الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفرع الأول: هل يجب على المريض الإذن بالجراحة الضرورية
؟
ذهب بعض الفقهاء المعاصرين إلى أنه يجب على المريض التداوي بالجراحة إذا خاف هلاك نفسه، أو تلف عضو من أعضائه، وأنه إذا امتنع من التداوي في هذه الحالة فإنه يعتبر آثمًا وعاصيًا.
واشترط لذلك وجود غلبة الظن بحصول الشفاء بناءً على شهادة الطبيب المسلم العدل الحاذق المتخصص فيما يقوم به من فروع علم الطب (1).
واستدل صاحب هذا القول بعبارات بعض فقهاء الشافعية رحمهم الله، والتي تشهد باعتبار هذا القول، ففي حواشي التحفة ما نصه:"وفي الأنوار (2) عن البغوي في باب ضمان الولاة أنه إذا علم الشفاء في المداواة وجبت ا. هـ. ولعل محله الشفاء مما يخاف منه التلف ونحوه لا نحو بطء البرء"(3) اهـ.
= كما نص الإمام النووي رحمه الله في الروضة على الاستحباب. روضة الطالبين 2/ 96.
ونسب شيخ الإسلام رحمه الله القول بعدم وجوب التداوي إلى جمهور العلماء. انظر مجموع الفتاوى 24/ 226 وما بعدها.
(1)
نص على هذا القول الشيخ إبراهيم اليعقوبي رحمه الله انظر كتابه: شفاء التباريح والأدواء 85، 86، وأشار الشيخ جاد الحق علي جاد الحق إلى وجوب الجراحة والنزول عند رغبة الأطباء المختصين إذا قالوا بذلك. انظر فتواه في: الفتاوي المصرية 10/ 3499.
(2)
أي كتاب الأنوار للأردبيلي. انظر شفاء التباريح لليعقوبي 86.
(3)
شفاء التباريح والأدواء لليعقوبي 85، 86 وحواشي الشرواني والعبادي 3/ 183.
وهذا القول يتفق مع ما دلت عليه النصوص الشرعية في الكتاب والسنة فقد قال سبحانه ناهياً عباده: {وَلا تُلْقُوا بِأيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} (1)، ولاشك في أن المريض إذا امتنع من الإذن كان ملقيًا بنفسه، وبعضوه إلى الهلاك والتلف لأن الأطباء المختصين قد أعلموه بالعاقبة التي ينتهي إليها بسبب ذلك المرض الجراحي الخطير.
فامتناعه من الإذن بها يعتبر مانعًا من إنقاذه، وسببًا يوجب هلاكه وتلفه فحرم عليه فعله من هذا الوجه.
وقد أكدت السنة النبوية هذا المعنى، ففي الصحيحين من حديث عبد الرحمن بن عوف- رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الطاعون:"إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه"(2) فنهاهم صلى الله عليه وسلم عن دخول الأرض التي بها الطاعون، وفي هذا دليل على أنه ينبغي على المسلم أن يتعاطى الأسباب الموجبة لنجاته من الهلاك بإذن الله تعالى، وأن يبتعد عن ضدها (3).
ومعلوم أن الإذن بالجراحة في هذه الحالة يعتبر من أهم الأسباب الموصلة بإذن الله تعالى لنجاة المريض -في الغالب- من الهلاك والتلف.
وامتناعه من الإذن بها يعتبر أيضًا من أهم الأسباب المعينة على
(1) سورة البقرة (2) آية 195، واستشهد بهذه الآية الشيخ جاد الحق علي جاد الحق على وجوب الإذن بالجراحة إذا شهد الأطباء المختصون بلزومها. انظر الفتاوى المصرية 10/ 3499.
(2)
رواه البخاري في صحيحه 4/ 15، ومسلم 4/ 27.
(3)
قال الإمام النووي- رحمه الله في شرح هذا الحديث: "
…
في هذا الحديث الاحتراز عن المكاره، وأسبابها .. " اهـ. شرح صحيح مسلم للنووي 14/ 207.
هلاكه وتلفه في الغالب.
فوجب على المريض فعل السبب الأول بالإذن والسماح، وحرم عليه فعل الثاني بامتناعه وذلك صيانة للأرواح والأجساد من الهلاك والتلف المتوقع.
وبناء عليه فإنه تعتبر هذه الحالات الضرورية مستثناة من الأصل الموجب لاستحباب الإذن بالجراحة، ويعتبر الإذن فيها واجبًا على المريض إذا تركه مع علمه بحصول الشفاء بإذن الله تعالى بالجراحة فإنه يعتبر آثمًا شرعًا.
* * *