الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كانت المفسدة أعظم من المصلحة درأنا المفسدة ولا نبالي بفوات المصلحة كما قرر ذلك فقهاء الإسلام.
وتطبيقاً لهذه القاعدة فإننا إذا نظرنا إلى رتق غشاء البكارة وما يترتب عليه من مفاسد حكمنا بعدم جواز الرتق لعظيم المفاسد المترتبة عليه.
خامسًا: أن من قواعد الشريعة الإسلامية أن الضرر لا يزال بالضرر، ومن فروع هذه القاعدة "لا يجوز للإنسان أن يدفع الغرق على أرضه بإغراق أرض غيره"، ومثل ذلك لا يجوز للفتاة وأمها أن يزيلا الضرر عنهما برتق الغشاء ويلحقانه بالزوج.
سادسًا: أن مبدأ رتق غشاء البكارة مبدأ غير شرعي لأنه نوع من الغش، والغش محرم شرعًا.
سابعًا: أن رتق غشاء البكارة يفتح أبواب الكذب للفتيات وأهليهن لإخفاء حقيقة السبب، والكذب محرم شرعًا.
ثامنًا: أن رتق غشاء البكارة يفتح الباب للأطباء، أن يلجئوا إلى إجراء عمليات الإجهاض، وإسقاط الأجنة بحجة الستر (1).
(2) دليل القول الثاني: "التفصيل
":
أولاً: أن النصوص الشرعية دالة على مشروعية الستر وندبه،
(1) ذكر هذه الأوجه الشيخ عز الدين الخطيب التميمي في بحثه: غشاء البكارة من منظور إسلامي، من بحوث ندوة الرؤية الإسلامية ثبت الندوة 571 - 573.
ورتق غشاء البكارة معين على تحقيق ذلك في الأحوال التي حكمنا بجواز فعله فيها.
ثانيًا: أن المرأة بريئة من الفاحشة، فإذا أجزنا له فعل جراحة الرتق قفلنا باب سوء الظن فيها، فيكون في ذلك دفعٌ للظلم عنها، وتحقيقًا لما شهدت النصوص الشرعية باعتباره وقصده من حسن الظن بالمؤمنين والمؤمنات.
ثالثا: أن رتق غشاء البكارة يعين على تحقيق المساواة بين الرجل والمرأة فكما أن الرجل مهما فعل الفاحشة لا يترتب على فعله أي أثر مادي في جسده، ولا يثور حوله أي شك فكذلك ينبغي أن تكون المرأة، وتحقيق العدل بينهما مقصد شرعي، إلا في الأحوال المستثناة بدليل شرعي، وليست هذه الحالة منها.
رابعًا: أن رتق غشاء البكارة يوجب دفع الضرر عن أهل المرأة، فلو تركت المرأة من غير رتق واطلع الزوج على ذلك لأضرها، وأضر بأهلها، وإذا شاع الأمر بين الناس فإن تلك الأسرة قد يمتنع من الزواج منهم، فلذلك يشرع لهم دفع ذلك الضرر لأنهم بريئون من سببه.
خامسًا: أن قيام الطبيب المسلم بإخفاء تلك القرينة الوهمية في دلالتها على الفاحشة له أثر تربوي عام في المجتمع، وخاصة فيما يتعلق بنفسية الفتاة.
سادسًا: أن مفسدة الغش في رتق غشاء البكارة ليست موجودة في
الأحوال التي حكمنا بجواز الرتق فيها (1).
الترجيح:
الذي يترجح في نظري والعلم عند الله هو القول بعدم جواز رتق غشاء البكارة مطلقًا وذلك لما يأتي:
أولاً: لصحة ما ذكره أصحاب هذا القول في استدلالهم.
ثانيًا: وأما استدلال أصحاب القول الثاني فيجاب عنه بما يلي:
الجواب عن الوجه الأول:
أن الستر المطلوب هو الذي شهدت نصوص الشرع باعتبار وسيلته، ورتق غشاء البكارة لم يتحقق فيه ذلك، بل الأصل حرمته لمكان كشف العورة، وفتح باب الفساد.
الجواب عن الوجه الثاني:
أن قفل باب سوء الظن يمكن تحقيقه عن طريق الإخبار قبل الزواج، فإن رضي الزوج بالمرأة وإلا عوضها الله غيره.
الجواب عن الوجه الثالث:
أن التعليل بمساواة المرأة على هذا الوجه فاسد، والتفاوت بين الرجل والمرأة في خفاء الجريمة على الوجه المذكور فطرة إلهيّة، فيكون التعليل بالمساواة على هذا الوجه فيه نوع من التهمة بعدم العدل
(1) ذكر هذه الأوجه الدكتور محمد نعيم ياسين في بحثه: رتق غشاء البكارة في ميزان المقاصد الشرعية من بحوث ندوة الرؤية الإسلامية. ثبت الندوة 579 - 583.
بين الجنسين.
والفطرة الموجبة للاختلاف سوية معتدلة لا تحتاج إلى استدراك وتقويم، كما قال الله تعالى:{فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} (1).
الجواب عن الوجه الرابع:
أن المفسدة المذكورة لا تزول بالكلية بعملية الرتق لاحتمال اطلاعه على ذلك، ولو عن طريق إخبار الغير له، ثم إن هذه المفسدة تقع في حال تزويج المرأة بدون إخبار زوجها بزوال بكارتها، والمنبغي إخباره، واطلاعه، فإن أقدم زالت تلك المفاسد وكذلك الحال لو أحْجَمَ.
الجواب عن الوجه الخامس:
أن هذا الإخفاء كما أن له هذه المصلحة كذلك تترتب عليه المفاسد، ومنها تسهيل السبيل لفعل فاحشة الزنى، ودرء المفسدة أولى من جلب المصلحة.
الجواب عن الوجه السادس:
أننا لا نسلم انتفاء الغش لأن هذه البكارة مستحدثة، وليست هي البكارة الأصلية، فلو سلمنا أن غش الزوج منتف في حال زوالها بالقفز ونحوه مما يوجب زوال البكارة طبيعة، فإننا لا نسلم أن غشه منتف في حال زوالها بالاعتداء عليها.
(1) سورة الروم (30) آية 30.
ثالثًا: أن سد الذريعة الذي اعتبره أصحاب القول الأول أمرٌ مهم جدًا خاصة فيما يعود إلى انتهاك حرمة الفروج، والأبضاع والمفسدة لاشك مترتبة على القول بجواز رتق غشاء البكارة.
رابعًا: أن الأصل يقتضي حرمة كشف العورة ولمسها والنظر إليها، والأعذار التي ذكرها أصحاب القول الثاني ليست بقوية إلى درجة يمكن فيها الحكم باستثناء عملية الرتق من ذلك الأصل، فوجب البقاء عليه والحكم بحرمة فعل جراحة الرتق.
خامسًا: أن مفسدة التهمة يمكن إزالتها عن طريق شهادة طبية بعد الحادثة تثبت براءة المرأة وهذا السبيل هو أمثل السبل، وعن طريقه تزول الحاجة إلى فعل جراحة الرتق.
لهذا كله فإنه لا يجوز للطبيب ولا للمرأة فعل هذا النوع من الجراحة. والله تعالى أعلم.
* * *