الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المقصد الثاني في (أدلة الإثبات)
يعتمد القاضي في إثبات موجب المسئولية المهنية على الأدلة المعتبرة شرعًا في إثبات الحقوق وهي:
1 -
الإقرار.
2 -
الشهادة.
3 -
المستندات الخطية.
1 - فأما الإقرار:
فإنه يعتبر أقوى هذه الأدلة نظرًا لكونه شهادة من الإنسان على نفسه وهو أعلم بها من غيره، والغالب فيه أنه لا يشهد على نفسه بما يوجب الضرر بها إلا وهو صادق في شهادته، ويعتبر القاضي في إقرار الطبيب ما ينبغي اعتباره من توفر شروط أهلية المقر، فلا يقبل إقراره في حال سكر أو جنون أو إكراه ونحوها من الحالات التي لم تتوفر فيها الشروط المعتبرة لقبول الإقرار (1).
2 - وأما الشهادة:
فإنها تكون برجلين عدلين إذا ترتب على الحكم بها إثبات القصاص والتعزير (2)، أما إذا كان المترتب عليه من الحقوق المالية
(1) انظر شروط صحة الإقرار في المصادر التالية: مجمع الأنهر لداماد أفندي 2/ 229، جواهر الإكليل للأبي 2/ 132، 133، المهذب للشيرازي 2/ 243، 344، المبدع لابن مفلح 1/ 294 - 297.
(2)
الإجماع لابن المنذر 31، قوانين الأحكام الشرعية لابن جزي 337.
كالضمان فإنه يقبل شهادة النسوة منفردات، ومشتركات مع الرجال بناء على الأصل الموجب لقبول شهادتين بالأموال وما يرجع إليها (1).
ويتخرج على القول بقبول شهادة النساء منفردات، قبول شهادة الممرضات بما يوجب الحقوق غير المالية إذا كان الموجب واقعًا في موضع يتعذر اطلاع الغير عليه، كما هو الحال في أثناء العمل الجراحي.
فإذا شهدت الممرضات منفردات أو مع الرجال بما يوجب ثبوت حق لا تقبل فيه شهادتهن فإنه يسوغ للقاضي قبول شهادتهن على هذا الوجه لمكان الضرورة.
وينبغي على القاضي أن يراعي في الشاهد ما ينبغي مراعاته من الشروط المعتبرة لقبول الشهادة (2) خاصة فيما يرجع إلى شرط انتفاء التهمة، فقد يشهد الممرضون والممرضات على الطبيب الجراح، أو على أخصائي التخدير بأمر يتضمن إثباته دفع الضرر عنهم، وفي هذه الحالة يينبغي رد شهادتهم على الأصل المقرر من عدم اعتبار الشهادة في حال وجود التهمة المؤثرة فيها (3).
قال الشيخ أحمد الرملي الشافعي رحمه الله: "من يطبب ولا
(1) المصدرين السابقين.
(2)
انظر شروط الشهادة في المصادر التالية: بدائع الصنائع للكاساني 6/ 266، قوانين الأحكلام الشرعية لابن جزي 235، 236، المهذب للشيرازي 2/ 324 شرح منتهى الإرادات للبهوتي 3/ 545.
(3)
المبسوط للسرخسي 16/ 120، 121، جواهر الإكليل للأبي 2/ 237، روضة الطالبين للنووي 11/ 234، شرح منتهى الإرادات للبهوتي 3/ 552، 553. وقد حكى الإجماع على رد الشهادة بالتهمة ابن رشد الحفيد رحمه الله. انظر بداية المجتهد 2/ 453،452.
يعرف الطب فتلف شيء ضمن، ويعرف ذلك بقول طبيبين عدلين، غير عدوين له ولا خصمين .. " (1) اهـ.
فنص رحمه الله على اشتراط العدد والعدالة وانتفاء التهمة، كل ذلك لكي تحمل الثقة بقول الشهود ويحكم بتضمين الطبيب بتلك الشهادة العادلة.
وينبغي أن يكون الأطباء الذين يعتمد القاضي على شهادتهم من أهل الخبرة والدراية الواسعة التي تمكنهم من إنصاف الأطباء المتهمين، وتوجب حصول الثقة والطمأنينة بصحة حكمهم.
وقد أشار الإمام الشافعي رحمه الله إلى اعتبار شهادة أهل الخبرة والعلم بصنعة الجراحة وذلك بقوله: "وإذا أمر الرجل أن يحجمه، أو يختن غلامه، أو يبيطر دابته، فتلفوا من فعله، فإن كان فعل ما يفعل مثله مما فيه الصلاح للمفعول به عند أهل العلم بتلك الصناعة فلا ضمان عليه"(2) اهـ.
فاشترط رحمه الله في انتفاء المسئولية عنه أن يكون فعله عند أهل الصنعة والمعرفة فعل صلاح، فدل هذا على اعتباره لشهادتهم وقولهم، لأنه لا يمكن لنا أن نعلم أن فعل الحجامة والختان والبيطرة فعلاً متضمنًا لصلاح المفعول به إلا عن طريق أهل العلم بالصنعة.
(1) حاشية الرملي مع التجريد للشوبري 2/ 427 بهامش أسنى المطالب.
(2)
الأم للشافعي 5/ 166.
الحالة الثانية:
أن تختلف فيشهد بعضهم بكونه فعلاً صحيحًا ويشهد الآخرون بالعكس.
فإن اتفقت شهادتهم فلا إشكال في اعتبارها والعمل بها سواء اتفقوا على اعتبار الطبيب خارجًا عن الأصول، أو اتفقوا على اعتباره موافقًا لها.
وأما إن اختلفت شهادتهم فلا يخلو الأمر من ثلاثة أضرب:
ْالضرب الأول: أن يكتمل نصاب الشهادتين.
الضرب الثاني: أن لا يكتمل نصاب الشهادتين.
الضرب الثالث: أن يكتمل نصاب إحداهما دون نصاب الآخرى. فإن اكتمل نصاب الشهادتين بأن شهد طبيبان عدلان بكونه موافقًا للرسم المعتبر، وشهد آخران بالعكس فحينئذ يحكم بشهادة المثبتين لموافقته للرسم، وذلك لأن شهادتهما تضمنت إثباتًا وشهادة الآخرين تضمنت نفيًا، والإثبات مقدم على النفي، ثم إن شهادة المثبتين موافقة للأصل الموجب لبراءة الطبيب وشهادة الآخرين مخالفة له، فرجحت شهادة النفي بالأصل، وقد أشار بعض فقهاء الحنفية رحمهم الله إلى تقديم شهادة الإثبات بقوله رحمه الله:"وفي الخلاصة: الكحال إذا صب الدواء في عين رجل فذهب ضوءه لم يضمن كالختان إلا إذا غلط، فإن قال رجلان: إنه ليس بأهل، وقال رجلان هو أهل لم يضمن"(1) اهـ.
(1) تكملة البحر الرائق للطوري 8/ 33.