الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تعريف الأصول العلمية:
عرفتها بعض المصادر الطبية بقولها: "هي الأصول الثابتة، والقواعد المتعارف عليها نظريًا، وعمليًا بين الأطباء، والتي يجب أن يُلم بها كل طبيب وقت قيامه بالعمل الطبي"(1) اهـ.
وبناء على هذا التعريف فإن الأصول العلمية تشمل النوعين التاليين من المعارف الطبية:
النوع الأول:
العلوم الثابتة التي أقرها علماء الطب قديمًا وحديثًا في فروع الطب ومجالاته المختلفة، ومن أمثلتها المواد العلمية المقررة في الجامعات والمعاهد الطبية.
فهذه المواد تعتبر علومًا أقرها أهل الاختصاص والمعرفة، فتطبيقها والسير على طريقتها يعتبر اتباعًا للأصول العلمية، بشرط أن يبقى اعتبارها طبيًا إلى حين تنفيذها (2).
النوع الثاني:
العلوم المستجدة: وهي العلوم والمعارف التي يطرأ اكتشافها،
(1) نقل هذا التعريف الدكتور أسامة عبد الله قايد عن بعض المصادر الأجنبية. انظر كتابه: المسئولية الجنائية للأطباء160. وعرفها آخرون بقولهم: "هي تلك الأصول الثابتة التي يعترف بها أهل العلم ولا يتسامحون مع من يجهلها أو يتخطاها ممن ينتسب إلى علمهم أو فنهم" اهـ. المصدر السابق 159.
(2)
يعتبر شرط بقائها معتبر إلى حين التنفيذ شرطًا لازمًا للحكم باتباع الطبيب ومساعديه للأصول المعتبرة عند أهل الاختصاص وذلك لأن المواد العلمية الطبية المهجورة لا تهجر في الغالب إلا لوجود البديل الذي هو أخف ضررًا منها، وبطُرُوَّ ذلك البديل يعدل المختصون إلى اتباعه والدعوة إليه نظرًا لعواقبه المحمودة، فإذا عدل الطبيب أو مساعده عن البديل المستجد وآثر القديم المهجور كان خارجًا عن الأصول المتبعة عند أهل الاختصاص من هذا الوجه بشرط علمه بالبديل وقدرته على تطبيقه والعمل به.
فتكون حديثة عند الأطباء، ومن أمثلتها: النظريات والأساليب التي يتوصل إليها الباحثون المختصون من خلال بحوثهم ودراساتهم.
فهذه العلوم وإن كانت طارئة على الساحة الطبية إلا أنها تعتبر أصولاً علمية متى تحقق فيها الشرطان التاليان:
الشرط الأول:
أن تكون صادرة من جهة معتبرة مثل المدارس الطبية المختصة بالأبحاث والدراسات الطبية.
الشرط الثاني:
أن يشهد أهل الخبرة بكفاءتها وصلاحيتها للتطبيق (1).
فإذا أثبت الطبيب المتهم بالخروج عن الأصول العلمية لاتباعه لنظرية حديثة وجود هذين الشرطين، حكم القاضي بسقوط الدعوى الموجهة ضده بذلك، ويعتبر صدورها من هذه الجهات وشهادة أهل الخبرة بصلاحيتها كافيًا في تبرئته ما دام أنه لم يعثر على خلل فني يوجب رد تلك النظرية وسقوطها.
وقد ذهبت بعض القوانين الوضعية إلى اعتبار شرط ثالث وهو "إجراء التسجيل العلمي للإسلوب، أو الطريقة العلاجية قبل استخدامها
(1) هذان الشرطان أشار إليهما الدكتور أسامة عبد الله قايد، ولا مانع من اعتبارهما من الناحية الشرعية لاتفاقهما مع الأصل الذي قرره الفقهاء رحمهم الله من اعتبار سير الطبيب وفق الأصول المعروفة عند أهل العلم بصنعته موجبًا لسقوط المسئولية عنه، فالنظرية إذا تحقق فيها هذان الشرطان صدق الوصف المذكور عليها وكان الطبيب متبعًا في تطبيقها لما سار عليه أهل العلم بصنعته. انظر المسئولية الجنائية للأطباء. د. أسامة عبد الله قايد 160.
على الإنسان" (1).
وهذا الشرط محل نظر، فإن كان المراد منه أنه لا يحكم القاضي باعتبار النظرية أو الأسلوب من الأصول العلمية إلا بعد إجراء التسجيل العلمي لذلك الأسلوب قبل استخدامه كما يفهم من ظاهر الشرط فهو أمر مردود.
وذلك لأن العبرة بصدور النظرية والدراسة من الأهل، وشهادة المختصين بصلاحيتها، فهذان الأمران هما محور القضية من الناحية المهنية العلمية، أما إجراء التسجيل فهو أمر شكلي خارج عن جوهر القضية فلا يتوقف الحكم ببراءة الأطباء. ومساعديهم على وجوده ما دام قد تحقق الشرطان اللذان يثبتان صحة تلك النظرية وصلاحيتها للتطبيق.
وأما إن كان المراد بهذا الشرط الأحوال الخاصة التي لها علاقة بجوهر النظرية مثل أن تعتذر الجهات الطبية عن تسجيلها علميًا لظهور خلل فني يوجب ردها، فإنه حينئذ يعتبر شرطا لازمًا، ومن ثم فإنه يحرم شرعًا على الأطباء ومساعديهم اتباع أي نظرية اعتذرت الجهات العلمية عن تسجيلها، والاعتراف بها لأسباب فنية توجب ردها، وإذا قاموا بتطبيق مثل هذه النظريات، والدراسات المردودة، وحدث الضرر المتوقع منها، فإنهم يعتبرون آثمين شرعًا، وللقاضي أن يحكم بخروجهم عن الأصول العلمية المتبعة عند أهل الاختصاص، ومن ثم يلزمهم بضمان ما أتلفوه.
والمقصود أن الأصول العلمية ليست منحصرة في المواد، والقواعد الثابتة التي اشتهرت في حقبة معينة من الزمن، بل إنها تشتملها
(1) المسئولية الجنائية للأطباء. د. أسامة عبد الله قايد 160، 161، نقلاً عن المصادر الأجنبية.
وتشمل غيرها من النظريات والدراسات الجديدة المفيدة التي أقرها أهل الاختصاص والمعرفة.
وبناء على ذلك فإنه لا حرج على الأطباء ومساعديهم في أخذهم بالجديد المفيد شريطة أن يثبت اعتباره عند أهل الاختصاص، بل يجب عليهم ذلك خاصة في الحالات التي يكون فيها ذلك الجديد أكثر أمانًا وأخف ضررًا من سابقه، لأن ذلك يتفق مع مقاصد الشريعة الموجبة لحفظ الأنفس (1) ودفع الضرر (2).
ولأهمية ذلك نجد القوانين المنظمة للعمل تنص على وجوب اطلاع الأطباء على أحدث الوسائل المعتبرة للتشخيص، والعلاج بالجراحة (3).
الأحوال التي يخرج فيها الأطباء، ومساعدوهم عن الأصول العلمية:
لكل مهمة من المهمات المتعلقة بالجراحة الطبية جانبان:
الأول: علمي نظري.
والثاني: عملي تطبيقي.
(1) الموافقات للشاطبي 2/ 10، المستصفى للغزالي 1/ 271.
(2)
الأشباه والنظائر للسيوطي 83، الأشباه والنظائر لابن نجيم 85.
(3)
ورد في بعض المصادر العربية التى اعتنت ببيان القوانين المنظمة للعمل الطبي ما نصه: "يجب أن يكون الطبيب في أي مجال تخصصى حريصًا على إعطاء أفضل رعاية طبية في إمكانه لمريضه، وآن يكون مطلعًا على أحدث وسائل التشخيص، والعلاج الطبي، والجراحي في نطاق تخصصه" اهـ. سلوكيات وآداب وقوانين مزاولة مهنة الطب، مصطفى عبد اللطيف، هاني أحمد جمال الدين 18، 19.
وبناءً على ذلك فإن الأطباء ومساعديهم إذا خرجوا عن الأصول العلمية أثناء قيامهم بمهامهم، فإنهم إما أن يخرجوا بالكلية وذلك بعدم اتباعهم للأصول العلمية من الناحيتين النظرية والتطبيقية.
وإما أن يخرجوا في إحدى الناحيتين إما النظرية، وإما التطبيقية.
وعلى هذا فإن خروجهم عن الأصول العلمية ينحصر في الثلاث الحالات التالية:
الحالة الأولى أن يخرجوا عن الأصول العلمية من الناحيتين النظرية والتطبيقية:
وهذه الحالة أكثر ما تقع في الجراحة التجريبية التي يقوم الطبيب الجراح بإجرائها للمريض مستندًا على اجتهاداته الشخصية دون مراعاة للضوابط والحدود التي ينبغي مراعاتها في أثناء أداء مهمة الجراحة.
كما أنه يعتبر مخالفًا للأصول العلمية من الناحية النظرية، لأن هذه الجراحة لم يثبت اعتبارها علميًا من قبل الأطباء المختصين.
كما أنه يعتبر مخالفًا للأصول العلمية من الناحية التطبيقية لأن الطريقة الاجتهادية التي سار عليها في عمله لم تستند إلى منهج صحيح معتبر عند الأطباء المختصين.
وهذه الحالة تعتبر مخالفة الأطباء والمساعدين فيها للأصول العلمية أشد الحالات الثلاث، نظرًا لجرأتهم واستخفافهم بحرمة الأجساد والأرواح وتعريضها للخطر المحقق.
الحالة الثانية أن يخرجوا عن الأصول العلمية من الناحية التطبيقية: وفي هذه الحالة تكون الجراحة معتبرة من الناحية النظرية، ولها
طريقتها المعينة لتطبيقها عند أهل الاختصاص والمعرفة، فيخرج الطبيب عند قيامه بمهمته عن تلك الطريقة أو يجاوز حدودها المعتبرة، مثل أن يشق في موضع غير الموضع الذي ينبغي أن يكون الشق فيه، أو يزيد في مساحة الشق عن القدر المحدد الذي نبه أهل الاختصاص على التزامه.
فالمهمة الجراحية المذكورة ثابتة من الناحية النظرية، ولكن الطريقة التي قام الجراح بفعلها مخالفة للأصول العلمية، ومن ثم فإن المخالفة منحصرة في الناحية العملية دون الناحية العلمية.
الحالة الثالثة أن يخرجوا عن الأصول العلمية من الناحية النظرية:
وفي هذه الحالة يتفق العمل مع القواعد والأصول العلمية، ولكن الجراحة نفسها غير معتبرة من الناحية النظرية عند أهل الاختصاص.
ومن أمثلة هذه الحالة الملغاة، وهي الجراحة التي جرى العمل بها حقبة من الزمن ثم ألغيت بسبب وجود البديل عنها، فهذه الجراحة إذا قام الطبيب بفعلها مع علمه بإلغائها وإمكان قيامه بفعل البديل عنها فإنه يعتبر خارجًا عن الأصول العلمية من الناحية النظرية إذا طبق معلومات تلك الجراحة على الوجه المطلوب.
فعمله موافق للمنهج الذي سبق إقرار الأطباء واعتبارهم له فهو متفق مع الأصول العلمية من هذا الوجه، إلا أن نظرية الجراحة ملغاة طبيًا فكان التزامها مخالفًا للأصول العلمية، ومن ثم فإن مخالفته تنحصر في الناحية العلمية دون الناحية العملية أي عكس الحالة السابقة.