الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثالث في (حكم الإذن بالنسبة للمريض)
يستحب للمريض إذا طلب منه الإذن بفعل الجراحة المستوفية للشروط الشرعية أن يأذن بها.
وهذا الحكم مبني على الأصل الدال على استحباب التداوي لما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم من التداوي، والأمر به، وإقراره (1)، وهو عليه الصلاة والسلام سيد المتوكلين، وإمام المتقين، ولو كان الأفضل في تركه لتركه صلى الله عليه وسلم.
وقد ثبت في حديث أسامة بن شريك رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم لما سأل الأعراب: أنتداوى؟ قال: "تداووا فإن الله تعالى لم يضع داءً إلا وضع له دواء .. "(2).
وهذا الأمر منه عليه الصلاة والسلام فيه دليل على استحباب التداوي والندب إليه، وهو مصروف عن ظاهره من الوجوب إلى الندب لثبوت الأحاديث الصحيحة عنه صلى الله عليه وسلم التي دلت على عدم وجوب التداوي (3).
(1) قال الإمام ابن القيم رحمه الله: "كان من هديه صلى الله عليه وسلم فعل التداوي في نفسه والأمر به لمن أصابه مرض من أهله، وأصحابه" اهـ. الطب النبوي 5، وقد تقدم ذكر بعض الأحاديث التي تشهد بذلك في مبحث أدلة المشروعية.
(2)
تقدم تخريجه انظر ص (92).
(3)
من هذه الأحاديث ما ثبت في الصحيح من حديث عبد الله بن عباس -رضي الله =
لهذا فإنه يستحب للمريض إذا طلب منه الإذن بالجراحة أن يأذن ويتداوى بها.
وإذا ثبت أن الأصل في الإذن بالجراحة من قبل المريض أنه مستحب ومندوب إليه فإنه يرد السؤال عن حكم مسألة مهمة يواجهها المرضى والأطباء في كثير من الأمراض الجراحية الخطيرة، والتي يكون المريض فيها مهددًا بالموت أو تلف عضو من أعضائه إذا لم يتم إسعافه بالجراحة اللازمة.
هل امتناع المريض من الإذن بالجراحة في هذه الحالة جائز له، أم لا بحيث يعتبر آثمًا لو امتنع؟.
وبعبارة أخرى هل يجب عليه الإذن بفعل الجراحة في هذه الحالات الضرورية أم لا؟.
وإذا قلنا بوجوب الإذن عليه وامتنع من الإذن، ومات متأثراً بذلك المرض الجراحي هل يعتبر في حكم القاتل لنفسه أم لا؟.
وبيان حكم المسألتين يتضح في الفرعين التاليين:
= عنهما- في قصة المرأة السوداء المجنونة التي اشتكت إلى النب صلى الله عليه وسلم ما بها فقال لها: "إن شئت صبرت ولك الجنة، وإن شئت دعوت الله أن يعافيك؟ فقالت: أصبر" رواه البخاري في صحيحه 4/ 3. فخيرها بين الصبر والشفاء فاختارت الصبر ولم ينكر عليها وكذلك ثبت عنه صلى الله عليه وسلم في الصحيح من حديث ابن عباس- رضي الله عنهما في صفات الذين يدخلون الجنة بغير حساب ومنها: "لا يكتوون ولا يسترقون وعلى ربهم يتوكلون". رواه البخاري في صحيحه 4/ 11، 12، فاعتبر توكلهم على الله وتركهم التداوي بالكي والرقية ممدوحًا ورتب عليه الثواب، ولو كان التداوي واجبًا لكانوا مستحقين لخلاف ذلك. انظر فتح الباري لابن حجر 10/ 212. وقد نص بعض الفقهاء رحمهم الله على استحباب التداوي وحمل الأمر في هذا الحديث على الندب ومنهم شيخ الإسلام زكريا الأنصاري رحمه الله. انظر أسنى المطالب للأنصاري 1/ 295.=