الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثاني في (دليل مشروعية الجراحة الطبية من السنة)
دلت السنة المطهرة على جواز الجراحة الطبية ومشروعيتها، ويظهر ذلك من خلال الأحاديث الشريفة التالية:
(1)
أحاديث الحجامة ومنها:
أ- حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: "أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم في رأسه"(1).
ب- حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه عاد مريضًا ثم قال: "لا أبرحُ حتىّ تحتجمَ، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنّ فيه شفاءً"(2).
جـ- حديث أنس بن مالك رضي الله عنه وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن أمثْلَ ما تدَاويتم به الحجامةُ، والقسط البحري"(3).
(1) رواه البخاري في صحيحه 4/ 11، ومسلم 4/ 22، وليس في رواية مسلم ذكر موضع الحجامة.
(2)
رواه البخاري في صحيحه 4/ 11.
(3)
رواه البخاري في صحيحه 4/ 10، والقسط البحري: هو أحد نوعي العود الهندي، وهو الأبيض منه. والثاني: القسط الهندي وهو الأسود. فتح الباري لابن حجر 10/ 148.
وجه الدلالة من هذه الأحاديث الشريفة:
أنها نصت على مشروعية التداوي بالحجامة وفعلها، والحجامة تقوم على شق موضع معين من الجسم وشرطه لمص الدم الفاسد واستخراجه.
فتعتبر أصلاً في جواز شق البدن واستخراج الشيء الفاسد من داخله، سواء كان عضوًا، أو كيسًا مائيًا، أو ورمًا، أو غير ذلك (1).
(2)
حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: "بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي بن كعب طبيبًا فقطع منه عرقًا ثم كواه عليه"(2).
وجه الدلالة:
أن النبي صلى الله عليه وسلم أقر الطبيب على قطعه للعرق وكَوْيه وقطع العروق ضرب من العلاج الجراحي، وهو مستخدم في الجراحة الطبية الحديثة، حيث يتم قطع مواضع من العروق في حال انسدادها أو وجود آفة تستدعي قطع جزء منها (3).
(1) تعتبر الحجامة في العصر الحديث نوعاً من الجراحة الطبية الصغرى، حيث يجري استعمالها في علاج التطورات الالتهابية المختلفة في الدم فتساعد على نقص ضيق التنفس والآلام بتأثيرها على التطورات الالتهابية وأعراض الركود في الرئتين.
الجراحة الصغرى- د. رضوان بابولي، د. أنطون دولي ص 24.
(2)
رواه مسلم 4/ 21.
(3)
من أمثلة ذلك ما يحدث في جراحة القلب: حيث يتم علاج الانسدادات الشريانية المزمنة مثل (تصلب الشرايين)، والخثار الشرياني الحاد، والناسور الشرياني الوريدي الحاد بالجراحة.
انظر: جراحة القلب والأوعية الدموية، د. سامي القباني ص 95، 112، 113، 116، أمراض القلب والأوعية الدموية د. عماد شاره ص 56، والجراحة العامة =
(3)
حديث الربيع بنت معوذ رضي الله عنها قالت: "كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم نسقي، ونداوي الجرحى".
وفي رواية: "كنا نغزوا مع النبي صلى الله عليه وسلم"(1).
وجه الدلالة:
أن النبي صلى الله عليه وسلم أقرهن على قيامهن بمداواة الجرحى، فيعتبر الحديث أصلاً في جواز الجراحة العامة وجراحة الحروب من حيث الجملة، لاشتمال هذين النوعين من الجراحة على نفس المهمة في الغالب (2).
(4)
حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه في قصة جرحه عليه الصلاة والسلام يوم أحد وفيه: "وجاءت فاطمة تغسل عن وجهه الدم، فلما رأت فاطمة عليها السلام الدم يزيد على الماء كثرة عمدت إلى حصير فأحرقتها وألصقتها على جرح رسول الله صلى الله عليه وسلم فرقأ الدم"(3).
= لمجموعة من الأطباء ص 158، 162، 170، 171.
(1)
رواه البخاري في صحيحه 2/ 150.
(2)
تشتمل الجراحة العامة، وجراحة الحروب في كثير من صورها على معالجة الجروح الداخلية والخارجية الناجمة من فعل الحروب والمشاجرات والحوادث، فمهمة الجراح في تلك الحالة إصلاح الوضع المتغير كالحال في مداواة الجرحى قديمًا.
انظر: الجراحة العامة لمجموعة من الأطباء ص 3، 5، 14، 18، وجراحة الحرب الطارئة (كتاب الحلف الأطلسي عن الجراحة العسكرية) ترجمة: د. ياسر الياغي ص 1، 157، 158، 176.
(3)
رواه البخاري في صحيحه 4/ 14، ومعنى رقأ الدم أي: انقطع جريانه. المصباح المنير للفيومي 1/ 236.
وجه الدلالة:
أن النبي صلى الله عليه وسلم أقر فاطمة رضي الله عنها على فعلها المشتمل على إيقاف النزف.
فدل هذا على مشروعية التدخل الجراحي لإيقاف النزيف سواء كان ظاهرًا في جسد الإنسان، كما هو الحال في كثير من صور الجراحة العامة (1)، أو كان في داخل جسم الإنسان، كما هو الحال في بعض جراحة الأوعية الدموية في الصدر (2) والجهاز الهضمي (3).
(5)
حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الفطرة خمس، أو خمس من الفطرة: الختان، والاستحداد، وتقليم الأظفار، وقص الشارب"(4).
(1) الجراحة العامة لمجموعة من الأطباء ص 145 - 157، والجراحة الصغرى، د. رضوان بابولي، د. أنطون دولهي ص 42 - 51.
(2)
من أمثلة ذلك النزيف الرئوي الذي يحدث من جراء الإصابة بالشظايا النارية، أو بالآلات القاطعة التي يطعن بها الإنسان، فإنها تستلزم فتح الصدر فتحة واسعة يؤمن بواسطتها السيطرة على جميع الأعضاء المصابة، وترميمها جيداً، وإرقاء النزف وتنضير الجروح واستئصال الأقسام المتهتكة وسحب الأجسام الأجنبية ثم إغلاق الصدر. أمراض الصدر الجراحية د. محسن أسور ص 29، 31.
(3)
ومن أمثلتها ما يحدث في القرحة المعدية والتي ينشأ عنها النزيف بسبب الانثقاب المفاجيء في الجدار الشرياني نتيجة التآكل أو التهتر الذي سببته القرحة في النسيج الجداري للمعدة. الأسس الأمراضية لأمراض جهاز الهضم لمجموعة من الأطباء ص 136، وجهاز الهضم في صحته ومرضه د. أحمد عز الدين ص 88، 89، والشفاء بالجراحة د. محمود فاعور ص 44.
وهذا الحديث الشريف يعتبر كسابقه أصلاً في مشروعية الجراحة العسكرية.
(4)
رواه مسلم 1/ 105.
وجه الدلالة:
أن الختان ضرب من الجراحة الطبية (1)، وقد أقره الشرع وجعله من خصال الفطرة، فدل ذلك على مشروعيته، وجواز العمل الجراحي الطبي في الجملة.
(6)
حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"لكل داء دواء، فإذا أصيب دؤاء الداء برأ بإذن الله عز وجل"(2).
(7)
حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء"(3).
وجه الدلالة:
أن الحديثين الشريفين دلاّ على أنه ما من داء إلا وقد جعل الله له دواء، وإذا كان الأمر كذلك فإنه يشرع للإنسان أن يستعمل الدواء الذي عرف تأثيره في الداء بالعادة والتجربة وكثير من الأمراض الجراحية يصل فيها المرض إلى درجة لا يمكن علاجه فيها؛ إلا بالجراحة ويحصل الشفاء بإذن الله تعالى للمريض بسبب تلك الجراحة (4)، فدل
(1) الموسوعة الطبية الحديثة لمجموعة من الأطباء 3/ 572.
(2)
رواه مسلم 4/ 20.
(3)
رواه البخاري في صحيحه 4/ 8.
(4)
من أمثلة ذلك علاج: الفتوق بجميع أنواعها (الأربي، والفخذي، والسرة، والخط الأبيض، والجروح).
فكل هنه الفتوق يمكن علاجها بالجراحة، حيث يتم رد محتويات الفتق إلى موضعها، ثم يستأصل الجيب، ثم يصار بعد ذلك إلى بناء جدار البطن من جديد وتقويته بطبقات متينة كيلا يتعرض الفتق للاختناق.
انظر الشفاء بالجراحة. د. محمود فاعور ص 133، 134، 182، 185 وجراحة البطن د. لطفي اللبابيدي، د. محمد الشامي 23 - 65.
ذلك على مشروعية التداوي والعلاج بها عند الحاجة، وتعتبر داخلة في عموم الحديث.
(8)
حديث أسامة بن شريك رضي الله عنه قال: "أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كأنما على رؤوسهم الطير، فسلمت، ثم قعدت، فجاء الأعراب من ههنا وههنا فقالوا: يا رسول الله أنتداوى؟ فقال: تداووا فإن الله تعالى لم يضع داء إلا وضع له دواء غير داء واحد: الهرم"(1).
وجه الدلالة:
أن هؤلاء الصحابة رضي الله عنهم سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن التداوي فأجابهم النبي صلى الله عليه وسلم بجوازه وندبهم إليه بقوله: "تداووا"، وهذا اللفظ عام، فيشمل التداوي بالعقاقير والجراحة.
* * *
(1) رواه أبو داود 2/ 331، والترمذي 3/ 258، وقال:"هذا حديث حسن صحيح" وابن ماجة 2/ 1137.