الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المقصد الثاني في (مسئولية المستشفيات)
تتحمل المستشفيات الحكومية والأهلية المسئولية عن الأشخاص العاملين بها من أطباء وممرضين ومخدرين وغيرهم. والأصل في ذلك ما ثبت في الصحيح من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "كلكم راع، وكلكم مسئولٌ عن رعيته، فالأمير الذي على الناس راع، وهو مسئولٌ عن رعيته، والرجل راع على أهل بيته، وهو مسئول عنهم، والمرأة راعية على بيت بعلها، وهي مسئولة عنه، والعبد راع على مال سيده، وهو مسئول عنه، فكلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته"(1).
فقد دل هذا الحديث الشريف على أن المسئولية في الشريعة الإسلامية لا تختص بولاة الأمر من الحكام والقادة، بل هي عامة شاملة حتى الرقيق في مال سيده، وأنها تنشأ من ولاية الإنسان على الشيء، وقيامه على مصالحه، والنظر فيها.
قال الإمام النووي رحمه الله: (قوله صلى الله عليه وسلم. "كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته" قال العلماء: الراعي هو الحافظ المؤتمن الملتزم صلاح ما قام عليه، وما هو تحت نظره، ففيه أن كل من كان تحت نظره شيء فهو مطالب بالعدل فيه، والقيام بمصالحه في دينه، ودنياه، ومتعلقاته)(2) اهـ.
قلت: وهذه الأوصاف التي اعتبرها أهل العلم رحمهم الله
(1) رواه البخاري في صحيحه 1/ 160، ومسلم 3/ 195، 196.
(2)
شرح صحيح مسلم للنووي 12/ 213.
للحكم باعتبار الإنسان راعيًا، التي تتمثل في كونه مؤتمنًا وملتزمًا بصلاح ما قام عليه، متحققة في المستشفيات سواء كانت حكومية أو أهلية.
فهي مؤتمنة من قبل الجهات العليا، ومن قبل عامة الناس، وملتزمة بالمعالجة، ومداواة المرضى، وفق الأصول المتبعة عند أهل الاختصاص.
وبذلك تعتبر مسئولة عن جميع أفرادها الذين يقومون بعلاج المرضى، سواء كانوا من الأطباء أو من غيرهم كالصيدليين، والممرضين وغيرهم.
والمسئولية المتعلقة بهذه الجهة "المستشفى" تعتبر في الغالب من قبيل المسئولية السببية، وذلك لأن إدارتها العامة لا تباشر فعل الأمر الموجب للمسئولية، وإنما يباشر فعله الفرد من الأطباء ومساعديهم وغيرهم.
ولما كانت الأجهزة الإدارية العاملة في المستشفى ملزمة بتنظيم المستشفى، وإدارة أعماله على الوجه المطلوب، فإن أي إخلال ينشأ عنه ضرر بالمرضى سيكون متعلقًا بإدارة المستشفى أو أي شخص معين ملزم من قبل تلك الأجهزة الإدارية العاملة على رعاية المرضى والحيلولة دون وقوع ذلك الضرر بهم، وهذا بالإضافة إلى المسئولية المباشرة المتعلقة بذلك الفرد الذي باشر الفعل الناشيء عن الضرر.
ومن هنا تتوسع دائرة الأفراد الذين تشملهم المسئولية المتعلقة بهذه الجهة، فتكون الإدارة العامة للمستشفى هي المخاطبة من قبل الجهات من خارج المستشفى كالقضاء ونحوه، ثم تتوزع مسئوليتها على الدوائر ذات العلاقة بالفرد الذي نشأ عن فعله موجب المسئولية.
فعلى سبيل المثال يعتبر المحلل للدم إذا أخطأ في تحليله أو أهمل أو قصر مسئولاً مباشرًا عن نتيجة ذلك الخطأ والإهمال ثم يعتبر المسئول عن المختبر مسئولاً أيضًا في حال علمه بذلك الخطأ وعدم التنبيه عليه.
وكذلك الطبيب الجراح بجراحة العظام إذا أقدم على فعل جراحة داخلة أو خارجة عن اختصاصه على وجه ترتب عليه الإضرار بالمريض فإنه يعتبر المسئول عن قسم جراحة العظام في المستشفى مسئولاً عن علمه بذلك الخطأ، أو تقصيره في فعل الاحتياطات التي تحول دون مباشرة بذلك الطبيب لتلك الجراحة على وجه يوجب الضرر بالمريض.
وتتحمل المستشفيات المسئولية عن أفرادها من جهة أهليتهم لفعل المهمة التي تناط بكل فرد منهم، كالحال في الأطباء مع مساعديهم، فإن توفرت فيهم الأهلية سقطت المساءلة وإن لم تتوفر تحملوها على وجه السببية.
وكذلك تتحمل المستشفيات المسئولية عن الآلات والأجهزة وصلاحيتها للعمل، وتتوزع تلك المسئولية على الأفراد المسئولة عن تشغيل تلك الآلات ورعايتها بحسب ترتيب المستشفى وتنظيمه.
* * *