الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثاني هل يجوز إجراء الجراحة عند استواء الاحتمالين
تقدم عند الكلام على الشروط المعتبرة لجواز الجراحة الطبية أن من شرطها أن يغلب على ظن الطبيب الجراح نجاح الجراحة، وبناء عليه فإنه يرد السؤال عن حكم إقدامه على فعل الجراحة إذا استوى في ظنه الاحتمالات؟.
والجواب: أن الذي يظهر هو القول بالتوقف، والامتناع عن فعل الجراحة حتى يترجح أحد الاحتمالين على الآخر فمن ثم يقدم بعده على فعلها أو يحجم بحسب ذلك الظن الراجح، وقد أشار الإمام العز بن عبد السلام إلى ذلك بقوله رحمه الله:"وكما لا يحل الإقدام للمتوقف في الرجحان في المصالح الدينية حتى يظهر له الراجع، فكذلك لا يحل للطبيب الإقدام مع التوقف في الرجحان إلى أن يظهر له الراجح"(1) اهـ.
فبين رحمه الله أنه يجب على الطبيب أن يتوقف عن المداواة في حال عدم ترجح احتمال السلامة وعدمها قياسًا على التوقف في المصالح الدينية.
وهذا الحكم نص على خلافه بعض فقهاء الحنفية، ففي الفتاوي الهندية ما نصه: "
…
في الجراحات المخوفة، والقروح العظيمة، والحصاة الواقعة في المثانة ونحوها إن قيل قد ينجو وقد يموت، أو ينجو ولا يموت يعالج، وإن قيل لا ينجو أصلاً لا يداوى بل يترك كذا في الظهيرية" (2) اهـ.
(1) قواعد الأحكام للعز بن عبد السلام 1/ 6.
(2)
الفتاوي الهندية 5/ 360.
فظاهر هذه العبارة جواز فعل الجراحة عند استواء الاحتمالين وذلك لقوله: "قد ينجو، وقد يموت
…
يعالج".
والقول بالتوقف الذي سبقت حكايته عن الإمام العز بن عبد السلام رحمه الله أولى بالاعتبار لصحة قياسه، ثم إنه يقوى بالأصل، فالجراحة الأصل فيها أنها محرمة، وإنما جازت لمكان المصلحة المترتبة على فعلها فإذا أصبحت مترددة بين المصلحة والمفسدة، رجح جانب المفسدة بالأصل الموجب للمنع، أو نقول سقط اعتبار المصلحة والمفسدة ورجع إلى حكم الأصل الموجب للمنع والله أعلم.
* * *