الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المهمات التي تهدد أرواح العباد البريئة وأجسادهم بالهلاك والتلف.
ولكي تتضح الصورة عن موقف الشريعة الإسلامية من هذه القضايا الأخلاقية لابد من بيان جملة من الآداب والأخلاق التي يجب على الطبيب ومساعديه التزامها حتى يتسنى بعد ذلك موجبات المسئولية الأخلاقية المترتبة على الإخلال بتلك الواجبات، وما هي الآثار المترتبة على وجودها.
الأخلاق والآداب الواجبة على الأطباء ومساعديهم في الجراحة الطبية:
على الأطباء ومساعديهم آداب ينبغي لهم مراعاتها شرعًا وهي تنحصر فيما يلي:
أولاً الصدق:
فلا يمكن للأطباء ومساعديهم أن تستقيم معاملتهم للمرضى وذويهم إلا بعد مراعاة هذا الواجب والتزامه، فتكون أقوالهم وأخبارهم متفقة مع الحقيقة والواقع، ومن ثم تحمل الثقة والطمأنينة إليهم، وتندفع الشكوك والظنون السيئة عنهم، ويكون المريض وذووه على علم مطابق للواقع.
وقد دلت نصوص الكتاب والسنة على وجوب التزام المسلم بالصدق، قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} (1)، فهذا أمر فيه دليل ظاهر على وجوب الصدق، بل ورد
(1) سورة التوبة (9) آية 119.
ما يؤكده من الوعيد الشديد لمن خالفه، فلم يصدق في قوله.
ففي الصحيح من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقًا، وإياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابًا"(1).
فقد تضمن هذا الحديث وجوب الصدق، وذلك في قوله عليكم بالصدق، كما دل على حرمة الكذب، وذلك في قوله وإياكم والكذب فعليكم صيغة إلزام، وإياكم صيغة تحذير والأولى دالة على وجوب التزام الصدق، والثانية دالة على حرمة الكذب.
وهذه النصوص تشمل بعمومها الأطباء والمساعدين فهم ملزمون شرعًا بالصدق فيما يقولونه ويخبرون به من أحوال المريض ومرضه.
فيحرم عليهم أن يخبروا بما يخالف الحقيقة والواقع، ويعتبر كل واحد منهم مسئولاً عن جميع الأقوال الصادرة عنهم، ومتحملاً للأضرار المترتبة عليها إذا كذب فيها وترتب على كذبه ضرر.
وقد نصت قوانين الطب المنظمة لسلوك الأطباء ومساعديهم على أنه لا يجوز للطبيب أن يبالغ في حقيقة المرض، بل يجب عليه أن يحيط مريضه بحقيقة دائه ودرجة خطورته (2).
(1) رواه مسلم 4/ 196.
(2)
سلوكيات وآداب وقوانين مزاولة مهنة الطب. مصطفى عبد اللطيف وهانيء أحمد جمال الدين ص 11.
وهذا يتفق مع ما اعتبرته الشريعة الإسلامية من وجوب التزام الأطباء، ومساعديهم بالصدق كما سبق بيانه.
وإذا قلنا بوجوب التزام الأطباء ومساعديهم بالصدق في جميع ما يخبرون به المرضى وذويهم فإنه يرد السؤال عن الحالات الخطيرة التي يخشى فيها على المريض لو أخبر بأنه مصاب بمرض جراحي مميت، فلو قام الطبيب بفحص المريض فوجده مصابًا بمرض السرطان فهل يجب عليه أن يصدقه فيخبره بالواقع مع أن ذلك قد يضر المريض نفسيًا، فتزداد حالته سوءًا، أم أنه يجوز له أن يكذب، مراعاة لهذه الظروف الحرجة، ويعتبر ذلك مستثنى من الأصل لمكان الحاجة؟.
فالذي يظهر، والعلم عند الله، أنه لا يجوز للأطباء ومساعديهم أن يكذبوا على المريض في هذه الحالة وأمثالها وذلك لما يأتي:
أولاً: لعموم الأدلة الدالة على تحريم الكذب.
ثانيًا: إن أخبر المريض بحقيقة أمره في هذه الحالة تترتب عليه مصالح شرعية، إذ يمكنه ذلك من الاحتياط لنفسه بالوصية بحقوق الآخرين، وتحصيل الأجر بالاستعداد بخصال الخير من ذكر وصدقه ونحو ذلك من وجوه الطاعة والبر.
وفي الكذب عليه وخديعته ما يفوت هذه المصالح، ويوجب ضدها من المفاسد التي قد تشتمل على إضاعة حقوق الآخرين وذلك مما لا يجوز فعله.
ثالثًا: أن الطبيب إذا خشى على المريض الضرر فيما لو أخبره، فإنه يقوم بإخبار وليه أو قريبه لكي يقوم بإخبار المريض بطريقة مناسبة