الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثاني في (حكم الشرع في مخالفة الواقع للتقدير المسبق)
هذه المسألة من أهم المسائل المتعلقة بطواريء الجراحة الطبية، ويعتبر موقف الأطباء فيها من أحرج المواقف طبيًا وشرعيًا.
وهي تتمثل في كون الأطباء يقدمون على الجراحة، ثم بعد فتح الموضع الذي يراد فعل الجراحة فيه يتبين أن الواقع بخلاف التقدير المسبق الذي توصلوا إليه من خلال التشخيص، وحينئذ يرد السؤال عن حكم الشرع في هذه الحالة هل يقوم الأطباء بقفل موضع الجراحة لكي يرجعوا إلى المريض بعد إفاقته من التخدير فينظروا رأيه؟ أو يقوموا بمعالجة الوضع بما يستحقه من علاج، ولو كان في ذلك زيادة عن القدر الذي وافق عليه المريض أو خروجًا عنه بالكلية؟.
والجواب: أن الأصل يقتضي وجوب أخذ موافقة المريض كما سبق عند بيان شروط جواز الجراحة الطبية.
وعليه فإنه ينبغي على الأطباء أن يحتاطوا بأخذ الإذن المطلق كما هو الحال في كثير من المستشفيات وبهذا الإذن يرتفع الإشكال، ويصبح الأطباء في مأمن من تحمل المسئولية عن فعل الجراحة بدون إذن.
أما لو فرض أنهم لم يحتاطوا بذلك فحينئذ لا يخلو الأمر من حالتين:
الحالة الأولى: أن يمكنهم الرجوع إلى أولياء المريض، وأخذ موافقتهم على فعل الجراحة أو عدم فعلها.
الحالة الثانية: أن لا يمكنهم ذلك بأن خافوا على المريض الهلاك لو تأخروا إلى حضور الأولياء وإخبارهم وحينئذ لا يخلو الوضع من ثلاثة أضرب:
الضرب الأول:
أن يستلزم علاج داء أشد خطرًا من الداء المتوقع، ومن أمثلته أن يكون المقصود من فعل الجراحة استئصال الزائدة فيتضح أنه مصاب بسرطان في أمعائه.
وحكمه: يجوز للأطباء أن يقدموا على استئصال ذلك الداء، وعلاجه، لأن إذن المريض بما هو أخف منه دال ضمنيًا على الإذن بما هو أشد منه ضررًا.
الضرب الثاني:
أن يستلزم علاج داء مماثل في الخطر والضرر، ومن أمثلته أن يكون المقصود من فعل الجراحة استئصال السرطان الموجود في الأمعاء فيتضح أن المريض مصاب به في القولون.
وحكمه: يجوز للأطباء أن يقدموا على استئصاله لأنه في حكم الداء الذي من أجله أذن المريض بالجراحة ومساويًا له في الخطورة والضرر.
الضرب الثالث:
أن يستلزم علاج داء أقل خطرًا وضررًا من الداء المأذون بفعل جراحته، ومن أمثلته: أن يكون المقصود من فعل الجراحة استئصال السرطان فيظهر أنه التهاب في الزائدة.
وحكمه: أن الأصل يقتضي عدم جواز فعله بدون إذن، لكن إن خشي على المريض من ذلك الداء بحيث لو قفل الموضع عسر فتحه ثانية، واشتمل الداء على خطر قد يهدد المريض لو ترك بدون معالجته كما هو الحال في المثال: فإنه يظهر القول بجواز علاجه بالجراحة بدون إذن، ويسقط الإذن قياسًا على الحالات الاضطرارية بجامع الخوف على حياة المريض وتعذر استئذانه في كل.
وأما إذا لم يُخْشَ على المريض الضرر، وأمكن فتح الموضع ثانية فإنه لا يجوز للطبيب أن يقوم بفعل الجراحة
…
والله تعالى أعلم.
* * *