الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثالث في (ضابط النوعية والقدر والطريقة)
يحتاج المريض لتخديره في الجراحة الطبية إلى نسبة معينة من المخدر، وهذه النسبة تختلف من حيث القدر والكمية حسب اختلاف نوعية الجراحة المطلوبة من حيث سطحيتها وعمقها.
فعلى سبيل المثال يحتاج الطبيب في قلع السن وشق الخُرَّاج إلى تخدير سطحي جدًا، بينما يحتاج في الجراحة التي تجرى داخل الحفرة البطنية كالقرحة واستئصال الزائدة إلى تخدير أعمق، وذلك لإزالة مقوية العضلات، ومنع حدوث انقباضها الانعكاسي نتيجة العمل الجراحي الذي يقوم به الطبيب الجراح للبرتيون الحساس، بالإضافة إلى وجود مستويات مختلفة من التخدير يحتاج إليها لمنع حدوث استجابة انعكاسية في النواحي المختلفة (1).
وإذا كان الأصل في استعمال المخدرات -كما تقدم- هو التحريم، وأن جوازها في الجراحة الطبية مبني على وجود الضرورة والحاجة فإن ذلك الجواز ينبغي أن يقيد بقدر الحاجة المطلوبة، ويبقى الزائد على القدر المحتاج إليه على الأصل وهو حرمة استعماله، وذلك للقاعدة الشرعية التي تقول:"ما أبيح للضرورة يقدر بقدرها"(2).
وبناء على ذلك فإنه يجب على الطبيب المخدر أن يحدد النسبة
(1) التخدير: غوردون أوستلر، روجر برايس سميث ص 37.
(2)
الأشباه والنظائر لابن نجيم ص 86، الأشباه والنظائر للسيوطي ص 84.
المطلوبة لتخدير المريض حسب الحاجة، ولا يجوز له أن يزيد عليها إلا بقدر الضرورة، فإذا كانت الجراحة الطبية من النوع الذي يمكن إجراؤه بتخدير المريض تخديرًا موضعيًا فإنه لا يجوز له أن يعدل إلى تخديره تخديرًا كليًا إلا إذا وجدت الضرورة الداعية إلى ذلك.
وقد اعتنت المصادر التي تكلمت عن التخدير في الجراحة الطبية ببيان النسب وتحديد قدرها حسب الحاجة، ويعتبر هذا التحديد الذي درج أهل الخبرة والمعرفة على اعتباره مرجعًا للطبيب المخدر ولا يجوز له العدول عنه على وجه المخاطرة والتجربة، خاصة وأن المواد المخدرة تعتبر موادًا سامةً ولذلك يقول بعض المختصين في التخدير الجراحي عند بيانه لمهمة التخدير:"إن كل المخدرات مواد سامة، وتذكر بأنك عندما تقوم بعملية تخدير فإنك تقرر أن تسمم شخصًا، لا أن تقتله لذلك أعط أقل كمية ممكنة .. "(1) اهـ.
ويقول غيره: "أما درجة تحمل الأشخاص للمواد المخدرة الموضعية، فمن الثابت أن أغلب الأشخاص يتحملونها بسهولة تامة، بينما لا يتحملها آخرون، وهذا التحسس من المخدرات الموضعية له محاذيره الخطرة التي قد تكون مميتة في بعض الحالات لذلك يجب أن لا تستعمل هذه الأدوية السامة اعتباطًا ودون تمييز، بل يجب التأكد من درجة تحسس المرضى منها قبل حقنها .. "(2) اهـ.
وأما ضابط الطريقة فإنه لا يجوز للمخدر أن يختار طريقة أشد ضررًا من غيرها متى ما أمكن التخدر بالطريقة التي هي أقل منها ضررًا وأكثر أمانًا لما في تقديم الطريقة المضرة من تعريض المريض لعواقبها
(1) التخدير: غوردون أوستلر، روجر برايس سميث ص 7.
(2)
التخدير الموضعي. د. شفيق الأيوبي ص 137.
السيئة دون حاجة موجبة لذلك.
وكذلك لا يجوز له أن يعدل إلى التخدير عن طريق العورة "فتحة الشرج" متى أمكن التخدير عن طريق الوريد ونحوه، لأن العورة لا يستباح كشفها إلا عند الحاجة (1)، ومتى وجد طريق بديل عنها فإن الحاجة منتفية ما لم يكن ذلك البديل يتعذر التخدير عن طريقه أو يترتب على التخدير عن طريقه ضرر أعظم من ضرر التخدير عن طريق العورة
…
والله أعلم.
فهذه هي المراحل الأربعة الممهدة للعمل الجراحي، والأحكام المتعلقة بها، وهناك مرحلة الفحص الطبي الذي يجرى للتأكد من وجود المرض الجراحي، وأهلية المريض لتحمل الجراحة ومتاعبها، ولما كانت هذه المرحلة في حكم مرحلة الفحص الطبي الذي سبق بيان أحكامه في المبحث الأول من هذا الفصل رأيت من المناسب عدم تكرار الأحكام المتعلقة به لأنه في حكم الفحص المذكور.
* * *
(1) فتح القدير لابن الهمام 1/ 179، مواهب الجليل للحطاب 1/ 598، 599، روضة الطالبين للنووي 1/ 282، المبدع لابن مفلح 1/ 360، قواعد الأحكام لابن عبد السلام 2/ 165.