الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثاني في (إثبات موجبات المسئولية)
ويشتمل هذا المطلب على المقصدين التاليين:
المقصد الأول: في مشروعية إثبات الموجبة
تفتقر الدعوى المتضمنة لما يوجب المسئولية إلى وجود الدليل الذي يشهد بصحتها، وثبوتها، وهذا مبني على الأصل الذي قررته الشريعة الإسلامية من أن الدعاوي لا تقبل مجردة عن الأدلة التي تثبتها.
قال تعالى: {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} (1).
وفي الصحيح من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لو يُعْطى الناس بدعواهم لادّعى ناسٌ دماءَ رجالٍ، وأموالهم، ولكن اليمين على المدعى عليه"(2).
وفي رواية للبيهقي وغيره: "ولكن البينة على المدعي واليمين على من أنكر"(3).
فدلت هذه النصوص على أن الدعوى لا تقبل مجردة عن الدليل الذي يشهد بصحتها، وأن صاحبها مطالب بإقامته لكي يحكم
(1) سورة النمل (27) آية 64.
(2)
رواه مسلم 3/ 119.
(3)
السنن الكبرى للبيهقي 1/ 253.
باعتبارها، وعلى ذلك أجمع أهل العلم رحمهم الله (1).
وبناءً على هذا الأصل فإن المرضى وذويهم إذا دعوا ما يوجب مسئولية الأطباء ومساعديهم فإنهم مطالبون بإقامة الدليل الذي يثبت صحة دعواهم إذا أنكر الأطباء ومساعدوهم تلك الدعوى.
ولاشك في أن اعتبار الشريعة الإسلامية للبينة في الدعاوى عمومًا، وفي مسئولية الأطباء خصوصًا فيه دليل واضح على عدلها، وسمو منهجها التشريعي.
ذلك لأنها لم تحكم باعتبار دعوى المرضى ضد الأطباء ومساعديهم على وجه الإطلاق -أي مجردة عن الدليل الذي يوجب ثبوتها-، لما في ذلك من ظلم للأطباء ومساعديهم، الأمر الذي قد يدعوهم إلى ترك مهنهم خوفًا من المسئولية، فتتعرض أرواح الناس وأجسادهم بذلك للهلاك والتلف.
كذلك أيضًا لم تحكم برد دعوى المرضى ضد الأطباء ومساعديهم على وجه الإطلاق -أي مع وجود الدليل الذي يشهد بثبوتها- لما في ذلك من ظلم للمرضى وذويهم فتضيع حقوقهم المشروعة وإضافة إلى ذلك فإن فيه تجرئة المعتدين من الأطباء والمساعدين على اعتدائهم وتقصيرهم وذلك أيضًا موجب الضرر بأرواح الناس وأجسادهم.
لم تحكم الشريعة الغراء بهذا ولا بذاك، ولكنها حكمت بالقصد والعدل الذي يوجب إيصال الحقوق المشروعة لأهلها، كما يوجب سير مهام الجراحة في طريقها المستقيم وبذلك حفظت للناس أرواحهم وحقوقهم من الهلاك والضياع.
(1) قال الإمام ابن المنذر رحمه الله: وأجمعوا على أن البينة على المدعي، واليمين على المدعى عليه. اهـ. الإجماع لابن المنذر 29.