الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من إنسان فيتجاوزها، أو يقطع بآلة يكثر ألمها، أو في وقت لا يصلح القطع فيه وأشباه هذا ضمن فيه كله
…
" (1) اهـ.
فبين رحمه الله وجوب الضمان على الطبيب إذا تجاوز الحدود المعتبرة في عمله الجراحي، أو قصر فيها بأن استعمل آلات لا تصلح للعمل الجراحي بالشكل المطلوب، أو كان عمله في وقت لا تصلح فيه الجراحة.
ومن هذا كله نخلص إلى اعتبار الفقهاء رحمهم الله لإيجاب الضمان في هذه الصورة المشتملة على المجاوزة للحدود المعتبرة عند أهل المعرفة أو التقصير فيها
…
والله تعالى أعلم.
الصورة الثالثة: أن يكونوا عالمين بالمهمة، ويتقيدوا بأصولها، ولكن تزل أيديهم خطأ أثناء العمل:
وفي هذه الصورة يتضرر المريض بفعل غير مقصود من قبل الطبيب وليس من جنس العمل الطبي، ومن أمثلتها: أن تتحرك يد الطبيب الجراح بلا شعور منه فيقطع شريانًا أو يجرح موضعًا فيتضرر المريض بذلك.
وفي التصوير بالأشعة: تنحرف يد المصور فَتَسْقط الأشعة على موضع غير الموضع المراد تصويره ويؤدي ذلك إلى حدوث تلف في الجلد ونحو ذلك.
وفي التصوير بالمناظير: تتحرك يد المصور بها أثناء إدخاله أو
(1) المغني والشرح الكبير لابن قدامة 6/ 12، ومثله في المبدع لابن مفلح 5/ 110، 111.
إخراجه لها فتؤدي تلك الحركة غير المقصودة إلى حدوث خدش في الأمعاء.
ولما كان الفعل الموجب للضرر في هذه الصورة ليس من الأفعال المتعلقة بالمهمة بل هو خارج عنها فإنه يعتبر من قبيل جناية الخطأ، يطالب الأطباء ومساعدوهم بضمانه، إعمالاً للأصل المقرر عند العلماء رحمهم الله من وجوب ضمان جناية الخطأ سواء أدت إلى تلف النفس أو شيء من الأطراف.
قال تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا
…
الآية} (1).
فقد دلت هذه الآية الكريمة على وجوب ضمان النفس المتلفة خطأ.
وهي عامة شاملة للخطأ الناشيء عن الأطباء وغيرهم.
وقد حكى الإمام ابن المنذر (2) رحمه الله الإجماع على وجوب تضمين الطبيب الذي أخطأ فأدى خطؤه إلى التلف، فقال رحمه الله: "وأجمعوا على أن قطغ الخاتن إذا أخطأ فقطع الذكر
(1) سورة النساء (4) آية 92.
(2)
هو الإمام أبو بكر محمد بن إبراهيم بن المنذر النيسابوري. قال عنه الحافظ السيوطي رحمه الله: "كان على نهاية من معرفة الحديث، والاختلاف، وكان مجتهدًا لا يقلد أحدًا" اهـ. توفي رحمه الله بمكة سنة 480 من الهجرة، وله مصنفات منها: الإشراف في اختلاف العلماء، والإجماع. طبقات المفسرين للسيوطي 28، معجم المؤلفين عمر كحالة 8/ 220.