارِنٌ الهَدْيَ)، أو عدم ثمنَه، (صَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي الحَجِّ)، وسبعةً إذا رجع لأهله؛ لقوله تعالى:(فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ)، وقيس عليه القارن، وتقدَّم.
(وَالأَفْضَلُ جَعْلُ آخِرِهَا) أي: آخر الأيَّام الثَّلاثة صومًا (يَوْمَ عَرَفةَ)، واختاره شيخ الإسلام؛ لقول عليٍّ رضي الله عنه:«قَبْلَ يَوْمِ التَّرْوِيَةِ يَوْمًا، وَيَوْمَ التَّرْوِيَةِ، وَيَوْمَ عَرَفَةَ» [تفسير الطبري 3/ 422، وفيه انقطاع].
وعنه: الأفضل كون آخرها يوم التَّروية؛ لقول ابن عمرَ وعائشةَ رضي الله عنه: «الصِّيَامُ لِمَنْ تَمَتَّعَ بِالعُمْرَةِ إِلَى الحَجِّ، لِمَنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا: مَا بَيْنَ أَنْ يُهِلَّ بِالحَجِّ، إِلَى يَوْمِ عَرَفَةَ، فَإِنْ لَمْ يَصُمْ، صَامَ أَيَّامَ مِنًى» [البخاري 1895، والموطأ 1/ 426].
- فرعٌ: (وَ) يبدأ وقت صيام الأيَّام الـ (سبْعَةِ) من بعد أيَّام منًى وفراغه من أفعال الحجِّ، واختاره شيخ الإسلام؛ لأنَّ الصَّوم وُجِدَ من أهله بعد وجود سببه، والحُجَّاج إذا صدروا من منًى فقد شرعوا في الرُّجوع إلى أهليهم، فأجزأ؛ كصوم المسافر والمريض، فلا يصحُّ الصَّوم قبل فراغه منها.
ويُسْتَحَبُّ أن يكون صيام السَّبعة: (إِذَا رَجَعَ لِأَهْلِهِ)، واختاره شيخ الإسلام؛ لقوله تعالى:{وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} .
(وَ) النَّوع الثَّاني من أنواع الفدية على التَّخيير: (المُحْصَرُ)، فيلزمه هديٌ إن لم يكن اشترط؛ لقوله تعالى:(فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي)، فـ (إِذَا لَمْ يَجِدْهُ) أي: الهدي (صَامَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ) بنيَّة التَّحلُّل؛ لأنَّه