الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثانيًا دليل القول الثاني:
استدل القائلون بإسقاط الضمان بدليل الكتاب والسنة:
أ- دليلهم من الكتاب استدلوا بما يلي:
1 -
قوله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} (1).
وجه الدلالة:
أن الطبيب إذا أقدم على فعل الجراحة قاصدًا نفع المريض، ولم يتعد في فعله كان معينًا لذلك المريض على الطاعة والبر بشفائه من علته التي تعيقه عن تلك المصالح الدينية (2).
2 -
قوله تعالى: {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} (3).
وجه الدلالة:
أن الطبيب محسن بفعله، فلا سبيل عليه بالضمان (4).
ب- دليلهم من السنة:
حديث أسامة بن شريك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "تداووا فإن الله لم يضع داء إلا وضع له شفاء
…
" (5).
وجه الدلالة:
أن الطبيب ممتثل لأمر الشرع بمداواته للغير ولو بغير إذنه (6).
= المغني والشرح الكبير لابن قدامة 6/ 121، تحفة المودود لابن القيم 153.
(1)
سورة المائدة (5) آية 2.
(2)
المحلى لابن حزم 10/ 444.
(3)
سورة التوبة (9) آية 91.
(4)
المحلى لابن حزم 10/ 44.
(5)
تقدم تخريجه.
(6)
المحلى لابن حزم 10/ 444.
الترجيح:
الذي يترجح في نظري والعلم عند الله هو القول بتضمين الجراح إذا أقدم على فعل الجراحة بغير إذن المريض وذلك لما يأتي:
أولاً: لصحة ما ذكره أصحاب هذا القول.
ثانيًا: أما استدلال القائلين بعدم تضمينه فيجاب عليه بما يلي:
أ- دليلهم من الكتاب:
أما الآية الأولى:
فيجاب عنها: بأنه ليس من البر أن يقدم الطبيب على إيلام المريض وأذيته بالجراحة بدون رضا منه، وبذلك ينتفي وصف الجراحة بكونها من البر على هذا الوجه، بل هي متضمنة للاعتداء والأذية ما دام أن المريض غير راض بفعلها.
ثم لو قلنا بجواز فعل الأطباء للجراحة بدون إذن المرضى بناء على أنهم قاصدون للبر، للزم منه أن يقال بجواز أخذ التجار "الذين يحسنون صنعة التجارة" لأموال الناس ولو بغير رضاهم ليتاجروا بها، وينفعوهم بتلك المتاجرة، وإذا خسروا لا ضمان عليهم إذ لم يتعدوا، وهذا لم يقل به أحد، فإذا انتفى اعتبار ذلك في الأموال فمن باب أولى أن ينتفي اعتباره في الأبدان التي هي أعظم حرمة عند الله تعالى وتلفها لا يمكن تعويضه بخلاف المال.
وأما الآية الثانية: فإنه يجاب عنها بأن الطبيب لا يعتبر محسنًا في حال إقدامه على جرح الغير وأذيته بفعل الجراحة من غير إذنه ورضاه، بل هو مسيء إلى ذلك الغير بإيلامه والتسبب في جرحه بدون إذنه.
ب- دليلهم من السنة:
أما حديث أسامة رضي الله عنه فيجاب عنه:
بأن الاستدلال به مبني على أن التداوي واجب بناء على ظاهر الأمر الوارد فيه، والصحيح أن التداوي مندوب لورود الدليل الصارف لهذا الأمر عن ظاهره كما تقدم بيانه عند الكلام على حكم التداوي بالجراحة.
لهذا كله فإنه يترجح القول بوجوب تضمين الطبيب الجراح إذا أقدم على فعل الجراحة بدون إذن المريض وترتب الضرر على فعلها
…
والله تعالى أعلم.