الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الرابع في (فسخ الإجارة على فعل الجراحة)
الأصل في عقد الإجارة أنه من العقود اللازمة (1)، وذلك لقوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} (2) والإجارة عقد ولأنها كالبيع بجامع المعاوضة في كل (3).
وعلى هذا فإنه إذا تعاقد المريض مع الطبيب والمستشفى على فعل الجراحة بالأجرة، فإنه ينبغي على كلا الطرفين الوفاء بذلك العقد، ما لم يوجد عذر شرعي يجيز لها الفسخ.
فإذا امتنع الطبيب عن تنفيذ عقدها بدون عذر ألزمه الحاكم بذلك، وأما المريض فإنه إذا امتنع عن الوفاء لم يجبر على فعلها، وإنما يجبره الحاكم على دفع الأجرة إذا مكنه الطبيب من نفسه مدة يمكنه فيها فعل الجراحة، وإذا حكم بالأجرة للطبيب وأخذها لم تستقر ملكية الطبيب لتلك الأجرة بمعنى أنه إذا وجد العذر الشرعي الموجب لفسخ عقد الإجارة بعد أخذ الطبيب للأجرة وجب عليه ردها.
قال الإمام شمس الدين أحمد بن محمد الرملي الشافعي -رحمه
(1) القول بلزوم عقد الإجارة هو مذهب الجمهور، الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة. انظر بدائع الصنائع للكاساني 4/ 197، وبداية المجتهد لابن رشد 2/ 277، المهذب للشيرازي 1/ 400، كشاف القناع للبهوتي 4/ 17.
(2)
سورة المائدة (5) آية 1.
(3)
بدائع الصنائع للكاساني 4/ 197، المهذب للشيرازي 1/ 400.
الله-: "فإن منعه من قلعها ولم تبرأ لم يجبر عليه، ويستحق الأجرة بتسليم نفسه، ومضي مدة إمكان العمل، لكنها غير مستقرة حتى لو سقطت رد الأجرة كمن مكنت الزوج فلم يطأها ثم فارق.
ويفارق ذلك ما لو حبس الدابة مدة إمكان السير حيث تستقر الأجرة عليه لتلف المنافع تحت يده، وما تقرر هنا لا ينافي ما نقل عن الإمام من استقرارها، إذ هو مفروض فيما إذا تبين عدم تدارك الفعل المستأجر عليه، وما مر في إمكانه"اهـ (1).
فبين رحمه الله أن المريض لا يجبر على فعل الجراحة إذا امتنع عنها بعد العقد، وأن الطبيب يستحق الأجرة إذا مكنه من نفسه المدة الكافية لفعل الجراحة، ولم يمكنه ذلك المريض من فعلها (2)، ثم بين أن الحكم بالأجرة للطبيب على هذا الوجه لا يوجب استقرار ملكيته لها.
وعلى هذا فإن المريض لو تراجع عن الامتناع، وطالب الطبيب بفعل الجراحة ألزم الطبيب بفعلها.
ويجوز لكل من الطبيب والمريض فسخ عقد الإجارة على فعل الجراحة في الأحوال التالية:
الحالة الأولى: أن يتعذر فعل الجراحة لزوال موجبها.
الحالة الثانية: إذا مات أحد الطرفين.
(1) نهاية المحتاج للرملي 5/ 271، ونص على ذلك غيره. انظر فتح الجواد للهيثمي 1/ 589.
(2)
ومثل هذا الحكم نص عليه بعض فقهاء المالكية والحنابلة رحمهم الله. انظر المعيار المعرب للونشريسي 8/ 286، 287، الإنصاف للمرداوي 6/ 75.