الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث السابع في (إعادة الأعضاء المبتورة)
هذا النوع من المهمة الجراحية يشتمل على إعادة العضو المقطوع إلى موضعه بجراحة تعتبر من أدق أنواع الجراحة وأصعبها نظرًا لما تتطلبه من مهارة خاصة وصبر طويل، فقد يستغرق العمل الجراحي لإعادة أصبع واحدة على الأقل ست ساعات (1).
وليس كل الأعضاء المبتورة يمكن إعادتها إلى موضعها، بل ذلك مختص بأعضاء معينة، وشروط لابد من توفرها في ذلك العضو المبتور من أهمها عدم تلوثه بصورة تمنع من إعادته، وعدم وجود فاصل زمني طويل، لأن ذلك يحول دون نجاح عملية الوصل التي تحتاج إلى طراوة الموضع وقرب عهده بحادث البتر.
وتقوم هذه المهمة على تهيئة الطرفين الذين يراد وصلهما -طرف العضو المبتور ومكانه- ثم يقوم الطبيب الجراح بتوصيل الأوعية الدموية، وخياطة الأعصاب والأوتار (2).
وهذه المهمة من حيث الأصل توفرت فيها الدواعي الموجبة للترخيص بفعلها، وذلك. لأن الإنسان يتضرر كثيرًا بفقده ليده، أو رجله، أو أصابعهما، فيشرع له دفع ذلك الضرر بفعل هذا النوع من الجراحة الذي يمكن بواسطته إعادة ذلك العضو الذي أبين، ولكن بشرط أن لا تكون إبانته مطلوبة شرعًا لحد أو قصاص كما سيأتي بيانه -إن شاء الله تعالى-.
(1) الجديد والقديم في جراحة التقويم. د. السيد محمد وهب 145، 146.
(2)
المصدر السابق، آفاق جديدة في الجراحة للشقيري 110.
ولأنه إذا جاز بتر العضو وإبانته من الجسم عند الحاجة فلأن يجوز رده عند وجودهما أولى وأحرى.
وقد حكى الإمام القرطبي رحمه الله عن الإمام الشافعي (1)، وعطاء (2) وسعيد بن المسيب (3) رحمهم الله القول بعدم جواز إعادة الأذن المقطوعة، محتجين بأنها صارت نجسة بالانفصال، فلم تجز إعادتها لئلا تؤدي إلى بطلان العبادة (4).
ونص غيرهم من أهل العلم رحمهم الله على جواز إعادتها بعد انفصالها (5).
(1) هذا القول المحكي عن الإمام الشافعي نص عليه رحمه الله كما أشار إلى ذلك الإمام النووي إلا أنه قال: "ولكن المذهب طهارته وهو الأصح عند الخرسانيين" المجموع للنووي 3/ 139، روضة الطالبين للنووي 9/ 197.
(2)
هو الإمام أبو محمد عطاء بن أبي رباح أسلم، وقيل سالم بن صفوان المكي، كان من أجلاء فقهاء التابعين بمكة أخذ العلم عن ابن عباس وجابر بن عبد الله رضي الله عنهما وإليه وإلى مجاهد بن جبر انتهت الفتوى بمكة في زمانهما، وكان يصيح الصائح في الحج "لا يفتي الناس إلا عطاء بن أبي رباح" توفي رحمه الله سنة 115 من الهجرة وقيل بغيرها. وفيات الأعيان لابن خلكان 2/ 223، 224.
(3)
هو الإمام أبو محمد سعيد بن المسيب بن حزن القرشي أحد فقهاء المدينة السبعة جمع بين الحديث والفقه والورع، توفي رحمه الله بالمدينة سنة 91 من الهجرة وقيل بغيرها. وفيات الأعيان لابن خلكان 2/ 223، 224.
(4)
تفسير القرطبي 6/ 199، روضة الطالبين للنووي 9/ 197.
(5)
وهو قول الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله، فقد سئل عن إعادة العضو المقطوع من الجسد؟ فقال: لا بأس أن يعيده إلى مكانه، وذاك أن فيه الروح، مثل الأذن تقطع فيعيدها بطرائها" الروايتين والوجهين لأبي يعلى 1/ 202. وعلى هذه الرواية المذهب عند أصحابه رحمهم الله. الإنصاف للمرداوي 1/ 489، شرح منتهى الإرادات للبهوتي 1/ 155، وقد أشار إلى هذه المواضع فضيلة الدكتور/ بكر أبو زيد في بحثه، حكم إعادة ما قطع بحد أو قصاص.
قال الإمام ابن العربي (1) رحمه الله بعد حكايته للقول بمنع إعادة الأذن المقطوعة:
"وهذا غلط، وقد جهل من خفي عليه أن ردها وعودها بصورتها لا يوجب عودها بحكمها، لأن النجاسة كانت فيها للانفصال، وقد عادت متصلة، وأحكام الشريعة ليست صفات للأعيان، وإنما هي أحكام تعود إلى قول الله سبحانه فيها وإخباره عنها" اهـ.
فبين رحمه الله أن إعادة الأذن المقطوعة لا يوجب الحكم بنجاستها، لأن النجاسة متعلقة بها حال الانفصال، وأما إذا عادت واتصلت فإنها ترجع إلى حكمها الأول من كونها طاهرة.
ولاشك في أن القول بجواز إعادتها هو الراجح لما يلي:
أولاً: أن فيه دفعًا للمشقة والحرج الموجود في حال فقد ذلك العضو المبتور، والشريعة الإسلامية راعت دفع الحرج والمشقة عن المكلفين.
ثانيًا: أن ما أبين من حي فهو كميتته، وميتة الآدمي طاهرة، فوجب أن يكون ذلك العضو الذي أبين طاهرًا، وإذا كان كذلك انتفى ما ذكروه من الحكم بنجاسته ومن ثم لم تلزم إبانتها ثانية.
ثالثًا: أن إيجاب قلع ذلك العضو بعد إعادته فيه ألم ومشقة، وقد
(1) هو الإمام أبو بكر محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الله المعافري الأشبيلي، ولد رحمه الله بأشبيلية سنة 468 هـ، وكان فقيهًا محدثًا أصوليًا أديبًا مؤرخًا، توفي رحمه الله بفاس سنة 543 هـ وله مصنفات كثيرة منها: شرح الجامع الصحيح للترمذي، والمحصول في الأصول، غوامض النحويين. معجم المؤلفين عمر كحالة 1/ 242، 243.