الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الأول في (الجراحة الطبية في العصور القديمة)
من المعلوم بداهة أن الإنسان في مختلف العصور معرض للإصابة بالآفات والأمراض الجراحية المختلفة، وذلك بسبب وجود الأشياء الموجبة لحدوثها من حروب، وحوادث، وحيوانات مفترسة، لذلك فإنه يحتاج إلى علاجها وتدبيرها بالجراحة اللازمة.
وقد ذكرت بعض المراجع العلمية التي تحدثت عن تاريخ الطب أن الإنسان في العصور القديمة كان له إلمام بالجراحة الطبية، وأنه قام بتطبيقها، ولكن بصورة تعتبر بداية لما وصلت إليه الجراحة في العصر الحاضر من رقي وازدهار (1).
وقد استندت هذه المراجع في إثبات ذلك على جملة من الدلائل التي توصل إليها من خلال الآثار القديمة التي تم اكتشافها.
فقد تبين منها أن الإنسان في تلك العصور قام بفعل عدد من الجراحات لعلاج بعض الآفات الجراحية التي تصيب العين، والأنف، والأذن، والجمجمة، وغيرها من أجزاء الجسم.
ففي مصر اكتشفت بعض الآثار المنقوشة، والصور المنحوتة تبين من خلالها أن قدماء المصريين كانوا على معرفة ببعض المهام الجراحية خاصة ما يتعلق منها بجراحة الأسنان، حيث وصفت تلك الآثار عملية
(1) تاريخ الطب للشطي 7، لمحة من تاريخ الطب بلاكسلاند ستنبز 1 ،2، ترجمة الدكتور أحمد زكي.
تصريف خراجات الأسنان عن طريق الثقب، وعملية حشو الأسنان، وزرعها التي يعتبر قدماء المصريين هم أول من عرفها ووصفها ثم أخذها عنهم اليونانيون بعد ذلك، كما وصفت تلك الآثار عملية تثبيت الأسنان بالأسلاك وجراحة الأسنان التعويضية (1).
كما عرف قدماء الهنود الجراحة الطبية حيث وصفوا عددًا من مهامها في كتبهم، ومن أشهر ما وصفوا عملية التربنة المشهورة، وهي إزالة جزء من عظم القحف نتيجة إصابة الرأس.
وكذلك اعتنوا بوصف عملية إصلاح الأنف، والأذن المقطوعة، واليد المتآكلة بسبب الآفة المرضية (2).
وكذلك وجدت بعض الآثار القديمة التي ترجع إلى العصر البابلي، ومن جملتها بعض القوانين المكتوبة تشتمل بعض موادها على أحكام تتعلق بالجراحة، ومنها أن الطبيب الجراح لو عالج مريضًا بالجراحة ثم مات ذلك المريض أو تلف عضو من أعضائه بسبب الجراحة فإنه يعاقب بقطع يده.
وكذلك اشتملت بعض فقرات تلك القوانين على بيان حد الأجرة التي تعطى للطبيب الجراح إذا عالج مريضًا بالجراحة ثم شفي ذلك المريض من علته (3).
(1) تاريخ الطب للشطي 18 - 20، انتفاع الإنسان بأعضاء جسم آخر حيًا أو ميتاً.
د. الباز 2 من بحوث مجمع الفقه الإسلامي.
(2)
مختصر تاريخ الطب العربي د. السامرائي 1/ 68.
(3)
الطب القضائي د. ضياء الدين نوري، 398، لمحة من تاريخ الطب، بلاكسلاند ستبز 6، 7 ترجمة د. أحمد زكي.
ومن خلال هذه العبارات تبين أن الجراحة الطبية كانت موجودة في تلك العصور، وأنها لقيت بعض الاهتمام نظرًا لما يترتب عليها من المصالح والمنافع
…
وفي العهد اليوناني كانت الجراحة الطبية موجودة، واعتنى أطباء اليونان بتطويرها وأسهموا في تآليفهم ببيانها والحديث عن بعض أنواعها التي لم يسبقوا إلى معرفتها وتطبيقها، ومن أشهر الأطباء المبرزين الذين ساهموا في الكتابة عن الجراحة في مؤلفاتهم "أبقراط"(1) حيث اعتنى في مؤلفاته الطبية بالكتابة عن عدد من المهام الجراحية، فتكلم عن علاج الأورام بالجراحة خاصة الأورام الموجودة في الأنف وكذلك اعتنى بالحديث عن علاج الكسور بالجراحة، وأفرد جانبًا من جوانب الجراحة بالتأليف المستقل وهو علاج القروح، والجروح الموجودة في الرأس، فألف كتابه المسمى "بالقروح وجراحات الرأس"، كما ألف كتابًا آخر في الخلع والجبر (2).
وكذلك اعتنى غيره من أطباء اليونان بالكتابة عن بعض أنواع
(1) هو أبقراط بن إيراقليدس بن أبقراط بن غنو سيد يقوس، كان شريفًا في قومه فاضلاً عاش بمدينة "قو"(وهي على شاطيء الأناضول من آسيا الصغرى)، وبلغ خمسًا وتسعين سنة أمضى منها تسعًا وسبعين سنة في تعليم الطب، قال عنه الشهرستاني:"أبقراط واضع الطب الذي قال بفضله الأوائل والأواخر، كان أكثر حكمته في الطب، وشهر به" اهـ.
وأثنى عليه ابن أبي أصبعيه، وابن جلجل في الطبقات، ألف في الطب مؤلفات كثيرة منها الكتب التالية: الفصل، الأخلاط، الأمراض الحادة. عيون الأنباء في طبقات الأطباء لابن أبي أصبعيه 1/ 43 - 56، وطبقات الأطباء والحكماء لابن جلجل 16 - 20، والملل والنحل للشهرستاني 3/ 24 - 27.
(2)
طبقات الأطباء لابن جلجل 16، وقصة الطب جوزيف جارلند 48، 56، ترجمة الدكتور سعيد عبده.
الجراحة التي لم تسبق الكتابة عنها في العصور السابقة للعصر اليوناني، ومن تلك الأنواع التي أسهموا في بيانها والكتابة عنها جراحة المسالك، والفتوق، وكذلك جراحة البتر (1).
ولما جاء جالينوس اعتنى عناية فائقة بالطب فألف فيه التآليف التي سار عليها من بعده، واعتنى بعلم الجراحة الطبية، فكان أول من كتب في علم التشريح الذي هو من أهم العلوم التي تعين على فهم الجراحة وتطبيقها (2).
* * *
(1) تاريخ الطب للشطي: 44 - 47.
(2)
قال ابن جلجل في ترجمته: "لم يسبقه أحد إلى علم التشريح، وألف سبع عشرة مقالة في تشريح الموتى، وألف في تشريح الأحياء كتابًا" اهـ. طبقات الأطباء والحكماء لابن جلجل 42.