الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الحادي عشر في (الخياطة)
وهي مهمة يقوم بها الطبيب في الغالب بعد الانتهاء من علاج العضو المصاب في جوف الإنسان، فبعد أن يقوم برد الأعضاء إلى موضعها يخيط الموضع المشقوق من البطن أو الصدر أو غيرها من المواضع الأخرى.
وقد يلجأ الأطباء إلى الخياطة أثناء العمل الجراحي إذا لزم الأمر كما في الجراحة القلبية، حيث يقوم الطبيب الجراح في علاجه للضيق الموجود في الشريان الأورطي باستئصال الموضع الضيق من الشريان ثم يصل نهايتي الشريان المقطوعتين ببعضهما بواسطة الخياطة (1).
ومن أمثلته أيضًا ما يجرى في علائم الشفة المفلوجة حيث يقوم الطبيب بوصل نهايتها بالخياطة اللازمة (2).
وهذه المهمة تعتبر ضرورية في حال الشق عن الجوف كما في جراحة القلب والبطن وغيرها من أنواع الجراحة الجوفية، لأنه لو ترك موضع الجراحة مفتوحًا فإن المريض سيموت قطعًا، لذلك فإن الخياطة تعتبر الحاجة إليها بالغة مبلغ الضرورة، وفعلها مشروع، ولذلك نجد من الفقهاء رحمهم الله من نص على أن الشخص لو منع إنسانًا مجروحًا بجائفة الخيط والإبرة حتى مات فإنه يضمن ديته".
قال الشيخ محمد بن الحطاب المالكي (3) رحمه الله: "
…
(1) الموسوعة الطبية الحديثة لمجموعة من الأطباء 3/ 460.
(2)
المصدر السابق 3/ 454.
(3)
هو الشيخ محمد بن محمد بن عبد الرحمن بن حسين المعروف بالحطاب الرعيني المالكي فقيه أصولي مشارك في بعض العلوم، ولد رحمه الله بمكة سنة 902 من الهجرة، وتوفي بطرابلس الغرب سنة 954 من الهجرة، وله مصنفات منها: مواهب الجليل في شرح مختصر خليل، متممة الآجرومية، قرة العين بشرح الورقات لإمام الحرمين. معجم المؤلفين عمر كحالة 11/ 230، 231.
من أجيف ولم يستطع على خيط، وإبرة لخياطة جراحة إلا من عند رجل فمنعه حتى مات فإنه يضمن ديته" (1) اهـ.
وأما الخياطة في الحالات الأخرى كخياطة الشفة المفلوجة ونحوها، فإنها تعتبر في مرتبة الحاجيات، فيشرع للطبيب فعلها، وهي من الإصلاح المحمود شرعًا، فلا حرج في فعله
…
والله تعالى أعلم.
فهذه هي مجمل المهمات المتعلقة بالعمل الجراحي، وقد اعتنيت باختيار أهمها خاصة ما تتعلق به المسائل والأحكام الفقهية، وهناك مهمات أخرى يمكن للطبيب من خلال هذه المهمات المذكورة أن يستخلص أصول حكمها، حيث ظهر مما تقدم أن المهمة إذا توقفت حياة المريض ونجاته على فعلها كانت ضرورية ورخص له وللطبيب الجراح أن يفعلها لمكان الضرورة، وأما إن كانت دون ذلك بأن بلغت مقام الحاجيات فإنها تنزل منزلة الضرورة ويرخص فيها أيضًا.
وينبغي على الطبيب أن يوازن بين المفاسد والمصالح المترتبة على الإقدام والإحجام عن فعل المهمة المتعلقة بالعمل الجراحي، ثم يُقْدِمُ على ما ترجح اعتباره من المصالح، ويحجم عن ضده.
ومن خلال نصوص الفقهاء المتقدمين رحمهم الله التي سبق ذكرها في هذه المهمات يتبين لنا بجلاء ثراء المادة الفقهية في الشريعة الإسلامية، وشمولية قواعدها الفقهية، ومرونتها في الأحكام، وأنها امتازت بالتأصيل الذي يسهل معه تخريج الفروع والنوازل عليه، وليس ذلك بغريب على هذه الشريعة المنزلة من الحكيم الخبير، الصالحة لكل زمان ومكان.
(1) مواهب الجليل للحطاب 5/ 224.