الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفرع الأول: في المسئولين عن المراحل الممهدة للعمل الجراحي
تشتمل المراحل الممهدة للعمل الجراحي على خمس مراحل:
المرحلة الأولى: الفحص الطبي العام.
المرحلة الثانية: تشخيص المرض الجراحي.
المرحلة الثالثة: الإذن بفعل الجراحة.
المرحلة الرابعة: الفحص الطبي الخاص بالجراحة.
المرحلة الخامسة: التخدير.
وبيان حدود المسئولية في هذه المراحل يتضح فيما يلي:
أولاً المسئولية عن الفحص الطبي العام:
يشتمل الفحص الطبي العام على دراسة الطبيب الفاحص لحال المريض وشكواه، ثم يقوم بعد ذلك بإجراء الفحص السريري، وإذا لزم الأمر قام بطلب إجراء الفحوصات الأخرى التي يستعان بها للوصول إلى معرفة المرض الجراحي.
وبناء على ذلك فإن المسئولية في هذه المرحلة تتعلق بالطبيب الفاحص من حيث الأصل، إلا أنها تكون متعلقة به خاصة في حالة مباشرته لفعل الموجب لمسئولية وتكون متعلقة به وبغيره في حال الاشتراك معه في الموجب عن طريق السببية، أو تكون متعلقة بالغير وحده في حال انعدامها، وانفراد ذلك الغير بفعل الموجب.
وعلى هذا فإن المسئولية في هذه المرحلة لا تخلو من ثلاث حالات:
الحالة الأولى: أن تكون متعلقة بالطبيب الفاحص.
الحالة الثانية: أن تكون متعلقة بمساعديه.
الحالة الثالثة: أن تكون مشتركة بين الطبيب ومساعديه.
وبيان هذه الحالات يتضح فيما يلي:
الحالة الأولى: أن تكون المسئولية متعلقة بالطبيب الفاحص وحده إذا كان الموجب للمسئولية ناشئًا عن فعل الطبيب الفاحص، فإنه يتحمل المسئولية عنه وحده ولا يتحمل مساعدوه من تلك المسئولية إذا انتفت العلاقة بينهم، وبين ذلك الموجب، وإنما يتحمل الطبيب الفاحص المسئولية وحده لأن الضرر ناشيء عن فعله، وهؤلاء المساعدون له لم يكن لهم أي تأثير في وجود الضرر، وإن كان ظاهر حالهم أنهم مشاركون للطبيب في مهمة الفحص، لكن هذا الوصف لا تأثير له في إيجاب المسئولية عليهم ما دام أن فعل الموجب ناشيء عن الطبيب الفاحص وحده وهم غير مشاركين له لا على وجه السببية ولا على وجه المباشرة في ذلك الفعل.
فالشريعة الإسلامية إنما تجهل المسئولية الشخص الفاعل لموجبها، ولا تعتبر الأوصاف التي لا تأثير لها في حقيقة الأمر.
وفي التنزيل يقول الحق تبارك وتعالى: {أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} (1)، فقد دلت هذه الآية الكريمة على أن الإنسان يتحمل وزر نفسه، ولا يتحمل غيره شيئًا من وزره ما دام أن ذلك الوزر ناشيء عنه وحده.
(1) سورة النجم (53) آية 38.
ويقول سبحانه: {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (1).
فبين سبحانه وتعالى أن لكل كسبه، وأن الإنسان لا يسأل عن كسب غيره واجتراحه، ومن هذا المنطلق تعتبر المسئولية شرعًا متعلقة بالشخص الفاعل لموجبها وحده، ولا يتحمل غيره شيئًا منها بشرط أن لا يكون لذلك الغير تأثير في وقوعها من الشخص الفاعل.
ومن أمثلة هذه الحالة التي يحكم فيها بتحمل الطبيب الفاحص وحده للمسئولية الكاملة عن فعله أن يقدم على تشخيص المرض عن طريق الحدس والتخمين مع توفر الوسائل والآلات التي يمكن بواسطتها التأكد من وجود المرض وعدمه.
فكل ما ينتج عن تشخيصه على هذا الوجه من أضرار يعتبر الطبيب الفاحص مسئولاً عنه وحده.
الحالة الثانية: أن تكون المسئولية متعلقة بالمساعدين:
إذا كان الموجب للمسئولية ناشئًا عن فعل الشخص المساعد للطبيب، فإن ذلك المساعد يعتبر متحملاً للمسئولية وحده، ولا يتحمل الطبيب الفاحص، ولا غيره من المساعدين الآخرين شيئًا من هذه المسئولية ما دام أنهم لم يتسببوا في إيجاد ذلك الموجب ووقوعه.
فيتحمل المحلل للدم، والبول، والبراز المسئولية كاملة عن أي خطأ يقع في تحليله كما يتحمل المسئولية عن الطريقة التي اختارها وسار عليها للوصول إلى نتائج التحليل التي اعتمدها الطبيب الفاحص.
(1) سورة البقرة (2) آية 141.
فالخطأ في هذين الموضعين متعلق به وحده دون غيره.
وكذلك يتحمل أخصائي الأشعة المسئولية عن طريقة التصوير التي اختارها لتصوير المريض، وكذلك عن مقدار الجرعة الإشعاعية التي أرسلها على جسمه، وما ترتب عليها من أضرار.
كما يتحمل المسئولية عن التقارير التى كتبها للطبيب وما تضمنته من نتائج.
ويتحمل المصور بالمناظير الطبية المسئولية عن الطريقة التي اتبعها وسار عليا في إدخال المناظير إلى جسم المريض، وما نشأ عنها من أضرار.
كما يتحمل المسئولية عن تقاريره التي يكتبها للطبيب.
فجميع هؤلاء المساعدين يتحملون المسئولية كاملة عن مهامهم، كل بحسب اختصاصه ومجال عمله، ولا يعتبر الطبيب الفاحص مشاركًا لهم بشرط أن يكونوا أهلاً للقيام بهذه المهمة التي طلب منهم فعلها، وإعطاء التقارير الطبية المتعلقة بها.
وإنما تعلقت بهم المسئولية وحدهم على الصفة المذكورة لأن الموجب لها ناشيء عن فعلهم لا عن فعل غيرهم، فهم المتحملون للأضرار المترتبة عليه لا غيرهم ممن لا تأثير له في إيجاد ذلك الموجب.
وقد تقدم في الحالة الأولى بيان أصل الشرع في مثل هذه الحالة من كونه يلزم الشخص الفاعل للضرر بعاقبة فعله وجرمه دون غيره ممن لم يتسبب في إيجاد ذلك الفعل الموجب للضرر.
الحالة الثالثة: أن تكون المسئولية مشتركة بين الطبيب ومساعديه.
إذا كان الموجب للمسئولية ناشئًا عن فعل المساعد، وللطبيب أثر في ذلك الموجب، فإن المسئولية تكون مشتركة بينهما.
فعلى سبيل المثال إذا قام الطبيب الفاحص بإحالة المريض على المصور بالأشعة مع علمه بأن ذلك المصور ليس أهلاً للقيام بمهمة التصوير بالأشعة، أو أحاله على المصور بالمناظير الطبية، وهو يعلم عدم أهلية ذلك المصور للقيام بالمهمة المطلوبة، فتم تصوير المريض بطريقة لا تتفق مع الأصول المتبعة، ونشأ عن ذلك ضرر بالمريض مثل أن يزيد المصور الجرعة الإشعاعية فتؤدي زيادتها إلى تلف في جسمه، أو غيره من الأضرار، أو يقوم المصور بالمناظير بإدخال المناظير الطبية بطريقة لا تتفق مع الأصول المتبعة فأدى ذلك إلى جرح أمعاء المريض أو غير ذلك من الأضرار فإن المسئولية حينئذ تقع على المباشر للتصوير، والطبيب الذي قام بإحالة المريض عليه مع علمه بعدم أهليته.
أما إيجاب المسئولية على كل من المصور بالأشعة والمناظير فلا إشكال فيه لكونهما مباشرين لفعل موجب للمسئولية، قد تقدم أن المباشر لفعل الموجب مسئول عما يترتب على فعله من أضرار.
وأما إيجابها على الطبيب فذلك مبني على تسببه في إيقاع الموجب، وغلبة الظن بحصوله، إذ من المعلوم بداهة أن الشخص إذا قام بفعل شيء يجهل الطريقة المتبعة لفعله أنه لابد من أن يخطيء فيه غالبًا، إضافة إلى أنه غرر المريض بإحالته إياه على من ليس أهلاً لتصويره بالأشعة والمناظير، فالمريض إنما قام بتسليم نفسه، وتمكين المصور من المهمة المذكورة بناء على أن الطبيب لا يحيله إلا على من هو أهل لذلك، كما هو منصوص عليه في القوانين الطبية، وجار في