الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
علم أنهم جاهلون بها فإنه في الغالب سيمتنع من تسليم نفسه إليهم وتمكينهم من معالجته.
فنظرًا لمكان هذا التدليس كان إذنه غير مؤثر في إسقاط المسئولية عنهم (1)، بخلاف إذنه للأطباء الذين توفرت فيهم الأهلية المعتبرة.
ومن ثم قال الإمام ابن القيم رحمه الله: "إذا تعاطى علم الطب وعمله، ولم يتقدم له به معرفة، فقد هجم على إتلاف الأنفس، وأقدم بالتهور على ما لم يعلمه، فيكون قد غرر بالعليل، فيلزمه الضمان لذلك، وهذا إجماع من أهل العلم"(2) اهـ.
الصورة الثانية: أن يكونوا عالمين بالمهمة ولا يتقيدوا بأصولها المعتبرة عند أدائها:
وتشتمل هذه الصورة على نوعين من الإخلال:
أحدهما: مجاوزة الحد المعتبر عند أهل الاختصاص.
الثاني: التقصير في أداء الواجب.
فأما النوع الأول فمن أمثلته في الطبيب الجراح مجاوزته في قطع الختان، والآفة الحد المعتبر عند أهل الاختصاص فيزيد في قدر الجزء المقطوع.
ومن أمثلته في المخدر أن يزيد في قدر المواد المخدرة، أو يختار
(1) أشار الشيخ محمد علي النجار إلى عدم اعتبار إذن المريض بفعل الجراحة على هذا الوجه موجبًا لإسقاط الضمان. انظر مقاله "حول مسئولية الأطباء"، منشور بمجلة الأزهر المجلد العشرون عدد محرم سنة 1368. ص 52.
(2)
الطب النبوي لابن القيم 109.
مادة أشد ضررًا من غيرها بدون وجود دواع موجبة لذلك الاختيار.
ومن أمثلته في المصور بالأشعة أن يزيد في قدر الجرعة الإشعاعية التي يسقطها على الموضع المراد تصويره، أو يكرر تصوير المريض بالأشعة مرات عديدة بدون وجود حاجة داعية لذلك التكرار فيعرض المريض لضرر الأشعة والأخطار المترتبة عليها.
وأما النوع الثاني فمن أمثلته: اقتصار الطبيب الجراح على استئصال بعض الداء، وترك باقيه مع قدرته على استئصاله، ودون وجود موانع معتبرة طبيًا تحول دون قطع ذلك الجزء المتبقي.
وكذلك المخدر يختار مادة ضعيفة التأثير فينتج عن ذلك تضرر المريض بالإفاقة أثناء الجراحة، ويتألم حينها بسبب ضعف المادة المخدرة وعدم إزالتها للإحساس الموجود في موضع الجراحة.
ففي كلا هذين النوعين يعتبر الأطباء ومساعدوهم مخلين بالأصول المعتبرة عند المختصين وقد نص الفقهاء رحمهم الله على إيجاب الضمان في حال المجاوزة للموضع المعتبر عند المختصين، أو التقصير في أداء ما يجب على الطبيب فعله.
قال الشيخ محمد بن الحسين الطوري الحنفي (1) رحمه الله: "ويستفاد من مجموع الروايتين اشتراط عدم التجاوز والإذن لعدم وجوب الضمان حتى إذا عدم أحدهما، أو كلاهما يجب الضمان .. "(2).
(1) هو الشيخ محمد بن الحسين بن علي الطوري الحنفي مؤرخ فقيه من آثاره الفواكه الطوريه في الحوادث المصرية، وتكملة البحر الرائق في شرح كنز الدقائق. معجم المؤلفين عمر كحالة 9/ 247، 248.
(2)
تكملة البحر الرائق للطوري 8/ 33.
فبين رحمه الله بقوله: "حتى إذا عدم أحدهما
…
" أن الطبيب لو تجاوز الموضع المحدد في مهمته فإنه يلزمه الضمان.
وقال الإمام إبراهيم بن فرحون المالكي رحمه الله: "أما إذا كان جاهلاً أو فعل غير ما أذن له فيه خطأ أو تجاوز الحد فيما أذن له فيه، أو قصر عن المقدار المطلوب ضمن"(1) اهـ.
فقوله: "أو تجاوز الحد فيما أذن فيه" متعلق بحالة الزيادة عن القدر المطلوب عمله أثناء المهمة الجراحية وقوله "أو قصر فيه عن المقدار المطلوب"، متعلق بحالة النقص عن القدر المطلوب عمله أثناء المهمة. فاعتبر رحمه الله كلتا الحالتين موجبة للتضمين.
وقال الشيخ زكريا الأنصاري الشافعي رحمه الله: "وإن ختن الأجير حرًا أو فصده، أو حجمه بلا تقصير وكذا إن كان المفعول به ذلك عبدًا، ولا تقصير فمات
…
لم يضمن لعدم ثبوت اليد على الحر، ولعدم التفريط في غيره" (2).
ومفهوم قوله "بلا تقصير" أنه إن قصر ضمن ويشهد لذلك قوله عند بيانه لعلة الحكم بعدم التضمين "لعدم التفريط".
وقال الإمام أبو محمد عبد الله بن قدامة المقدسي الحنبلي رحمه الله:
"وأما إذا كان حاذقًا وجنت يده مثل أن يتجاوز قطع الختان إلى الحشفة، أو إلى بعضها، أو قطع في غير محل القطع، أو يقطع السلعة
(1) تبصرة الحكام لابن فرحون 2/ 243.
(2)
أسنى المطالب للأنصاري 2/ 427، ونص الإمام الشافعي رحمه الله على مثل ذلك في الأم 5/ 166.