الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثانى في (تعريف الجراحة اصطلاحًا)
تعتبر الجراحة عند الأطباء فرعًا مستقلاً من الفروع الطبية، يشتمل على مهام معينة، ويتقيد بضوابط محدودة؛ لذلك اصطلح الأطباء على تعريف الجراحة بتعريف مستقل يحدد المفهوم منها عند أهل الاختصاص، وقد أشار ابن القف (1) إلى ذلك التعريف بقوله:"صناعة ينظر بها في تعريف أحوال بدن الإنسان من جهة ما يعرض لظاهره من أنواع التفرق في مواضع مخصوصة، وما يلزمه"(2). اهـ.
ثم شرح هذا التعريف بقوله:
قولنا: "صناعة": يجري مجرى الجنس (3) لجميع الصنائع.
وقولنا: "في تعريف": لأن المدرك منها أمور جزئية.
(1) هو أمين الدولة أبو الفرج يعقوب بن موفق الدين بن إسحاق المعروف بابن القف، ولد بالكرك، وذلك في سنة ثلاثين وستمائة للهجرة، وكان نصرانيًا، توفي بدمشق سنة خمس وثمانين وستمائة للهجرة، ويعتبر من أطباء العرب المشهورين، وكتابه العمدة في الجراحة الطبية من أنفس المؤلفات المكتوبة فيها، وفيه يقول ابن أبي أصبعيه:"كتاب العمدة في صناعة الجراح عشرون مقالة علم، وعمل يذكر فيه جميع ما يحتاج إليه الجرائحي بحيث لا يحتاج إلى غيره" اهـ. ومن مؤلفاته: (جامع الغرض في حفظ الصحة ودفع المرض)، (الأصول لشرح الفصول لبقراط)، (الشافي في الطب).
عيون الأنباء لابن أبي أصبعيه 2/ 767، 768، ومعجم المؤلفين لعمر كحالة 3/ 16، 13/ 245.
(2)
العمدة في الجراحة لابن القف 1/ 4، 5.
(3)
الجنس: كلي مقول على كثيرين مختلفين بالحقيقة في جواب ما هو من حيث هو كذلك. التعريفات للجرجاني 53، 54.
وقولنا: "ينظر بها في تعريف أحوال بدن الإنسان" تمييز لها عن التي لا ينظر بها في أحوال بدن الإنسان (1).
وقولنا: "من جهة ما يعرض لظاهره من أنواع التفرق" تمييز لها عن نظر الطبائعي (2) في أحوال بدن الإنسان الغير التفرقية، والتفرقية الباطنية كدبيلات الكبد (3). والمعدة، وقرحة الرئة، وغيرها مما قد عرف في صناعة الطب (4).
(1) مراده أن هذه العبارة تعتبر قيدًا في التعريف يخرج الصنائع التي لا علاقة لها ببدن الإنسان كصنعة الحدادة والنجارة وغيرها، وإنما أورد هذا القيد لما سبق في التعريف من قوله "صناعة" يعتبر جنسًا تندرج تحته الصنائع المختلفة سواء تعلقت ببدن الإنسان أم لم تتعلق.
(2)
للأطباء في العصور القديمة مسميات يطلقونها على الأطباء بحسب اختلاف مجالات الطب وفروعه الموجودة في عصورهم، ومن تلك المسميات: الطبائعي والجرائحي، والكحال، والفاصد
…
وقد بين مرادهم بها الإمام ابن القيم رحمه الله وذلك بقوله: "والطبيب في هذا الحديث يتناول من يطبه بوصفه وقوله وهو الذي يخص باسم الطبائعي وبمروده وهو الكحال، ويمبضعه ومراهمه وهو الجرائحي، وبموساه وهو الخاتن، وبريشته وهو الفاصد، وبمحاجمه ومشرطه وهو الحجام، وبخلعه ووصله ورباطه وهو المجبر، وبمكواته وناره وهو الكواء، وبقربته وهو الحاقن .. " أهـ. الطب النبوي لابن القيم 112.
(3)
الدبيلات: أورام تتولد عن البلغم الغليظ العفن. الاستسقاء والإبرام في علاج الجراحات والاورام للقربلياني - تحقيق محمد العربي الخطابي ص 67.
(4)
مراد المصنف بقوله: "تمييز لها عن نظر الطبائعي
…
إلخ" أن جملة "من جهة ما يعرض لظاهره من أنواع التفرق" تشتمل على قيدين:
أحدهما: يخرج النظر في الجراحات التي تحدث في داخل الجسد كقرحة الرئة، وهو قوله:"من جهة ما يعرض لظاهره" حيث قصر النظر على العرض (وهو المرض) على الظاهر ومفهومه يخرج العرض الباطن من الأمراض الجراحية.
الثاني: يخرج النظر في غير الجراحات وهو النظر في أمراض البدن كالصداع وألم البطن، وضيق النفس ونحو ذلك مما لا يعالج بالجراحة، وعبر عن هذا القيد بقوله:"من أنواع التفرقة"، والتفرق مختص بالجرح لافتراق طرفيه عن بعضهما، ولذلك تعرف الجروح عند الأطباء بأنها: "تفرق اتصال بالنسج محدث بعوامل =
وقولنا: "في مواضع مخصوصة": تمييز لها عن نظر الكحال في تفرقات العين.
وقولنا: "وما يلزمه": أي من معرفة المفردات (1) والمركبات (2) التي لا تتم معالجته إلا بمعرفتها " (3).اهـ.
وفي هذا التعريف وشرحه بيان لاختصاص الجراحة بالتفرقات الظاهرة في مواضع مخصوصة، وهذا إنما كان في العصور القديمة حيث لم تكن الجراحة بالشكل المتطور حاليًا، فلم يكن هناك تدخل جراحي لعلاج كثير من الأمراض الجراحية التي في داخل جسد الإنسان، وإنما كان ذلك من اختصاص الطبائعي الذي يقتصر على علاجها بالعقاقير. كما دل التعريف وشرحه على خروج نظر الكحال الذي كان من اختصاصه علاج جراحات العين وتفرقاتها، على عكس الجراحة الطبية الحديثة التي تشمل ضمن اختصاصاتها جراحة العيون.
* * *
= العنف الخارجي ". الجراحة العامة لمجموعة الأطباء ص 3. وإنما احتاج لإيراد هذين القيدين؛ لأن النظر في تعريف أحوال بدن الإنسان الذي نص عليه في الجملة السابقة يشمل نظر الطبائعي والجرائحي والكحال، فلزم إخراج نظر كل من الطبائعي والكحال، فأخرج نظر الأول بهذين القيدين، وأخرج نظر الثاني بالقيد التالي وهو قوله: "في مواضع مخصوصة".
(1)
المفردات المراد بها الأدوية المفردة وهي المشتملة على مادة واحدة كالعشب المعين الذي لم يخلط بغيره.
(2)
المركبات: المراد بها الأدوية المركبة وهي التي تشتمل على أكثر من مادة يتم تركيبها بالخلط والمزج.
(3)
العمدة في الجراحة لابن القف 1/ 4، 5.