الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثالث أن يأذن المريض أو وليه بفعل الجراحة
مما يشترط لجواز فعل الجراحه الطبية أن يأذن المريض بفعلها إذا توفرت فيه أهلية الإذن (1).
وأما إذا لم يكن أهلاً فإنه يعتبر إذن وليه كأبيه مثلاً.
وعلى هذا فإنه لا يجوز للطبيب الجراح أن يقوم بفعل الجراحة الطبية للمريض إذا لم يوافق عليها، وقد أشار الإمام ابن قدامة (2) رحمه الله إلى اعتبار إذن المريض، أو وليه وذلك بقوله: "وإن ختن صبيًا بغير إذن وليه، أو قطع سلعة من إنسان بغير إذن أو من صبي بغير إذن وليه فسرت جنايته ضمن، لأنه قطع غير مأذون فيه.
وإن فعل ذلك الحاكم، أو من له ولاية عليه، أو فعله من أذنا له لم يضمن لأنه مأذون فيه شرعًا" (3) اهـ.
فأشار رحمه الله إلى اعتبار إذن المريض في قوله: "أو قطع سلعة من إنسان بغير إذنه"، وأشار إلى إذن الولي الخاص بقوله: "وإن
(1) انظر أهلية الآذن ص (250).
(2)
هو الإمام أبو محمد عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي، ولد رحمه الله بجماعيل بالشام في سنة 541. هـ، وكان إمامًا في فنون عديدة وهو شيخ الحنابلة في عصره، وله مصنفات منها: المغني، الكافي، المقنع توفي رحمه الله سنة 620 هـ. ذيل طبقات الحنابلة لابن رجب 2/ 133 - 142.
(3)
المغني والشرح الكبير: لابن قدامة: 6/ 121.
ختن صبيًا بغير إذن وليه"
…
أو من صبي بغير إذن وليه، وأشار إلى اعتبار إذن الحاكم وهو الولي العام بقوله: "وإن فعل ذلك الحاكم
…
". ثم أوجب الضمان في سراية القطع إذا وقع بدون إذنهم كل بحسب ولايته، وعلل إيجاب الضمان بكونه قطعًا غير مأذون فيه فنزّله منزلة القطع المبتدأ على وجه الجناية.
وأسقط ذلك الضمان في حال توفر الإذن وعلل ذلك بكونه قطعًا مأذونًا فيه شرعًا، وهذا يدل دلالة واضحة على اعتبار شرط الإذن بفعل الجراحة لازمًا لكي يحكم بجوازها.
ومما يدل على اعتبار الفقهاء رحمهم الله لهذا الشرط ما نصوا عليه من أن الطبيب لا يجوز له أن يجبر المريض إذا استأجره لقلع ضرسه أو سنه الوجعة، ثم امتنع المريض من تمكينه من فعل الجراحة مع وجود الألم، قال الخطيب الشربيني (1) رحمه الله: "
…
فإن لم تبرأ (2)، ومنعه من قلعها لم يجبر عليه" (3) اهـ.
فحكمهم بعدم إجبار المريض على فعل الجراحة مع وجود السبب الموجب لفعلها وهو الألم، فيه دليل واضح على أنه ليس من حق
(1) هو الشيخ شمس الدين محمد بن محمد الشربيني الخطيب، كان فقيهًا، مفسرًا، متكلمًا أجمع أهل مصر على صلاحه ووصفه بالعلم، والعمل والزهد والورع. توفي رحمه الله سنة 977 من الهجرة، ومن مصنفاته: مغني المحتاج إلى معرفة ألفاظ المنهاج، السراج المنير، الفتح الرباني. شذرات الذهب لابن العماد 8/ 384، ومعجم المؤلفين لعمر كحالة 8/ 269.
(2)
أي السن الوجعة.
(3)
مغني المحتاج للشربيني 2/ 324، وقد نص على هذا الحكم غيره. انظر: روضة الطالبين للنووي 2/ 315، ونهاية المحتاج للرملي 5/ 217، وأسنى المطالب للأنصاري 2/ 409، والغرر البهية للأنصاري 3/ 318، والمبدع لابن مفلح 5/ 103.
الطبيب الجراح أن يقدم على فعل الجراحة بالمريض إلا بعد موافقته على فعلها باختياره وسيأتي -إن شاء الله تعالى- بيان أهلية الشخص الآذن، والشروط المعتبرة لصحة الإذن، وغير ذلك من المسائل المتعلقة بإذن المريض في الفصل الأول من الباب الثالث عند الكلام على أحكام المراحل الممهدة للجراحة (1).
* * *
(1) انظر ص (239).