الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال الشيخ أحمد بن محمد المقري (1) رحمه الله: "وكتاب التصريف لأبي القاسم خلف بن عياش الزهراوي، وقد أدركناه وشاهدناه، ولئن قلنا: إنه لم يؤلف في الطب أجمع منه، ولا أحسن للقول، والعمل في الطبائع لنصدقن" اهـ (2).
ونظرًا لما له من الفضل الكبير بعد الله تعالى في تقدم الجراحة الطبية من بعده، رأيت من المناسب الكلام على نماذج من إسهاماته في علم الجراحة الطبية.
نماذج من إسهامات الزهراوي في علم الجراحة الطبية:
إن الحديث عن هذا العَلَم الإسلامي، وذكر نماذج من إسهاماته في علم الجراحة الطبية ليس هو من باب التعصب والحياد، ولكنه من باب المعرفة أولاً، ثم من باب إظهار فضل ذي الفضل، لكي يعرف بفضله فينصف بإعطائه قدره، وحقه خاصة إذا جحد الأعداء ذلك الفضل، وغمطوه حقه حسدًا، ونسبوه إلى أنفسهم زورًا وبهتانًا فحينئذ يكون الحديث عن فضله فيه إظهار للحق، وإبطال للباطل، وكشف عن زيف الأعداء وكذبهم حتى لا ينخدع به أبناء المسلمين (3).
(1) هو الشيخ أحمد بن محمد بن أحمد بن يحيى بن عبد الرحمن بن أبي العيش بن محمد المالكي التلمساني، ولد رحمه الله في تلمسان سنة 992 من الهجرة، وتوفي بالقاهرة في سنة 1041 هـ، وله مؤلفات كثيرة منها: نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب، العاطر الأنفاس في ذكر من لقيته من أعلام مراكش وفاس، والبدأة والنشأة في النظم والأدب. معجم المؤلفين لكحالة 2/ 78.
(2)
نفح الطيب للمقري 4/ 167.
(3)
فعلى سبيل المثال: كان الزهراوي رحمه الله أول من قام بعملية إيقاف النزف =
وإضافة إلى ما سبق فإن إظهار فضل علماء الطب المسلمين في هذا الجانب أو غيره إنما هو في الحقيقة إظهار لفضل الإسلام نفسه وفيه دعوة للتمسك به، والالتزام الكامل لمبادئه وآدابه وشرائعه، لأن السلف رحمهم الله إنما نبغوا وفاقوا غيرهم بسبب ذلك.
وقد كان للزهراوي رحمه الله إلمام كبير بعلم الجراحة الطبية لم يقف عند معرفته لما سبقه إليه غيره من علماء الطب وحُذَّاقه، بل تعدى ذلك كله إلى درجة الاكتشاف وعمل المهام الجراحية التي لم يسبق إلى عملها من قبل، ثم وصفه لها وصفًا دقيقًا في مؤلفه.
كما ابتكر بعض الآلات الجراحية ورسمها وبين كيفية استعمالها، وتطبيق المعلومات الجراحية بواسطتها، وهذا أسلوب لم يسبقه إليه أحد غيره ممن كتب في العلوم الطبية، أو تحدث عن آلاتها.
فقد كان الأطباء من قبله يعتنون بالوصف الكتابي دون الرسم الإيضاحي الذي انتهجه الزهراوي رحمه الله في كتابه "التصريف" واعتنى به عناية فائقة، ويعتبر كتابه هذا رائدًا في علم الجراحة الطبية، وقد استفاد منه علماء الطب والجراحون الأوربيون وغيرهم على مدى
= الدموي بواسطة عملية ربط الشرايين، ولكن نسب ذلك إلى الجراح الفرنسي "أمبراوازباري" والذي جاء بعد الزهراوي بما يقارب من ستة قرون!!. دراسات في تاريخ العلوم عند العرب حكمت نجيب عبد الرحمن ص 57. كما كان الزهراوي أول من أوصى بولادة الحوض المسماة في أمراض النساء "وضع والثر" في الولادة، ولكن نسب ذلك إلى الطبيب الأوربي "والثر". أعلام العرب والمسلمين في الطب د. الدفاع ص 53.
قرون عديدة (1).
وقد تحدث رحمه الله في كتابه "التصريف" عن العلوم الطبية بمختلف فروعها ومجالاتها، وأفرد للجراحة الطبية موضعًا معينًا من ذلك الكتاب النفيس، وهو [المقالة الثلاثون]، ويعد ذلك أول من اعتبر الجراحة فرعًا مستقلاً، وأول من أفرد معلوماتها بمبحث مستقل بعد أن كانت متناثرة ومندرجة تحت أبواب الفروع الطبية الأخرى (2).
وقد مهد رحمه الله بهذه المقالة الطريق أمام المشتغلين بعلم الجراحة، وكان له فضل كبير على جميع الجراحين الذين جاءوا من بعده سواء كانوا من المسلمين أو من غيرهم (3)، وقد تأثر به من كتب في
(1) استمر هذا الكتاب مدة خمسة قرون وهو يعتبر عمدة في علم الجراحة في أوربا وغيرها، وترجم إلى اللغة العبرية، كما ترجم إلى اللغة اللاتينية بفينيسيا سنة 1497 م، وستراسبورغ سنة 1532 م، وبال سنة 1541 م، أما المقالة العاشرة المختصة بعلم الجراحة فقد طبعت منفردة بترجمتها الكاملة باللغة اللاتينية في مدينة أوغنورك سنة 1519 م، وطبعت بالعبرية مع ترجمة لاتينية في القرنين الخامس عشر والسادس عشر، وتوجد بدار الكتب المصرية بالقاهرة نسختان من المقالة العاشرة من هذا الكتاب، والنسخة الأولى منها تحت رقم (طب 935) وتقع في جزأين، وقد طبعت في لندن سنة 1778 م بنصها العربي مصحوباً بالترجمة اللاتينية. والنسخة الثانية عربية طبعت في لكنو بالهند سنة 1908 م. دراسات في تاريخ العلوم عند العرب حكمت نجيب عبد الرحمن ص 56 - 57. وتاريخ الطب للشطي ص 279، والجراحة عند الزهراوي د. أحمد مختار منصور من بحوث المؤتمر العالمي الثاني عن الطب الإسلامي، ثبت بالمؤتمر 4/ 452، 453.
(2)
يقول الدكتور محمود الحاج قاسم: "اعتبر الزهراوي بحق أول من فرق بين الجراحة وغيرها من المواضيع الطبية
…
" اهـ. الطب عند العرب والمسلمين. د. محمود الحاج قاسم 106.
ويقول الدكتور عبد العظيم الديب: "إن عظمة الزهراوي تكمن حقًا في أنه أول من عني بالجراحة وجعلها فرعًا مستقلاً
…
اهـ". أبو القاسم الزهراوي أول طبيب جراح في العالم. د. الديب ص 100.
(3)
يقول عالم وظائف الأعضاء "هالر": "إن جميع الجراحين الأوربيين الذين ظهروا =
علم الجراحة من بعده فأفردها بمباحثها حتى جاء ابن القف فألف فيها كتابًا مستقلاً وهو "العمدة في الجراحة".
ومع جمع الزهراوي رحمه الله لمادة علم الجراحة في هذه المقالة، فإنه قد جاء فيها بالعجب في الجراحات المبتكرة التي لم يسبقه أحد إلى فعلها والكتابة عنها (1).
= بعد القرن الرابع عشر قد نهلوا، واستقوا من هذا المبحث" اهـ.
ويقول غيره من جراحي الغرب: "لاشك في أن الزهراوي أعظم طبيب في الجراحة العربية، وقد اعتمده واستند إلى بحوثه جميع مؤلفي الجراحة في القرون الوسطى،
…
اهـ. الإسناد الطبي في الجيوش العربية الإسلامية د. التكريتي ص 201.
(1)
ذكر الدكتور عبد العظيم الديب عددًا من الجراحات التي وصفها الزهراوي رحمه الله وطبقها بنفسه لأول مرة.
انظر كتابه: أبو القاسم الزهراوي ص 57 - 70، وهناك العديد من الكتابات العلمية التي أظهرت فضل الزهراوي رحمه الله في علم الجراحة الطبية، وذكرت عددًا كبيرًا من الجراحات التي كان له فضل السبق إلى معرفتها، والكتابة عنها، ومن تلك الدراسات والبحوث ما يلي:
أ- بحوث المؤتمر العالمي الأول عن الطب الإسلامي وهي:
1 -
فضل الجراح الأندلسي المسلم أبي القاسم الزهراوي على جراحة الأعصاب، لمجموعة من الأطباء ص 287 - 395.
2 -
تراث الاسلام في الجراحة الحديثة. د. أحمد عبد الحي ص 358 - 365.
3 -
جراحة الجمجمة والدماغ عند الأطباء العرب. د. عبد القادر عبد الجبار ص373 - 377.
ب- بحوث المؤتمر العالمي الثاني عن الطب الإسلامي- وفيها ما يلي:
1 -
الجراحة عند الزهراوي- د. أحمد مختار منصور ص 451 - 483.
2 -
أبو القاسم الزهراوي وتأثيره في جراحة العيون. د. محمد ظفر الوفائي ص484 - 488.
3 -
أبو القاسم الزهراوي وأثره في علاج إصابات الاطراف. د. قاضي. م. أقبال ص 489 - 492.
4 -
أبو القاسم الزهراوي أشهر طبيب جراح في القرون الوسطى. د. سيمون حايك ص 493 - 503.
جـ- دراسات في تاريخ العلوم عند العرب والمسلمين. حكمت نجيب الرحمن ص56 - 58. =
فها هو في جراحة العيون يتكلم عن علاج الناصور الدمعي ويصف الدواء المتمثل في ثلاث طرق: الكي، وسكب الرصاص الذائب في قاعه، والجراحة التي يتم بها الشفاء من علته بإذن الله تعالى.
ونصح بإجراء الجراحة بعد فشل الطريقتين السابقتين، وهذه الجراحة تتمثل في إجراء فتحة بين الكيسيه الدمعية، وغشاء الأنف المخاطي عبر عظم الأنف، وهي طريقة -كما يقول بعض المختصين- توصف لأول مرة في التاريخ (1).
وفي هذا النوع من الجراحة -جراحة العيون- ذكر عددًا من الآلات الجراحية التي لم يسبقه أحد لوصفها، مثل المكواة التي تختص بكي الجلد الذي تحت الحاجب والمبضع الأملس الذي استحدثه لأول مرة في التاريخ لإجراء الجراحات المتعلقة بتسليح الصنفرة (2).
وفي جراحة الأنف والأذن والحنجرة تكلم على نماذج من جراحة الأنف ومنها استئصال الزوائد اللحمية الموجودة في الأنف، فبين أولاً أنواعها، وما الذي يستأصل منها والذي لا يستأصل، ثم بين الطريقة التي يسلكها الجراح لاستئصاله ولم يقف عند ذلك الحد، بل اعتنى بذكر الطواريء التي قد تطرأ في بعض الأحوال أثناء قيام الجراح بمهمته
= د- فضل علماء المسلمين على الحضارة الأوربية. د. عز الدين فراج 243 - 251.
هـ. الطب عند العرب والمسلمين تاريخ ومساهمات. د. محمود الحاج قاسم ص 105 - 152.
و الطب الإسلامي. د. أحمد طه ص 64 - 68.
ز- تاريخ الطب وآدابه وأعلامه. أحمد الشطي ص 278 - 299.
(1)
أبو القاسم الزهراوي وتأثيره في جراحة العيون. د. الوفائي من بحوث المؤتمر العالمي الثاني عن الطب الإسلامي ثبت المؤتمر 4/ 485.
(2)
المصدر السابق 4/ 484 - 485.
مثل النزف، والورم الحار، ثم بين له ما ينبغي عليه فعله عند حدوثها، ولم يقف عند ذلك بل فرض احتمال العجز عن التمكن من الاستئصال فاقترح طريقًا بديلاً عن سابقه، فدلل بذلك كله على شخصيته الفذة التي أحكمتها التجارب وامتازت بالمعرفة الواسعة.
وفي جراحة الحنجرة تكلم عن عملية استئصال اللوزتين، وذلك في الفصل الخامس والثلاثين كما تكلم عن شق الحنجرة بسبب الورم الذي يحدث في داخل الحلق، وذلك في الفصل الثالث والثلاثين ووصف في جميع ذلك الآلات الجراحية التي يستعملها الجراح، وكان وصفه في جميع ذلك في غاية الوضوح والدقة (1) مع عنايته المستمرة بتنبيه الجراح على الأمور التي تنبغي مراعاتها أثناء قيامه بمهمته، والمخاطر والصعوبات التي قد تواجهه وكيفية التغلب عليها عند حدوثها (2).
وفي جراحة الفم والأسنان تكلم رحمه الله عن هذا النوع من الجراحة في أكثر من ثلاثة فصول من تلك المقالة، ووصف لأول مرة -كما شهد ذلك بعض المختصين- عملية جرد الأسنان والطريقة التي تتم بها، والآلات التي يحتاجها الجراح في مهمتها.
(1) الجراحة عند الزهراوي. د. أحمد مختار منصور ص 469 - 472، من بحوث المؤتمر العالمي الثاني عن الطب الإسلامي جـ4، وتاريخ الطب وآدابه وأعلامه للشطي ص 281.
(2)
تعتبر هذه ميزة من مميزات الزهراوي رحمه الله في كتاباته التي وصف بها الجراحة، ولذلك يقول:"فرند" أحد الأطباء الغربيين: " .. إنه -أي الزهراوي- أول من نبه إلى الاحتياطات الواجب اتخاذها لمنع أخطار العمليات الجراحية، وقد ذكرها عند الحديث عن كل عملية جراحية" اهـ. فضل علماء المسلمين على الحضارة الاوربية. د. عز الدين فراج ص 246، وتاريخ الطب وآدابه وأعلامه للشطي ص280.
كما تحدث عن عملية قلع الأضراس، وأصولها، وإخراج الفكوك المكسورة وفي ذلك يقول بعض الأطباء المختصين:
"والفصل الحادي والثلاثون في قلع أصول الأضراس، وإخراج عظام الفكوك المكسورة يظهر لنا عبقرية الزهراوي وقدرته على الابتكار، فلم يسبق لأحد أن كتب عن هذا الموضوع بهذا التفصيل وتلك الدقة التي تدل على خبرة هائلة"(1) اهـ.
ويقول أيضًا: "والفصل الثاني والثلاثون هو أول ما كتب في تاريخ الطب عن تقويم الأسنان الذي أصبح الأن علمًا قائمًا بذاته
…
" (2) اهـ.
وفي جراحة الفم يصف عملية استئصال الورم المتولد تحت اللسان على شكل الضفدعة، ويقرر بعض الأطباء الغربيين أن هذه الحالة لم يسبق لأحد أن وصفها قبل الزهراوي" (3).
وفي جراحة المسالك البولية ابتكر الزهراوي رحمه الله عملية غسل المثانة واستحدث لها بعض الآلات التي لم تزل تستخدم إلى يومنا هذا.
ويعتبر أول من وصف ما يسمى الآن بعملية تفتيت الحصاة، وفي الفصل الثاني والستين تكلم عن الطريقة التي يتم بها الشق على الأدرة المائية، ويقول بعض الأطباء المعاصرين بعد ذكره لمحتوى تلك الجراحة: "أما طريقة إجراء العملية الجراحية في يومنا هذا فلا تكاد
(1) الجراحة عند الزهراوي، د. أحمد مختار منصور ص 473 من بحوث المؤتمر العالمي الثاني عن الطب الإسلامي جـ4.
(2)
المصدر السابق.
(3)
المصدر السابق ص 474.
تفترق عما وصفه الزهراوي من عشرة قرون" اهـ (1).
وفي الجراحة الباطنية تكلم عن علاج الفتوق، فبين الطريقة التي يتم بها علاج فتق السرة بعد بيان أسباب ذلك الفتق، وذكر المخاطر التي قد تعترض الجراح أثناء قيامه بمهمته وكيفية التغلب عليها ولا يزال المبدأ الأساسي في جراحة الفتق السري باقياً إلى يومنا هذا كما وصفه الزهراوي منذ عشرة قرون كما يقول بعض الأطباء المعاصرين (2).
كما تحدث عن نماذج عديدة من الجراحة المتعلقة بالبطن، ووصفها وصفًا دقيقًا.
وفي الجراحة العامة تكلم رحمه الله عن علاج الأورام بالبط، والشق، ووصف العمل الجراحي اللازم لعلاجها، وأرسى ثلاثة مباديء تعتبر في غاية من الأهمية، وما زالت تُتَّبع إلى يومنا هذا وتدرس لطلاب الطب ومتعلمي الجراحة، ثم (3) تكلم على نماذج من هذا النوع من الجراحة فوصف لأول مرة في التاريخ عملية جراحية لم يسبقه إليها أحد، وهي تتعلق بإزالة الورم الذي يعرض في الحلقوم من خارجه ويسمى فيلة الحلقوم، ويعرف في العصر الحاضر بتضخم الغدة
(1) الجراحة عند الزهراوي د. أحمد مختار منصور ص 473، والطب الإسلامي. د. أحمد طه ص 66، 67، والأدرة المائية وتسمى القيلة المائية: تورم غير مؤلم بالصفن ينشأ من تجمع سائل بين طبقات الأنسجة التي تغطي الخصية، وقد يؤدي إلى أن تظهر الخصية وكأنها متورمة ذات حجم كبير بالغ الكبر. الموسوعة الطبية الحديثة لمجموعة من الأطباء 5/ 1084.
(2)
الجراحة عند الزهراوي د. أحمد مختار منصور ص 473، وأبو القاسم الزهراوي د. الديب ص 66.
(3)
الجراحة عند الزهراوي د. أحمد مختار، من بحوث المؤتمر العالمي الثالث عن
الطب الإسلامي ثبت المؤتمر 4/ 457.
الدرقية (1) وهذا النوع من الجراحة من أغرب أنواع الجراحة الطبية وأشدها خطرًا حتى قال بعض الأطباء الجراحين الأمريكيين الكبار في بعض بحوثه الطبية: "
…
هل يمكن إزالة الغدة الدرقية المتضخمة بالجراحة؟
إن التجربة تبين لنا أن الإجابة هي على وجه التأكيد بالنفي، أما إذا كان الجراح طائشًا لدرجة محاولة هذه الجراحة فسوف يكون محظوظاً لو عاش ضحيته حتى يكمل هذه المجزرة" (2) اهـ.
ومع هذا كله فإن الزهراوي رحمه الله قام بإجراء هذه الجراحة، ووصفها وصفًا دقيقًا في الفصل الرابع والأربعين من مقالته (3).
هذا غيض من فيض، وقليل من الكثير الذي منحه الله عز وجل لهذا الطبيب الجراح المسلم الذي أنار الطريق ومهده لمن جاء من بعده، إلى أن وصلت الجراحة الطبية في عصرنا الحاضر إلى هذه الدرجة العالية من التطور والرقي، ولذلك يقول بعض من كتب عن أثره في الجراحة: "لولا أن أوربا سارت على دربه ما وصلت الجراحة إلى ما
(1) الغدة الدرقية: غدة صماء تقع في مقدم العنق محتضنة بعض الحنجرة، وبعض القصبة الهوائية، وهي تتألف من فصين يصل بينهما برزخ من نفس النسيج المكون من حويصلات تفرز هرمونًا خاصًا غنيًا باليود وذات أثر كبير في تنظيم عملية الأفعال الحيوية. الموسوعة الطبية العربية، د. البيرم ص 253، والموسوعة الطبية الحديثة لمجموعة من الأطباء 5/ 1009، 1010.
(2)
نقل ذلك الدكتور أحمد مختار عن صامول كروس أحد مشاهير الجراحة الأمريكيين خلال القرن التاسع عشر. انظر: الجراحة عد الزهراوي د. أحمد مختار ص 458، من بحوث المؤتمر العالمي الثالث عن الطب الإسلامي ثبت المؤتمر 4/ 458.
(3)
المصدر السابق.
هي عليه الآن.
فما وصلت إليه الجراحة الآن ما هو إلا جهد قرون من الزمان، وآلاف من الباحثين رسم لهم الزهراوي الطريق فساروا عليه
…
ومن سار على الدرب وصل
…
ويكفي أن نقول البداية نصف النجاح" (1) اهـ.
ويقول بعض الأطباء الغربيين المعاصرين: "
…
غي دي شولياك 1267 م- 1300 م تأثر بالزهراوي، وبهذا الجراح الفرنسي تبتدي سلسلة طويلة من الجراحين الفرنسيين وغيرهم
…
وقد أثر تأثيرًا كبيرًا في الجراحين الذين جاءوا من بعده، فقد أقلع عن استعمال المبيدات، وعاد إلى استعمال المراهم، والزيت، والفتيل، مقتفيًا بذلك أثر الزهراوي" (2) اهـ.
فرحم الله الزهراوي برحمته الواسعة، وجزاه عن هذه الآثار الحميدة التي خفت بها الآلام، وزالت بها العلل خير الجزاء، والحمد لله أولاً وآخرًا.
* * *
(1) فضل علماء المسلمين على الحضارة الأوربية. د. عز الدين فراج ص 249.
(2)
هو الدكتور سيمون حايك، انظر بحثه: أبو القاسم الزهراوي أشهر طبيب جراح في القرون الوسطى، من بحوث المؤتمر العالمي الثاني عن الطب الإسلامي ثبت المؤتمر 4/ 499.