الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} (1)، والإجارة تجارة
…
إلخ" (2) اهـ.
وبناء على ما سبق فإنه لا يصح عقد الإجارة على فعل الجراحة إذا أكره المريض أو الطبيب الجراح عليه، ويحرم على الطبيب أن يفعل الوسائل الموجبة لإكراه المريض علي الموافقة كإخباره بعزمه على الجراحة بعد الشروع في بعض مراحلها كما في جراحة الأسنان.
وكذلك ما يفعله بعض الأطباء من الضغط على المريض بالمبالغة الكاذبة في وصف المرض إلى درجة يشتد فيها خوف المريض، ويضطر للموافقة على التعاقد مع المستشفى لإجراء تلك الجراحة، وكذلك الكذب عليه بقولهم: إنه إذا لم يبادر فورًا بإجراء الجراحة فإنه مهدد بالموت، أو تلف عضو منه، ويكون الواقع بخلاف ذلك.
الشرط الثالث: أن تكون الجراحة مشروعة
مما يشترط لصحة عقد الإجارة على فعل الجراحة أن تكون الجراحة جائزة ومشروعة.
فلا يصح عقد الإجارة على فعل جراحة محرمة، كجراحة التجميل التحسينية، وجراحة تغيير الجنس والجراحة الوقائية، ونحوها من الجراحات المحرمة.
وقد أشار الفقهاء رحمهم الله إلى اعتبار هذا الشرط في الإجارة على فعل الجراحة.
قال الإمام النووي رحمه الله: "العجز الشرعي كالعجز
(1) سورة النساء (4) آية 29.
(2)
بدائع الصنائع للكاساني 4/ 179.
الحسي، فلا يصح الاستئجار لقلع سن صحيحة، أو قطع يد صحيحة" (1) اهـ.
وقال الشيخ موسى الحجاوي رحمه الله: "ويصح استئجاره لحلق شعره، وتقصيره، ولختان، وقطع شيء من جسده للحاجة إليه، ومع عدمها يحرم، ولا يصح"(2).
أي مع عدم الحاجة يحرم القطع، ولا يصح الاستئجار عليه (3).
وقال الخطيب الشربيني رحمه الله: (
…
قوله "فلا يصح استئجار لقلع سن صحيحة" لحرمة قلعها، وفي معناها كل عضو سليم من آدمي وغيره
…
) (4) اهـ.
فقد نصوا على عدم صحة عقد الإجارة على فعل هذه الجراحات، وذلك لحرمة فعلها، كما صرح بذلك الشيخ سليمان الجمل الشافعي رحمه الله فقال: "
…
لا يصح استئجار لقطع أو قلع ما منع الشرع من قطعه أو قلعه من نحو سن صحيحة، وعضو سليم، وإن لم يكن من آدمي للعجز عنه شرعًا
…
" (5) اهـ.
واشتراط هؤلاء الفقهاء لهذا الشرط في الإجارة على فعل الجراحة يتفق مع ما نصوا عليه من أنه يشترط لصحة عقد الإجارة أن تكون المنفعة مباحة (6)، ولذلك نصوا على عدم صحة الإجارة على فعل
(1) روضة الطالبين للنووي 5/ 184.
(2)
الإقناع للحجاوي 2/ 302.
(3)
كشاف القناع للبهوتي 4/ 9.
(4)
مغني المحتاج للشربيني 2/ 324، ونص فقهاء المالكية رحمهم الله على مثل هذا. انظر منح الجليل لعليش ص 776.
(5)
حاشية الجمل على شرح المنهج 3/ 539.
(6)
بدائع الصنائع للكاساني 4/ 189، حاشية الدسوقي 4/ 230، مغني المحتاج =
المحرمات كالغناء، والنياحة، ونحوها من المحرمات.
وقد جعل الإمام ابن حجر الهيثمي رحمه الله الحكم بحرمة عقد الإجارة على قلع سن صحيحة مبنيًا على هذا الأصل المقرر عند أهل العلم رحمهم الله في باب الإجارة، فقال رحمه الله: "
…
ومن ثم بطلت الإجارة في قلع سن أن حَرُمَ قطعها
…
للعجز عنه شرعًا، فهو كالاستئجار لسائر المحرمات كالنياحة والزمر
…
" (1).
ِْ "فجعل الحكم ببطلان الإجارة على القلع المحرم ملحقًا بالإجارة على المحرمات.
واشتراط حل المنفعة لكي يحكم بصحة الإجارة مبني على القياس ووجهه: أنه لا تصح الإجارة على المنافع المحرمة كما لا يصح بيع الأعيان المحرمة بجامع كون كل منهما عقد معاوضة.
وقد أشار الإمام الشيرازي (2) رحمه الله إلى مسند هذا الحكم من وجه آخر بقوله: "ولا تجوز (3) على المنافع المحرمة؛ لأنه يحرم، فلا يجوز أخذ العوض عليه كالميتة والدم"(4) اهـ.
ومراده رحمه الله أن حرمة الانتفاع بالشيء موجبة لحرمة أخذ العوض عليه كالحال في الميتة والدم فإنه لما حرم الانتفاع بهما حرم
= للشربيني 2/ 324، المبدع لابن مفلح 5/ 73، 74.
(1)
فتح الجواد للهيثمي 1/ 589.
(2)
هو الإمام أبو إسحاق إبراهيم بن علي بن يوسف الفيروز آبادي الشيرازي من كبار مجتهدي المذهب الشافعي، ولد رحمه الله بفيروز آباد سنة 393 من الهجرة وتوفي ببغداد سنة 476 من الهجرة، ومن مصنفاته: المهذب، والنكت، واللمع. معجم المؤلفين، عمر كحالة 1/ 68، 69.
(3)
أي الإجارة.
(4)
المهذب للشيرازي 1/ 398.