الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الثانية: هل يجوز قطع الأصبع الزائدة
؟.
لا تخلو الأصبع الزائدة من حالتين:
الأولى:
أن لا يوجد فيها ألم يدعو إلى قطعها
.
الثانية: أن يوجد فيها ألم يدعو إلى قطعها.
فأما الحالة الأولى:
فإنه لا يجوز فيها قطع الأصبع، وذلك لأنه يعد من تغيير خلق الله، وقد حرم الله ذلك في كتابه بقوله حكاية عن إبليس- لعنه الله-: {
…
وَلآمُرَنَهُمْ فَلَيُغَيّرُن خَلقَ اللَّهِ} (1).
وثبت في الصحيح من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلعن المتنمصات، والمتفلجات، والمستوشمات اللاتي يغيرن خلق الله "(2).
وفي رواية لأحمد: "والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله"(3)، فهذا القطع تغيير لخلق الله بقصد الحسن، فاللعن يشمله.
قال الإمام القرطبي رحمه الله: "قال أبو جعفر الطبري (4):
(1) سو رة النساء (4) آية 119.
(2)
تقدم تخريجه.
(3)
تقدم تخريجه.
(4)
هو الإمام أبو جعفر محمد بن جرير بن يزيد بن كثير الطبري ولد رحمه الله سنة 224 هـ قال عنه الإمام السيوطي رحمه الله: "رأس المفسرين على الإطلاق، =
حديث ابن مسعود دليل على أنه لا يجوز تغيير شيء من خلقها الذي خلقها الله عليه بزيادة أو نقصان، التماس الحسن لزوج أو غيره، سواء فلجت أسنانها أو وشرتها، أو كان لها سن زائد فأزالتها .. لأن كل ذلك تغيير خلق الله" (1) اهـ.
ثم نقل عن القاضي عياض رحمه الله (2) تعليقه على قول الإمام الطبري هذا فقال: "قال عياض: ويأتي على ما ذكره أن من خلق بأصبع زائدة، أو عضو زائد لا يجوز له قطعه ولا نزعه، لأنه من تغيير خلق الله تعالى"(3) اهـ.
فتبين من هذا كله أنه لا يجوز قطع الأصبع الزائدة التي لم توجد الحاجة لقطعها، وأن قطعها على هذا الوجه يعتبر داخلاً في المنهي عنه الملعون فاعله وطالبه، ومن ثم فإنه يعتبر من كبائر الذنوب -والعياذ بالله-، ولذلك نص الإمام أحمد رحمه الله على حرمة قطعها (4).
وقد ذهب الدكتور محمد عثمان شبير (5) إلى القول بجواز قطع
= أحد الأئمة، جمع من العلوم ما لم يشاركه فيه أحد من أهل عصره" اهـ. كان شافعي المذهب ثم انفرد بمذهب مستقل وألف كتابه: أحكام شرائع الإسلام، توفي رحمه الله سنة 310 هـ. من مؤلفاته: جامع البيان في تفسير القرآن، وتاريخ الأمم. طبقات المفسرين للسيوطي 30، 31.
(1)
تفسير القرطبي 5/ 393.
(2)
هو القاضي أبو الفضل عياض بن موسى بن عياض اليحصبي السبتي المالكي، ولد رحمه الله بسبتة سنة 496 هـ، قال عنه ابن فرحون رحمه الله:"كان القاضي أبو الفضل إمام وقته في الحديث، وعلومه، عالمًا بالتفسير وجميع علومه، فقيهًا أصوليًا، عالمًا بالنحو واللغة وكلام العرب وأيامهم وأنسابهم" اهـ. توفي رحمه الله بمراكش سنة 544 هـ، وله مصنفات منها: إكمال المعلم، والشفا، ومشارق الأنوار. الديباج المذهب لابن فرحون 168 - 172.
(3)
تفسير القرطبي 5/ 393.
(4)
الإنصاف للمرداوي 1/ 125.
(5)
أستاذ بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة الكويت.
الأصبع الزائدة بحجة أنها عيب ونقص في الخلقة (1)، واستشهد ببعض العبارات الواردة في كتب الفقهاء المتقدمين والتي تتضمن إسقاط ضمانها بالقيمة المقدرة شرعًا في الأصبع الأصلية، وأنهم أوجبوا فيها حكومة عدل ومن تلك العبارات قول بعض فقهاء الحنفية رحمهم الله: "
…
وفي الأصبع الزائدة حكومة عدل، تشريفًا للآدمي، لأنها جزء من يده، لكن لا منفعة فيها، ولا زينة" (2) اهـ.
وهذا القول بجواز قطع الأصبع الزائدة على هذا الوجه مردود لما يلي:
أولاً: لمخالفته لنص الكتاب والسنة المقتضي لحرمة تغيير خلقة الله طلبًا للحسن وإزالة للعيب الموجود في أصل الخلقة.
ثانيًا: أن إسقاط بعض الفقهاء رحمهم الله لضمان هذه الأصبع بالقيمة المعتبرة للأصبع الأصلية لا يوجب إسقاط حرمة الأصبع نفسها، بدليل أنهم أوجبوا ضمانها بحكومة عدل فهذا يدل على اعتبارهم لحرمتها، وإنما يستقيم الاستدلال لو أنهم لم يوجبوا ضمانها بشيء.
وعليه فإنه لا يجوز للطبيب ولا للطالب للقطع القيام بفعل هذا القطع، والإذن به
…
والله أعلم.
(1) أحكام جراحة التجميل في الفقه الإسلامي. د. محمد عثمان شبير من بحوث ندوة الرؤية الإسلامية، ثبت الندوة 512.
(2)
الجوهرة النيرة للحدادي 2/ 171، نقلاً عن المصدر السابق.